الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأستثمار السياسي لمفهوم القوة في العلاقات الدولية

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


الأستثمار السياسي لمفهوم القوة في العلاقات الدولية


تمر المنطقة العربية خاصة والشرق الأوسط عموما كأقليم تتحكم به التطلعات الجيو سياسيه والنزاعات البينية على الموقع الجغرافي ومصادر القوة الطبيعية، أهتزازات وأوضاع قلما نجدها إلا في قلب العالم الغربي قديما وأقصد به منطقة وسط وشرق أوربا في القرنين الماضيين، فلم يشهد أستقرارا سياسيا منذ سقوط الدولة العثمانية في أوائل القرن الماضي والأسباب التي أحالت الرجل المريض على لائحة الأنظمة الميتة واقعيا، ووصولا إلى إنشاء إسرائيل في قلب هذا العالم وقبلها أكتشاف النفط وتنازع القطبين الدولين وظاهرة الحرب الباردة، حتى ظهور صراع ذو طبيعية تأريخية وقومية أكثر منه تنازعات وصراعات من أجل السيادة والتحرر.
كان العنوان الرئيسي في كل ما يجري هو أستخدام القوة العسكرية كخيار أستثماري مهم وأساسي لتحريك هذه النزاعات وأستجلاب مصالح الأطراف المتنازعة مكاسب نوعية تؤكد أن القوة وحدها ما يمكن أن يحقق الأهداف ويرسم الواقع المفترض والمراد حقيقة، أسست حقبة الأستعمار والكلوليانية الأوربية هذا المبدأ في القرنين السادس عشر والسابع عشر في ظل عدم التوازن العالمي في توزيع مواطن القوة العسكرية والأقتصادية وأستمر كمنهج أممي في التعامل مع القضايا العالمية كخيار أول، في حين أن قضايا مثل القانون الدولي والسلم العالمي وحقوق الشعوب والواقع على الأرض لم تشكل أهمية ضاغطة في تنظيم العلاقات الدولية وحمايتها من منهج سلام القوة أو ما يصطلح عليه بين الفرقاء المتنافسين بالمصالح الدولية لأطرافه.
شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية وما قبلها من محاولات إعادة تنظيم شكل العالم الجديد من خلال تفاهمات وأتفاقيات تنظم هذه المصالح وتراع أيضا الواقع الجديد الناشيء عن بداية عهد أنتهاء الأستعمار الغربي للشعوب، وتحقيق قدر مهم للقانون الدولي العالمي وفسح المجال له بتنظيم جزء متنامي من هذه العلاقات، وقد نجحت القوى المنتصرة في الحرب من فرض رؤيتها وأهدافها من خلال أستثمار نتائج القوة العسكرية التي حققت الأنتصار التأريخي، ولكن بقي القانون الدولي بوضعه الحالي أعرج وذو أتجاه واحد يخدم المصالح الكبرى ويحقق نتائجها دون أن ينجح تماما في إرساء عالم خالي من منطق القوة وقوة الواقع المفترض، الخلل ليس في بناء القواعد القانونية بالتأكيد ولكن الخلل الأعظم أن تختزن هذه القواعد القدرة على فرض شروط المنتصر دوما والمتحكم بمصدر القوة الرئيسي الذي أصبح بعد الحرب الكونية الثانية متمتعا بمعينين هما القوة التقليدية العسكرية والقوة الأقتصادية التي لا تقاوم بأي شكل من قبل الشعوب والمجتمعات الناشئة أو الخاضعة للقوة الأولى.
فلا نجح القانون الدولي في فرض رؤية إنسانية ضرورية للحفاظ على العالم كمجتمع بشري يعتمد النظام وسطوة القانون، ولم تنجح القوة في إرساء أستقرار طويل ودائم لعلاقات دولية ضرورية للتعايش وبناء عالم أخر خال من النزاعات والصراعات المتفجرة، وبقي منطق القوة العسكرية هو السائد حقيقة في التحكم بمجريات عالم اليوم، كل النتائج التي حصدها المجتمع الدولي من وجود القانون الدولي معرضة في أي وقت للأنهيار طالما أن هناك خلل وفجوات ونصوص تسمح للقوى العالمية المهيمنة أن تتهرب من ألتزاماتها الدولية وتفرض شروطها على المجتمع العالمي، وهناك أمثلة كثيرة ليس أخرها الحروب التي شنتها أمريكا على المنطقة الأقليمية المسماة الشرق الأوسط بحجة مكافحة الإرهاب وفرض الديمقراطية والتغيير فيه، وكذلك المعالجات القاصرة عن فهم حقيقة الصراع العربي الصهيوني والإشكاليات التأريخية التي سببها وجود إسرائيل كنظام مارق ومتعالي على القانون الدولي وبحماية وتشجيع من ذات القوة التي تؤمن بالأستثمار السياسي للقوة العسكرية.
أخر القضايا التي أمكن فيها تطبيق نظرية الأستثمار هذه هي أحداث الربيع العربي وما تسبب أو أنتج من واقع أقليمي يتعدى موضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في سلسلة متصلة ومتشابكة من الأهداف والبرامج المعلنة والخفية، وجميعها تتمحور حول الهيمنة على مصادر القوة الأقتصادية الأولى في العالم واقصد به الطاقة وطرق أمدادها ومحاولة تسخير هذه المعطيات في صراع أقتصادي عالمي متعدد الوجود والغايات، ولعل صراع الكبار والهيمنة على القرار الدولي بعد أنهيار الأتحاد السوفيتي وظهور بارز لقوة القطب الأمريكي، شجع من جديد العودة إلى منطق الأستثمار السياسي للتحولات الدولية من أجل ترسيخ قوة القطب المتحكم عالميا في إدارة النظام الدولي وفقا لفلسفة اليمين الأمريكي الصهيومسيحي الجديد تطبيقا لنظرية تلمودية تأريخية.
من قواعد القانون الدولي واستقرار لفاعلية الحوار العالمي من أجل معالجة الأزمات الدولية الحادة أستطاعت مجموعة (5+1) أن تنجح في أتفاق عد تأريخيا ومشرفا بين إيران والمجموعة الدولية لمعالجة الملف النووي الإيراني، وعد هذا الأتفاق ركيزة مهمة من ركائز السلم الدولي وضربا جديدا من طرق إنشاء التفاهمات الدولية حول القضايا المختلف عليها، وتم أعتماده أمميا وبقرار من مجلس الأمن الدولي وأضحى تأريخا لا بد للمجتمع العالمي أن ينطلق من نهاياته إلى أفق أكثر فاعلية في التعامل مع إشكاليات وقضايا متشابهة، وهذا الألتزام الدولي من الناحية القانونية والواقعية ينشيء ألتزامات متقابلة لا يمكن التملص منها أو القفز حول نتائجها، إلا أن هناك أطرافا دولية محددة تسعى ومن خلال أستثمار الواقع المضطرب شرق أوسطيا وبناء على تغيير معادلات القوة وأنهيار واقع كان، إلى العمل على نقض ألتزاماتها الأساسية ولعب دور المتحكم بالقوة الناتجة عن أهتزازات الواقع الأقليمي وأرتباطا بالصراع العربي الإسرائيلي وأنهيار التوازن الهش فيه إلى الخروج من هذا الأتفاق في سابقة خطيرة تهدد مجمل العلاقات الدولية وتفقد الثقة بالقانون الدولي ومؤسساته كضامن للسلام العالمي.
صحيح أن القوة يمكنها أن تغير المعادلات على الأرض وأنها قادرة في أحيان كثيرة رسم واقع أخر، ولكنها وكتجربة تأريخية لا يمكنها أن تمسح الذاكرة الأجتماعية تماما وترسم لنا صورة أخرى أكثر ثباتا من منطق الحتمية والسيرورة المتجذرة بحركة الزمن والمكان، لذا فالإيمان بالأستثمار السياسي مهما نجح في ترتيب الواقع إلا أنه في لحظة مفصلية ينهار ويتراجع إلى خسائر عظمى قد تنهي وجود القوة ذاتها، فالتأريخ الإنساني لم يؤشر أبدا إلى مفاعيل حقيقية لهذا الأستثمار، وحتى في التحولات الكبرى لعب الفكر والمعرفة الدور الأعظم في صناعة التحول والتغيير وليس القوة وحدها من تستطيع تغيير وجه العالم، إن خروج القوى العظمى أو بعظها من عباءة القانون الدولي التي ساهمت هي في بلورته سيكون علامة على إنهيارها هي وليس أنهيار الحاجة إلى علائق وأنظمة ضابطة لحركة الوجود العالمي في ظل حراك معرفي وفكري يتصاعد ضد هيمنة القوة ومنطق السلاح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو