الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق واشنطن مع طهران وبيونغيانغ

عبدالله المدني

2017 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


الإطاحة بنظام آل كيم الحاكم في بيونغيانغ منذ أكثر من 70 عامًا، هو أمر صعب المنال في بلد حقنت دماء شعبه بأيديولوجية عبادة الفرد

لعل من نافلة القول إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيش مأزقًا مع الدولتين النوويتين الأكثر شغبًا في العالم ونعني بهما كوريا الشمالية وإيران. وقد بدا ذلك جليًا في خطاب ترامب الأخير أمام الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي حفل بلغة التهديد والوعيد ضد الأولى بسبب أعمالها الطائشة في إطلاق الصواريخ الباليستية وتهديد جاراتها، وضد الثانية بسبب خرقها لبنود الاتفاقية التي وقعت عليها مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا.
ويتجلى المأزق مع طهران في عودتها إلى التخصيب وبناء قدراتها النووية والصاروخية دون حسيب أو رقيب في حالة إعلان ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية إبريل 2015 التي وقعتها إدارة سلفه باراك أوباما مع طهران بدعوى أنها «الاتفاقية الأسوأ التي وقعت عليها واشنطون في تاريخها» طبقًا لما كرره الرئيس ترامب أكثر من مرة قبل وبعد وصوله إلى البيت الأبيض، علمًا بأن تحلل طهران من كل ما التزمت به بموجب الاتفاقية ليس مجرد احتمال أو تكهن وإنما بات أمرًا مؤكدًا طبقًا لما ورد في خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في العشرين من سبتمبر المنصرم، ناهيك عن أن النظام الإيراني قادر على الشروع في ذلك فورًا. ولهذا السبب، صار الخطاب الأمريكي في الفترة الأخيرة ينحو نحو فكرة تعديل بعض بنود الاتفاقية، كي تتناغم مع المصلحة الأمريكية، بدلاً من إلغائها.
والحقيقة المعروفة هي أن الاتفاقية الموقعة مع إيران حول برنامجها النووي احتوت على بنود سهلت على طهران استعادة أموالها المجمدة في المصارف الأمريكية منذ زمن الشاه والدخول في معاملات وصفقات مع كبريات الشركات والمؤسسات الامريكية والغربية، لكنها لم تحتوِ في المقابل على بنود تفرض عليها تبني سياسات خارجية رشيدة ومواقف عقلانية بما في ذلك الموقف من الولايات المتحدة التي ظل حكام طهران يحرضون ضدها بشعارهم الأثير «مرك بآمريكا» (الموت لأمريكا). كما أن الحقيقة المعروفة الأخرى هي أن التوصل إلى الاتفاقية كان نتاج سنوات من الابتزاز الإيراني للعالم عبر التلويح ببرامجها النووية، وخلال تلك السنوات كان نظام بيونغيانغ الستاليني يراقب عن كثب ما ستؤول إليه الأمور كي يبتز هو الآخر العالم بنفس السلاح.
وها هي كوريا الشمالية في عهد زعيمها الطائش الحالي «كيم جونغ أون» تريد أن تبلغ ما بلغته إيران بسياسات الابتزاز، بمعنى أن تجعل قوى العالم الكبرى تتهافت عليها وتخطب ودها وتقدم لها اتفاقية مشابهة للاتفاقية مع إيران، تعترف فيها بقدراتها النووية وتسمح لها بالاحتفاظ بها مع فتح الأبواب أمامها لنيل المساعدات والقروض وتوقيع الصفقات كما لو أنها دولة محترمة في المجتمع الدولي، وليست دولة مارقة تذيق شعبها الهوان وتهدد أمن واستقرار وسلامة شعوب المنطقة بأسرها. ولعل ما يشجع «كيم جونغ أون» على الاستمرار في هذه السياسات الابتزازية هو تذبذب مواقف نظيره الامريكي من النظام الإيراني وبرنامجه النووي والباليستي حتى الآن.
وانطلاقًا من هذه النقطة ينشأ المأزق الأمريكي مع بيونغيانغ. فإن تركت واشنطون الأخيرة لشأنها ولم تعر اهتمامًا بتهديداتها فقد تذهب بعيدًا في جنونها وغيها وسياساتها المدمرة للأمن والسلم العالميين. وإن وافقت واشنطون على التفاوض معها من أجل التوصل إلى اتفاقية شبيهة باتفاقيتها مع ملالي طهران، فإنها ستفقد ماء الوجه وتبدو كمن ركع للابتزاز تحت التهديد النووي لزعيم أهوج لدولة عالمثالية، بل قد يشكل الحدث مبررًا لقوى نووية أخرى للاقتداء بالكوريين الشماليين (باكستان مثلاً التي لم يعد جنرالاتها يحتفظون بعلاقات دافئة مع مسؤولي البنتاغون الأمريكي بسبب اتهامات أمريكية لهم بالضلوع في دعم الجماعات الارهابية المتطرفة في أفغانستان). أما إذا استبعدت خيار التفاوض، فإن البديل لن يكون سوى حرب باهظة التكاليف لا يمكن التكهن بحجمها وخسائرها ومداها الزمني وآثارها على حليفتي واشنطون اليابانية والكورية الجنوبية.
على أن كل الخيارات الامريكية السابقة، سوف يتبخر تلقائيًا في حال تمكن الأمريكيون وحلفاؤهم في شمال الشرق الاقصى من الإطاحة بنظام آل كيم الحاكم في بيونغيانغ منذ أكثر من سبعين عامًا، وهو أمر صعب المنال في بلد حقنت دماء شعبه بأيديولوجية عبادة الفرد، حتى وإن كان الرئيس ترامب قد تطرق إلى الموضوع عرضًا حينما كتب تغريدة في الرابع والعشرين من سبتمبر المنصرم قال فيها: إن «نظام كوريا الشمالية لن يعيش طويلاً»، وهي التغريدة التي أثارت بيونغيانغ وجعلتها ترد على لسان وزير خارجيتها «ري يونغ هو» بالقول: «إن ترامب أعلن الحرب على دولتنا، وبالتالي فإن لدينا الحق في اتخاذ كل إجراء للدفاع عن النفس بما في ذلك إسقاط قاذفات القنابل الامريكية في أي وقت وأي مكان».
ولأن بيونغيانغ تدرك ورطة واشنطون في كيفية مواجهتها، وتعي أن بكين وموسكو مصطفتان معها وإن قالتا خلاف ذلك فإن نباحها النووي العابر للقارات مستمر، وتهديداتها لا تتوقف، بل وصارت مؤخرًا مشفوعة بأفلام وفيديوهات مصممة خصيصًا لبث الرعب جراء ما سوف يحل بالكون من تدمير لو ضغط «الزعيم المبجل كيم جونغ أون» زر القنبلة الهيدروجينية بـ «يده الكريمة» وهو مسترخ يأكل ما لذَّ وطاب، يستوي ذلك في حالتي بلوغ القنبلة هدفها أو سقوطها في المحيط.

أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل