الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهرجان الغايات و الوسائل

حيدر سالم

2017 / 10 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مهرجان الغايات و الوسائل
تنطلقُ الاشياء المكملة من كونها رافدة الى أن تكون بحرا ً ، و منذ بداية التاريخ زحفت المُكملات الى النص ، الى صدر الساحة . وزحف النص الى الهامش .
كان الموضوع غافياً حتى أيقظته " جروبات " القراءة في الفيسبوك حيث اخذت منشورات فواصل الكُتب حيزاً اكبر من المواضيع التي تتحدث عن الكتب ، فهذه تتباهى بخيالها الجامح الذي شكّل هيئة لفاصلة مذهلة ، و تلك تحدثها عن فاصلة تعمل على إكمالها منذ مدة ، وذلك الفتى الذي جلبَ معه فاصلة من بلد بعيد .
و بقيتُ مندهشاً ، و تسائلتُ : هذه الفواصل غاية أم وسيلة ؟
لكنني لم أجب ! إكتفيتُ بإستذكار التحولات اللامحدودة بين الغايات و الوسائل .
لطالما شاهدتُ الصور التي تعجّ بها مواقع التواصل الاجتماعية ؛ من أُناس يُظهرون يومياتهم الشخصية كغايةٍ يُراد منها أخذ تعليقاً / أخذ وجودهم من خلال إعجاب " like " أو تعليق " Comment " .
إن العلاقة بين الغاية و الوسيلة حركة إرتدادية ، متفاعلة باستمرار حسب الموقع الاجتماعي . وبصورة أدق ، إن الاقتصاد كان عاملاً محفزا ً لهذه الحركة " الارتدادية " بين الوسيلة و الغاية .
و هناك الكثير من الامثلة التي نراها بشكل مستمر ، الثياب على سبيل المثال ، كانت في البداية وسيلة للحماية من التغيرات التي تطرأ باستمرار على الطقس ، لكن تطور علاقات الانتاج التي خلقت الطبقات داخل المجتمع حددت الثياب حسب قيمتها المادية ، او جعلت قيمة الاجر تحدد نوعية الالبسة لدى الافراد . يذكر شريف يوسف عن الملابس الاشورية " لا شك أن نوع الملابس و شكلها و ما فيها من زينة دلالة كبيرة على مقدار تقدم الامة الاقتصادي و الاجتماعي " (*1) ، ويستمر بسرد كيف كانت ثياب الملوك و الوزراء و حاشية الملك مُزخرفة . إذا ، هذا التحول ليس حركة هوجاء داخل التاريخ ، بل لها مُحركها الاساسي . هذه وسيلة متحولة الى غاية ، ماذا عن الغاية التي تتحول الى وسيلة ؟
يذكر لنا الدكتور علي كمال " إن من المُسلم به أن الحاجة للجنس قد وجدت في الانسان كما وجدت في غيره من الكائنات الحية " و ان الممارسة الجنسية ضرورية للانسان و انها " عمليات فيزيولوجية تحدث في الجسم " (*2). إن هذه الحاجة الجنسية او حاجتنا للغذاء ، إنقلبت علينا مع التفاقم الذي حصل في التاريخ بطريقة متطورة / تراكمية ، حيث نشوء العمل و علاقات الانتاج ، إنقلبت حاجاتنا لتاكلنا ، وبدل ان ناكل تفاحة ، صارت الاعراض المرضية تأكل أقدام العمال قبل أن ياكلوا بإجورهم التفاحة ، و صار دخلهم لا يسعهم لان يكونوا بيتاً و عائلة ، بالمقابل الحاجة لا توقفها الظروف ، و صارت ممارسة الجنس من غاية أو بكلمة أقل حدة " حاجة " الى وسيلة ، فتكاثرت بيوت الدعارة .
حتى العشيرة مثلاً ، أصبحت علاقية فخرية ، بانتماء الافراد الى قبيلة او عائلة ، فهذا عنترة يُنشِد عن عبس :
لله در بنو عبسٍ فقد نسلوا
من الأكارم ما قد تنسل العربُ
أسودُ غابٍ ولا أنياب لهم
إلاّ الأسنة والهندية الغضبُ.
بين الافراد تكثر المُفاخرة بالانساب ، لكن فريدريك انجلس يحيلنا الى بدايات نشوء هذه العلاقات . لم توجودة هذه العلاقات من اجل المُفاخرة و إرتفاع اصوات الشعراء بابياتهم ، لكنها وجدت كعلاقة إجتماعية طورتها حاجة الفرد البدائية في القنص و الصيد و حماية غذاءهم المُكتنز من المجاميع التي تروم نهبهم . و إن هذه العلاقات الجماعية ارتبطت ونشات و تطورت حسب الحاجة ، حتى القبائل التي تقبل الغرباء ، تقبلهم من اجل حاجة لهم ، يذكر انجلس لنا إن " في كثير من الاحيان ، كانت بعض العشائر المُستضعفة لاسباب قاهرة تقوى على هذا النحو عدداً بتبني أعضاء عشيرة اخرى بالجملة ، بموافقة هذه العشيرة الاخرى " . و ايضا عن العشيرة اليونانية كانت من اسسها " الواجب المُتبادل في تقديم العون و الحماية و المُساندة ضد أعمال العنف " و ايضا " امتلاك اموال مشتركة ، في بعض الاحوال على الاقل ، يشرف عليها زعيم و خازن خاصان " (*3) . و هذه و سيلة أخرى تتحول الى غاية .
ذكر انجلس ان العمل كان مقتصرا على الكفاف ، اي ما يسد الجوع ، فانه من اليد الى الفم ، من الصيد او القنص . كان العمل وسيلة لسد الجوع حتى اصبح غاية ابو بكلمة أدق " لعبة " مع ظهور الملكية .
اصبح للعمل قيمة يشتريها الرأسمالي ، فللعمل قيمة نقدية تحسب على ساعات العمل التي ينتجها فيها العامل ، خالقة هذه المعادلة فائض القيمة الذي درسه كارل ماركس ( 1852 - 1859 ) حسب هنري لوفيفر (*4) ، وان ما يسميه الراسمالي " الربح " هو كلمة مشوهة " للسرقة " ، يقول كارل ماركس في الاجور و الاسعار و الارباح " اذا كان سعر قوة عمله ثلاث شلنات تجسدت فيها ست ساعات عمل ، و اذا كان الى جانب ذلك يشتغل 12 ساعة ، فانه لا محالة يرى هذه الشلنات الثلاثة قيمة او سعر 12 ساعة عمل ، مع ان هذه الساعات الاثنتي عشر تتجسد في قيمة قدرها 6 شلنات " (*5) . إذا ، العمل تحول أيضاً الى وسيلة بشعة .
اللغة ، الم تكن وسيلة ؟ و حملت في مرحلة من تاريخنا مهمة الترويج عن البضائع (*6) . هذه وسيلة اخرى تتحول الى غاية .
هنالك الكثير من الاشياء في حركة دائمة بين الغاية و الوسيلة ، متاثرة بالاقتصاد او بمؤثرات اخرى !
لعل هذه الحركة لن تنتهي ، وستبقى الغايات تتحول الى وسائل ، و العكس . ونحن دائما نعيش في مهرجان من الغايات و والوسائل .
انتهى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*1) مقال شريف يوسف "الملابس الاشورية " مجلة التراث الشعبي / العدد الثاني عشر سنة 1975
(*2) الجنس و النفس في الحياة الانسانية / الدكتور علي كمال
(*3) اصل العالة و الملكية الخاصة و الدولة / انجلس / مختارات ماركس و انجلس الجزء الثالث / دار التقدم
(*4) الماركسية / هنري لوفيفر
(*5) الاجور و الاسعار و الارباح / كارل ماركس / مختارات ماركس و انجلس الجزء الثاني / دار التقدم
(*6) ملامح من تاريخ اللغة العربية / دكتور احمد نصيف الجنابي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا