الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الابعاد الثلاثة في قصيدة -خيمة الغريب- عبد الله عيسى

رائد الحواري

2017 / 10 / 20
الادب والفن


الابعاد الثلاثة في قصيدة
"خيمة الغريب"
عبد الله عيسى

قبل البداية أشير إلى صديقي الشاعر "يونس عطاري" الذي أرشدني إلى هذا العالم الجميل، عالم الشاعر "عبدالله عيسى" فبدونه ما كنت لأتعرف على هذا الأبداع وهذا التقديم الجميل، فشكرا له على هذه المعرفة التي فتحت لنا آفاق جديدة من المعرفة والمتعة.
أن نجد ثلاثة مستويات للخطاب في قصيدة واحد هو شيء رائع، وهذا يشير إلى تماهي الشاعر وما يحمله في العقل الباطن، فعندما تحدث عن فلسطين البكر قبل الاحتلال نجدها كأي بلد، بسيطة وعادية، لكنه عندما يتحدث عن المحتل نجد لغة الخطاب تغيرت تماما، وأخذت الالفاظ تأخذ بعدا آخر تماما، فنجد من القسوة والسواد ما يتعب القارئ، وبعدها يحدثنا بلغة الأمل الذي ما زال يحمله، وهنا نجد خطاب فيه شيء من القسوة التي عاشها في المنفى لكنه ايضا يقدمنا من المستقبل المنشود، من هنا ما يحسب لهذه القصيدة المتواضعة الحجم، وجود ثلاثة عوالم من الخطاب، عالم الصفاء والحياة التي عاشها الفلسطيني ببساطتها وتعبها، وعالم الذي أحدثه المحتل بعد أن احتل الأرض وهجر السكان، وعالم الأمل/الإيمان الذي يتمسك به الفلسطيني في العودة إلى وطنه.
لكي نقرب القاري مما نطرحه نقتبس بما جاء في القصيدة:
"بيتٌ من الطينِ خلفَ النهرِ،
نافذةٌ تمشي إلى حقلَيْ كُرُنبٍ وباذنحانَ ،
وامرأةٌ تروي لصورتِها في البئر شيئاً
وتمضي نحو صورةِ زوجِها الذي لم يعدْ فوق الجدارِ ،
وأنت َ مثلما كُنتَ
ترمي رُكبتيكَ على عشبٍ تمهّلَ في النموّ
لا أحدٌ
يغيظ ، بما يأتيك َ، يومَكَ
إلا من رآكَ ولم يمدحْ مكوثكَ في كلامِكَ القديمِ طويلاً"
إذا ما توقفنا عند المعنى/المضمون الذي قدمه الشاعر فهو يمثل الحياة العادية، والتي نجدها في "البيت الطيني، والمرأة التي تمشي، والزوج المفقود، الجلوس على العشب" هذه حياة الفلسطيني التي عاشها، فهو كأي
شعب يمارس الحياة العادية الطبيعية.
لكن لنرى كيف يتغير خطاب الشاعر بعد أن يستخدم كلمة "الغريب":
" تحتَ غُرتّكَ الأولى التي اتسختْ ، مثلكَ ، بالرياحِ،
ونظرةِ الغريبِ،"
يمهد لنا الشاعر ما ستكون عليه الحال قبل أن يلفظ كلمة الغريب بمعاني والفاظ تشير إلى التحول الذي سيحدثه وجود هذا الغريب: "اتسخت، بالريح" من هنا نقول أن مكونات العقل الباطن دائما هي أصدق وأهم بكثير مما ينقله لنا العقل الواعي، لتأكيد هذا الأمر نأخذ بقية الألفاظ التي استخدمها الشاعر بعد كلمة الغريب:
"وخوفِ المارّة المائلينَ ، في الحديثِ ، على أجسادِهمْ
من سذاجةِ المُخبِرِ الثرثارِ ،
لا أحدٌ
من سارقِيْ جمرةِ القِرى
ورُواةِ الشائعاتِ
وطُرّاقِ الليالي اللذين لم يعثُروا عليكَ في غرفِ الموتى
وأحفادِ حفّارِي القبورِ
يعكّرونَ رائحةَ الوردِ التي صاحبتْ يديكَ في انتظارِ
صبايا الحيّ ،
لا أحدٌ

يُهينُ صَوْتَكَ ذاكَ إذ تُنادي على القتلى
سوى من رمى على الضوءِ في عينيكَ ظلاً ثقيلاً ."
إذا ما توقفنا عند الألفاظ التي استخدمها الشاعر سنجد عالم أسود بالمطلق، فهناك تحول كبير في المعاني والألفاظ التي افتتح بها القصيدة: "خوف، المخبر، سارقي، الشائعات، الليلي، الموتى، حفاري القبور، يعكرون، ثقيلا" كل هذه الأسماء والصفات والأفعال تشير إلى القسوة التي أحدثها وجود الغريب، وإذا ما توقفنا عن صورة موت الزوج في الخطاب الأول، قبل وجود الغريب نجدها بهذا الشكل:
" وتمضي نحو صورةِ زوجِها الذي لم يعدْ فوق الجدارِ ،"
بينما نجد تقديم عين الصورة بشكل مغاير تماما عندما جاء الغريب، فكانت بهذا الشكل:
" وطُرّاقِ الليالي اللذين لم يعثُروا عليكَ في غرفِ الموتى
وأحفادِ حفّارِي القبورِ"
وهذه الصورة أيضا:
" يُهينُ صَوْتَكَ ذاكَ إذ تُنادي على القتلى"
ذكر عبارة "حفاري القبور" ولفظ "القتلى" يشير إلى السواد المطلق، وهذا التحول السلبي في استخدام الصور والألفاظ جاء نتيجة وجود الغريب، فقبل هذا الغريب كانت الحياة عادية، وكانت استخدامات الشاعر للصور والألفاظ أيضا عادية ـ بالنسبة للشاعرـ فهو كشاعر يحرص على مشاعر المتلقين/القراء، لهذا يقدم افكاره بصورة فنية وألفاظ ناعمة رغم قسوة المشهد، لكن وجود الغريب أفقده ـ في العقل الباطن ـ هذه السمة وجعله يتعاطى مع واقعه الأسود دون أن ينتبه لمكانته كشاعر ـ يحرص على خدش احساس القارئ/المتلقي.
الخطاب الثالث يقربنا من الحياة السوية التي ينشدها الشاعر، فهي أكثر راحة مما كانت عليه قبل وجود الغريب، رغم ما أحدثه من ألم وخلل لا يمكن أن يمحى من الذاكرة، يقول الشاعر:
" غير أنكَ مثلما كُنتَ
ترعى الماءَ في النهرِ حتى يكبرَ العشبُ والحصى .
ويأنَسُ الهدهدُ الأعزلُ ، مثلكَ ، بئرَ البيتِ ،
والمرأةُ التي رأتْ زوجَها بين النعوشِ الحياةَ ما استطاعتْ سبيلاً."
عالم الذي يحلم به الشاعر جاء أهدئ مما كان عليه في الفاتحة التي قدمها، فهناك صورة رومنسية للراعي والغنم بجانب النهر، ونجد أيضا الحياة البرية تعيش بسلام "يأنس الهدهد الأعزل" ونجد "البيت" أفضل مما كان عليه لأنه لم يصفه ب"بيت من الطين" كما جاء في فاتحة القصيدة، فهو هنا بيت غير محدد، غير موصوف، ولهذا يمكننا أن نقول عنه بيت كامل، ولهذا جاء ذكر البئر إلى جانبه.
إلى هنا كل شيء أبيض تماما وأكثر من عادي، فهو يمثل الحياة الهانئة والهادئة، لكن هناك أثر للغريب ما زال فاعلا في الشاعر والذي جاء من خلال:
" والمرأةُ التي رأتْ زوجَها بين النعوشِ الحياةَ ما استطاعتْ سبيلاً " وهذه الصورة شديدة البأس على المتلقي، لأنها لم تكن صورة جامدة/ثابتة، بل صورة متحركة/مستمر/فاعلة، فحرمان المرأة من الحياة العادية والسوية بعد موت زوجها يعد جريمة لا يمكن أن تمحى أو تغتفر.
ويوقفنا الخطاب الأول والذي جاء فيه:
"بيتٌ من الطينِ خلفَ النهرِ،"
والخطاب الثالث:
"، بئرَ البيتِ " فالبيت تم إعماره من جديد وبطريقة أجمل مما كان عليه، لكن مشهد المرأة في الخطاب الأول التي ستمرت في العمل والحياة قبل وجود الغريب توقفت عن العمل والشعور بالحياة بعد فقدان زوجها، واصبحت بهذا الشكل:" ما استطاعتْ سبيلاً " وكأن الشاعر يقول أننا يمكننا أن نعمر الأرض من جديد وبصورة أجمل مما كانت عليه، لكن الإنسان الذي خرب/تألم وفقد الأحباء من الصعب تعمريهم وتقديمهم من الحياة السوية، ولهذا يجب أن نزيل هذا الغريب حتى لا يحدث مزيد من الخراب الإنساني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا