الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهد من المراهقة

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2017 / 10 / 20
الادب والفن



-1-

كلما مررت بالقرب من تلك البناية، أشعر بوخز عميق يؤلمني، إنها تذكرني بسجن طويل دام نصف العقد، لازلت أذكر الأسرة الصدئة و الزنزانة النتنة، لقد مضت سنين طويلة، إلا أن نومي يغيب وتلوح أمام مخيلتي الأحجار المتطايرة في الهزيع الأخير من الليل، وانكماشي وسط الملاءة، و أتذكر خوار الحارس وثغاء المعلمين الداخليين وهم يحملون سطولا باردة في بداية الفجر. من يستطيع أن يتذكر علال ذلك النزيل الجديد القادم من الريف القصي؟ لقد بقي منكمشا في ملاءته حتى داهمته أمواج من مياه سيبيريا في غضون الفجر الدامع والباكي !!
-2-
ماذا تعلمت في تلك البناية الآثمة؟ الصداقة ! كان عندي أصدقاء قبل أن أدخلها، القراءة ؟ كنت أقرأ الجرائد في المرحلة الابتدائية، الفطام ؟ ربما الفطام . في ليلتي الأولى شعرت أنني مفطوم عن الأم، مفطوم عن القرية، مفطوم عن الريف الفسيح . في ليلتي الأولى كنت أهيم في النجوم و أحسدها لأنها في السماء ترى قريتي، بينما أنا السجين لا أرى سوى الأسرة وأطفال من أصقاع الريف لا أعرف من يكونون ! كنت غريبا بينهم، أشعر بعزلة رهيبة لا يضاهيها سوى بعد الأرض عن السماء.
-3-
هل قمت بقطيعة مع الريف ؟ كلا الريف حاضر في وجداني دائما، متى وعيت بأني ريفي ؟ وعيت بالريف في صميم المدينة ! المدينة كانت مدرسة، المدينة كانت مختبرا لذاتي المدينة كانت صدمة بالنسبة لي، عرفت الريفيين في المدينة ولم أعرفهم في الريف، وأدركت حقيقة المدينيين في المدينة وبالضبط في تلك البناية الآثمة، فبمجرد أن يلج الريفيون المدينة يشعرون بدونية رهيبة، يبدو لهم الآخر المديني صنما، وإذا كلمهم يشعرون بنشوة لا مثيل لها، لا أعرف سبب هذه العقدة !! كان علال لا يحب العودة إلى الريف، كان يقضي نهاية الأسبوع يلعب الكارتة، ويدخن السيجارة ويقرأ الجرائد، ويصول في شوارع المدينة لعله يعثر على بعض الغنائم !! كانت القرية تمثل لعلال صحراء قاحلة ! شخصيا كانت تبدو لي القرية خلاصي وملاذ حريتي، بينما كانت بالنسبة لي المدينة كفتاة متغنجة شمطاء لا أنوثة فيها، كنت أذمها على الدوام، كانت تبدو لي ضيقة ورهيبة كالسجن، كانت مليئة بالضجيج والصراخ، ظلت على الدوام رمزا للسراب.
-4-
من يكون علال ؟ علال فتى قروي، التقيته في تلك البناية، تفوق في دراسته القروية لكي يرحل إلى المدينة ويتخلص من الشقاء السيزيفي في الريف، كان يرعى ويجلب الماء ويدرس القمح في البيدر ويحرث الأرض، أتعبه الوالد، فوجد ضالته في المدينة، علال هو الوحيد الذي تعرفت عليه، لم يكن من المتملقين للإدارة، كان كلمة، كان رأسه مرفوعا، لا ينحني أبدا، دائما كنت أراه خلف البناية يقرأ، كنا نتبادل قراءة الجرائد والكتب، منذ تلك الأيام لم أر علال .

ع ع/ الدار البيضاء/ 19 أكتوبر 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم