الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الفكر والتاريخ

طريق لمقدمي

2017 / 10 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


جدلية الفكر والتاريخ

قبل أن نناقش مسألة الفكر والتاريخ في علاقتهما الجدلية، من الضروري أن أطرح سؤالا على "ذاتي" وهو: هل هذا العنوان «جدلية الفكر والتاريخ" سبق وأن نوقش بمثل ما أنوي مناقشته؟ ومن الضروري كذلك لكي أزيل بعضا من الشك وليس كل الشك، وذلك امتثالا للمقولة الشائعة التي تقول: "إن علمت شيئا فقد غابت عنك أشياء.."
فعملت إذ ذاك، على البحث عبر وضع العنوان السالف ذكره، في خانات محركات البحث المتعددة على الشبكة العنكبوتية (انترنيت) وتبين لي مبدئيا أن الموضوع نوقش لكن ليس بالصورة التي سوف أناقشه في القادم من الأسطر.
بادئ ذي بدء، ومن النظرة الأولى للعنوان يظهر أنه مركب من ثلاثة مفاهيم مختلفة المعاني،بعضها تم التطرق إليها بالتحليل والمناقشة ومن ثم التركيب، مثل: مفهوم الفكر ومفهوم التاريخ،(في موضوع آخر) أما مفهوم الجدل أو كما ورد في العنوان "جدلية" فقد أشرت إليه في أحد المحاور وذلك حسب السياق الذي ورد فيه وكذلك حسب دلالته الشائعة عند معظم المفكرين خاصة ذوي النظرات المتعددة الجوانب للمفهوم وبالتالي للموضوع.
لكن، لا غضاضة من إعادة الكرة ثانية للاستفادة أكثر. فاعتبر ابن منظور «الجدل: أنه اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وقد جادله مجادلة وجدلا. ورجل جدل ومجدل ومجدال: شديد الجدل. ويقال: جادلت الرجل فجدلته جدلا أي غلبته. رجل جدل إذا كان أقوى في الخصام. وجادله أي خاصمه مجادلة وجدالا، والاسم الجدل، وهو شدة الخصومة.. الجدل: مقابلة الحجة بالحجة، والمجادلة: المناظرة والمخاصمة.»
أما الجرجاني يقول أن «الجدل هو: القياس المؤلف من المشهودات والمسلمات والغرض منه إلزام الخصم وإقحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان.
الجدل: رفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة أو يقصد به تصحيح كلامه، وهو الخصومة في الحقيقة.
أما الجدال: عبارة عن مرآة يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها.»
ويكتب الفيروز أبادي أن «الجدل: محركة اللدد في الخصومة، والقدرة عليها...»
من خلال التعاريف الآنفة لمفهوم الجدل، يتضح تمام الوضوح أن المعنى نفسه وارد عند ابن منظور والجرجاني والفيروز أبادي، ذلك أنهم اعتبروا الجدل فن للنقاش بغض النظر لماهيته (سلبي أم إيجابي)، والذي يؤدي إلى تفنيد قول الخصم من خلال أدلة وبراهين وحجج مقنعة، بالتالي يفضي إلى إسكاته وإلى هزمه.. وهذا المغزى قد ناقشته في السابق عندما أبدينا وجهة نظرنا حول مشكل المفهوم أو المصطلح، إذ اعتبرناه سلاح ذو حدين...
وبما أنني تعودت وما زلت أعود نفسي على أن لا أكون من الذين يسمعون القول ويتبعونه كما هو، أي بدون إخضاعه لآلة النقد والتشريح الدقيقين.
لهذا طرحت هذا المحور "جدلية الفكر والتاريخ" وفي ذهني تجول القاعدة التالية:
بما أن الفكر من التفكير وهذا الأخير خاصية الإنسان وحده، وبالمحصلة لا يمكننا الفصل بين الإنسان وفكره، إذ لا يمكن للفكر أن ينتج الأفكار دون اتحاده مع واقعه المعاش، والعكس بالعكس، لكن ما علاقة فكر الإنسان بالتاريخ؟
بما أننا تطرقنا إلى تعريف ماهية التاريخ في السابق، فالإجابة ستكون بسيطة كذلك، فلما كان التاريخ هو مجموع الأحداث والوقائع التي صنعها وفعل فيها الإنسان، أولا، بالتنظير لما وقع أو ما سيقع أعني استشراف مجرى التاريخ، وأقصد هنا إعمال الفكر لإنتاج الأفكار. ثانيا، فهذه الأخيرة (الأفكار) عند اكتمالها ونضجها لا مندوحة من إخضاعها للفعل أو العمل أو التطبيق على الواقع المادي. وهذا الفعل الإنساني متعلق إما بفكرة حول اندلاع حرب أو صنع سلاح أو بناء مؤسسة أو ابتكار آلة أو الإطاحة برئيس أو ملك أو غير ذلك من الأحداث والأمور التي انتقلت من فكر الإنسان إلى أرض الواقع وبالتالي، حدث ما يسمى عندنا بالتاريخ.
هذا من جهة، أما اذا أردنا عكس القاعدة الأولى أي علاقة الفكر بالتاريخ إلى علاقة التاريخ بالفكر، فسيكون الأمر بسيط كذلك، إذا تمسكنا برأس الخيط الجدلي إن صح التعبير. وتنبغي الإشارة إلى أن توظيف الجدل في هذا المحور ليس بقصد إسكات الخصم لأنه ليس في بحثي أي خصم ولا أبالي بالخصوم ولا أنوي الغلبة أو المناظرة أو شيء من هذا القبيل، كما جاء في التعريفات الأنفة.
لكن الغرض هنا هو توضيح العلاقة المتبادلة بين الواقع التاريخي، أي مجموع الأمور التي وقعت على جغرافية معينة. لكن ليس بشكل اعتباطي أو نتاج "عدمي" بل بفعل "تفاعل" مجموع ما أنتجه فكر الإنسان من أفكار والواقع الملموس الذي مهد لتلك الأفكار، وهذه الأخيرة أعادت صياغة وبناء العملية التبادلية أو جدلية الفكر والتاريخ بين الواقع المادي ونتاجه، مما أدى إلى صناعة ماعاشته البشرية وما تعيشه من حروب وثورات وانقلابات وما إلى ذلك.
ويبدو لي أن "شفرة" "جدلية الفكر والتاريخ"، أضحت مكشوفة هنا، حيث بات من ينتج الأفكار هو من يصنع التاريخ، وبالتالي يكتبه والعلاقة المعاكسة تنكشف كذلك، إذ لا بد لمجال ملموس من أجل تحديد تلك الأفكار التي إن استثمرت بشكل إيجابي تعطينا التنمية والتطور والتقدم..، ومن بين الأمثلة ما ذكرناه في الصفحات السالفة: كفكر كوبرنيكوس وكارل ماركس وفرويد والمهدي المنجرة (...)، وإن استثمرت بشكل سلبي تفضي إلى دمار وفساد وجهل وظلم وحروب (...)، ومن الأمثلة على ذلك: فكر أدولف هتلر صاحب "الهولوكست" وصاحب الأفكار التوسعية نابليون بونابرت مرتكب المجازر في مصر والشام..، ثم أفكار جورش بوش الأب والابن صاحبي الإبادات الجماعية والدمار الشامل لبلاد الرافدين (العراق حاليا) والأمثلة كثيرة..
والجدلية تعني هنا الحركة والسيرورة المستمرتين، ولما كانت كذلك، فلا مناص من استمرار العمليات المتبادلة بين الفكر والتاريخ أولا، ثم بين الواقع وفكر الإنسان ثانيا. وإذا أجاد وأحسن الإنسان طرح أفكاره على الواقع يفضي ذلك إلى الارتقاء والازدهار وبالتالي استمرار الحياة والرفاهية لكل الكائنات الإنسانية.
اما إذا خاب وخسئ في قراءة الواقع بشكل غير سليم ومغلوط، فبديهي أن يقود ذلك إلى ما لا يحمد عقباه من انتكاسات ودمار محتوم لكل قاطني الأرض.
ولما كان التاريخ من صنع البشر فهذا الأخير لا يفعل فعله إلا عن طريق أساس التاريخ أعني المجال الملموس الذي تجري عليه أحداث التاريخ، فنصل في النهاية إلى المعادلة التالية:
لدينا: فكر= أ و تاريخ= ب و واقع ملموس= ج
إذن في العلاقة الجدلية نخلص إلى:
أ + ب = ج و ج + أ = ب



المراجع

جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، لسان العرب، المجلد الحادي عشر، دار صادر،- بيروت- ص- 105

الشريف علي الجرجاني، التعريفات، ص -78

محمد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي، القاموس المحيط، تحقيق: مكتبة التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف: محمد نعيم العرقسوسي، الطبعة الثامنة، 1426هـ ـ2005م- بيروت- لبنان ص -976








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية