الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدنية

عطا درغام

2017 / 10 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


مؤلف هذا الكتاب هو الكاتب الإنجليزي كلايف بل ، وهو أديب معاصر اشتهر بنقده للفنون وبتقديره للجمال . ولد عام 1881 وتخرج في جامعة كمبردج ، وله نظريات معروفة في فنون التصوير والنحت والأدب ، والمسرحيات والموسيقي.
أخرج كتابه عن ( المدنية) عام 1928 ، وأعيد طلعه عدة مرات، وقد أهداه للكاتبة العصرية" فرجينيا وولف". واستهله بمقدمة ذكر فيها أن قادة الحرب العالمية الأولي( 1914-1918) في إنجلترا كانوا يزعمون أنهم يدافعون عن الحضارة . وبهذه الدعوي دفعوا الشعوب إلي القتال، وفي سبيلها ماتت الملايين. هذه التضحية الكبرى في سبيل المدنية هي التي دفعت الكاتب لأن يتساءل عن معني المدنية وأن يخرج فيها هذا البحث الذي لا يطمع أن يعرّف فيه الحضارة تعرفًا دقيقًا، وإنما يؤمل أن يقرّب مدلولها إلي مدلول القارئين.
ويناقش الكتاب في الفصل الأول من الكتاب بعض تعريفات المدنية الشائعة . هل هي احترام حق الملكية ، أو ديمقراطية الحكم ، أو حب الوطن، أو الوحدة العالمية ، أو التمسك بالدين، أو مكانة المرأة في المجتمع، أو الخضوع المطلق لقانون الطبيعة ، أو التحلي بالفضائل الخلقية والعادات الحسنة ، أو تقدم العلوم، أو توفير أسباب الراحة للجميع ، إلي غير ذلك من التعريفات. ويفندها الكاتب واحدًا بعد الآخر لأنها صفات مشتركة بين البرابرة والمتحضرين.
ويحاول بعد ذلك أن يصل إلي تعريف للحضارة يستخلصه من أهم ما يميز الجماعات المتحضرة، وهي في التاريخ ثلاث:أثينا في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، وإيطاليا في عصر النهضة ، وفرنسا في القرن الثامن عشر حتي الثورة الفرنسية . والصفات المشتركة التي تنفرد بها هذه الجماعات هي:"تحكيم العقل" و" الإحساس الصحيح بالقيم "و" تقدير الفن".
وهي مقاييس للمدنية متداخلة وغن تنوعت، وتنبثق منها مميزات حضارية كثيرة : منها إعلاء شأن الفرد فوق الجماعة ، وإتاحة الفرصة لكل امرئ لكي يعبر عن نفسه تعبيرًا حرًا كاملا بغير قيد ، وتقدير المعرفة لحد ذاتها لا لما تجلبه للإنسان من منافع ، وإعداد النشء للحياة العقلية دون العمل الآلي، وإعلاء الدعوة العالمية فوق الدعوة الوطنية، وسيادة روح السخرية والفكاهة. والشخص المتمدن-عنده- لا بد أن يكون متسامحًا، رحيمًا، يجد متعة في الحياة العقلية ولا يحرم نفسه الملذات الحسية، ولا يؤمن بالخرافة، ذواقًا للفن، حسن السلوك، وغير ذلك من الصفات التي يعرضها الكاتب في ثنايا كتابه في إسهاب أو إيجاز حسبما يسوقه الأسلوب والتعبير.وهو عندما يطبق هذه المعايير علي إنجلترا المعاصرة يحكم علي بلاده بالتخلف في ميدان الحضارة.
يري بل أن المدنية مطلب الإنسانية ، ولا يمكن ان تتحقق إلا إذا وجدت في الأمة طبقة ممتازة يهيأ لها جو خاص تتوفر فيه أسباب العيش كي تحيا نموذجية تسعي جميعًا إلي احتذائها.هذه الطبقة ينبغي أن تتفرع طيلة العمر، وألا تكلف بعمل من الأعمال، وأن تتوفر لها حرية الفكر، وألا يسند إليها الحكم لأن السلطان يفسد النفوس. ويقول الكاتب هنا إن فرنسا كانت فيها في القرن الثامن عشر أرستقراطيتان : أرستقراطية الحكم، وأرستقراطية الحضارة، وكانت الثانية تظفر بتعضيد الأولي وتأييدها. ولا يري الكاتب مانعًا من عودة هذا النظام.
ولكي ننهض بالشعوب ينبغي لنا فوق هذا أن نكثر من استعمال الآلات حتي يتوفر الفراغ للناس عامة، وأن نعمل علي قلة السكان كي يرتفع مستوي العيش. ولما كانت كل جماعة لا تخلو من السفلة الأدنياء فلا مندوحة عن وجود رجال لحفظ النظام، يكون عملهم حماية المدنية لا فرضها علي الناس فرضًا، لأن المدنية لا تقوم علي استبداد الحاكم بمقدار ما تقوم علي إرادة الشعب.
هذه بعض آراء بل في المدنية يفصلها في كتابه تفصيلا شائقا، ويضرب لها الأمثال من الحياة ومن التاريخ في أسلوب جزل يأتلف فيه اللفظ مع المعني.وللكاتب في غضون كتابه آراء تقدمية ممتعة في التحرر ، قد لا توافقه عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية