الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاورات الأموات في رواية -سارة حمدان- ماجد أبو غوش

رائد الحواري

2017 / 10 / 26
الادب والفن


محاورات الأموات في رواية
"سارة حمدان"
ماجد أبو غوش
تكمن أهمية هذه الرواية شكل تقديمها، فالراوي يتحرر من واقع الأحياء لينقلنا إلى عالم الأموات، لكنه لا يختار أي أموات، بل الخاصة منهم، فنجد مسامرة "رفيق الراوي يعقوب، والشاعر حسين البرغوثي، والرفيق سليم خوري، الفتاة يافا، أبو عمار، مدير عام تلفزيون فلسطين رضوان أبو عياش" ومن خلال هذه المحاورات يتم سرد أحداث الرواية، فهذا الشكل يمثل تمردا على ما هو سائد، ورغم قدم هذا الشكل من الأدب والذي استخدمه السومريين في احدى الواح ملحمة "جلجامش" خاصة عندما تحدث انكيدو عن العالم السفلي وكيف يأكل الناس الطين ويكسوا جسمهم الريش، ونجده أيضا في ملحمة "عشتار ومأساة تموز" عندما تذهب عشتار إلى العالم السفلي وكيف تم تجريدها من كل مظاهر الملكية من قبل أختها "أرشكيجال" ولكن الاستخدام الأكمل لهذا الشكل من الأدب كان عند اليونان من خلال " لوقيانوس السميساطي" في كتابه "مسامرات الأموات" والذي تحدث فيه من خلال الحوارات مع العديد من أبطال الأساطير اليونانية، إذاً الشكل ليس بجديد تماما، لكن قليل ما تم استخدامه، وحسب معرفتي المتواضعة هذه الرواية الأولى فلسطينيا التي تتحدث عن حوارات مع الأموات، لهذا وجدنا في شكل تقديمها تجديد يستحق التوقف عنده.
أحداث الرواية تدور حول "أسعد" الذي يفقد الاتصال مع عالمنا، ويأخذه العالم الآخر إلى أشخاص لهم مكانه خاصة عنده، فكان أول لقاء مع رفيقه "يعقوب" الذي يخفف عليه من وطأة العالم الجديد الذي هو فيه، فيحدثنا عن فقدان الشعور بالزمن/الوقت من خلال: "لا يهم الوقت الآن، لا حساب للساعات و الأيام والشهور، فقط الانتظار" ص13، ونجد معرفة تصرف الأحياء في العالم الحي، لكي دون المقدرة على التواصل الحي معهم: "...عندما سمعت نحيبا خافتا في الأعلى، يا الهي، هذه سارة، ... كنت أنادي عليها لكن صوتي يأبى أن يغادر حنجرتي" ص13، إذاً من خلال هذا (العالم السفلي) يتم سرد احداث الرواية، لكنه لا يتحدث عن حياة الأموات في القبر، بل عن حياة الأحياء في الدنيا، فكافة الأحداث متعلقة بنا نحن الأحياء، لهذا سنج المكان حاضرا في الرواية.
المكان
الفلسطيني يهتم بالمكان لما فيه من تخفيف وطأة الحال عليه، فهو من خلال تناول المكان يؤكد وجوده/حضوره/فاعليته، وهي يعطيه شيء من السكينة، فهو أبن مكان محدد، له مكانته وحضوره في التاريخ.
"ماجد أبو غوش" من المسكونين بيافا هذا ما وجدناه في رواية "عسل الملكات" ونجد هذا الأمر أيضا في رواية "سارة حمدان": "ألم تعدني بالعودة إلى يافا؟" ص13، فيافا هي الحلم، هي الجنة على الأرض، هي كل ما يصبو إليه "أسعد" لا يريد أي مدينة غيرها، لهذا نجدها تتكرر في رواياته.
فاهتمام الفلسطيني بالأرض ليس اهماما عابرا، بل أصيلا، ارتباط عضوي "لا انفصال بينهما"، يحدثنا عندما ذهب مع رفيقه "إسماعيل" إلى فلسطين ال48 وكيف كانت مشاعره: "مثل طفل صغير التصق إسماعيل بالنافذة، كان يريد رؤية كل شيء، أن يرى ويلمس ويشم كل شيء في فلسطين" ص20، لهذا نقول أن الفلسطيني عندما يتناول المكان يشعر بالراحة كما هو الحال عندما يتناول المرأة، فكلاهما يعطيه شيء الفرح، يخرجه من واقعه البائس، ولهذا نجد ذكر "بحر يافا" في أكثر من موضع، وكأنه النافذة التي منها يستطيع "أسعد" أن يسرد لنا روايته، وبدون "بحر يافا" لم تكن لتكون هذه الرواية أو التي سبقتها، ولهذا جعل اسم احدى شخصيات الرواية الأساسية فتاة اسمها "يافا" يتم تصفيتها على الحاجز، فيافا الفتاة ويافا الجغرافيا يتم حرمان اسعد منهما، الأولى حتلها والثانية قتلها بدم بارد، وكأنه بهذا الأمر لخص هدف الاحتلال، سلب الأرض وتصفية الإنسان، فهو يريد أرض بلا سكان.

المرأة
في رواية "عسل الملكات" وهذه الرواية نجد هناك علاقات حب، والمرأة فيهما ليست امرأة فقط للجنس أو للمتعة، بل لها دور في النضال، وأيضا لها نصيب من قمع المحتل، فنجد حبيبته "سارة" تحدثنا عن صمودها في التحقيق: "...باشروا التحقيق معي بأساليب عديدة، تعرضت للضرب والسب والتهديد على مدى شهر كامل، كلما شبحوني في ساحة المعتقل ليلا تذكرت كلامك عن عملية الشبح فيدفأ قلبي، ... عندما جاءتني الدورة الشهرية ساوموني، أخبرينا أين أسعد وسنعطيك فوطا صحية" ص72، فالمرأة مشاركة للرجل في نضاله، وتتعرض للتعذيب كما يتعرض، وتساهم في العطاء للوطن كما يساهم، لهذا جمع بينها وبين المكان عندما ذكر لنا الفتاة "يافا" التي قتلها الاحتلال.
البحر الفلسطيني، يمثل الحياة للفلسطيني، فما دام هذا البحر موجود إذا الحياة وما فيها موجود، لهذا يصف لنا "سليم خوري" مشهد عودة حبيبته "خولة" إلى منزلها في المخيم بهذا المشهد: "نزلت خولة ودخلت زقاقا يؤدي إلى حارة (النعانية)، تبعتها بعيني حتى غابت داخل المخيم، من راقب منكم موجة وهي تعود إلى البحر؟ كانت خولة عندما دلقت إلى المخيم، موجة تعود إلى البحر" ص 51و52، إذا ما توقفنا عند هذه المشهد سنجد فيه جمالية خاصة، تربط غياب المرأة بالموج، وأيضا يشير إلى التوحد بين الفلسطيني والمكان، فحضور المرأة/المكان يحمل بين ثناياه العلاقة الحميمة التي تجمعهما.
هناك أصرار عند "أسعد" على عدم الرضوخ لمفهوم/لواقع الموت فقط لأن حبه "لسارة" ما زال حاضرا فيه:
"ـ أن الميتين لا ينشغلون
ـ والمعنى؟
ـ المعنى واضح، أنني لست ميتا
ـ عدنا للجنون، متى ستتقبل أنك ميت؟
ـ عندما أتوقف عن التفكير في سارة
ـ سارة مرة أخرى؟
ـ سارو دائما وأبدا" ص137و138، من أجمل المشاهد التي تربط بين المرأة الحياة، فهي هنا سبب الحياة، هي الملهمة لتمرد "أسعد" على واقعه في العالم الآخر، فهو يرفض فكرة موته لأن حبه لسارة ما زال فيه، يحرك مشاعره، يجعله ينتشي أو يحزن لحزنها.
وهو يخلص لنا "أسعد" علاقته بالمرأة من خلال الاستشهاد بقول "لعبد الرحمن منيف" عن المرأة والذي جاء فيه: "إن الرجل الحقيقي لا بد أن يحمل امرأة في داخله" ص130، وكأنه بهذا يريدنا أن نتقدم من حقيقتنا، حقيقة الوحدة التي تجمعنا نحن والنساء، بحيث ينصهرا في جسد وروح واحدة.
القرآن الكريم
م حسن الحظ أني قرأت رواية "عسل الملكات" ورواية "سارة الحدوان" معا، لهذا ودت تباين في الطرح الديني، فالأول كان خالية تماما من أي فكر ديني، حتى أننا وجدنا الصورة السلبية لرجال الدين، من خلال رفض أحد المصلين الصلاة على "الذيب" لأنه "سكير ملحد" حسب قوله، لكن في هذه الرواية وجدنا حضور جميل للقرآن الكريم، وكأن ـ الراوي في العقل الباطن ـ أخذه الموت إلى الميل قليلا إلى الفكر الديني، وهذا يشير إلى أن هناك هواجس/تأثيرات إيمانية ودينية حاضرة في الراوي جعلته يستحضر أيات قرأنية في روايته.
"لم أعد أهتم، سأظل أكلم نفسي وأسألها وتجيبيني، وتسألني وأجيبها، (إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا)" ص82، الثقافة المادية التي يطغى على الراوي لم تحل دون أن يستخدم آية قرآنية والتي يشير إلى ما يحمله العقل الباطن عند "أسعد" فهناك ثقافة متأصلة فيه لم تستطع الأفكار المادية أن تزيلها منه، ولهذا نجد عبارة "لا حول ولا قوة إلا بالله" ص83، تتردد في الرواية، ونجد ذات الآية "حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا" تتكرر في الصفحة 101، لهذا يمكننا القول أن العقل الباطن عند الراوي، خاصة ما يتعلق منه في العالم الآخر، عالم الأموات ما زال راسخا فيه ومؤثرا، وإلا ما كانت لهذا الأثر الديني أن يكون حاضرا.
الرواية من منشورات مكتبة كل شيء، حيفا، الطبعة الأولى 2017.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ