الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدوان الصّامت، والصّائت

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 10 / 29
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


قد لا يعتدي البعضُ عليك بالضربِ، ولا الشتيمة لكنك تشعر برائحة الكراهية والعدوان تفوح منه، تشعرُ بالتوتر، ترغبُ في مغادرة المكان فمن يقابلك يريدُ امتلاكك والسيطرة عليك. لا يعني ما يقول، وإيذاءه مقصود.
حتى الأطفال يقرؤون الآخر، فالكثير منهم نراهم يمتنعون عن زيارة أقاربهم مع عائلاتهم حيث يتعرضون للإيذاء من الكبار والصّغار في تلك العائلة.
بالنسبة لي أتعرض إلى تلك المواقف حتى هذه اللحظة، ولا أستطيع تفسيرها. فقط أبتعد عن الشخص، ومن المفارقات التي جرت معي. أن هناك سيدة من الأقارب. ذهبت إلى الحج عن طريق مكتب سياحة هي وزوجها، وعندما عادت بدأت المباركات، لكنها لا تحب أن يأتي إليها الناس في أيام مختلفة، فدعت النساء في يوم واحد وصنعت مرتبة عالية، وفصّلت فستان عرس، وعملت حفلة مباركة فيها فرح ورقص. لم تدعوني، ولم أكن قد علمت بالدعوة، فأمسكت بيد حفيدتي واشتريت لها صينية مذهبة، وذهبت لأبارك لها. سلّطت أحفادها على حفيدتي بشكل غير مرئي، اضطررت إلى إنهاء الزيارة وأن أقول لها بأن أحفادها ليسوا قليلي أدب بل كان هناك من يعلمهم.
تلك السيدة رأيتها وجهاً لوجه، لكنها تمثل نسبة كبيرة في المجتمع بعضهم مريضون نفسياً، وبعضهم يتصرفون عن سابق إصرار وتصميم. أتحدث عن المجتمع السّوري حيث الاعتزاز بأمور عفى عليها الزمان لازال قائماً ، وفكرت كثيراً في موضوع تلك العدوانية التي استفحل أمرها فتحوّلت من صوت الصمت إلى صوت الرّصاص.
قد تكون العدوانية لا تقتصر على المجتمع السّوري. بل أصبحت عالمية مع تغلغل عقلية الخادم الأمين للرأسمال، لكن مجتمعنا السوري لا زال دون المرحلة الرأسمالية، وهو ساحة حرب بين الرأسمال المختلف ، لكن، وخلال عملي كمعلّمة، وكمحام كنت أتمعّن في ذلك الحزن عند الأطفال حيث العنف الأسري المتزايد. الكثير من السوريين لن يقرّوا بذلك يرغبون أن نكتب أفكارنا على نمط كتابة التاريخ، فنصف المجرم بالبطل، والأسرة القامعة بالأسرة الدافئة ، وربما لا أكتب تاريخاً بل أروي ما يجول في ذهني . الأطفال يتعرضون بنسبة كبيرة للعنف الأسري ، والاعتداء الجنسي، أو أسباب أخرى معينة تسبّب لهم الكبت. يخفون مشاعرهم لكنهّا تظهر بطريقة ما، وهذا هو السلوك العدواني السلبي أي الغير مترافق بإيذاء جسدي أو لفظي .
تتمثّل العدوانية بالاعتداء الجسدي ، أو المعنوي اللفظي على الآخر، وفي هذه الحالة على الإنسان أن يدافع عن نفسه ليردّ العدوان، ولكي لا يصبح مستضعفاً من قبل الآخرين. ضحايا التنمّر كثيرون في العالم بشكل عام، وفي سورية بشكل خاص. لم يستطيعوا ردّ العدوان الذي تعرضوا له، وقد يتحولون في المستقبل إلى العدوان الصامت. نكونُ أحياناً أمام شخصٍ هادئ غير غاضب، وتشعرُ أنّه اعتدى عليك، هذا النمط من السلوك العدواني الصامت ينبع من عدم القدرة عن التعبير عن الغضب بطريقة سليمة، أو ربما يكون الأمر أحياناً أنّ الشخص يحملُ في داخله مشاعر مكبوتة، لا تجعله يشعر أنّه غاضب. وينفّث تلك المشاعر بالاعتداء على الآخر بشكل صامت، أو غير مباشر .
قد يبدو البعض طيباً ومسالماً، ولكنّه في الحقيقة يحمل عدوانا هائلا في داخله يخرج بطريقة غير مباشرة، لا تعتمد أسلوب المواجهة و التعبير عن الرأي والدفاع عن النفس. قد يُبدي الشخص العدواني اتفاقه معك في رأي ما، أو موافقته على طلب شخص ما ،حماسة ودفاعاً عنه، لكن لسان حاله يُظهر مع الوقت نفسه أنه لم يكن صادقاً فيما أبداه. وبدلاًمن إتمام المهمة التي وعد بإنجازها، يتراخى، ويلجأ إلى التسويف والمماطلة، وإلى الإكثار من تقديم الأعذار.
حصر بعض علماء النفس مجموعةً من الصفات، والأعراض التي تتسم بها شخصية الفرد السلبي والعدواني وهي: الميل الدائم إلى الاستياء مما يقوله الآخرون، ومعارضة طلباتهم، كثرة الشكوى والتذمر من كونه يشعر بقلة الاحترام، والعناد ، تكرار الوقوع في أخطاء بسبب السهو والنسيان، سرعة الغضب والقابلية للاستفزاز، وإبداء مواقف عدوانية أو ساخرة تُجاه الآخرين قد تؤذيهم .
قد لا تعرف أن الشخص الذي تتعرّف عليه عدوانياً، لكن كلما اقتربت منه يدفعك إلى الجنون ومع هذا يتهمّك بأنّك لم تفهمه. ربما تفهمه من أفعاله وليس من كلماته ، كما يشعر أنّه لا يخطئ، وكل من حوله مخطئون ولا يفهمون قصده. بإمكاننا أن نعرفَ إن كنا نتصرّفُ بعدوانية أحياناً ، يمكن أن تكون هناك حالات معيّنة تدفعنا لذلك، ويمكن السيطرة على هذه الحالات بإفساح المجال للتعبير الصادق عن المشاعر.
يخيّل لي أحياناً، وبعد قراءة ما يكتب من مقالات أو منشورات على وسائل التواصل أنّنا كسوريين أصبح أكثرنا عدوانياً علنيّاً وليس صامتاً، فتلك الألفاظ البذيئة، والتّشفي بالقتل، وعدم احترام روح الإنسان في الشخص المقتول من قبل طرف ما. هو مرض عضال يحتاج إلى إنهاء الاستبداد السياسي، والاجتماعي، واستيراد مناهج بعيدة عن العقل السوري، وكل ذلك لن يتمّ إلا بعد انتهاء الحرب، وتشكل مجتمع ما بعد الحرب التي من المفيد أن يساهم فيها من لا يتميّز بالعدوان. هي فكرة مثالية، والأفكار المثالية غير قابلة للتطبيق. قد تأخذ الحياة مجراها، ويبدأ السّوري بتعلم الرحمة من تجاربه كما إنسان الكهوف. السوري اليوم يعيش في الكهوف، وأمامه مسيرة طويلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر