الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حليم العرب ...هيتي

قحطان محمد صالح الهيتي

2017 / 11 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لا اعتقد بأن أحدا منا لم يقرأ أو يسمع أو يستشهد بالبيت الشعري الآتي:
-
فسبحان الذي أعطاك ملكا
وعلمك الجلوس على السرير
-
لهذا البيت قصة، ولصاحب القصة عندي اليوم لكم حقيقة لم تسمعوها من قبل، فالبيت المذكور قيل في الأمير معن بن زائدة الشيباني الهيتي.حليم العرب وأحد أشهر كرمائهم .
-
إنه معن بن زائدة بن عبد الله بن زائدة بن مطر بن شريك بن عمرو الشيباني، يكنى أبا الوليد وهم كوفيون وأصلهم من هيت. وكان معن جواداً ممدحاً سرياً شاعراً وكان يتهم في دينه، وهو من قواد بني أمية، ثم خص بالمنصور وقلده اليمن ثم استحضره، وأنفذه إلى الخوارج بسجستان؛ فقتل هناك غيلة في سنة768م. (1)
-
وعرف عنه انه من أوسع الناس حلما وصفحا وعفوا عن زلات الناس. فعندما ولاه أبو جعفر المنصور على اليمن، تذاكر جماعة فيما بينهم أخبار معن وحلمه وسعة صدره وكرمه وبالغوا في ذلك.
-
وتراهن جماعة على مائة ناقة لمن يُغضب (معن بن زائدة) ويخرجه عن حلمه.. فانطلق أحدهم ودخل المجلس ولم يسلم وقال لمعن بن زائدة وكان يومئذ واليا:
أنــا والله لا أبـدى ســلاما
على معن المسـمى بالأمير
فقال معن: السلام لله، ان سلمت رددنا عليك وان لم تسلم ما عتبنا عليك.
-
ثم قال الأعرابي:
أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير
قال معن: أذكره ولا أنساه والحمد لله.
-
فقال الأعرابي:
فسبحان الذي أعطاك ملكا
وعلمك الجلوس على السرير
فقال معن: له الحمد والشكر على ما أعطى.
-
فقال الأعرابي:
سأرحل عن بلاد أنت فيها
ولو جار الزمان على الفقير
فقال معن: إن جاورتنا فمرحبا بالإقامة، وإن جاوزتنا؛ فمصحوبا بالسلامة.
-
فقال الأعرابي:
فجد لي يا بن ناقصة بمال
فإني قد عزمت على المسير
-
فقال معن أعطوه ألف دينار تخفف عنه مشاق الأسفار فأخدها وقال:
قليــل مــا أتيت به وإنــي
لأطمع منك في المال الكثير
فثنِّ قد آتاك الملك عفوا
بلا رأي ولا عقل منير
فقال معن: أعطوه ألفا ثانية ليكون عنا راضيا؛ فتقدم الأعرابي إليه وقال:
سألت الله أن يبقيك دهرا
فما لك في البرية من نظيرِ
فمنك الجود والإفضال حقا
وفيض يديك كالبحر الغزير
فقال معن: أعطيناه لهجونا ألفين أعطوه لمديحنا أربعة؛ فقال الأعرابي: بأبي أيها الأمير ونفسي؛ فأنت نسيج وحدك في الحلم ونادرة دهرك في الجود فقد كنت في صفاتك بين مصدق ومكذب؛ فلما بلوتك صغر الخُبر الخَبر، وأذهب ضعف الشك قوة اليقين وما بعثني على ما فعلت إلا (100) بعير جعلت لي على إغضابك فقال له الأمير: لا تثريب عليك فوصى له بـ(200) بعير(100) للرهان و(100) له؛ فانصرف الأعرابي داعيا له ذاكرا بهباته معجبا بأناته.
-
ومكانته لدى الشعراء، تُزاحم مكانة الخلفاء عندهم، فهل قيل في خليفة مثل هذا الرثاء؟
-
رثى الحسين بن مُطَير معنًا، فقال:
-
ألِمّا على معنٍ وقولا لقبره
سقتك الغوادي مَربَعًا ثم مربعا
فيا قبرَ معن أَنْت أول حُفْرَة ...
من الأَرْض خُطَّت للسماحة مضجعا
وَيَا قبرَ معن كَيفَ واريت جوده
وَقد كَانَ مِنْهُ الْبرُّ وَالْبَحْر مُترَعا
بلَى قد وسعتَ الْجُود والجود ميِّت
وَلَو كَانَ حَيًّا ضقتَ حَتَّى تصدَّعا
-
ويقال إن الشاعر مدح بعدها الخليفة المهديّ، فقال له:
كذبت يا فاسق، وهل تركت لأحد بعد قولك في معن ما قلت (وقرأ الخليفة الأبيات).
-
ورثاه مروان بن أبي حفصة بعد أن كان مدحه طويلاً، بمرثيَة مطلعها:
-
مضى لسبيله معن وأبقى
مكارم لن تبيد ولن تُنالا
ومنها:
وكان الناس كلهم لمعنٍ
إلى أن زار حفرتَه عيالا
-
وكان كلما مَدح َخليفةً أو أميرًا يُقال له:
وأنت قلت لمعن:
-
وقلنا أين نرحل بعد معن
وقد ذهب النوال فلا نوالا
-
ومما قيل في كرمه:
-
يقولون معن لا زكاة لماله
وكيف يزكي المال من هو باذله
إذا حال حولٌ لم يكن في دياره
من المال إلا ذكره وجمائله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والبر ساحله
تعود بسط الكف حتى لو انه
أراد انقباضاً لم تطعه أنامله
فلو لم يكن في كفه غير نفسه
لجاد بها فليتق الله سائله
-
وقيل: كان معن بن زائدة في بعض صيوده فعطش فلم يجد مع غلمانه ماء، فبينما هو كذلك، وإذا بثلاث جوار قد أقبلن حاملات ثلاث قرب فسفينه، فطلب شيئاً من المال مع غلمانه، فلم يجده، فدفع لكل واحدةٍ منهن عشرة أسهم، من كنانته، نصولها من ذهب. فقالت إحداهن: ويلكن لم تكن هذه الشمائل إلا لمعن بن زائدة، فلتقل كل واحدة منكن شيئاً من الأبيات فقالت الأولى:
يركب في السهام نصول تبر
ويرمي للعدا كرماً وجوداً
فللمرضى علاجٌ من جراحٍ
وأكفانُ لمن سكن اللحودا
وقالت الثانية:
محارب من فرط جود بنانه
عمت مكارمه الأقارب والعدا
صيغت نصول سهامه من عسجدٍ
كي لا يقصر في العوارف والندى
وقالت الثالثة:
ومن جوده يرمي العداة بأسهمٍ
من الذهب الإبريز صيغت نصولها
لينفقها المجروح عند انقطاعه
ويشتري الأكفان منها قتيلها
-
ومعن بن زائدة هو صاحب القول المشهور " فما كل مرة تسلم الجرة "، التي أرسلها الناس مثلا.
—�—�---
(1) أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني (المتوفى: 384 هـ) معجم الشعراء بتصحيح وتعليق: الأستاذ الدكتور ف. كرنكو، الناشر: مكتبة القدسي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة : الثانية، 1402 هـ - 1982 م ص 400-401.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال