الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراثيون و الخوف من الفلسفة و تجاهل جدواها

حمزة بلحاج صالح

2017 / 11 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يتوجس كثير من التراثيين من " الفلسفة " و منهم من يعتبرها كفرا و اغترابا بل يخافونها و يخشون على أنفسهم و على كل مسلم منها و لا يرون نفعها

و يخافون" التنظير " و يسمونه " الإسراف في التجريد " و الإنفصال عن الواقع

فتراهم يتسائلون ما جدوى الحديث عن " نيتشه " مثلا لا حصرا و غيره من الفلاسفة و منتجي الخطابات النظرية

و في هذا السياق نتسائل هل نكتفي ب "مالك بن نبي" مثلا و نعتبره نصا عمليا و واقعيا و براجماتيا و هو أمر أيضا يحتاج إلى نقاش

لكن ترى لماذا لم تكن ل" مالك بن نبي" حساسية من " نيتشه " و غيره بل كان عائدا إليه و إلى هيجل و غيرهما في محطات تفكيره المختلفة..."

قد يتسرب اليأس إلى الجامعي طالبا و باحثا و مثقفا و رجل تربية و غيرهم و هم يقعون في حالات من الإلتباس و الإستقطاب و تأثير فهوم الديني السطية و الفاسدة عليهم مستخفين و منتقصين من مكانة و دور الفلسفي في صناعة العقل و تحريره ...

عجز العقل عن إدراك قيمة بعض ما يتوهمه و يصنفه عن قلة إدراك تجريدا و حديثا منفصلا عن مشكلات التخلف هو من يدفع ببعض من ذكرت من شرائح المتعلمين العرب إلى عدم رؤية تناسق و تعاضد و جدوى قضايا فلسفية مختلفة و كم هائل من المعارف التي تقع في قلب مشكلة التخلف أهمية

الحديث عن التخلف يلامس مشكلة التعليم و التربية و التكوين و البحث العلمي الجامعي و برامج التكوين الجامعي...

يلامسها من حيث طبيعة و ملامح المخرجات االنهائية التي نريد ....

ما موقع و مكانة مواد ايقاظ العقل و صناعته و بناءه من استراتيجيات التربية و التعليم و الجامعة و البحث العلمي و المواطنة و الحوكمة في عالمنا العربي و الإسلامي...

ما مكانة الفلسفة و العلوم الإنسانية و العلوم العقلية و العلوم التجريبية في استراتيجية صناعة العقل و إيقاظه من سباته...

عندما نكتب عن قضايا أساسية في الخطاب الفلسفي الغربي و العربي و نتناول مثلا " نيتشه " و كيفية قراءته و مقولاته المركزية ..الخ إنما نتناول مشكلة أساسية تتعلق بالقول الفلسفي تهم طالب الفلسفة و المثقف و رجل التربية أيضا و تحررهم من ارتهانات و استلابات القول الفلسفي الغربي و اختراقاته للوعي الجمعي العربي..

أن لا يقف العقل العربي لعجز بنيوي و تكويني فيه على أهمية و قيمة الفلسفة و قضاياها عربيا و إسلاميا عند من ذكرت من بعض الشرائح فلا يعني أن من قدروا ذلك هم على صواب و أن العيب في كون ما طرح عليهم كان حقا مفصولا عن الواقع و مجرد تجريد و تهويمات و هرطقات فارغة و عنتريات جوفاء كلا

بل العيب في العقل الذي عجز عن تلمس مخاطر كبيرة و رهيبة في القول الفلسفي و الإناسي و في العلوم الإنسانية الغربية و أثرها علينا و ظن أنها مجرد تجريد و هو ما لا يفهم منه عدم جدواها و التوجس منها بل تحديد موقف علمي منها على تنوعها و أهمية قضاياها ...

و لا عذر لمن اشتغل بخطاب ما بعد الحداثة و مخرجاته الأدبية و الفنية و الثقافية و التربوية و تداعياته على تشظي المعنى و القيمة و الحقيقة أن يجهل و يتجاهل هذا و لا يرى انعكاس و أثر ذلك في برامج التربية و التعليم و الإصلاحات التربوية التي تشهدها الأوطان العربية و الإسلامية و على مستوى الخطاب الناقد للمقدس و للدين ...

عجز العقل مرده الى محدودية أفق النظر و الكسب و تنوعه و حالة اليأس و الإخفاق التي تعترض طريق العقل و تتسرب الى النفس العربية و ليس في لا واقعية الخطاب أو تجريده أو إغراقه في النظري...

ناهيك عن تمترس بعض العقول التي أشرت إليها حول كسبهم المعرفي الزهيد و الأحادي و السطحي و أرائهم و ظنهم أنهم يملكون الحقيقة النهائية

و تعاليهم إلى حد يفضلون التلميح على التصريح و الهروب إلى حصونهم بدل الإفادة من حصون الغير و اعتقاد الأستاذ و الجامعي أن السؤال منه جريمة و انتقاص قيمة من شخصه أمام طلابه...

الطلاب جزء كبير منهم يتفاعلون ظرفيا مع أصحاب النفوذ عليهم من دكاترة و أساتذة فإذا حصلوا الشهادات هجروا و أنكروا أنهم يوما ما كانوا طلابا..

و من أسباب ذلك تدميرنا للمنظومة القيمية الرمزية و العرفية و تراتبية و هرمية تداول العلم و أخلاق التعلم...

العقل الذي مبلغه من العلم مثلا لا حصرا هو " مالك بن نبي" فينتهي عنده و لا يتخطاه و يعتبره فكرا نهضويا عمليا و بديلا خلاصيا بل نهاية البدائل و خلاصتها لأنه في نظره يلامس الواقع هو عقل اختزل مشكلات التخلف و النهضة و انخرط في تمترسه حول ذاته و صنع صنما كما يصنع غيره أصناما ...

و لن يكون باحثا و لا فيلسوفا و لا عالم اجتماع أو إناسي أو مفكرا مرموقا كما هي بعض القامات العالمية التي أنتجها الغرب و ساهمت اليوم و أمس و في إطار سيرورة حضارية في تبديل قيم العالم و محاصرة المقدس...

فلاسفة الغرب – حاشاكم - لا يستمنون فلسفيا و فكريا و معرفيا و لا يهرطقون و يحلقون في سماء التجريد بل يساهمون في التحولات العالمية...

إن جل الحراك العالمي في حقل التربية و التعليم و الإصلاحات التربوية التي ألزمت بها في أنظمتنا التربوية العربية و التي ترتسم في إطار و تحت عنوان " عولمة القيم " هي نتاج العقل الفلسفي الغربي

إن مشكلة المساواة بالنسبة للمرأة و مكافحة ما يسمى بالنمذجة و التنميط أو " الستيريوتيب " و نظرية النوع أو " الجندر" و موضوع الحرية و الحرية الجنسية و تبديل قيم العائلة و الإنقلاب على تعريف نواة المجتمع التي هي الأسرة و تعريف الزواج و مؤسسة الزواج و إباحة الزواج المثلي ..الخ
و عولمة قضية الحق في الإعتقاد و الكفر و حرية سب المقدس و الله باعتبارها من الحريات و حق التدخل الأجنبي بعنوان حماية الحق الإنساني المنتهك

و طرح بديل عن المقدس الديني هو المقدس الأرضي الذي ينبغي أن يعم العالم كدين أرضي إنساني مكان الدين الطائفي أي دين الله الذي عجز عن بسط الأمن و التعايش في نظرهم و تسبب في الحروب و سفك الدماء و العنف و الإرهاب

كذلك قضايا الدين و الفضاء العام و قضايا الهوية و الخصوصية التي تجتاح باسم العولمة و الكونية و قضايا اللغة و اللسان....

و سيل من القضايا التي تطرح اليوم كبدائل للنظام التربوي و الإعلامي و الثقافي و الحضاري و الحقوقي ...الخ هي

إنها من صميم الخطاب الفلسفي و قلبه كما تناولها الفلاسفة الغربيون و من صميم الموضوعات التي تناولها " نيتشه " و " دريدا " و " فوكو " و " دولوز " و " دو سارتو" و " هابرماس" و "سيمون دي بوفوار" و "بورديو" و "ما بعد بورديو" على نحو ما تتبناه " نجاة فالو بلقاسم " و تيارات الحركات النسوية في نقدها لأطروحة " الهيمنة الذكورية " عند بورديو و هي من صميم القضايا التي تناولها بقوة القول الفلسفي الغربي الحداثي و ما بعد الحداثي ...

يعجز العقل الذي هجر التنظير و المفهمة و التأسيس الفلسفي و المعرفي و ترك هذا الواجب العيني و قلل من شأنه و انتقص من قيمته و أهله و همشهم و شكك في ع إنيتهم و أصالتهم و وسمهم بتهمة التغريب و التأثر كثيرا بالغرب و نقص تكوينهم في جانب العلوم الدينية و الشرعية كما يتوهمون و تعميم حكمهم على الجميع

إن مهام الشرائح المتعلمة تنقسم إلى قسمين قسم تنظيري أكاديمي معرفي مركب و قسم وسيط يعمم الخطاب و يبسطه للناس لإيقاظ العقل السبات الذي يقلل من قيمة النظري و المفهومي و التجريدي أو ما يظنه تجريدي

بل إن عدم العمل على الإنفاق المالي في هذا الحقل و مأسسته و تعميمه و تعبئة النخب حوله هو عين التقصير و العجز و السقطة و الإثم

فلا فلسفة بل ولا علم إنساني اليوم معلق بين سماء و هواء من غير معالم بل كل التفلسف الغربي له إحداثياته و معالمه و أسسه و مرتكزاته و قواعده و علائقه الجيوسياسية و الجيو إستراتيجية

كم ظلم مالك بن نبي مثلا من طرف محتكري خطابه و فهمه و كم اختزلوه و صنموه و حنطوه ...

العقل الفلسفي العربي عازف عن المعارف و التنظير و التفلسف و يعتقد أن على كل الناس إنتاج و استهلاك المسطح و الذرري من الفكر و المعرفة و الفلسفة و عدم الوقوف على ثغرات باتت اليوم عارية و الإغراق في ما يعده فعالية و فاعلية

ما لم يوثق الباحثون في حقل النهضة العربية و الإسلامية صلتهم بالعلوم الغربية و يطلعوا عليها بعمق و من غير قبليات و تصنيف و ازدراء إلى جوار تراثهم و معارفهم التي يجب أن يعلموا أنه منجزبشري في فهم الوحي و المطلق

فستبقى مقارباتهم عرجاء و هشة و غير مجدية و سطحية و منقوصة لا تتقدم بهم نحو إعادة بناء علوم و معارف و فلسفة و مناهج و مقاربات و أدوات نظر

و اشتقاق أو " نحت " مفاهيمنا مع تداول الخلاف القائم بين أن تكون عربيتنا لغة اشتقاق لا نحت و أن تمون اللغة الأجنبية و الفلسفة الغربية لغة تشتغل بنحت و صناعة المفهوم عبر النحت طبعا كعملية أساسية في إنتاج المفهوم لتكون العربية لغة الاشتقاق دون النحت باعتبار بنيتها و هو سجال لابد أن يحسم لغويا و نحويا و صرفيا و فلسفيا و إيبستمولوجيا

من عجز عن إدراك قيمة الفلسفة الغربية في منظومتنا المعرفية و لم يدرك كةحجم المخاطر التي تترتب عن هجرها و تكوين و تنمية عقدة نقص نحوها أقول إنه لا يخدم الثقافة العربية و الإسلامية بل يلحق بها أضرارا و بالعقل المسلم و يساهم في تدمير حس لطالما نما و ازدهر عند الاولين من المسلمين في تفاعلهم مع اليونان

إن مركب النقص هذا لا يتوقف عن ممارساته الهوسية و المرضية في مدح الذات مقابل طبعا من يجلدونها فقط قلت يمدحون الذات ليبقونها على هامش ما يحدث في العالم و يكرسون حالة التخلف

فشتان بين الإغتراب و الإنفتاح على الاخر بلا عقدة و بلا موانع حتى لا يضمر الانفتاح و يختزل فلا يكون فرقا بينه و بين الإنغلاق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م