الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب الملك و مآل الصحراء

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2017 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


بمناسبة مرور اثنتا وأربعين سنة عن ذكرى المسيرة الخضراء ، ألقى الملك محمد السادس خطابا ، لم يحمل جديدا عن الخطابات ، التي دأب يلقيها منذ سنة 2007 ، تاريخ اقتراحه حل الحكم الذاتي ، كمخرج للنزاع الذي عمر لأكثر من اثنتي وثلاثين سنة ( من 1975 الى 2007 ) ، والذي وصل الآن إلى اثنتي وأربعين سنة .
لكن الملفت للنظر ، انه بعد هذه السنوات التي استغرقت الحرب فيها ستة عشر سنة ، كانت تكلفتها باهظة في الأرواح ، والبشر ،والمعدات ، والأموال ، يأتي خطاب الملك هذا ، ليعترف بإطراف النزاع ، من خلال تركيزه على حل الحكم الذاتي ، أمام الحلول الأخرى التي لا تخرج عن الاستفتاء ، التي يتمسك بها الطرف المقابل . فتشبث الملك بحل الحكم الذاتي ، هو اعتراف صريح بان النزاع لا يزال مستمرا ، وان الحسم النهائي لا زال بعيد المنال .
ان تركيز وتشبث الملك بحل الحكم الذاتي الذي رفضه الطرف المخاطب به ، جبهة البوليساريو والجزائر ، ومعهما الاتحاد الإفريقي ، واستبعاده للحلول الأخرى التي يتمسك بها أطراف النزاع الأخرى ، هو اعتراف بحالة ووضع اللاّحرب واللاّسلم ، الذي تعيشه المنطقة منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في سنة 1991 ، وتحت إشراف وضمانات الأمم المتحدة .
إن الاعتراف بهذه الحالة والوضع ، هو اعتراف بكون الوضع النهائي للأراضي المتنازع عليها ، هي رهينة للتقلبات التي تحصل في السياسة الدولية ، والتطور الذي يفاجئ الدول والأمم من خلال العلاقات الدولية .
ان هذا التفسير للوضع بالمنطقة ، يعني ان الستاتيكو الذي يخيم على المنطقة ، قد يشهد هزات محلية او إقليمية ، تجعل المصير النهائي للصحراء ، معرض لتقلبات غير متحكم فيها . وربما قد تدفع المنطقة برمتها الى حافة الهاوية .
لقد ارتكب من حرر الخطاب للملك هفوات لا يمكن التسامح معها . ولنا ان نتساءل : هل الخطاب الملكي بالتركيز فقط على حل الحكم الذاتي ، هو موجه الى الجمهورية الصحراوية التي يجلس النظام معها في الاتحاد الإفريقي ، ام هو موجه الى الذراع العسكري للجمهورية الصحراوية التي هي جبهة البوليساريو ، ام هو موجه لهما معا ما دام النظام قد اعترف بالجمهورية ، من خل اعترافه بالقانون الأساسي للاتحاد الإفريقي ، الذي ينص بصريح النص ، أنّ كل دولة تريد الانضمام الى الاتحاد ، عليها ان تعترف بقانونه الأساسي الذي يجبرها بالاعتراف بجميع دول الاتحاد ، ام هو موجه للجزائر التي تحتضن الجبهة والجمهورية ، ام هو موجه الى الاتحاد الإفريقي ، ام الى المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة بخصوص الصحراء ، ام هو موجه الى مجلس الأمن الذي يتولى قضية الصحراء منذ 1975 ؟ وللإشارة فالخطاب وفي كل الاحتمالات يستهدف الاتحاد الإفريقي ، ويستهدف الجمعية العامة للأمم المتحدة ، برفع أيديهم عن نزاع الصحراء ، طالما ان مجلس الأمن يتلوى شخصيا معالجة الإشكالية الصحراوية ، وليس المشكلة الصحراوية التي تعرف تداخلات ، تخضع للمد والجزر بين أطراف الصراع المتنازعين .
ففي هذه النقطة ، كان على محرر الخطاب ، ان يكون واضحا في الإشارة المباشرة للمخاطبين المعنيين بالخطاب ، لإزالة أي خلط او لبس في تفسير الخطاب ، او فقدان عنوان الجهة التي يعنيها الخطاب ، الى عنوان جهة لا علاقة لها بالخطاب . اي ان الخطاب كان يجب ان يسمي الأشياء بمسمياتها لا ان ينهج أسلوب وإيّاك اعني يا جارة .
لقد ارتكب محررو الخطاب خلطا غير مقبول ، حين اجروا مقارنة في غير محلها ، عندما قارنوا بين خطاب محمد الخامس الذي ألقاه في 25 فبراير عام 1958 ، وبين خطاب محمد السادس الذي ألقاه يوم الاثنين 6 نوفمبر 2017 .
فمحمد الخامس عندما زار قرية محاميد الغزلان في سنة 1958 ، فانه ركز وتشبث بمغربية الصحراء كاملة ، ولم يتكلم عن الاستفتاء ، ولا عن تقرير المصير ، و لا عن اتفاق الإطار ، ولا تكلم عن الاستفتاء التأكيدي ، او عن الحكم الذاتي الذي طرحه محمد السادس في سنة 2007 ، رغم ان احد الصحافيين الفرنسيين سبق وان طرح سؤالا على الحسن الثاني قائلا له : لماذا لا تمنحوا الصحراويين حكما ذاتيا ؟ فأجاب وهو يركز بعيون ثاقبة " كيف ؟ هل يريدون مني أن أكون ملكا على جمهورية صحراوية ؟ أبدا " .
لقد غاب على من حرر الخطاب ، الإلمام التاريخي بالحدث وبالإحداث ، وكأني بي أمام هاوي ، وليس محترف في كتابات الخطابات . فكيف يقول الملك في الخطاب انه خلال أسابيع سنحتفل بالذكرى الستين لزيارة محمد الخامس لمحاميد الغزلان ، في حين ان الزيارة كانت في 25 فبراير 1958 .
فهل بهذا المستوى في خزن المعلومات ومعالجتها سيتمكن محررو الخطاب عند ربطهم بين خطاب محمد الخامس وخطاب محمد السادس ، من إضفاء شرعية ومشروعية تاريخية على خطاب الاثنين 6 نوفمبر 2017 ؟
ان الظروف التي تحكمت في خطاب 1958 ، ليست هي الظروف التي تتحكم وتحكمت في خطاب 6 نوفمبر 2017 . العالم تغير ، والمعادلات أصبحت صعبة ، والتقرير في القضايا الإستراتيجية لم يعد فقط بمتناول أطراف الصحراء ، بل أصبح يخضع للأمم الكبرى التي تحكمها الدول الكبرى .
ان المغرب في سنة 1958 ليس هو مغرب 2017 . ففي ذاك الوقت لم تكن الجزائر المعارضة ، ولا جبهة البوليساريو ، ولا الجمهورية الصحراوية ....الخ ، كما ان الفترة كانت فترة التحرير ، والحركات التحررية في إفريقيا وبأمريكا اللاتينية والجنوبية وبآسيا .
ولنا ان نتساءل كمحللين . انه بعد هذا الاعتراف الملكي بوجود حلول لإطراف أخرى ، عندما تشبث وتمسك فقط بحل احكم الذاتي .
إلى متى سيبقى أطراف النزاع مرهونين إلى الإنتظارية القاتلة ، التي يجهد مجلس الأمن من خلال تقاريره ، الى إطالة عمر النزاع ، ووضع العصا في عجلة اي مجهود ، قد يفضي الى حل عادل ودائم لنزاع عمر لأكثر من اثنتي وأربعين سنة خلت ؟
فهل بمقدور الجبهة ومعها الجزائر ، انتظار سنوات أخرى ، للوصول إنْ أمكنْ ، الى حسم الصراع ، في أفق وضع حد لحالة ، لا حرب ولا سلم ، التي تكتوي بنتائجها ، الشعوب وليس الأنظمة المستفيدة من الوضع ؟
وإذا كانت قرارات مجلس الأمن تستبعد الاستفتاء ، رغم التنصيص عليه في كل قراراته ، من خلال صياغة القرارات التي تحمل في أحشاءها ، تناقضات وتباينات ، تبطل وتعرقل الحل النهائي للنزاع .
فهل يعقل استمرار مجلس الأمن ، في مواصلة إصدار قراراته التي تنص على الحل السياسي / ( وليس القانوني ) ، يكون متوافقا عليه ، ومقبولا من أطراف النزاع قاطبة ، ويؤدي الى الاستفتاء المستبعد من نص القرار ؟
فهل ستتوافق الجزائر والجبهة مع المغرب ، وهذا شيء مستبعد . وهل سيقبل كل منهم الحل المقترح من الطرف الآخر ، وهذا أكثر من مستبعد . أي أنّ قرارات مجلس الأمن ، هي من تستبعد إجراء الاستفتاء ، وليس أطراف النزاع رغم تباعد مواقفهم .
ولنا ان نتساءل . ما دام الملك قد اعترف من خلال تشبثه بحل الحكم الذاتي الذي رفضه الطرف المخاطب والمعني به ، بوجود حلول أخرى لأطراف النزاع ، وحتى لا ننتظر حلول شهر ابريل القادم في 2018 ، ليجتمع مجلس الأمن من جديد في دورته العادية حول الصحراء.
هل دخل حل نزاع الصحراء المغربية عده العكسي ، الذي قد لا يتجاوز سنتين قادمتين ؟
وهذا الدخول إن حصل وهو وارد ، لا ولن يكون بفضل قرارات مجلس الأمن المتناقضة ، والتي يكون أطراف النزاع قد ملوا منها ، وإنما الدخول سيكون من جانب أطراف النزاع أنفسهم ، الذين قد يتجاوزون وضع وحالة ، اللاّحرب واللاّسلم ، إلى وضع الحرب لحسم الصراع لفائدة الأقوى ، والأحدث تسليحا ، وتجربة ،وكفاءة ،ومقدرة ؟
ان نزاع الصحراء المغربية ، وديمومة الستاتيكو ، ووضعية حالة اللاّحرب واللاّسلم ، تكون قد دخلت مرحلة عدها العكسي .
المغرب يسيطر على أكثر من ثمانين في المائة من الصحراء ، وجبهة البوليساريو تتنقل في مساحة لا تتعدى العشرين في المائة . والاحتكاك بين الطرفين وارد . والسؤال : هل ستكون حربا نظامية بين الجبهة والمغرب من خلال بعض الدبابات والمزنجرات التي يتفاخر بها البوليساريو ، ام ستكون عبر اللجوء الى حرب العصابات كر وفر ، كما كان الحال في السبعينات والثمانينات ؟
وان حصل هجوم على المغرب ، وهو سيكون بأوامر الجيش الجزائري الطرف الرئيسي الذي يحتضن الجبهة والجمهورية ، هل سيكتفي المغرب بالدفاع من وراء الجدار ، وتلقي الضربات كما كان عليه الأمر سابقا ، ام أن هذه المرة ستتحول الى حرب جزائرية مغربية ، على غرار الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثمانية سنوات ، وخلفت دمارا ، وخرابا ، وضحايا كثر ، في البشر ، والمعدات ، وفي البنيات الأساسية لكلا الدولتين ؟
والتساؤل الأخطر : هل ستكون الحرب عند اشتعالها ، سببا في تدخل مجلس الأمن ، بدعوى حفظ الأمن والسلام ، بفرض حل تيمور الشرقية ؟
الخطر داهم ووارد . وكل الاحتمالات تبقى واردة ومطروحة . ولمواجهتها يجب تصفية وتنقية الملفات السياسية الحساسة ، وبناء دولة الحق والقانون ، وعدم الإفلات من العقاب ، وربط المسؤولية بالمحاسبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص