الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الأسطورة في قصيدة -تموز والشيء الآخر- فدوى طوقان
رائد الحواري
2017 / 11 / 12الادب والفن
كلنا يعرف الأسطورة السومرية التي تحدثت عن عودة الإله "تموزي" إلى الحياة وأثره على البشر والأرض معا، فهذا الإلهة تم عبادته في الهلال الخصيب كاملا فهو في العراق "تموزي" وفي الشام "البعل" وتأكيدا على حقيقة عبادة هذا الإله من قبل الهلاليين جاء ذكره في القرآن الكرين في سورة الصافات والتي جاء فيها: " وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)" وإذا ما أخذنا واقعنا اليوم نجد هناك أثر لهذا الإله ما زال حاضرا في مجتمعنا من خلال قولنا خضار بعلية، بمعنى أننا ننسب الخضار التي تنبت من الأمطار إلى الإله "بعل/تموزي" فهو رمز الخصب والنماء ليس للأرض فحسب بال للإنسان أيضا.
وعندما تستخدم الشاعرة عنوان قصيدتها باسم "تموز" فهي بالتأكيد ستخبرنا عن حالة الخصب، خصب الأرض أولا ثم ينعكس أثر الطبيعة وخصب على الإنسان، إذا البداية تكون على الأرض، على الطبيعة التي هي الأساس الذي منه تشكل الإنسان:
"على جسد الأرض راحت أنامله الخضر تنقل خطواتها
تقيم طقوس الحياة، تجوس خلال التضاريس، تتلو صلاة المطر
وتستنبت الزرع ريان من شريان الحجر
تبدل كل القوانين، تلغي أوان الفصول -
تغير في الأرض دوراتها
(أخبئ ما يثقل النفس، آه... يطاردني الظل يعتم وجه الحلم
أخبئ ما يثقل النفس، من أين يأتي العذاب؟ من أي كهف يجيء الألم؟)
*
على جسد الأرض راحت تمر أنامله الغضة السندسية
طيورًا تحط هنا أو هناك، فكل المساحات أوطانها
وراحت أنامله السندسية تلقي تمائمها فتذوب جبال الجليدْ
ومن آخر الأفق تطلع شمس الغروب بصبح جديدْ
ترد الدماء إلى جسد الأرض، ترجع أعيادها
(أخبئ ما يثقل النفس، تعصف ريح الكوابيس... أسقط
بين الرؤى والحقيقة
يطاردني الظل، آه... يضرج قلبي السؤال الجريح،
يسد عليه طريقه!)
*
وصارت خطوط يديه جداولْ
تذوّب في جسد الأرض عطرَ البساتين تسقي تراب الخمائلْ
وصارت خطوط يديه انبهار الفصول، انبهار أساطير بابلْ
عشقناه تموز!
فيما سبق نجد بأن هناك حالة موت وصراع تلازم الحديث عن "تموز/البعل"، فمن أين جاء الموت؟، الملحمة السومرية والكنعانية تتحدث عن الجذب والموت اللذان يصيبان الأرض عندما يغيب "تموزي/البعل" فالموت جزء أساسي في دورة الحياة، أليس الليل والنهار في حالة صراع؟ أليس الربيع والخريف في حالة صراع؟، فالصراع وتعاقب الخير وفقدانه دورة طبيعية في الحياة، وهذا ما تحدثت عنه الملحمة السومرية والكنعانية، وهو ما جاء في القصيدة أيضا.
كما قلنا الأثر الذي يتركه الخضار على النفس لا بد أن يكون ايجابيا، ولهذا نستمتع به ونحبه:
"عشقناه تموز ينفض تلَّ الرماد ويمنح ليلالتنا
شمسه الذهبية
(أخبئ ما يثقل النفس، شجرة حزني على ضفة الحلم تنمو وتكبرْ
يطاردني الظل، آه... لماذا
لماذا يفتِّح في ظهر تموز جرح ويلمع خنجرْ؟!)
اجدادنا القدماء لم يكتفوا بحب "البعل/تموزي" فقط، بل مجدوه وعبدوه، وهذا ما جاءت به القيدة:
"مبارك هذا الجمال والعذاب
هبطت في المساءْ
أتيت محمولاً على سحابهْ
جئتَ نبيًا باهر العطاءْ
منحتني بشارة الحياهْ
منحتني البكاء والكآبهْ"
تقديم "البعل/تموزي" كما جاء في العهود السابقة يشير إلى أن هناك تمكن ومعرفة دقيقة عند الشاعرة بحيثيات هذا الإله ولهذا نجدها تخبرنا عنه بحالاته المفرحة والحزينة.
*
لكن دائما حالة الفرح هي الأكثر أهمية عند الناس، وهي من تأخذ منهم الاهتمام والتركيز:
"حديقة الجمال والعذاب ملكنا
لنا جناها طازج القطافْ
يداك فيها جدولا عناقِ
أفيء للضفافْ
يضيء وردُ العشق في دمائي
تنمو بذور الحزن في الأعماقِ"
*
تختم الشاعر قصيدتها بالدعاء للإله وتمجيده فهو ما زال حاضرا عندها:
"يا حبُّ يا خلاَّقْ
يا مبدع الجمال يا
مفجّر الأوجاعْ
يا باعثًا وجودي الجميل، يا مشتّتي
على حدود الموت والضياعْ
يا حبّ، يا حقيقة الحياة يا
توهّج السرابْ
مبارك أنت، مباركٌ
هذا الجمال والعذابْ"
بالتأكيد الشاعرة لا تريد العودة إلى عبادة "البعل/تموزي" فهي مؤمنة بالله الواحد الأحد، لكن لماذا استخدمت إله هلالي وثني ولم تستخدم الله المطلق الذي جاءت به الكتب السماوية؟ أعتقد بأن الإجابة يمكن أن تكون في تأكيدها على حقيقة وجود هذه الأمة على هذه الأرض قبل أن يكون "يهوه" ومن عبدوه، فإذا كان المحتل يعتمد على أسطورة يؤكد فيها حقه على هذه الأرض، فلا بد من استخدام عين الشكل/الطريقة لنرد عليه بعين المنطق والفكرة التي يستخدمها، ويمكن أنها أرادت باستخدامها "لتموز" أن تخبرنا عن مشاعرها اتجاه الحبيب، الرجل، ومن هنا هي لم تستخدم "عشتار" في قصيدتها علما بأن "عشتار" تحمل بعدا اسطوريا أهم من "تموزي"، كما أنها أكثر خصبا وبهاءا، لكنها كأنثى وجدت أن يكون رمزها مذكرا وليس مؤنثا، من هنا يمكننا أن نقول أن القصيدة لا تتحدث عن "تموزي" الرمز والأسطورة بل عن تتحدث عن رجل حقيقي لكن واقع الشاعرة كأنثى تعيش في مجتمع ذكوري فرض ذاته عليها وجعلها تعبر عن رغبتها ومشاعرها من خلال هذا ال"تموز". من هنا علينا إعادة قراءة القصيدة من منظور العاشقة لرجلها، فهل يمكننا أن الشاعرة تختفي خلف "تموز" وعلينا أن نقرأها من زاوية العشق وليس الأسطورة أو الرمز؟.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح