الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المسألة الكردية .. لكي لا يتحول الحلم إلى كابوس

جعفر المظفر

2017 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



أنقل هنا رأيا للأخضر الإبراهيمي كان قد قاله في حوار سابق له مع الصحفي اللبناني غسان شربل : (هناك كلام أيضاً عن سقوط سايكس- بيكو وولادة خرائط جديدة. أنا لا أظن الأمر بمثل هذه السهولة. طبعاً لا يمكن تجاهل أن الأكراد يتطلعون إلى بناء دولة لهم ويعتبرون خرائط سايكس- بيكو ظالمة لهم. لكنني لا أرى حتى الساعة إمكان تمزيق خرائط مجموعة دول من أجل قيام هذه الدولة. أنا لا أعتقد أن الحدود بين الدول ستتغير حتى ولو شهدنا حالياً انتهاكات صارخة ويومية لها. أعتقد أن الدول ستتغير ضمن حدودها الحالية، أي التوزيع الداخلي ضمن هذه الخريطة أو تلك.) إنتهى كلام الإبراهيمي وكلامي بشأن الدولة الكردية كنت قد كتبته قبل إطلاعي على كلام الإبراهيمي. معنى ذلك أنه ليس تكرارا وتفسيرا لما قاله لكن معناه أيضا يقول إقرأوا هذا فهو لرجل مجرب.
قد لا يكون كلام الإبراهيمي سليما مائة بالمائة لكنه مع ذلك يحمل رؤيا سياسية متأسسة على إقتراب موضوعي من حقائق كبيرة لا يجوز التعامل معها من خلال بعد ثقافي واحد خاصة إذا كان كان ذلك البعد موروثا, أي متأسسا على حقائق مركزية لمراحل سابقة مما يجعل من الخطأ إسقاطها كقوانين لمراحل لاحقة تغيرت حقائقها بشكل حاسم.
في إعتقادي إن كثير من المعادلات, حتى ذات الطابع الإستراتيجي, قد نالها بعض التغيير. إن الأحزاب الشيعية كانت تؤسس موقفها من خلال نظرية المظلومية التي كانت وراء المطالبة بالفدرالية في السنوات التي سبقت وتلت سقوط النظام العراقي السابق. إلا أن هذه الأحزاب, وبعد أن أنجزت هيمنتها على السلطة باتت هي التي تنادي بوحدة العراق والعديد منها يرى ان طرح الفدراليات صار بمثابة الخيانة (للدولة الوطنية).
في المقابل التجمعات السياسية السنية التي كانت تعتبر الفدراليات مشروعا تقسيميا يجب نبذه باتت تعتقد اليوم أن الحل هو في الفدراليات.
إن ما كان حلا على المستوى الشيعي صار مشكلة, والذي كان مشكلة على المستوى السني صار حلا.
دعونا من الجانب الخاص بهذه التفصيلة ذاتها ولنحاول أن نشتق معادلة سياسية, هذه المعادلة تقول : لا وجود لثوابت أيديولوجية في السياسة بل في العقائد. السياسة تقبل الثوابت المرحلية ولا تقبل بالثوابت التاريخية.
القوميون العرب, وفي المقدمة منهم البعثيون, لم يكونوا مخطئين في البداية, حينما طرحوا مشاريع الوحدة لكن سرعان ما تبين أن الخلل لا يكمن في الإيمان بالوحدة كطموح تاريخي وإنما في القدرة على تحقيقها كمشروع سياسي. بعد ذلك كان يجب الإنتباه إلى خطورة الإبقاء على الموروث الثقافي القومي الذي يعطل فاعلية التعامل السياسي. والنتيجة فشل المشاريع القومية التي لا تأخذ بنظر الإعتبار أن الذهاب إلى الهدف التاريخي يتم من خلال التعامل مع الواقع الموضوعي نفسه وليس من خلال تجاوز هذا الواقع.
الشيوعيون ظل مشروعهم الأيديولوجي لعقود طويلة مرتبطا بحلمهم العقائدي الأممي الذي نجح في إقامة الدولة السوفيتية العريضة, لكن هذا الحلم الأيديولوجي سرعان ما تراجع أمام الواقع السياسي الذي أدى إلى إنهيار الحلم الثوري. في النتيجة فإن الأيديولوجيا الماركسية نفسها قد تراجعت كثيرا, ولا نقول قد إنهارت نهائيا, نتيجة للتطورات العلمية العميقة التي جعلت الثورة الصناعية مشهدا تاريخيا ماضويا لا يمكن الإحتكام عليه لغرض إستمرار القاعدة الإجتماعية التي تستند عليها الماركسية اللينينية لإدامة مفهوم صراع الطبقات ودكتاتورية البروليتاريا. وقد أدى الأمر في النهاية إلى أن تتحول روسيا نفسها من الشيوعية إلى الرأسمالية وإلى إقتصاد السوق بطبعته الروسية.
في الدول العربية التي كانت فيها الأحزاب الشيوعية ناشطة ومؤثرة, وعلى سبيل المثال سوريا والعراق, فإن المتغيرات العالمية المقررة سرعان ما أدت إلى ان تتغير ساحات الإستجابة المحلية بسياقات متوائمة صار من شأنها أن تحيل النسخة السورية إلى الرفوف الأرشيفية كما حولت النسخة العراقية الشيوعية إلى مجرد حزب سياسي إنتهى به الأمر إلى أن يكون جزءا من مشروع الإحتلال الأمريكي بعد أن كان العدو العقائدي التاريخي لأمريكا وحلفائها الراسماليين.
أما الأكراد فكان من حقهم أن يكون لهم حلمهم الخاص, لكن هذا الحلم القومي العقائدي الذي إرتبط بظروف إنهيار الدولة العثمانية, الذي كان قد اسس بدوره لحلم العرب في الدولة العربية الواحدة الذي قاده الشريف حسين في الحجاز, والذي توالى على الغرق في بحوره, ورثته من القوميين والبعثيين اللاعنين, كما الأكراد, إتفاقية سايكس بيكو, ظلوا يسبحون إلى حد الغرق أيضا في البحر المتلاطم الذي خلقه التناقض ما بين الحلم العقائدي والمعطى السياسي.
وكان هذا الأخير, اي السياسي قد حقق لهم الكثير من مطامحهم القومية ناقصا حلم الدولة. لقد تحقق لهم ان يكونوا الشريك الاساسي, وحتى الأقوى, في مجموع دولة العراق. لكن كان ما ينقصهم حقا الإستعداد لمراجعة الحلم العقائدي على ضوء المتحقق السياسي لكي يقرروا, بشجاعة عقلية وفكرية, رؤى إستراتيجية جديدة, وهي رؤى لا تدعو بالضرورة إلى التخلي عن حلم الدولة, وإنما تقضي أن لا يتحول الحلم إلى كابوس سيكون أبسط ما ينتجه ضياع الإثنين معا: الحلم والمنجز السياسي.
في العشرين من عمري كنت عشقت إمرأة سكنت القلب حتى خلت إنني لن أعيش دونها, لكن حدث أن تزوجت بسيدة أعطتني الكثير, سكنا مريحا وإبنتين طبيبتين ومهندسا مختص..
لا أحد دعاني إلى التخلي عن العشق العشريني, لكن سأكون مجنونا لو إني تركت لذلك الحلم أن ينزل من مكانه المعلق في الذاكرة لكي يضع على عيني غشاوة تجعلني غير قادر على رؤية ما تحقق لي فِعلا على الأرض.
الشعوب والأحزاب, كما الأفراد .. ليسوا مدعوين إلى التخلي عن حلمهم الماضوي.
إن عليهم فقط أن لا يحولوا ذلك الحلم إلى كابوس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس