الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل یحق للمحکمة الإتحادیة العلیا العراقیة إلغاء نتائج إستفتاء کوردستان؟

جبار قادر

2017 / 11 / 21
القضية الكردية


نظریا تستطیع المحکمة الإتحادیة المشکلة وفق الدستور تفسیر موادە والنظر في الخلافات التي تنشب بین الإقلیم والحکومة الإتحادیة أو بین الأقالیم في أیة دولة إتحادیة حقیقیة. هذا الکلام النظري لا یستند الی أرضیة واقعیة في العراق، فالدولة التي تنص المادة الأولی من دستورها علی أنها إتحادیة، لیست سوی دولة مرکز مع إقلیم فدرالي لا تعترف بە الحکومة عملیا. ولا تمتلك هذە الدولة المؤسسات الدستوریة التي تجعل منها دولة إتحادیة حقیقیة کمجلس الإتحاد والمحکمة الدستوریة أو الإتحادیة العلیا المشکلة علی أساس الدستور الدائم ولیس "إستنادا الی أحکام المادة الرابعة والأربعین من قانون إدارة الدولة العراقیة للمرحلة الإنتقالیة والقسم الثاني من ملحقە وبناء علی موافقة مجلس الرئاسة" کما ورد في نص القانون رقم (٣٠) في ١٧ أذار ٢٠٠٥ الذي شکلت المحکمة الإتحادیة العلیا بموجبە والذي یحمل توقیع أیاد علاوي رئیس الوزراء آنذاك. هذە المحکمة إذن هي لیست تلك التي تتحدث عنها المادة (٩٢) من الدستور الدائم وکان من المفترض أن تتشکل وفق قانون خاص بها، والذي لم یسن لحد الآن. وجری تعیین أعضاء هذە المحکمة من قبل الأحزاب وفق نظام المحاصصة الحزبیة، أي أنهم لم یعینوا علی أساس الکفاءة، النزاهة والمهنیة التي یتمیز بها القضاة في کل زمان ومکان. أعتقد بأنە لا یختلف إثنان علی حقیقة أن هذە المحکمة مسیسة بإمتیاز وتصدر قراراتها دائما لخدمة من یتحکم بمقالید الأمور في المنطقة الخضراء. لذا فإن مسألة الطعن في شرعیة ودستوریة هذە المحکمة لا تستدعي التوقف عندها کثیرا.
هذە المحکمة التي صرح المتحدث بإسمها قبل أیام فقط بأنها لا تستطیع الإفتاء بشرعیة أو عدم شرعیة إستفتاء کوردستان. وهذا الکلام یعني شیئا واحدا وهو أنها غیر مختصة بالحکم في مثل هذە القضایا لعدم وجود نصوص قانونیة واضحة حولها لا في الدستور ولا في القانون الذي تشکلت المحکمة بموجبها ولا في نظامها الداخلي. ونشیر هنا الی قرارات صدرت عن المحکمة نفسها تؤکد علی هذە الحقیقة في مایس ٢٠١١ وورد في أحدها ما نصە: "ورجوعا الی الفقرة ثالثا من المادة (٩٣) من دستور جمهوریة العراق لعام ٢٠٠٥ وجد إنها تنحصر بالنظر في الطعون التي تقدم علی الإجراءات الصادرة من السلطات الإتحادیة ولیس علی الإجراءات الصادرة من السلطات في الإقلیم لذا یکون النظر في الدعوی خارج إختصاص المحکمة الإتحادیة العلیا بموجب قانونها المرقم (٣٠) ونظامها الداخلي (١) لسنة ٢٠٠٥". ولیس هذا بالقرار الوحید الذي یشیر بوضوح الی عدم أهلیتها بالفصل في القرارات التي تتخذها سلطات اقلیم کوردستان. ولکن یبدو أنها عادت بعد أن جری تأنیبها بسبب هذا التصریح الغیر مدروس لتکفر عن ذنبها وتصدر قرارات ترضي أقطاب حزب الدعوة الحاکم، وهذا لیس بغریب علی أعضاء هذە المحکمة التي تشیر سیرهم الذاتیة المنشورة علی موقع المحکمة الی کونهم عملوا سنینا طویلة في المحاکم العراقیة خلال حکم البعث. وتشیر قصة إجتثاث رئیس المحکمة مدحت المحمود عام ٢٠١٣ وفق قانون إجتثاث البعث وإتهامە بأنە هو الذي رفع شعار "البیعة الأبدیة" لصدام حسین عام ١٩٩٩، وهو القائل "ندعو بوش لیتعلم الدیمقراطیة من صدام حسین"، کما ورفع المتظاهرون في بغداد شعارات تدعو الی إبعادە ومحاکمتە کونە یمثل رمزا من رموز النظام الصدامي السابق والفساد والمفسدین في عهد المالکي، تشیر کل ذلك الی المسیرة العوجاء للقضاء في العراق. لقد أعید المحمود معززا مکرما بعد أن رضخ لرغبات المالکي الدکتاتوریة وتعهد بإصدار القرارات التي تکرس سلطاتە وتبعد عنە ید العدالة. لقد شکلت قصة مدحت المحمود درسا لکل من یسول لە نفسە مجابهة التوجهات الشمولیة والطائفیة للمالکي ولمن سیتسلم السلطة من بعدە. وهکذا أمن المحمود بتفسیراتە للقوانین لصالح المالکي وردە للطعون ضدە نفسە من شر هؤلاء. لقد أثبت المحمود علی أنە أداة بید المالکي ومن سیعقبە في الحکم وبذلك إستطاع أن یبقی في هذا المنصب حتی الان ولایزال یقدم خدماتە "القانونیة" لهذە الطغمة الحاکمة. المعروف أن قرارات المحکمة الإتحادیة العلیا باتة وفق المادة (٩٤) من الدستور.
لنتجاوز کل هذە الإشکالیات القانونیة، لأن مایجري في العراق لا علاقة لە مطلقا بالقانون والدستور، بل یجري إصدار القرارات والقوانین وتتخذ إجراءات العقاب الجماعي علی أساس فرض الأمر بالقوة وکسر إرادة الشعب الکوردي. لننظر الی قرار المحکمة من زاویة أخری، هل تستطیع هذە المحکمة إلغاء إرادة ملایین الکورد الذین صوتوا لصالح الإستقلال؟. الجواب قطعا لا. نعم تستطیع هذە الحکومة في ظل الأوضاع السائدة أن تفرض الأمر علی حکومة إقلیم کوردستان من خلال الضغط العسکري والتهدید بتجویع شعب کوردستان، إلا أنها لن تستطیع أن تطفئ جذوة الإستقلال في نفوس الکورد، الذین سینتهزون أول فرصة سانحة، وما أکثرها في عراق الصراعات الدمویة، لإعلان الإستقلال دون الحاجة الی إستفتاء. من بین مزایا عملیة الإستفتاء أنها أسقطت کل الأقنعة عن الذین کانوا یرددون شعارات الأخوة والمواطنة وإحترام حقوق الکورد وسوف لن یجدوا بعد الان أحدا من بین الکورد من سینخدع بهذە الشعارات الجوفاء.
ومن یقول بأن حکومة إقلیم کوردستان بعد کل هذە الهزائم والسیاسات الخاطئة لازالت تمثل الرأي العام الکوردستاني لکي یقرر البت في نتائج الإستفتاء؟. یمکن لأیة جهة تتسلم الحکم في کوردستان بعد الان أن تطعن في شرعیة قرارالحکومة الحالیة وتعتبر نفسها غیر معنیة بکل إلتزاماتها إزاء بغداد.
حق تقریر المصیر هو حق أزلي لا یمکن لأي قرار سیاسي أو قانوني أن یحرم الشعب وأجیالە القادمة من التمتع بە. من حق الأجیال القادمة أن تقرر مصیرها وفق مصالحها وأوضاعها ولن یستطیع کائن من کان أن یقول لها بأنکم قررتم مصیرکم سابقا من خلال تصویتکم علی الدستور أو أن محکمة مسیسة قررت أنکم لا تتمعون بهذا الحق. هناك في عالم الیوم عشرات الأمم التي إستقلت عن دول شکلت جزءا منها قرونا عدیدة. کما أن هناك أمما أخری تطالب بالإستقلال والإنفصال عن الدول التي عاشت في کنفها لقرون طویلة ولم یفکر أحد حتی الأعوام الأخیرة بأنها سوف تفکر أصلا بالإستقلال ولا یدعي أحد بأنها سبق أن قررت مصیرها. کان شعار الکورد قبل ثلاثین عاما فقط "الدیمقراطیة للعراق والحکم الذاتي لکوردستان"، ولکنك لو أحییت أبرز رموز وقادة تلك الحرکة الیوم لن تجد أحدا من بین الکورد من سیسیر خلفهم. بعد الفشل المطلق للنظام الإتحادي علی "الطریقة العراقیة" تجاوز الجیل الکوردي الحالي الفدرالیة أیضا وسوف لن یرضی بأقل من إستقلال کوردستان. إنە لأمر محیر أن لا یری عقلاء القوم هذە الحقائق. من المؤکد أنهم لازالوا غارقین في أحلامهم حول کسر إرادة الکورد إعتمادا علی الموقف المعادي للدول المحتلة لکوردستان. من المؤکد أن هذا الأمر سوف لن یستمر الی الأبد.
النظام السیاسي العقلاني والرشید لا یرکبە الغرور ولا یتصرف مع من یسمیهم بمواطنیە بهذە الطریقة السادیة. لن تثمر حملات الکراهیة القومیة والمذهبیة ضد الشعب الکوردي، ومحاولات کسر إرادة الناس وعقابهم جماعیا وتجویعهم الا الی المزید من العنف والتدمیر والعقلاء یدرکون أن تاریخ الأمم والشعوب لا تحسب بالأیام والأشهر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة


.. تفاعلكم الحلقة كاملة | عنف واعتقالات في مظاهرات طلابية في أم




.. كل يوم - خالد أبو بكر يعلق على إشادة مقررة الأمم المتحدة بت