الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن العنف المزدوج ضد المرأة .

يوسف حمك

2017 / 11 / 25
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


يؤكد علم النفس أن النزعة العدوانية متوازيةٌ مع دافع التملك داخل النفس الإنسانية غريزياً . إن لم تلعب التربية دوراً في تهذيبها ، و التقليص من حدتها ، فسيمارس الفرد بأعمال عنفٍ ضد الآخرين .
و على مستوى الجماعات فإن الأيديولوجيات بمختلف صنوفها تنشط هذه الدوافع العدوانية بتناولها جرعاتٍ من المشروعية ، على أن القيام بأعمال العنف ضد الغير ، و تدميرهم حقٌ طبيعيٌ مشروعٌ لتحقيق العدل .

و غالباً ما تقف الرغبات المكبوتة خلف السلوك العدوانيِّ كرد فعلٍ على حرمانها من الكثير لمتطلباتها الضرورية ، وقد يساندها الإحباط أيضاً في ممارسة العنف ذاته .
و ناهيك عن الصراع بين الحضارات المتباينة ، و مشاربها الثقافية المتعددة .

ففي هذا السياق يؤكد الفيلسوف توماس هوبز : أن العنف كامنٌ في الطبيعة البشرية .
و يضف : أن الإنسان يهاجم أولاً من أجل المنفعة ، و ثانياً لاستتباب الأمن ، و ثالثاً بقصد السمعة .
و يذكر الفيلسوف هوبز مفسراً : أن الناس يمارسون العنف في الحالة الأولى ليصبحوا أسياداً على الآخرين ، و على زوجاتهم و أبنائهم و ممتلكاتهم . و في الحالة الثانية لصيانة هذه المكتسبات .
و في الحالة الثالثة لأجل الترهات و البخترة .
كما يحذر هوبز من حالات الهدوء التي غالباً يعتبرها استعداداً لمرحلة عنفٍ قادمةٍ .

لكن العنف الذي نتوخاه هو الذي يمارس ضد المرأة بصفعاته الموجعة على وجهها ، باستقواء الرجل عليها تعطيلاً للعقل ، و قتل لغة الحوار بالقوة و العنف كوسيلةٍ لفرض الهيمنة و الاستعلاء عليها .

قوانينٌ قديمةٌ و لا زالت تحط من شأن المرأة ، و تهبط من قدرها ، و تمنعها من التفكير الحر ، و تعادي حقها في المعرفة و إتيانها بالحكمة .
قوانينٌ إلهيةٌ دينيةٌ فلسفيةٌ سياسيةٌ اجتماعيةٌ صاغها الذكور في مختلف العصور تقزم دورها في المجتمع ، و تشل إرادتها ، و تعيق تطوير قدراتها ، و مداركها الفكرية .

و علاوةً على ذلك يمارس الرجل بحقها كل صنوف العنف المدمر .
الاعتداء عليها بالضرب المبرح ، و بقوةٍ مفرطةٍ جسدياً .
و توجيه الألفاظ المهينة إليها انحطاطاً من قدرها بعبارات التهكم و السخرية لقهرها نفسياً .
فالتحرش بها و اغتصابها جنسياً ، و فرض العلاقة معها بالإكراه ، وتقييدها بمسائل الشرف و العفة ، و بيع الصغيرات للشيوخ باسم الزواج .
و ناهيك عن منعها من مزاولة العمل لحرمانها من المال و الاقتصاد اللذان بهما ضمانٌ لاستقلاليتها و مساواتها بالرجل ، كما حرمانها من التعليم لحصر عملها في المطبخ ، و جعلها حبيسة المنزل ، و تبعيتها المطلقة للرجل .

قيودٌ و تقاليدٌ موروثةٌ ، و قهرٌ و قمعٌ ، و نظرةٌ دونيةٌ نتاج منظومةٍ ذكوريةٍ عنصريةٍ تمارس ضدها ( إخفاء رأسها بالكامل ، أو وجهها باستثناء العينين بالحجاب أو النقاب ... )
حتى باتت المرأة كلها عورةً .

غير أن المرأة أخطأت بحق نفسها أكثر من خطأ الرجل إزاءها ، حينما تشبثت بهذه القوانين ، و روت فكرها بتلك المنظومة المروعة الملغمة ضدها .
فهي تستسلم للاضطهاد ، و ترى في نكوصها و استضعافها خيراً و فضيلةً .
لا تناصر المرأة من بنات جنسها ، بل تناصر الرجل أكثر .
لا تصوت للمرأة المرشحة بل للرجل .
تستخدم نفوذها و قوتها ضد الأخرى ، و تنافسها في كل كبيرةٍ و صغيرةٍ بالمكائد و الخديعة .
لا تعارض زوجها بتزويج ابنتها القاصرة ، و لا تقف في وجهه عندما يتزوج عليها بامرأةٍ أخرى ، فثانيةٍ و ثالثةٍ .
تفتخر بضعفها الذي تعتبره ربما نعومةً تليق بها كأنثى . لأن في القوة قسوةٌ ، و القسوة هي خشونةٌ ، و الخشونة صفةٌ متلازمةٌ للذكر لا للأنثى .
و الأنكى أنها ترسخ فكرة الخضوع للرجل في عقلها ، و تنصح بها بناتها منذ الصغر ، و تلقن الصغيرات دروساً في الخنوع و الدونية للذكور ، أكانوا من الأهل ، أم من الأزواج ؟ .

طاعة المرأة للرجل تعتبرها فضيلةٌ و استقامةٌ أخلاقيةٌ ، و طريقٌ للوصول إلى الجنة ، و ثوابٌ و عفةٌ ...
حتى بعض الجمعيات النسوية لحقوق المرأة متهمةٌ بدعوتها للمرأة الخضوع للرجل حسب رأي الكثير من المطلعين على هذه المؤسسات و الجمعيات النسوية .

فاللوم يجتاح المرأة ، و العتاب يثقل كاهلها قبل أن يخنق الرجل .
و هنا نتذكر قول الشاعرة العراقية منى كريم حسب المثل القائل : ( و شهد شاهدٌ من أهله ) .
تعاتب الشاعرة المرأة بشدةٍ حينما لامتها قائلةً : { أقف ضد المرأة التي تبكي من تعدد الزوجات ، لا من تعدد الخادمات ، كما أقف ضد المرأة التي تذهب للعمل خارج المنزل تتبختر بحريتها على حساب الآسيويات في بيتها } .
أي أنها تغضب من العنف الذي تمارسه المرأة ضد المرأة أكثر من عنف الرجل إزاءها .

على النساء أن يتحدن معاً و بقلبٍ واحدٍ لمناهضة كل القوانين المجحفة بحقوقهن ، و المطالبة بإندثار المنظومة الذكورية التي تنسف وجودهن ، للتحرر من مجمل القيود الموروثة ، و رفع وصاية الملتحين عن القوانين . و إلا فإن التقاعس و النكوص بانتظار الرجل ليهب حقوقهن تلقائياً أمرٌ لا يمكن حدوثه ، و لا أمل من أن يتنازل عن عنجهيته و جبروته لصالح المرأة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقوال المرأة خالدة في ذاكرة التاريخ


.. أفولكي للنساء… ربع قرن من العمل على إدماج المرأة في التنمية




.. تعرف منين إن عملك اتقبل في رمضان؟..الداعية عمرو مهران: نجاح


.. Danai Gurira on preventing conflict-related sexual violence




.. تفاعلكم | جديد عجائب إيران.. -سفراء للمحبة- يعتدون على النسا