الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القول الجاهلي في الشعر الجاهلي

محمود خضر

2017 / 11 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لا شك ولا مراء، في أن الكلمة المكتوبة هي انعكاس صادق، لإيمان بفكرة أو وجهة نظر، هي في نفس كاتبها، وإلا ما كان قد كتبها، ويأخذ على عاتقه الدفاع عنها، بكل ما أُوتى من بلاغةٍ ومن مجامع الكلم.
وصاحبنا العميد! والذي لا يستطيع كائن من كان، أن ينقص ولو بقدر أُنملة، من قيمته الأدبية والبلاغية العالية شيئاً. وليسمح لي عزيزي القارئ، أن أستعِر كلمة (صاحبنا)، والتي أطلقها هو على نفسه، كان يؤمنُ بالبداوة، تاريخا وجغرافيا وثقافة! وكان يجلُ ويعظمُ نتاج هذه البداوة، ومنها الشعر الجاهلي ورموزه، مثل أمرؤ القيس والنابغة والأعشى وزهير وعنترة وغيرهم من فحول الشعراء، وقد أقر بذلك ووثق ودَوَّن هذا الإيمان وهذا الفكر في كتابه (قادة الفكر)، تغير بعدها الكاتب من النقيض إلى النقيض كليةً! وتغيرت معه كتاباته، لتخدم فكرة ووجهة نظر مغايرة ومخالفة لسابقتها تماماً، مما يعنى أن إيمانه بفكره الأول قد تلاشى، وحل محله إيمانٌ بفكرة أخرى!
الفترة الزمنية بين الإيمانين ضئيلة جداً! فماذا حدث؟
من هنا كانت الإشكالية، التي أبدعها ووضع نفسه فيها!
تكلم صاحبنا العميد في هذا الكتاب، وقال بكلامٍ ما زال يفصحُ وبجرأة، عما كان في مكنونه، فهذا الكلام لا يحتمل وجهاً آخر للاستيعاب والفهم، فظاهره أكثر جلاءً عن المواربة والكناية.
إذاً: المقصود هنا الآن، هو التحليل الموجز لشخصية صاحبنا، لا ما قال به وكتبه، ولكن وقبل أن نستعرضه، علينا بالتذكير بما جاء بالكتاب، ونشير هنا إلى أن الكتاب به أربع محطات رئيسية، لا بد لمن يقرأه أن يتوقف عند كلٍ منها طويلاً، ونودُ أن نذكر بها عزيزنا القارئ.
أولاً: جاء في كتابه تكذيبٌ واضحٌ وصريح للقرآن الكريم، (لا يخطئه القارئ المبتدئ)، وأنكر صاحبنا ما أخبرنا الله فيه عن قصة سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل، عليهما السلام، وأنكر قصة بناءهما للكعبة المشرفة، وشكك في عروبة ونشأة العرب، ص 26 من الكتاب.
كما أنه قال ما لم يقله غيره وتفرد به وحده، قال في نفس الكتاب (وليس من اليسير، بل ليس من الممكن أن نصدق أن القرآن كان جديداً كله عن العرب، فلو كان كذلك لما فهموه ولما وعوه ولا آمن به بعضهم، ولا ناهضه وجادل فيه بعضهم الآخر) !!!
وقوله: (إن القرآن المكي يمتاز بالهروب من المناقشة والخلو من المنطق) !!!
وقوله: أن القرآن غير منقط في أول كتاباته، ولذلك فقد حدث فيه اختلاف كثير! فهناك كلمات تنطق كذا وكذا فتبينوا. فتثبتوا إلخ ؟!
وقال في اللغة العربية، ما هو أعجب وأعجب (اللغة العربية مقدسة ومبتذلة، مقدسة لأنها لغة القرآن والدين، وبالتالي لا يمكن إخضاعها للبحث العلمي الصحيح، الذي يستدعى الإنكار والتكذيب، والنقد والشك، ومبتذلة لأنها تدرس لنفسها، وبالتالي لا نستطيع إخضاعها للبحث العلمي الصحيح)!
ثانياً: أنكر صاحبنا القراءات القرآنية السبع أنها من عند الله، وقال عنها أنها لغة القبائل المختلفة آن ذاك، لا كلام الله تعالى، أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، وعلَّمها إياه جبريل عليه السلام.
ثالثاً: الطعن الفاحش والبذيء، في النسب الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم، ص 72 من الكتاب.
رابعاً: أنكر صاحبنا على العرب رفعتهم ومكانتهم العالية، وأنكر أن لهم في بلاد العرب أولية، وأنكر أن الإسلام هو دين إبراهيم عليه السلام، وأنكر الحنفية، وادعى عدم نسبها لأي معنىً من معاني اللغة العربية الصحيحة، ص 80 و81 من الكتاب.
وبعد أن علمنا بما بين دفتي هذا الكتاب، والذي لا لبث فيه ولا تحويل، لا بد أن نعلم عن الكاتب غير ما نعرفه من كتاب الأيام.
صاحبنا العميد!
• كان أحياناً مضطرباً! فكان هو الرأي والرأي الآخر! وكان الكلمة ونقيضها! ولقد ظهر هذا جلياً، في هذه الفترة بالذات، التي انساق فيها، وانقاد انقيادا تاماً للمستشرق الأوروبي (ديفيد صمويل مرجليوث)، ففي كتابه (قادة الفكر) والذى أصدره في إبريل سنة 1925، كتب صاحبنا: (إنه ما كانت الحضارة الإسلامية، التي ظهر فيها من ظهر، من الخلفاء والعلماء، وأفذاذ الرجال، لتوجد لو لم توجد البداوة العربية، التي سيطر عليها أمرؤ القيس والنابغة والأعشى وزهير، وغيرهم من الشعراء، الذين نبخسهم أقدارهم، ولا نعرف لهم حقهم)، هكذا بالكلمة وبالحرف تكلم صاحبنا، وآمن إيماناً مطلقاً، وأقر بالشعر الجاهلي وبتوقيته، وبفضله على تكوين الشخصية العربية آن ذاك، فلما جاء المستشرق (مرجليوث) ببحثه والذى نشره في كتاب، في يوليو سنة 1926، والذى تكلم وأنكر فيه الشعر الجاهلي، اتبعه صاحبنا إلى نفس الجحر، ودخله معه! وأنكر ما أقره من قبل، فكان كتابه هذا، والذي حمل نفس العنوان تقريباً، وقد نشره بعد أقل من عام، وتحديداً في مايو سنة 1927!
• صاحبنا في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) يتهم العرب المسلمين، ظلماً وزوراً بحرق مكتبة الإسكندرية، بما يعنى التحريض عليهم، والدعوة لكره وبغض هذا الدين الذي يعتنقونه! فيقول في هذا الشأن:
(فليس من الغريب في شيء، أن أمة بدوية كالأمة العربية، قد اعتنقت ديناً جديداً، كالدين الإسلامي، ليس غريباً أن أمة كهذه الأمة، أن تقوم على تحريق كتب لا تعلم ما فيها، ولكنها تعلم أنها تمثل ديناً، غير الدين الذي أذعنت له وكتبت فيه).
ومن العجب العجاب، أن في الوقت الذي قال هو فيه هو هذا الكلام، تنفي فيه جهات كثيرة، تضيق المساحة بذكرها، تنفى هذه الجهات هذه التهمة جملة وتفصيلاً، منها على سبيل المثال.
دائرة المعارف البريطانية، ودائرة المعارف الفرنسية، وصاحب كتاب (حضارة العرب) جوستاف لوبون!
• صاحبنا ينصّبُ نفسه على المسلمين، ويتخير لهم ما لم يتخيره لهم لا الله ولا رسوله، فقد حثهم على أن يسيروا على نهجه، في طريقٍ حدده هو لهم، ففي كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) يقولُ (إن سبيل النهضة واضحة بينة مستقيمة، ليس فيها عوج ولا التواء، وهي أن نسير سيرة الأوربيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، وحلوها ومرها)، وقد حدد صاحبنا طريقاً للمسلمين بعينه، فقد ذكر في كتابه (رحلة الربيع) قال.
إنها أثينا، هي التي أرست للأجيال وللإنسانية طريقها، الذي سلكته وستسلكه مدى الحياة، كما أن صاحبنا قال وزعم، أن عقلية مصر، عقلية يونانية، وأنه لا بد أن تعود مصر إلى أحضان فلسفة اليونان! ومن ثم كان يلح دائماً، إلى جعل الحضارة اليونانية مثلاً لنا، وأن يكون قدوتنا هم (هوميروس) و (سقراط) و(أفلاطون) و(أرسطو)!
• صاحبنا حارب الأزهر والأزهريين حرباً ضروس، كان هدفه القضاء عليه، وعلى رسالته التي ما ماثلتها رسالة، في قيمها وأهدافها، فرفع فوقه من هم دومه!
ففي 21 /9/ 1922 كتب صاحبنا في جريدة السياسة، متحدثاُ عن شخصٍ، ما امتلأ قلبه حقداً على أحدٍ، كما امتلأ على الإسلام، قال فيه صاحبنا (لم أجلس إلى كازانوفا حتى أستيقن أن هذا الرجل، كان أقدر على فهم القرآن وأمهر في فهمه وتفسيره من هؤلاءـ الذين يحتكرون علم القرآن، ويرون أنهم خزنته وأصحاب الحق في تأويله)، وهو يقصد بكلمة هؤلاء علماء الأزهر!!!
وقال فيه أيضاً (ولقد أريد أن يعلم الناس أنى سمعت هذا الأستاذ (كازانوفا) يفسر القرآن الكريم تفسيراً لغوياً خالصاً فتمنيت لو أتيح لمناهجه أن تتجاوز باب الرواق العباسي ـ بالأزهر ـ ولو خلسة ليستطيع علماء الأزهر الشريف أن يدرسوا على طريقة جديدة نصوص القرآن الكريم من الو جهة اللغوية الخالصة على نحو مفيد حقاً)!
ومن أشهر أقوال صاحبنا فيه أيضاً (لولا كازانوفا ما فهمتُ القران)!
وهنا نكتفي بهذا المثال لضيق المساحة.
• صاحبنا بعد أن أتم دراسته في الأزهر، وتركه وذهب عنه، إلى حيث باريس والسوربون، لم يره راءٍ يدخل إلى مسجد للصلاة قط، ولم تطأ قدمه أي بيتٍ من بيوت الله، بل وأثناء إقامته في فرنسا وعند اتمام مراسيم زواجه من الفرنسية سوزان بريسو، تعمّد لاعتناق النصرانية، وكان ذلك في كنيسة إحدى القرى الفرنسية، وفي كتابها (معك) الذي أصدرته زوجته سوزان، وذكرت فيه أن زوجها دخل عشرات الكنائس، وسمع فيها مئات التراتيل! وفى عددها الصادر في 7 نوفمبر سنة 1932 ذكرت مجلة النهضة الفكرية، (والعهدة عليها)، ذكرت أن صاحبنا تعمد في إحدى الكنائس، وانسلخ من دينه الإسلامي، في سبيل شهوة ذاتية، وكان من أهم الأصدقاء المقربين لصاحبنا (القس الكاثوليكي عم زوجته سوزان، والذي اعتاد صاحبنا على وصفه بكونه “أحب الناس إلى قلبه”، والمستشرق الإنجليزي مرجيليوث والمستشرق الفرنسي لويس ماسينيون).
• صاحبنا: رضى عنه من كانوا يكيدون للإسلام رضاءً كاملاً، حتى أن المستشرق ماسينيون قال فيه قولته الشهيرة وهو يقرأ له بحثاً عن القرآن (هذه بضاعتنا رُدت إلينا)!
• صاحبنا كان يحرض الطلبة على الكفر والخروج عن الملة! كيف حدث هذا؟
لقد كان يدعو طلابه في كلية الآداب إلى اقتحام القرآن في جرأة! ونقده بوصفه كتاباً أدبياً يقال فيه: هذا حسن وهذا (غير هذا)!
ومن أشهر أقواله لهم: (ليس القرآن إلا كتاباً ككل الكتب الخاضعة للنقد، فيجب أن يجرى عليه ما يجرى عليها، والعلم يحتم عليكم أن تصرفوا النظر نهائياً عن قداسته، التي تتصورونها، وأن تعتبروه كتاباً عادياً فتقولوا فيه كلمتكم، ويجب أن يختص كل واحد منكم بنقد شيء من هذا الكتاب، ويبين ما يأخذه عليه) !!!
• صاحبنا لم يسلم منه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم!
فقال عنهم أنهم سياسيين محترفين طامعين في السلطان!!!
• عمل صاحبنا على إعادة طبع رسائل " إخوان الصفا" وتقديمها بمقدمة ضخمة في محاولة إحياء الفكر الباطني والمجوسي! وإحياؤه شعراً لا يدعو إلا إلى الفسق والفجور! وتحدث عن أبي نواس وبشار وغيرهم مع تعظيمهم وإجلالهم! كما عمل على ترجمة الفن الفرنسي الإباحي! وطعنه في ابن خلدون والمتنبي وغيرهم!
• صاحبنا وصل إلى مرحلة عدم إخفاء ما في قلبه تجاه الإسلام، فجاهر بها! ومنه قوله في مجلة "كوكب الشرق" أغسطس 1933م:
(لم أكن في اللجنة التي وضعت الدستور القديم، ولم أكن بين الذين وضعوا الدستور الجديد، ولم يستشرني أولئك وهؤلاء في هذا النص الذي اشتمل عليه الدستوران جميعاً، والذي أعلن أن للدولة المصرية ديناً رسمياً هو الإسلام، ولو قد استشارني أولئك وهؤلاء لطلبت إليهم أن يتدبروا، وأن يتفكروا قبل أن يضعوا هذا النص في ال دستور0
• صاحبنا احتفى واحتفل بكل من هو ضد الإسلام، وكل من كاد له! فأقام حفلاً لتكريم "رينان" الفيلسوف الفرنسي الحاقد الحاسد، الذي هاجم الإسلام أعنف هجوم، ورمي المسلمين والعرب بكل نقيصة في أدبهم وفكرهم.
وبعد.
فهذا هو صاحب كتاب (في الشعر الجاهلي)، وقد تبينتُ للوهلة الأولى، عندما كنتُ أقرأه لأول مرة، أن صاحبنا اغتر بنفسه، ولم يكن أبداً بحسن النية، ولا هو بجاهلٍ بما يفعل، وقد تعمد من القول، وبدون مواربة، ولا تخوفٍ، حتى بلا خوفٍ من الله! ، تعمد ما يسئ لديننا الحنيف، وحتى يقال (قد شهد شاهدٌ من أهلها) وإلا فليقل لي قائل، ما فائدة أن يسبق اسمه ألقاب عديدة، ولولا أنى محكومٌ بمساحة عددية للكلمات، لكان لي أن أضيف إلى هذا الكثير مما كان منه، ولكنى آثرت الاكتفاء، على أن نوضح ما لم أتناوله في مرة قادمة إن شاء الله تعالى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق علي مقال لا يستحق النشر
محمد البدري ( 2017 / 11 / 26 - 11:24 )
أمر غريب ان نجد من يهيل التراب علي من بحث باكاديمية ومناهج علمية لكشف عن ما ادعي العرب انه حقائق دون تقديم اي دليل بينما نصوص القرآن التي تؤكدون صدقها كلها منقولة عن نصوص لا دليل عليها بل تغلفها الاساطير وينتمي اصحابها الي عالم الخرافة. فموسي وعيسي ومحمد ومن قبلهم ابراهيم يترفع البشر عن ذكر تخاريفهم اما النص القرآني فهو كتاب في نهب الاموال وسبي النساء وكيفية السطو علي كل من تقع عليه اعين رسول الله.
نصيحتي لك لزيادة ايمانك الا ترفع عينك عن التعليق قبل ان تصلي وتسلم علي رسولك قاطع الطريق ومستبيح الاموال والاعراض

اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا