الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بدو سيناء والإنتماء الوطنى

رياض حسن محرم

2017 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


عايشت البدو فى سيناء لفترة لا بأس بها فى ثمانينات القرن الماضى بما يسمح لى بتكوين وجهة نظر معاينة الى حد ما عنهم، خالطتهم فى أفراحهم التى يقيموها عادة فى الليل حين إكتمال القمر ويرقصون فيها الدحية والمربوعة، وخمّست معهم الشعر، وفى أحزانهم التى لا تدوم طويلا فبعد الدفن مباشرة يعودون لحياتهم العادية وكأن شيئا لم يحدث، البدوى إنسان جاف العواطف يتحايل على العيش بمختلف السبل، لا يحب العمل كثيرا ودائم البحث عن مصادر للرزق السهل، بعضهم يعتمد على النساء اللآئى يتزوجهن حيث يقضى معظم يومه جالسا أو نائما فى خيمته أو بيت الشعر بينما هن يرعين الأغنام ويجمعن الحطب ويحضرن الماء ويعددن الطعام، كنت اتردد على بقعة تسمى "بير صغير" وهو تجمع بدوى محدود حول بئر ماء، الرجال يقضون يومهم جالسين بالخيمة وهم يتسامرون بلا عمل، قليل منهم يعمل بالصيد، وكل أسماك البحر بالنسبة لهم هى "حوت"، ذكر لى أحدهم أنه أثناء الإحتلال قرر اليهود شق طريق يصل بين تجمعهم والطريق العام، أرغمهم جندى إسرائيلى من طائفة الدروز يسمى مصطفى ويتحدث العربية على العمل فى شق الطريق وعادوا بعدها سريعا لجلسة المسامرة.
أعترف أن إسرائيل لعبت دورا خطيرا أثناء سنوات الإحتلال الطويلة "15 عاما" فى دق إسفين غائر بين الشعب المصرى وسكان سيناء، أذكر أن أحد السيناويين أخبرنى أن الإسرائيليين كانوا يكررون عليهم أننا أبناء عمومة بينما المصريين فراعين، وحاولت إسرائيل خلال فترة الإحتلال إيجاد فرص عمل لهم فى سيناء من قيادة السيارات وإصلاحها وتقديم خدمات النظافة وغيرها "وذلك لعدم توفر عمالة إسرائيلية للقيام بهذه الأعمال بالأراضى المحتلة"، ناهيك عن السماح لهم بالدخول اليومى الى إسرائيل للعمل، لقد شاهدت بأم عينى كم الصداقات التى أقاموها مع شباب سيناء وحرصهم على إستمرارها.
المشكلة بين البدو والسلطة فى مصر تكمن فى عدم الثقة بين الطرفين، فالنظام ينظر اليهم نظرة شك دائمة، فى الثمانينات وبعد رحيل العدو الإسرائيلى عن سيناء وجدت السلطة صعوبة فى دمجهم فى المجتمع خشية من ولاءلتهم، رفضت أن تجندهم فى الجيش وبررت عدم تجنيدهم بأنه مكافأة لهم على تلك الفترة التى قضوها تحت نير الإحتلال وكانت تصرف لهم شهادات تأدية الخدمة العسكرية ممهورة بخاتم (الصامدون)، لكن الجميع كان يعرف السبب الحقيقى، من الجهة المقابلة كان البدو يتوجسون طول الوقت من الإدارة المدنية، الشعورالمستقر بأعماقهم هو أن هذه الأرض وتلك الجبال وذلك البحر هو ملكهم والسلطة تنازعهم عليها وتضع قيودا على حريتهم فى إستغلالها، قد يفسّر ذلك زعمهم بأن كل الأراضى فى محيطهم فى مختلف المناطق الصحراوية هى وضع يد أو ملكا لهم منذ الأبد، ولعله يفسّر أيضا كتمانهم الشديد ونفاقهم لرموز السلطة وإستخدام التقية فى مواجهتهم، أذكر أنه توثقت علاقتى بشيخ كهل منهم، وفى إحدى المرّات القليلة الذى صارحنى عندما سألته سؤالا مباشرا أيهما أفضل بالنسبة لكم، أثناء وجود إسرائيل أم الوضع الحالى، تريّث طويلا قبل أن يجيبنى " شوف، أكيد الإحتلال المصرى أحسن من الإحتلال الإسرائيلى"، ضحكت فكلاهما فى نظره إحتلال، هذا لا يمنع أن ليس هناك خلاف على أن بدو سيناء قاموا بأدوار بطولية لمساعدة القوات المسلحة بعد هزيمة يونيو 1967، وكانوا أحد العناصر الفاعلة أثناء حرب الاستنزاف التي كانت المقدمة الضرورية لحرب أكتوبر 1973.
إن موقف الأجهزة الأمنية رغم تناقضه من السكان البدو لكنه يتعامل معهم عادة بوصفهم خارجين على القانون يرتكبونه الكثير من الجرائم سواء تهريب المخدرات او الاتجار في السلاح او فرض السيطرة والاتاوات والاستيلاء علي املاك الدولة والسطو على ممتلكات الأفراد، كما يشكلون ايضا تهديدا للامن القومي الخارجي إبتداءا من تواطؤهم مع إسرائيل وإحتضانهم للجماعات التكفيرية وعلاقتهم بحماس والتنظيمات الإرهابية فى غزة، " فى معظم قرى مصر المختلفة يوجد عدد من البدو على تخوم تلك القرى يصنعون لهم مضارب ويحضرون معهم بعض امتعتهم ودوابهم، عادة ما يمتهنون بعض الأعمال الهامشية ويتم إكتراؤهم للقيام بأعمال إجرامية ويطلق عليهم الفلاحون العرب أو العربان"، حالهم يشبه فئة أخرى يسمون الغجر، هذا الوضع يظهر لنا درجة الظلم والحيف الذى يحيق بهم.
منذ إكتمال إنسحاب إسرائيل فى 1981 وجميع الحكومات المتعاقبة تعلن عن خطط لإعادة تعمير سيناء والدفع بالملايين من سكان الدلتا والصعيد للإستيطان بها، ولكن شيئا من هذا لا يحدث أو أن التنمية تحدث ببطإ شديد، لذا فالبطالة والتخلف وإنعدام وسائل الحياة الحديثة هى الملمح الرئيسى لتلك المناطق ما دفعهم أن يبحثوا عن وسائل أخرى تعينهم على مواجهة الحياة تمثلت فى تهريب وزراعة المخدرات وتهريب البشر خصوصا الأفارقة ورعايا دول الإتحاد السوفييتى السابق الى إسرائيل، بالإضافة لتهريب الأسلحة والسجائر والوقود والمواد الغذائية، حتى حينما بدأت عملية التنمية السياحية على أشدها بخليج العقبة فى جنوب سيناء تم إزاحة البدو جانبا وإستقدام عمالة وموظفين من الوادى والتعامل مع البدو وكأنهم من السكان الأصليين كما فى أمريكا وإستراليا أوالتعامل معهم باعتبارهم ملفا أمنيا فقط، من هنا بدأ التطرف وإنتشار الجماعات التكفيرية بين ظهرانيهم، هذه الأفكار ذات الأجنحة التى تطير خاصة من غزة عبر الأنفاق لتستقر فى جبال سيناء، حدث ذلك مرّة مع بداية الألفية الجديدة حينما أسس طبيب الأسنان العرايشى "خالد مساعد": أول نواة تكفيرية بالشمال هى تنظيم التوحيد والجهاد، ذلك التنظيم الذى قام بعدة تفجيرات ضخمة فى شرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا فى سنوات 2004 – 2005 – 2006 على التوالى، وإستطاعت قوى الأمن بقيادة وزير الداخلية آنذاك حبيب العادلى من القضاء عليهم مستعملة أفصى أنواع الشدة والبطش، تمثل ذلك بالقبض على 3000 من شباب البدو وتعذيبهم تعذيبا وحشيا ومطاردات أمنية للبدو لم تنته بمقتل أربعة منهم على يد الأمن إذ قام البدو باختطاف قائد جهاز الأمن المركزي في سيناء وعدد من رجال الشرطة كرد انتقامي، إن الشخص المنتمى حينما يقوم باشباع رغبة من رغباته الطبيعية وهى الانتماء، فإن الوطن يستفيد من هذا العطاء في صوره المتعددة ويعمل علي رفاهية الانسان وخلق المناخ الثقافى والاجتماعى والسياسي والاقتصادى الذي يشجع علي نمو وتطوير عقيدة الانتماء القومى في صورها المتجددة.
ليس كل البدو "كما تعتقد الجهات الأمنية" مجرمون ومهربون، الأغلبية تريد أن تتحول الى نشاط فاعل يحقق لهم الإستقرار والتنمية، لكن يواجه ذلك عقبتان تتمثلان فى غياب التنمية والإرهاب، وكلتاهما متلازمتين فلا يمكت تحقيق تنمية حقيقية فى وجود الإرهاب كما أنه لا يمكن القضاء على الإرهاب فى غياب التنمية، إن إتجاه قطاع من سيناء الى التهريب "رغم مخاطره المحدقة" الذى يحقق مكاسب هائلة فى زمن قصير، أذكر إبّان عملى بسيناء أن كان معى عاملا صحيا يسمى صالح، إختفى لمدة شهرين وعندما عاد كان مصبوع البشرة ناحلا فقد نصف وزنه "على الأقل"، ولما سألته عن سبب غيبته أشارأنه كان لدى أحد المهرّبين يعدّه للعمل معه من خلال عمليات بدنية قاسية يسميها البدو " التصبير"، المهم أن صاحبنا غاب بعد ذلك غيبة كبرى وإنتقل بعدها ماديا الى مصاف الأثرياء.
لاشك أن للسيناويين مطالب يجملها بيان "إتحاد قبائل شمال سيناء" يمكن بلورتها فى التالى:
1. الافراج عن المعتقلين الذين تم تبرئهم من القضاء
2. اعادة النظر في الأحكام الغيابية العسكرية و المدنية الملفقة
3. وقف اطلاق النار العشوائي من قبل الأجهزة الأمنية
4. رفع ظلم و تغول الأجهزة الأمنية
5. اعادة جدولة القروض الخاصة ببنك التنمية لدي المواطنين بشمال سيناء
6. تقديم الضباط الذين ارتكبوا جرائم قتل لمحاكمة عادلة
7. منع انتهاك حرمات البيوت بأخذ من لا ذنب له من نساء و شيوخ و أطفال كرهائن
8. مناقشة تملك الأراضى لأبناء سيناء
9. توفير فرص عمل لأبناء القبائل
تلك هى المطالب المرجوة وفى إعتقادى أنه بيان متوازن ومطالب مشروعة، كما يجب العمل بجدية لإشراك أهالى سيناء فى القرارات الخاصة بحياتهم ومستقبلهم، وتلك أول خطوة لترسيخ شعور الإنتماء. وللحديث بقية.
السلام عليكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحو مستقبل أفضل للبدو
تنوير 4 ( 2017 / 12 / 2 - 06:39 )
https://salah48freedom.blogspot.ca/2015/12/blog-post_290.html


2 - المشكله
على سالم ( 2017 / 12 / 2 - 16:09 )
اصل المشكله متجذر منذ زمن بعيد وليس اثناء الاحتلال الاسرائيلى , اهل سيناء يعتبروا انفسهم غير مصريين بل ويكرهوا المصريين اشد الكراهيه ويسمونهم اولاد وادى النيل , هم يعتقدوا انهم شاميين ولهم لهجه مختلفه عن اللهجه المصريه , فى عهد عبد الناصر طالبوا كثيرا بالانفصال عن مصر وان يعتبروا سيناء دوله منفصله لهم لكن النظام الناصرى رفض وتحداهم وبدأ الجيش والشرطه فى قمعهم منذا ذلك التاريخ , اهل سيناء غير مصريين ويجب ان نعترف بهذه الحقيقه

اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ