الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسطورة فلسطين التي تفيض عسلاً ولبنا

ناجح شاهين

2017 / 12 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أسير في شوارع رام الله اليوم الثالث من كانون فتلسعني أشعة الشمس الحارقة. بعد ساعات "تغطس" الشمس في البحر وتغدو الأرض كئيبة باردة. كأننا صحراء العرب حيث تقبع مملكة محمد بن سلمان.
نحن بلاد الأساطير التي تقترب في قوتها من الحقيقة المطلقة. ولعل بعضاً من هذه الأساطير بالذات كان سبباً في تعاسة البشر الذين سكنوا هذه البلاد ناهيك عن شعبها الفلسطيني المعاصر.
من بين الأساطير القوية الرائجة حتى يومنا هذا أن فلسطين هي الأرض التي تفيض عسلاً ولبناً.
من أين جاءت هذه الأسطورة في بلاد شبه صحراوية يتراوح هطول الأمطار فيها حول 500 ملم سنوياً؟
كان الكنعانيون يعتمدون على الزراعة اعتماداً كلياً. لم يكن أيامهم دول مانحة ولا منظمات غير حكومية تشغل الناس بآلاف الدولارات. لكن الزراعة كانت بعلية بحكم غياب الأنهار. أما المطر فكان شحيحاً يأتي ولا يأتي. لذلك طور الكنعانيون ديانة بطلها الإله بعل الذي يخصب الأرض ويأتي بالمطر. ومن أجل تفسير أن المطر يختفي في بعض السنين طور الكنعانيون أسطورة فحواها أن بعل يموت في كل عام، فتجف الأرض طوال فترة حبسه في بطن موت. أحياناً يمكن أن يظل بعل في بطن موت سنوات سبع، وبذلك يكون هناك جفاف يستمر طوال تلك السنين يجب أن يتلوه سبع سنين من المطر الذي يجعل الأرض تفيض عسلاً ولبناً.
الأدعية الكنعانية كانت تتركز على تمني قيامة بعل من الأموات حتى تفيض الأودية عسلاً ولبناً، أو دبساً وزيتاً، أو خمراً ولبناً إذا شئنا ذكر تنويعات الدعاء المختلفة. الكنعاني لم يفكر أبداً أن بلاده هي بلاد العسل واللبن، ولكن التوراة التي كتبها "اليهود الكنعانيون" في فارس التقطت الفكرة على نحو خاطئ، فذكرت أن أرض كنعان هي أرض العسل واللبن.
وحدها فلسطين من تمتعت عبر الأسطور بفكرة أنها بلاد خصبة تفيض بالخير. أما عند جيراننا وأقاربنا في العراق فلم تولد الفكرة/الدعاء بفضل الأنهار العظيمة والمطر الغزير في شمال بلاد الرافدين. كذلك تمتعت مصر على الرغم من الجفاف بماء النيل الذي لا ينقطع على مدار العام.
اليوم يواصل الإعلام الصهيوني بث الأسطورة في العالم لجلب المستوطنين متحدثاً عن بلاد تفيض بالعسل على الرغم من معرفتهم أن هذا غير صحيح، وأن أوروبا وأمريكا التي تتمتع بهطول يصل إلى 2000 ملم سنوياً أخصب من فلسطين كثيراً. لكن الصهيونية ترحب بأية أسطورة لأن قيام "إسرائيل" ذاتها اعتمد ايديولوجياً على أسطورة عن ممالك يهودية في السامرة ويهودا أقامها ملوك عظام من قبيل سليمان وداود. بالطبع المؤرخ المعاصر ينفي أن تكون هذه الممالك أكثر من أساطير كتبت في فارس بإشراف القصر الملكي الذي كان ينتج الأيديولوجيا الملائمة لمصالح الامبراطورية الفارسية. لكن هيهات أن نتمكن من تفنيد الأسطورة في ذهن الجماهير التي تتبنى روايات التواراة على أنها الحقيقة التاريخية المطلقة. لسوء الحظ تحولت الأساطير الكنعانية أو طبعتها "الإسرائيلية" إلى معتقدات دينية مقدسة تشمل ديانات منطقتنا الأساسية الثلاث: اليهودية، والمسيحية، والإسلام.
الكفاح ضد "إسرائيل" يتطلب النضال السياسي والفكري والمسلح جميعاً، وليس النضال الفكري بأسهلها على الإطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس