الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهندسة الاجتماعية في صناعة الجواري

وليد يوسف عطو

2017 / 12 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ان سلطة ضبط قوانين الهندسة الاجتماعية من فقهاء واطباء

وغيرهم تتدخل في تحديد صورة الانوثة والمحافظة عليها واقصاء كل من تتميز بصفات الذكورة من خشونة وتيبس .لقد اوكل الى الزنجيات بالاشغال الشاقة وبالتمريض لما عرف عنهن من شدة وجلد , وبارضاع الاطفال وابعدن عن المتعة والامتاع لخشونة جلودهن وللرائحة غير المستحبة التي تنبعث منهن .

وقد امن العرب الحبشية على انفسهم لما فيها من مسايرة وسلامة انقياد وحظيت الهندية والبربرية بقدر وافر من الجمال فكانتا الاصلح للذة والانجاب .لقد حظيت التركيات بصفات جسمانية جعلتهن الاصلح لانجاب الابناء .وفي المقابل غلب البرود على امزجة اللانيات ( بلاد اللان في اطراف ارمينيا وهم مسيحيون ) – د .وفاء الدريسي من كتابها (الجواري والغلمان في الثقافة الاسلامية : مقاربة جندرية ).

واستخدمت الارمنيات في اعمال الكد والجد لقدرتهن على تحمل العناء والتعب والاعمال الثقيلة .وقد نصح ابن بطلان الشاري بتكبيلهن لانهم اذا جلسوا لساعة بلا عمل يقومون باعمال الشغب , وانهن لايصلحن للمتعة ,وهو مافعله النظام السابق في العراق مع العراقيين عن طريق اشغالهم بكثير من المشكلات لابعادهم عن الحوار والتمرد .وقد مثلث الروميات الاستثناء , اذ انفردن بين الجواري البيض (الديلميات قرب اذربيجان , التركيات ,الارمنيات ) بالوفاء والامانة , والطاعة والمناصحة , اي انهن يصلحن للخدمة لقوة الضبط التي تتمتعن بها .لقد قسمت الهندسة الاجتماعية الادوار بين اعراق النساء وفق العرف الاجتماعي وخصائص كل عرق حيث خصصت فئة من الاماء السوداوات والاماء البيض من ارمنيات بالاعمال الشاقة وفي اقصائهن من الممارسة الجنسية , بينما كلفت البقية بمهام امتاع السيد والقيام بشؤونه اليومية.

ان الجارية البيضاء تكاد تكون غائبة عن الاستخدام اليومي فيما كان حضور بقية الاماء مكثفا .فكانت الامة السوداء تحمل القرب للاستسقاء وتقضي شؤون اهل المنزل خارج البيت , اي خارج المجال الانثوي الخاص الى المجال العام.وكانت تسير مكشوفة ومعرضة للمعاكسات . وعملت في بعض المراحل ممرضة تخدم المرضى وتقوم بمهامهم الضرورية في الغرف وخارجها .

تقوم الامة بالعجن وحمل القرب وغلي المراجل واستقبال الضيوف والاعتناء بهيئة السيد ولحيته ,وتزيينه قبل الخروج من المنزل .وقد اتخذ بعض الموالي من جواريهم سراري , في حين خصص اخرون جواريهم للخدمة دون المتعة .واضطلعت بعض الجواري باعمال استنكفت منها الحرائر , فمنهن من قامت بغسل الموتى .

ورغم تعدد المهام التي اضطلعت بها الامة , فان هذه الادوار تشترك في عدم مطابقتها للصفات التي خصتها الثقافة بالانثى , فعملت في الخارج , في الحيز والمجال العام المخصص للذكور ,وقامت باشغال شاقة, هذه الاعمال لم ترتبط بعرق الجارية بحسب الباحثة الدكتورة وفاء الدريسي , بل ارتبطت بالطبقة التي تنتمي اليها .فالاسياد من العامة يعجزون عن اقتناء اكثر من امة واحدة فيكلفونها بالقيام بكل شؤونهم داخل وخارج البيت .هذه الوظائف غير خاصة بالحضارة العربية الاسلامية , بل لها جذور تعود الى ماقبل الاسلام , حيث كانت الاماء حينها يطهين الطعام ويرعين الاغنام ويجمعن الحطب .

وقد انتشر ( التسري ) في الثقافة العربية الاسلامية نتيجة محاولة اصحاب السلطة التوفيق بين فكرة الاماء وبين الرخصة التي منحها لهم الاسلام ( ماملكت ايمانكم), فتقلصت ظاهرة البغاء مقابل تعميم ظاهرة التسري ,وتقنين ادوار الجواري عند الخاصة .واقتصرت هذه الوظائف عند ابن بطلان على الغناء والغذاء .

قسم ابن بطلان ( صنائع الجواري )الى طباخات وخازنات وحواضن ودايات وقيان .تقول د . وفاء الدريسي :وان كان كلامه يبدو متناقضا ,فاننا يمكن ان نجمع بين الطباخات , والحواضن , والدايات,تحت باب اعداد الطعام , والقيان تحت باب الغناء والترفيه مع انفراد الروميات بالخزن , والشاذ لايقاس عليه.

ان قواعد الثقافة تقوم على التمييز بين الرجل الناشط في الفضاء الخارجي والمراة التي تغذيه ماديا وروحيا عندما يعود اليها في البيت .والملاحظ ان هذه الثقافة السائدة تعتبر تقسيم الوظائف على هذا النحو امرا فطريا وليس ناتجا عن برامج التنشئة الاجتماعية .ويعد تقسيم الادوار هذا من الامور العابرة للثقافات والتي نجدها في الحضارات كلها .تقول د. وفاء الدريسي الا ان ابن بطلان يتناقض في موضع لاحق لينقل لنا الدروس التي تتلقاها كل فئة من الجواري لتقوم بمهامها على الوجه الاكمل . حيث تختبر الطباخة باكلتين تستوجبان دقة واعتدالا في اختيار مقادير المواد الداخلة في الطعام وتوقيت طبخها , مما يؤكد خضوع الجارية لقوانين الهندسة الاجتماعية وصناعتها.

لقداختار الاطباء الزنج للرضاع لان حرارتهن البارزة في الاثداء منضجة للبن , ولبنهن اكثر دسومة واكثر غذاء .فالرضاع اذن ليس قدرا بيولوجيا للمراة بقدر ماهو قدر ثقافي استند الى البيولوجيا وكيفها بحسب احتياجاته .وقد اختار السيد الى وظيفة الخازن امة رومية لان السخاء ليس في طبعها . وتعرضت الخازنات قبل استلام وظائفهن الى اختبارات امانة تكشف مدى جدارتهن لهذه المهمة .

وهكذا نجد ان الاماء والجواري والسراري يخضعن لقوانين الهندسة الادتماعية واختباراتها .
مقالات ذات صلة :

مقالتنا ( الثقافة وعلاقتها بالهندسة الاجتماعية ) والمنشورة على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=580005

مقالتنا (الغلام والجارية في معاجم اللغة )والمنشورة على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=577840








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر