الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مُجرّد أُنثى- للكاتبة الدنماركية ليزا نورغورد: سيرة امرأة، وسيرة بلاد!

شاكر الناصري

2017 / 12 / 6
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في سيرتها " مُجرّد أنثى" التي ترجمت أخيراً إلى اللغة العربية من قبل المترجمة سوسن كردوش -قسّيس وصدرت قبل عدة أشهر عن دار سّنّد، ترسم ليزا نورغورد ملامح التغيرات الاجتماعية والسياسية التي طرأت على المجتمع الدنماركي خلال 100 عام، وهي الفترة التي تشكل عمر الكاتبة التي أكملت في 14 حزيران الماضي عامها المائة!

في صفحات هذه السيرة الذاتية، ورغم انشغال الكاتبة بالتفاصيل الدقيقة التي عاشتها مع عائلتها وبيئتها ومحيطها الاجتماعي، إلاّ انها حولت هذه السيرة إلى وثيقة شديدة الأهمية على الوقائع التي مرت على المجتمع الدنماركي، وتركت آثارها الاجتماعية والسياسية والثقافية والتربوية، وحولته من مجتمع تسوده القسوة والعنف ضد الأطفال، ويعامل المرأة ككائن مكروه وغير مرحب بولادته، الأمر الذي يدفع الأهل للشعور بالخيبة والحرج الكبير حين يكون مولودهم الأول بنتاً وليس ولد، إلى مجتمع حر ومتحضر تتمتع المرأة فيه بكامل حقوقها وحرياتها، وتمارس دورها في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية دون عوائق أو تدخلات. ولعل مفتتح سيرة ليزا نورغورد: أتيت إلى هذا العالم كخطأ في " الطلبيّة"، يكشف الصورة المعتمة التي رُسمت للمرأة ومكانتها الاجتماعية، آنذاك، ويعلن عن الخيبة الحقيقية التي عاشها والداها، وكل العوائل الدنماركية التي كانت تنتظر المولود الصبي الذي سيحمل أسم العائلة ويرث الأب ويدير شؤون العمل ويحقق مكانته الاجتماعية، لحظة معرفتهم بأن المولود الذي خرج إلى هذه الدنيا ليس هو الطلبية التي ينتظرونها، بل الطلبية الخاطئة التي لاينتظرها أحد، وتصيب الجميع بالفزع والاضطراب!، الأمر الذي يدفع الأم " لجذب غطاء السرير لتخفي به وجهها" لحظة سماعها: " مبروك، رُزقت بنتاً ثانية!".

لم تكتف ليزا نورغورد بسرد تفاصيل حياتها، بل ذهبت عميقاً في تفاصيل تاريخ العائلة والأصول التي جاءوا منها، والأحداث الكبرى التي رافقت مسيرة الأجداد، الحروب، التنقلات، اختلاف الانتماء من دولة إلى اخرى، والتغني بالانتماء للوطن، الاعمال والمهن التي مارسوها وكانت رائجة آنذاك، وتعلقها وحنينها المتكرر للقيم التي كانت سائدة، قيم الزمن الجميل، و" تعاليم الجدة" التي بقت عالقة في ذهن الكاتبة وتستحضرها بين آونة واخرى، أو كلما صادفها موقف يرتبط بخرق لتلك التعاليم، التي كانت تكرر في معرض استنكارها لبعض الممارسات، فتهب صارخة وموبخة: " ليس امام الناس!

كشفت ليزا نورغورد طبيعة صراعها مع والداها، تلك الصراعات التي أرتبطت بالكثير من الاحداث السياسية التي عاشتها الدنمارك، الحرب العالمية الثانية والاحتلال النازي ونشاط الاحزاب والمنظمات الاجتماعية والسياسية..الخ، ووقوفها ضد الكثير من ممارساتهم التي تحد من تطلعاتها ورغبتها في العيش بحرية، خصوصا وهي الناشطة والسياسية والصحفية التي تناضل من أجل حقوق النساء..

وعلى الرغم من أهمية الكتاب، والجهد الكبير الذي قامت به سوسن قسيس من خلال ترجمتها التي جاءت سلسلة ودقيقة وضافية، ورغم الأخراج والتصميم الجميل للكتاب، لكنني أعتقد انه سيبقى حبيس أدراج رفوف المكتبات العامة في الدنمارك وينحصر تداوله بين مجموعة أشخاص، إسوة بالعديد من النتاجات الأدبية والفكرية الدنماركية التي تُرجمت إلى اللغة العربية وفق مشاريع الدعم المقدم من مؤسسات دنماركية، وكأن الهدف منها رفع العتب عن ترجمة الأدب الدنماركي، خصوصا وهو من الآداب المجهولة بالنسبة القاريء العربي.

شخصيا، حاولت البحث عن الدار أو الجهة التي أصدرت الكتاب " سند" ولكني فشلت، بل لم أعثر على تغطية جادة لهذا الكتاب. وهو ما يدفعني للسؤال عن عدم نشر هذا الكتاب من قبل احدى دور النشر العربية الجادة والمحترمة؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة