الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبعون عاماً على قرار تقسيم فلسطين الدولي

ماهر الشريف

2017 / 12 / 7
القضية الفلسطينية




في 11 تشرين الأول/أكتوبر 1936، نجحت قيادة الحركة الوطنية العربية في فلسطين، ممثلة بـ "اللجنة العربية العليا"، وبعد ستة أشهر من اندلاع الإضراب العام، في إقناع ممثلي الفئات الشعبية، الذين انتظموا في إطار "لجان قومية"، بوقف الإضراب، مستجيبة بذلك لنداء وجهه عدد من الملوك والأمراء العرب يدعو الفلسطينيين إلى "الاعتماد على النيات الطيبة لصديقتنا بريطانيا العظمى التي أعلنت أنها ستحقق العدالة". بيد أن رفض الحكومة البريطانية الاستجابة للمطالب العربية بوقف الهجرة اليهودية وبيوع الأراضي وتشكيل حكومة وطنية، واكتفاءها بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة اللورد "بيل" أوصت، في تموز/يوليو 1937، بتقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق عربية، ويهودية وبريطانية، أعاد إشعال لهيب الثورة المسلحة، في نهاية أيلول/سبتمبر من العام نفسه، الأمر الذي أجبر بريطانيا، في أيار/مايو 1939، على إصدار "كتاب أبيض" ينفي أي نية لإنشاء دولة يهودية، ويقترح إنهاء الانتداب وضمان استقلال فلسطين بعد عشر سنوات، على أن يشترك في حكمها كلٌ من العرب واليهود، وعلى أن تتوقف الهجرة اليهودية بصورة نهائية، بعد السماح بدخول 75000 مهاجر جديد خلال السنوات الخمس الأولى، وتفرض قيود على عملية انتقال الأراضي إلى المستوطنين اليهود.
ومع أنه برز في أوساط الحركة الوطنية الفلسطينية ميل لقبول ذلك العرض البريطاني، إلا أن زعيم هذه الحركة محمد أمين الحسيني هو الذي حال، ، كما يُعتقد، دون اتخاذ موقف إيجابي من فكرة "الاستقلال المؤجل" التي تضمنها "الكتاب الأبيض".
وإثر اندلاع الحرب العالمية الثانية، لم تدرك قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، التي كانت تعاني من الانقسام بشأن السياسة التي ينبغي انتهاجها، التغيّرات العميقة التي تولدت عن تلك الحرب والتي حوّلت المستوطنين اليهود في فلسطين إلى قوة سكانية وسياسية واقتصادية كبيرة، وخلقت أجواء من التعاطف الدولي الواسع معهم، لا سيما بعد المذابح الجماعية التي صار يتعرض لها يهود أوروبا على أيدي النازية. كما لم تتنبّه إلى خطورة التوجه الذي أُقرّ في مؤتمر الصهيونيين الأمريكيين، في أيار/مايو 1942، لإقامة دولة يهودية في فلسطين تكون جزءاً عضوياً من "العالم الديمقراطي الجديد" الذي سينشأ بعد الحرب، وهو التوجه الذي صادق عليه المجلس العام للمنظمة الصهيونية العالمية، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، وكان إيذاناً ببدء انحياز هذه المنظمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
حيثيات صدور القرار الدولي رقم 181
استأنفت الحكومة البريطانية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، جهودها الرامية إلى التوصل إلى حل لقضية فلسطين، لكن إخفاق مؤتمر لندن، الذي دعت إليه ما بين شهري أيلول/سبتمبر 1946 وشباط/ فبراير 1947، في التوفيق ما بين المواقف المتعارضة لممثلي كلٍ من العرب واليهود، دفعها إلى عرض قضية فلسطين على الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، التي قررت، في جلسة استثنائية عقدتها في نيسان/أبريل 1947، إيفاد لجنة دولية لتقصي الحقائق إلى فلسطين. وقد أوصت غالبية أعضاء هذه اللجنة التي ضمت 11 عضواً، بعد ثلاثة أشهر من بدء نشاطها، بتقسيم فلسطين، بعد إنهاء الانتداب البريطاني عليها، إلى دولتين مستقلتين تجمعهما وحدة اقتصادية، على أن تكون القدس والأماكن المقدسة فيها تحت وصاية دولية. وفي 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181، الذي تبنّى موقف غالبية أعضاء لجنة تقصي الحقائق، إذ حظي مشروع تقسيم فلسطين بتأييد 33 مندوبا (كان من ضمنهم مندوبو الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي وفرنسا) ، بينما عارضه 13 مندوباً (كان من ضمنهم مندوبو الدول العربية)، وامتنع 10 مندوبين عن التصويت (كان من ضمنهم المندوب البريطاني).
وقد رفضت قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، ممثلة بـ "الهيئة العربية العليا" لفلسطين، التي تشكّلت بقرار من جامعة الدول العربية في 12 حزيران/يونيو 1946، قرار تقسيم فلسطين، معتبرةً أنه يعطي "اليهود الأجانب جزءاً ثميناً " من فلسطين، ويُجلي عدداً كبيراً من العرب عن موطنهم، كما يضع في فلسطين "أمة غريبة تهدد الأمن في الشرق باعتدائها على البلاد العربية". كما رفضه، في 17 كانون الأول/ديسمبر 1947، ممثلو الحكومات العربية الذين اجتمعوا في القاهرة. ولم يوافق على ذلك القرار بين صفوف الشعب الفلسطيني سوى الشيوعيين، المنضوين آنذاك في إطار "عصبة التحرر الوطني"، الذين رأوا في القرار الدولي "نصراً كبيراً في معركة النضال ضد الاستعمار ونظامه واستعباده للبلاد وفرصة من الضروري انتهازها، إذ إنها تحقق هدفاً ضحّى في سبيله الألوف من شعبنا، ألا وهو جلاء الجيوش البريطانية وإلغاء الانتداب "، كما رأوا في قيام الدولة العربية المستقلة، وفقاً لما نص عليه القرار، "الطريق إلى إنقاذ المشردين من تشردهم، وهو الطريق للاحتفاظ بحدود فلسطين ضمن وحدة اقتصادية ثابتة ومنع تجزئتها وإضاعة معالمها إلى الأبد، وهو الطريق لأن يحكم الشعب نفسه بنفسه ولصالح جماهيره الكادحة ".
أما "الوكالة اليهودية"، فقد وافقت على قرار التقسيم، بعد أن أبدت تحفظها على الحل المقترح لمسألة الهجرة اليهودية من أوروبا وعلى الحدود المقترحة للدولة اليهودية، علماً بأن حدود هذه الدولة غطت 54 في المئة من مساحة فلسطين، في حين لم يكن تعداد اليهود في فلسطين يتجاوز نسبة 30 في المئة من مجموع سكانها.
الصهيونية ومشروع ترحيل الفلسطينيين
بدأ زعماء الحركة الصهيونية في فلسطين يفكرون جدياً بترحيل الفلسطينيين، أو معظمهم، عن أرض وطنهم، بصفته حلاً ضرورياً لـ "المسألة العربية"، قبل عشر سنوات من صدور قرار تقسيم فلسطين الدولي، وتحديداً منذ قيام "لجنة بيل" البريطانية للتحقيق في أحداث ثورة 1936 بطرح أول مشروع لتقسيم فلسطين في 8 تموز/يوليو 1937. وفي خريف سنة 1947، وبعد أن تبيّن للقيادة الصهيونية أن الدولة اليهودية التي ستقوم بناء على قرار التقسيم الدولي رقم 181، ستضم أقلية عربية كبيرة يصل حجمها إلى نحو 45 في المئة من تعداد السكان، انتقلت من حيز التفكير بمشاريع الترحيل إلى حيز العمل على تنفيذها. وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر 1947، حذر دافيد بن غوريون، في الخطاب الذي ألقاه أمام اللجنة المركزية لاتحاد النقابات-الهستدروت، من أن دولة تضم هذه النسبة الكبيرة من العرب "ليس ثمة ما يؤكد بصورة مطلقة أن الحكم سيبقى فيها في أيدي الأغلبية اليهودية"، ودعا إلى التعامل مع هذه المشكلة "الخطيرة" من خلال "مقاربة جديدة في الوقت المناسب".
وبينما شرح المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية إيلان بابه، في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين"، معنى هذه "المقاربة الجديدة"، التي دعا إلى تبنيها دافيد بن غوريون، كشف المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي في مقالة نشرها، منذ سنة 1961، بعنوان: "خطة دالت: المخطط الرئيسي لاحتلال فلسطين"، خطة التطهير العرقي المنهجية التي وضعتها القيادة الصهيونية، في مقر قيادة "الهاغانا" في تل أبيب يوم 10 آذار/مارس 1948، والتي أدت الهجمات التي شنت في إطارها "إلى تحطيم المجتمع العربي الفلسطيني، وإلى طرد وتشريد وإفقار أغلبية الشعب الفلسطيني"، وكان "محسوباً لها ان تنجز سياسة الأمر الواقع التي بنيت عليها دولة إسرائيل".
لقد كان قرار تقسيم فلسطين المحطة الحاسمة الثانية، بعد تصريح بلفور، على طريق نجاح المشروع الصهيوني، ومنه استمدت دولة إسرائيل، لدى إعلانها في 14 أيار/مايو 1948، شرعيتها الدولية، لكنها شرعية ستبقى منقوصة ما لم يتحقق الشق الثاني من قرار التقسيم القاضي بإقامة دولة عربية فلسطينية.
مراجع رئيسية
-بابه، إيلان، التطهير العرقي في فلسطين، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2007.
-الحوراني، فيصل، "الحركة الوطنية الفلسطينية وعلاقتها ببريطانيا 1918-1939"، شؤون فلسطينية، نيقوسيا، العدد 146-147، أيار- حزيران 1985، ص 3-22 .
-الخالدي، وليد، "خطة دالت: المخطط الرئيسي لاحتلال فلسطين"، مجلة الدراسات الفلسطينية، بيروت، العدد 96، خريف 2013، ص 307-317 (نشرت هذه المقالة لأول مرة سنة 1961).
-الشريف، ماهر، الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948، بيروت، مركز الأبحاث- منظمة التحرير الفلسطينية، 1981.
-الكيالي، عبد الوهاب، تاريخ فلسطين الحديث، بيروت،المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1970.
-نويهض الحوت، بيان، القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917-1948، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1981.
-هيئة الأمم المتحدة، منشأ القضية الفلسطينية وتطورها 1917-1988، نيويورك.
Gresh, Alain et Vidal, Dominique, Palestine 47: un partage avorté, Editions Complexe, 1999.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حقائق قرار التقسيم
فؤاد النمري ( 2017 / 12 / 8 - 07:50 )
أعطى الدولة اليهودية 52.5% من مساحة فلسطين الكلية منها صحراء النقب التي تساوي 47.5% من مساحة فلسطين والباقي 5% في الشمال يسكنه 650 ألف يهودي و 500 ألف عربي

كان ذلك التقسيم لمصلحة العرب ولو قبل العرب به لكانت كل فلسطين اليوم عربية ولما شقي
الفلسطينيون كل هذا الشقاء حتى اليوم ولما وجد الصهاينة المتطرفون في فلسطين على الإطلاق

كل ذلك لأن الحاج أمين الحسيني كان نازيا من حزب هتلر والملك فاروق يخطط لأن يكون خليفة للمسلمين

للعلم فقط كانت الولايات المتحدة ضد قرارات اللجنة القاضية بالتقسيم لكنها وافقت بالتصويت وبريطانيا لم توافق

مشروع التقسيم 47 كان أبعد ما يكون عن أهداف الإمبريالية ولذلك وافق عليه الاتحاد السوفياتي


2 - عرض لطيف إنشائي كالعادة
أفنان القاسم ( 2017 / 12 / 8 - 08:02 )
ومن داخل التاريخ الرسمي المعهود والذي يعرفه الجميع بدون تحليل أو تمحيص، لكنه يبقى ضروريًا لنتذكر وألا ننسى...

اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا