الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية جديدة لأزمة الخليج.. ماذا نفعل مع قطر؟

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2017 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


رؤية جديدة لأزمة الخليج.. ماذا نفعل مع قطر؟

أكبر مكسب يحققه الباطل هو حينما يدافع عنه إعلاميون محترفون يحرّفون العقل المستقبــِـل عن موضعه، ويعيدون نصْبَ جهاز الاستقبال داخل الذهن فيتحرك وفقا لمشيئتهم.
يمكنك أن تجعل أجمل وأفضل مذيعة في (الجزيرة) في مقدمة خط الدفاع عن قضية خاسرة، فتشتت انتباه المشاهد وتنقله من القضية إلى الوجه الحسن، ومن صُلب الموضوع إلى التعبيرات الساحرة في لغة تُزيّن أكثر مما تعرض الحقائق.
اصنع وسيلة إعلامية، مرئية أو مقروءة، واحشد فيها كل الأباطيل ثم اجعل عليها إعلاميين مهنيين ومحترفين ومثقفين، فتخرج من الشاشة الصغيرة إلى المشاهد كأنها عذراء في ليلة عُرسها الأول.
كرر برامج وحوارات عدة مرات بوجوه مختلفة ومداخل متفرقة وأذواق متنوعة؛ إنْ أفلت من بعضها مشاهدٌ، جذبته أخرى حتى لو كان نفس الموضوع بتفاصيله، فمصيدة الفئران قادرة على اصطياد أرانب أو قطط أو سناجب!
الجماهير تعبد المال والجمال والتلفزيون؛ فإذا اجتمعتْ فلا مَخْرج منها إلا إليها، وحفيف المال كسحر الجمال وسطوة الشاشة الصغيرة.
فمثلا قنوات مكملين والشرق ورابعة ومصرالآن تعرض تقريبا قضية واحدة، وتتابعها الجماعات الدينية المرتبطة بتيارات بعضها متطرف، وبعضها يقف في الإعتدال المتطرف فيعرض خلطة من الأكاذيب والحقائق ويترك المُشاهد الساذج يستخرج بنفسه السُمَّ من الدسم فيبتلعه وهو مبتهج بحريته في الاختيار الأحمق.
وعندما حدثت أزمة الخليج بين قطر ودول الحصار الأربع، وقفت تلك القنوات وقد سال لعاب العاملين فيها لأموال قطر، ودعم تركيا، وعمىَ أمريكا المفتعَل، والأمل المستحيل في خروج معزولهم مرسي من السجن.
لكن لم يكن هناك احتراف ومهنية والوجه الحسن واللغة البديعة فبدا الأمر كأنها مقهى تم تجديده في حي شعبي يقوم عليه صبيان لا يعرفون الفارق بين أنواع الكيف؛ فكله حشيش!
دول الحصار أربع تشترك في الهدف النهائي، لكن هناك تفاصيل متفرقة تعوق الحركة وتبطيء النجاح وتلقي في وجه الدوحة بأوراق رابحة رغم أن دولة قطر هي التي تستضيف الجماعات المتطرفة وتنفق ببذخ على المراكز الإسلامية المتشددة وتفتح أحضانها لقيادات مطلوبة رقابها للعدالة.
فدولة الإمارات العربية المتحدة بدأت قبل الآخرين في حصار التطرف، وتجفيف منابع الإرهاب الدعوي، والتعاون الدولي في كشف منظمات وهيئات ومراكز وجماعات إرهابية تختفي وراء ديننا الحنيف.
ومملكة البحرين تملك الحق في تحقيق الأمان من إيران وأطماعها التي تجعل حراس الثورة يعتقدون بفارسية البحرين، لكنها تسابق الدول الثلاث الأخرى ولا تملك القدرة على المواجهة بمفردها، فبينها وبين قطر خلاف على الحدود البحرية، خاصة (فشت الديبل) و(حوار) وجزر صغيرة أخرى، والتاريخ يشهد أنه لولا الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، لكانت قطر قد أكلت الجزُرَ التي تمثل ثلث مساحة البحرين، ويبقى الثلثان في انتظار التهام الجمهورية الإسلامية لهما.
لذا لم يكن ينبغي لمملكة البحرين أن تكون خطواتها أسرع من الإمارات والسعودية، وأعني هنا طرد دولة قطر من مجلس التعاون الخليجي وهي الخطوة الأخيرة قبل الأخيرة وبعد اليأس التام.
ما كان ينبغي للبحرين أن ترسل وفدًا للكيان الصهيوني كعربون صداقة في وقت تشتعل فيه القدس، فربحت طهران ورقة بحرانية منحتها لقطر.
المملكة العربية السعودية تأخرت قليلا، رغم أن الملك سلمان هو أكثر ملوك الدولة انفتاحا على العالم الخارجي، وتفهما للإعلام، لكن الإرث التقليدي والذي حمل صيغة الديني كان كبيرًا ومتشعبا ومتداخلا في الحياة اليومية والنفس السعودية والثقافة والمنبر وكل شيء، فكان لابد للأمير محمد بن سلمان أن يتولى مهمة دخول المعركة بقلب شاب منحه والده الضوء الأخضر وسانده الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مساندة حقيقية ومستنيرة وأخوية، خاصة في محاصرة التطرف الديني.
من حق دول الحصار الخليجية أن تقف مع النظام في مصر، وهنا أجدني مختلفا معها، لكن ترك الإعلام المصري يعرض قضايا خليجية بالغة الخصوصية؛ جعل الموقف الخليجي، وأنا أتعاطف معه، أضعف وأقل حرفية بقدر ما هو الإعلام المصري متأخر عن العصر بعدة عقود.
فالإمارات تتحرك بذكاء ممهور ببصمات الراحل الكبير، الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وعندما يقف الإعلام المصري ويتحدث عن أسواق الدوحة الخالية من المواد الغذائية وأن القطريين يتسولون فضلا عن الشتائم والردح والسباب، فإنه يضر أكثر مما ينفع، ويعيد كل خطوة متقدمة من دول الحصارالثلاث خطوتين إلى الخلف.
دولة الإمارات تكشف النيات السيئة والغدر المتوقع من آيات قُم وطهران، ولنا في الجزر الإماراتية الثلاث مثال يعرفه جيدا نصف القرن المنصرم، ومع ذلك فالإمارات لا تتوعد، ولا تستعرض عضلاتها رغم أن العامين الماضيين أثبتا القدرة العسكرية الإماراتية التي ظن كثيرون أنها جزء من دولة الرفاهية المنعمة، فإذا بالجندي الإماراتي يحارب الحوثيين المدعومين من ايران كأنه خارج من بين صخور الصحراء القاحلة بإيمان عميق بقضايا الوطن.
نأتي إلى الدولة المحاصَرة رغم أن التعبير تخونه الصحة اللغوية والواقعية، إلا أنه يعبر عن صلابة قرار انتظره أصحابه سنوات وهم يرصدون مخالفات الحمدين وتميمهما حتى استسلم الصبر لليأس في أي تغيير لموقف خيلائي ومغرور يظن أن أموال الدوحة تشتري الدنيا برمتها، وتفيض!
كان من الممكن أن يستجيب الشيخ تميم، حتى لو لم يكن مقتنعا، ويجمد أموال ونشاطات ضيوفه المتطرفين، ويجفف منابع قدرتهم على شراء السلاح، ويتعاون مع دول الخليج.
نأتي إلى النقطة الحرجة وهي قدرة الإعلام القطري على تزييف الحقائق بجلب كتائب من المحترفين الإعلاميين والمحللين الاستراتيجيين وأفضل مذيعات وأجمل مقدمات برامج وأوسع مساحة من الحرية المتمكنة من بث نقطة سُمٍّ في برميل عسل، فتقع الجماهير عن اليمين وعن الشمال مندهشة من الإعلام الحُر(!) حتى لو تسممتْ.

التحالفات المحلية في اليمن كقطع الشطرنج أو كفلسفة علي عبد الله صالح، فمن يُخزن القات بعد الظهر ينام مستريحا، وقبائل اليمن، مع احترامي لشعبنا اليمني الصبور والعظيم، فإنها تنزل من فوق الجبال بقوة الريال، وتصعد بدغدغة المشاعر الدينية، فإذا تحولت إلى طائفية فحراس الثورة الإسلامية قادرون على تحريك الشارع بمفاتيح الجنة التي يعرفها رجال ايران في سوريا والعراق ولبنان.
نجحت دولة قطر في حرب إعلامية وجندت كل دعاة الباطل بطريقة ذكية وتركتهم يخوضون الحرب كل بمفرده، وبقدرته على ابتكار أخبار مفبركة وقد قرأت لتوي من إعلامية قديرة وجميلة ومحبوبة خبرا عن سرقة آثار عراقية ومصرية لمتحف أبوظبي اللوفر وهو من أرقى وأهم وأكبر الأعمال الثقافية الخليجية في تاريخ المتاحف بالمنطقة.
سيقوم تسعة بتكذيب الخبر المفبرك، لكن العاشر سيتولى نشره بين عشرة آخرين لن يصدقه تسعة منهم، وهكذا دواليك، فالحرب الإعلامية فنٌّ وكذب، وحِسْانٌ يضربن بالحُسامِ تحت الحزام.
الإعلام الإماراتي قادر بمفرده، خاصة قنوات أبوظبي ودُبي، على تفنيد أكاذيب الدولة المحاصَرة، والدبلوماسيون الإماراتيون تمكنوا من كسب مساحات كبرى من الرأي العام الدولي، وأخص بالذكر تغريدات الدكتور أنور قرقاش والتي أصبحت واحدة من أهم خطوط الدفاع عن الحق والسلام، لكن الحروب التي يدخلها أشقاء متفقون في الرأي ومختلفون في النهج تمهد الطريق لخسارة صاحب الحق.
أنا أقترح أن تقوم دول الحصار الثلاث باستثمار عملاق وحديث وذكي وإداري عبقري وجاذب للجماهير في قنوات تلفزيونية مشتركة بمساحة من الحرية تتفوق على نظيرتها القطرية، بعيدًا عن القصر والزعامات والبيانات والخطابات، وأن تظل القاهرة مع الدول الثلاث، أمنيا وعسكريا واستراتيجيا، شريطة انسحاب الإعلام المصري من عرض قضايا خليجية، فسلوكيات دول الحصار الخليجية الثلاث ليس فيها السباب والردح والشتائم والأكاذيب والتخلف الذي ميّز الإعلام المصري في السنوات الأخيرة عن غيره.
أقول قولي هذا مع أسفي الشديد لأنه إعلامٌ بلدي الأم، لكنني أخجل منه، وأراه خسارة لكل مكسب تحققه أي جهة يدافع عنها.
إن التحالف الايراني/القطري/التركي من أجل خليج ديني سيجعل المنطقة كلها مستنقــعــًـا نغرق فيه جميعا!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 16 ديسمبر 2017
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة