الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوة إلى ثورة شعبية / اجتماعية ، يدعمها الجيش الوطني

محمد بن زكري

2017 / 12 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


1 : لزوم ما لا يلزم
ترددت طويلا ، و فكرت و أعدت التفكير مرارا ، قبل أن أعود لتناول أزمة الصراع العبثيّ - بل التآمريّ - على السلطة في ليبيا ، بهذه المقاربة التي أكتبها ، من قبيل لزوم ما لا يلزم ، و على سبيل إراحة الضمير ؛ فالواقع أنه لا جدوى من الكتابة لمخاطبة بشر معتقلين في منفاهم الاختياري الماضوي ، متماهين بثقافة قبيلة قريش البائدة ، فقدوا صلتهم بتطورات الواقع ، كما فقدوا علاقتهم بحركة التاريخ ، فهم لا يقرءُون إلا ما يتطابق مع ميولهم ، و يلبي حاجتهم النفسية لتعزيز انعزاليتهم ، و تغذية أوهامهم ، و تجميل قبح واقعهم . و لا جدوى من التوجه إلى عقول مبرمجة على ثقافة الموت و الظلام و الكراهية ، فما يكاد ناعق ينعق (تكبييير الله وااكبر) ، حتى يتحولوا إلى كتلة من الشر (الجهادي) ، يستبيحون لأنفسهم - بلا وازع من ضمير - مصادرة الحقوق و إلغاء الحريات و تكميم الأفواه و إزهاق الأرواح و نهب الأموال ، و لو تسنى لهم الأمر ، لاستباحوا سبي النساء و أباحوا لأنفسهم ما ملكت أيمانهم ، على سُنّة سلفهم الداعشي .
و لأن حكام ليبيا الجدد ، الأشد فسادا و الأسوأ أداء في تاريخ هذا البلد ، ما كانوا ليصلوا إلى مواقعهم في قمة هرم السلطة ، لولا كونهم (الصفوة !) المجتمعية التقليدية ، التي اصطفاها الشعب (ديمقراطيا) عبر صناديق الاقتراع ، تحت تأثير سلطة القبيلة و الجامع و المال ، لتمثله و تنوب عنه في إدارة شؤون الدولة ، و تعبر عن إرادته في تشريع القوانين و رسم السياسات العامة ؛ فتحصيل حاصل - إذن - أنه لا جدوى مطلقا من التوجه بأي خطاب ديمقراطي ، إلى جماهير (رثة) محكومة بالتعصب القبلي و الديني ، أو إلى طغمة فاسدة من الحكام الاستبداديين ، المعبئين حتى الحافة بثقافة (ديمومة الكراسي) ، و الذين قذفت بهم الصدفة العمياء لملء فراغ السلطة ؛ فانحرفوا بالانتفاضة الشعبوية العشوائية (المشروعة حقوقيا) ، من إمكانية التأسيس لمشروع حركة تغيير ثوري لتصحيح مسار المجتمع و الدولة ، وفقا لبرنامج عمل وطني تقدمي يحقق عدالة توزيع الثروة الوطنية ، إلى (ثورة التكبير) الرجعية المضادة ، التي أفرخت نكبة فبراير المشؤومة ، بكل تداعياتها الكارثية ، المعاشة واقعا مؤلما مظلما على الأرض ؛ فكل شعب يستحق حكامه .
لا جدوى من الكتابة ، عندما تعرف أنك لا تخاطب مواطنين أحرارا ، بل تُبّعا مستلبين مَيْثيّا ، منزوعي الوعي اجتماعيا ، فهم (رعايا) يناصبونك العداء ، لأنك لا تقول ما يروق لهم من هذر الكلام المحنط المكرر ، و لا تسايرهم في انحيازاتهم القبلية و الجهوية و الحزبية . و لا جدوى من الكتابة ، عندما تعرف حق المعرفة أنك لا تخاطب رجال دولة مسؤولين أمام الشعب ، بل (ولاة أمر) يعتبرونك مارقا خوارجيا ، ينال من قداسة مرجعيتهم السلطوية (التي يدركون زيفها) ، و يهدد سلطانهم بممارسة (بدعة) حرية التعبير . و لا جدوى من الكتابة ، عندما تعرف جيدا أنك - في أغلب الأحوال ، و بلا تعميم - لا تخاطب مثقفين (إنسانيين) يمتلكون عقولا حرة مستنيرة ، و يتفاعلون إيجابيا و بلا أحكام قطعيّة مسبقة ، مع مختلف الثقافات الإنسانية و التجارب التاريخية للشعوب و الأمم في العالم ، بل أبواقا يرتفع ضجيج أصواتها بالمزايدات الديماغوجية ؛ تعبيرا عن المصالح الخاصة للمستثمرين في بازار الدعوات الإقليمية و الجهوية و القبلية ، أو تبنيّا للتوجهات الحزبية الهجينة لأصحاب الأجندات السلطوية ، أو خدمة للتطلعات الفئوية للبورجوازية الاستغلالية من أثرياء الفساد القدامى و الجدد .
ثم أيُّ جدوى من الكتابة لاستنهاض همم المُفقَرين و المجوَّعين ، و استثارة غضب الجماهير الشعبية المُهانة المحرومة منزوعة الكرامة ، كي تثور ضد سلطة تحالف الميليشيات و الكومبرادور الفاسدة الفاشلة ؛ و أنت ترى المؤسسة العسكرية – بما تمثله (افتراضا) من قيم العزة و الشرف و الولاء للوطن – و قد تفككت بنيتها و تشوهت عقيدتها القتالية و تأدلجت قياداتها إسلامويّاً ؟! ما جدوى الكتابة ، و قد لحق الهوان و الذل بضباط الجيش ، فانكسروا داخليا و هانوا و استكانوا مثلما هان و استكان الجميع ؟! أي جدوى من الكتابة .. و لمن تكتب أو توجه النداء ، و أنت ترى جنرالات الجيش يقفون في الطوابير أمام المصارف ليستجدوا رواتبهم ، فيتعرضون للقمع و الإذلال من قِبَل أفراد الميليشيات المجرمة التي تُحكم قبضتها على العاصمة طرابلس ؟! أي جدوى من الكتابة لاستنهاض عزيمة ضباط الجيش ، و قد تنازلوا عن شرفهم العسكري و رضوا على أنفسهم أن يعملوا تحت قيادة أمراء الميليشيات و يأتمروا بأوامر سلطة دولة الميليشيات ؟!
2 : لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً
ما جرى في تونس - بداية من 26 سبتمبر 2017 - و ما سيجري ، برعاية غسان سلامة ، لن يخرج في محصلته العبثية ، عما جرى في الصخيرات ، برعاية برناردينو ليون . لو كان في ليبيا شعب حي ، و لو كان بها جيش (وطني) حقيقي ؛ لما كانت صخيرات برناردينو ، بما أفرزته من اتفاق سياسيّ معيب و غير متوازن و (لا وطنيّ) ، و لا كانت تونس سلامة ، بما تهدف إليه من : إعادة تدوير فوضى سلطة الأمر الواقع ، و إعادة إنتاج نظام الغنائم .
لقد نبهْنا مبكرا و مرارا ، إلى أن حوارا سياسيا ، تحكمه المصالح الخاصة لأطراف الأزمة السياسية المفتعلة ، بين مؤتمر طرابلس و برلمان طبرق (المنتهية صلاحيتهما) ، ليس له إلا أن ينتهي إلى ما انتهى إليه في منتجع الصخيرات ، من حل توافقي - غير قابل للتنفيذ - بين أطراف صراع المصالح الخاصة على السلطة ، بغية الاستثمار المُربِح في فوضى الفساد المالي و الإداري لدولة الميليشيات . ففي مقال نُشر بتاريخ 13/5/2016 ، تحت بعنوان : هزيمة تجربة الديمقراطية الليبية في منتجع الصخيرات (1) ، ذهبنا إلى القول بأنه " ليس في كل ما حدث - أو في ما سيحدث - أية مفاجأة ، فمنذ اللحظة الأولى ، التي قَبل فيها برلمان طبرق القبليّ ، أن يتفاوض مع مؤتمر طرابلس لتحالف فُجر ليبيا الانقلابيّ (تحالف الإسلاميين والوكلاء التجاريين) ، فهو قد وقّع وثيقة هزيمة الوطن الليبي ، وبصم مقدما على كل النتائج التي انتهت إليها مفاوضات الصخيرات " ، خاصة و أنه بمجرد قبول برلمان طبرق ، مبدأ التفاوض مع مؤتمر طرابلس ، " كان بالتالي قد قبِل ضمنا حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا ، القاضي ببطلان انتخابه ، وكان قد فَقدَ مصداقيته ، بل وفقدَ أهليته " ، و فقد بالنتيجة شرعية تمثيله للشعب الليبي ، و لم يعد يمثل غير المصالح الشخصية لأعضائه و الأجندات الفئوية الخاصة لداعميه . و لكن لا حياة لمن تنادي !
و مع العد التنازلي ، اقترابا من موعد انتهاء العمر الافتراضي للمجلس الرئاسي ، كسلطة أمر واقع . و ضِمن مقال نُشر بتاريخ 2016/12/12 ، موسوما بعنوان : انتهت اللعبة ، فلماذا لا يرحلون ؟! (2) ، كتبنا أنه " بحلول يوم 17 ديسمبر 2016 ، يكون هذا المجلس - و حكومته - قد أكمل في ممارسة السلطة مدة سنة كاملة ، هي كل مدة ولايته المنصوص عليها في الاتفاق السياسي ، التي أقر له بها المجتمع الدولي و أقره عليها (اكتسابا بالحق أم انتزاعا بالباطل) ، و بانقضاء المدة المحددة لولايته في 17 ديسمبر 2016 ، يكون وجوده معدوما و لا أثر له ؛ حيث إن أمر التجديد له منوط بتوافق الأطراف الموقعة على شهادة ميلاده المزورة ، ثم بنيل موافقة البرلمان ، و هو ما ليس واردا و لن يحصل " . و لأن شهود الزور في البرلمان و مجلس الدولة (فاقديْ الشرعية) ، ما كان لهما - كسلطتيْ أمر واقع - أن يعترضا على استمرار المجلس الرئاسي (فاقد الشرعية) لسنة إضافية - كسلطة أمر واقع - بمرجعية اتفاق الصخيرات ؛ فقد نبهنا إلى أن " المجلس الرئاسي لن يغادر السلطة طواعية ، ليس فقط حرصا من أعضائه على ما توفره السلطة - في مجتمع متخلف - من امتيازات ، ما كانت تخطر لهم حتى في أحلام اليقظة ، وطبعا ليس حرصا على مصالح الوطن أو مصالح الأغلبية الشعبية المسحوقة تحت النعال ؛ بل لأن المجلس الرئاسي بتركيبته الحالية ، يمثل المصالح الطبقية الاستغلالية للراسمالية الطفيلية التابعة ، من الوكلاء التجاريين و الموردين و المضاربين و سماسرة المشاريع الحكومية ، و يعبر عن مشروع الإسلاميين السياسي ، الذي لا يتعارض - بل يتقاطع - اقتصاديا و اجتماعيا مع الراسمالية ، سواء في النظرية أم في التطبيق ... فكل محصلة فورة فبراير الشعبوية ، هي : إعادة تدوير المخلفات (رسكلة القمامة) ليس إلا " . و لكن لا حياة لمن تنادي !
3 : مخاض الديمقراطية الغربية في مجتمع اللوياجيرغا
يخطئ كثيرا من يظن أن أيّا من حكام ليبيا الجدد القادمين من المجهول ، قد يتخلى عن السلطة فيما (لو) حسُنت لديهم النوايا ، للخروج بالبلاد من أزمة صراعهم - الهمجي - على السلطة ، ذلك أن السلطة هي التي حولت أشخاص و أسماء بعضهم ، من نكرات إلى معارف . و السلطة هي التي غيرت الأحوال المادية و الأوضاع الاجتماعية لبعضهم الآخر ، من معوزين و أصحاب دخل محدود ، إلى مترفين و أصحاب ملايين . و يبدو ذلك جليّا بأشد درجات الوضوح على مدى عمر الأزمة ، بدءً من انقلاب المؤتمر الوطني العام على نتائج العملية الديمقراطية في انتخابات يونيو 2014 .. بما صاحب الانقلاب من فظائع غزوة المطار و الحرب بين الميليشيات ، مرورا باستماتة البرلمان في الاحتفاظ لنفسه بالحق في السلطة .. رغم الحكم دستوريا ببطلان انتخابه ، و رغم تدني نسبة الاقتراع في العملية الانتخابية التي أفرزته أصلا ، و رغم فشله التام على مستويات الأداء كافة ، و انتهاءً إلى المجلس الرئاسي .. بما هو نتاج مفبرك لحوار إدارة الأزمة ، كسلطة أمر واقع ، مفروضة على بلادنا و شعبنا من الخارج بإرادة الأجنبي ، و بقوة سلاح الميليشيات . و من ثم فليس من مصداقية لافتراض إمكانية حل أزمة الصراع - الهمجي و الدموي و اللا أخلاقي - على السلطة ، فيما (لو) حسنت نوايا أطراف الصراع .
يعرّف النحويون لفظ (لو) بأنه حرف امتناع لامتناع ، و قد ثبت واقعيا و لدى الجميع ، أن امتناع وجود حل لأزمة السلطة في ليبيا ، ناتج عن امتناع وجود النوايا الحسنة لدى المستثمرين في الأزمة . فكغيري من المهتمين ، و في استعراض لتطور الأحداث سياسيا ، نُشر لي - منتصف مايو الفائت - مقال بعنوان : فاضت كؤوسها فكفُّ الشر أو الطوفان (3) ، خلصتُ فيه إلى مقترح من سبع نقاط ، يحفظ ماء الوجه لجميع أطراف الصراع (الهمجي) على السلطة ، و يكفل إنتاج برلمان جديد و رئيس للدولة ، قبل تاريخ 17 ديسمبر 2017 .. فيما (لو) حسنت النوايا . و من باب الدفع لإثبات حسن النوايا لدى حكام ليبيا الجدد ( بما هم أطراف أزمة الصراع على السلطة) ، فقد تضمن المقترح شرطا ينص على " عدم الترشح للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية ، و عدم الترشيح لشغل أي منصب وزاري ، لمدة أول فترة برلمانية و رئاسية (4 سنوات) قادمة ، و ذلك لكل من : أعضاء البرلمان و أعضاء المجلس الأعلى للدولة ، و أعضاء المؤتمر الوطني العام المعارضين لاتفاق الصخيرات ، و أعضاء المجلس الرئاسي ، و أعضاء حكومات الغويل و الثني و السراج " ، كشرط أساسي .. برسم النزاهة . لكن هؤلاء القادمين إلى السلطة بالصدفة و من المجهول ، لا يقبلون بمغادرتها - عن طيب خاطر - حتى لا يفقدوا ما آثروا به أنفسهم (فوضويا) من امتيازات فاحشة ، لم تكن تخطر لهم حتى في أحلام اليقظة . (و يكفي دليلا - فضائحيا - على ذلك ، أن الراتب الفلكي الذي خص به برلمان طبرق الفاشل أعضاءه (فرديّاً) ، يتجاوز مجموع رواتب رؤساء ثلاث دول عظمى هي روسيا و الصين و الهند ! ويفوق كثيرا مجموع المعاشات التقاعدية لعدد 35 وكيل وزارة و مدير عام سابقين ، خدموا الدولة الليبية لأكثر من ثلاثة عقود !) . أما الآن ؛ فإنه لم يعد ثمة متسع من الوقت لأي طرح قانوني .. أو لأي مقترح باستئناف أي مسار ديمقراطي ، و قد بلغت النكبة أقصى درجة من إفقار و تجويع ستة ملايين إنسان ؛ فالوقت قد تجاوز (ترف) كل الطروحات القانونية و المقترحات السياسية . كما أنه ليس ثمة من أفق لتوفر الظروف الملائمة لإجراء أو لضمان نجاح و نزاهة أية عملية انتخابية : سياسيا و تنظيميا و لوجستيا و أمنيا ، في المدى المنظور . و تحصيل حاصل أن غسان سلامة ، لن يفلح في ما لم يفلح فيه طارق متري و برناردينو ليون و مارتن كوبلر ، فهذا المبعوث الأممي (المندوب السامي للغرب الذي يسمونه المجتمع الدولي ) ، هو كسابقيه ، ليس أكثر من أداة لتنفيذ سيناريو إدارة الأزمة المحلية بين الأطراف الأجنبية ، المختلفة حول حصصها من النفوذ و الثروة في ليبيا ، و الطرف الأقوى من بينها هي الولايات المتحدة ، التي يديرها الآن مراهق سياسي و تاجر عقارات ، بعقلية عاقد صفقات . و من اللافت و المشحون بالدلالات ، أنه مع قرب انتهاء مدة سريان اتفاق الصخيرات ، فقد حرص دونلد ترمب على استدعاء رئيس المجلس الرئاسي ، بما يعطي رسالة مفادها أن اتفاق الصخيرات باقٍ .. شاء من شاء و أبى من أبى ، و أن فائز السراج هو رجل أميركا الموثوق في ليبيا (إلى حين إشعار آخر) ؛ فشعارات الديمقراطية الغربية غير مفصلة على مقاس مجتمع اللوياجيرغا .
4 : هل من شعب حي ، و هل من جيش وطني ؟
وفقا للإعلان الدستوري (النافذ) ، فإنه لا شرعية على الإطلاق لمجلس النواب (النوام) في طبرق ، فقد استنفذ مدة ولايته ، و استنفذ مدة تمديده - التعسفي - لنفسه في السلطة . و لا شرعية على الإطلاق لمجلس الدولة (المؤتمر الوطني العام سابقا) .. في طرابلس ، فقد تشكل بالمخالفة لاتفاق الصخيرات . و لا شرعية على الإطلاق للمجلس الرئاسي - ثالثة الأثافي - فهو نتاج اتفاق باطل شكلا و موضوعا ، وقد أنكره حتى طرفا الحوار العبثي - الباطل - الذي أفرخ اتفاق الصخيرات ، ثم إن اتفاق الصخيرات (المعيب) لم يلتزم به أيٌّ من أطرافه الثلاثة ، فهو في حكم العدم دستوريا و واقعيا ، و ليس من أدنى ريب في أن جميع هياكل السلطة القائمة و الكيانات التي تتنازع الشرعية في ليبيا حاليا (برلمان طبرق ، و مجلس الدولة ، و بقايا المؤتمر الوطني ، و المجلس الرئاسي ، و حكومات الغويل و الثني و السراج) ، هي سلطات أمر واقع مفروضة على الشعب .. فاقدة للشرعية و فاقدة للأهلية .
و المحصلة هي أن ما يجري مؤخرا في تونس ، من محاولة عبثية لنفخ الحياة في جثة اتفاق الصخيرات ، هي استمرار للضحك على الشعب الليبي ، و هدر للوقت و المال العام ، و استخفاف بما يعانيه الملايين من الآلام و المذلات و تردي الأوضاع المعيشية ؛ لتنتهي المهزلة إلى تقاسم سلطة الأمر الواقع بين نفس المكونات السلطوية الفاقدة للشرعية ، و اللاوطنية ، و الفاشلة ؛ و بالمِثل تقاسم الغنائم بين نفس الأشخاص (حكام ليبيا الجدد) من الفاسدين و المرتزقة . ليظلوا يتمتعون بما آثروا به أنفسهم من الرواتب و الامتيازات و المكاسب ؛ دون سائر أبناء الشعب الليبي (المضحوك عليه) ، الذي أوصلهم إلى السلطة ، و الذي سيظل يتخبط في الفقر و الجوع و المذلة .. بانتظار أن يتحول السراب إلى ماء زلال ! و لقد بات واضحا للجميع أن ما يسمى بالحوار السياسي ، لم يكن بالأصل إلا خديعة كبرى ، توافقت عليها أطراف الصراع الهمجي على السلطة ، استثمارا في الوقت الضائع ، لخدمة أجندات خاصة - محلية و خارجية - تتقاطع مع مصالحهم الذاتية . و لم يكن ذلك الحوار إلا فخا محكما نصبوه للشعب الليبي المغلوب على أمره بقوة سلاح الميليشيات ، و لم يكن - بدءً و سيرورةً و انتهاءً إلى ما انتهى إليه في الصخيرات - إلا هزيمة نكراء حاقت بالديمقراطية في الفكر و الممارسة ، و عصفت بآمال و تطلعات و حياة الشعب الليبي .. الذي خسر كل شيء .
لقد أهدروا ثلاث سنوات ، قضوها في التنقل بين العواصم ، يتمتعون بالامتيازات و الأموال التي خصوا بها أنفسهم ، و ينعمون بخدمات فنادق و منتجعات الخمسة نجوم في عواصم العالم ، بينما قضاها الشعب الليبي في معاناة مريرة بلغت حد التضور جوعا ، دون أمل في انفراج الأزمة . و هم الآن يدفعون باتجاه قبول الشعب الليبي المنكوب باستمرار المهزلة ، لينتظر ثلاث سنوات أخرى من المفاوضات المكوكية ، لتعديل اتفاق برناردينو ، بالتزامن مع جولات مباحثات (عشائرية) لشيوخ و وجهاء و أعيان و حكماء و عوّالة ترسيخ النظام القبلي لما قبل القرون الوسطى ، أو ما يسميه غسان سلامة (المؤتمر الوطني الجامع) ! .
إن هؤلاء الأدعياء منتحلي الصفة عبَدة الكراسي ، في ما يسمى البرلمان و الأعلى و الرئاسي ، لا يهمهم غير ما ينعمون به - دون الليبيين - من رواتب و امتيازات خيالية ، فضلا عن غنائم الفساد المالي و الإداري . وهم جميعا (يكذبون) عندما يدّعون تمثيل إرادة و مصالح الأمة ، أو عندما يتحدثون عن شعورهم بمدى معاناة الشعب الليبي المنكوب . و هم جميعا يعرفون أن اتفاق الصخيرات صار في حكم العدم ، و استقر في سلة مهملات التاريخ ، و هم يعرفون أنهم جميعا فاقدون للشرعية . و هم (جميعا) يعرفون أن الشعب الليبي (جميعا) يعرف أنهم أدعياء و مرتزقة و مغتصبو سلطة ، لكنهم مع كل ذلك و غيره .. مصرون على الاستمرار في هذه اللعبة السمجة القذرة . و ليس بينهم من شخص واحد .. يملك شرف الاعتراف بالفشل و الاعتذار للشعب و إعلان الانسحاب من هذا المشهد الهزلي البائس الموصوم بالعار ، و الملطخ بالفساد و الدم . لكن العيب ليس فيهم ، فالعيب لا يُعتبر عيبا عندما يأتي من أصحابه .. بل العيب في التركيبة الاجتماعية المتخلفة التي بوأتهم مواقع مسؤولية عليا ، هي أكبر كثيرا من إمكاناتهم و أحجامهم و تطلعاتهم الصغيرة .
و ليس من أدنى شك في أن هذه العصابات المافياوية ، التي تتنازع السلطة ؛ لن تتخلى طوعا و اختيارا عن مكاسبها ، و لن تغادر كراسي السلطة عن طيب خاطر أبدا ، حتى و لو بلغ الجوع بالناس درجة التساقط موتى في الشوارع . فكلهم لا يقبل بالتخلي عن نصيبه المنتظر من غنائم توقيع العقود و الأذونات الحكومية ، و كلهم مرتاح و مطمئن ، فالشعب مغلوب على أمره بالميليشيات التي تحميهم ، و الدول الكبرى ، التي يسمونها المجتمع الدولي ، لا يعنيها من الأمر كله سوى مصالحها الخاصة . و ليذهب الليبيون إلى الجحيم ، فهم عاجزون عن التمرد و العصيان .. رغم كل الكوارث التي أنزلتها بهم هذه العصابات المارقة (في كل أجسام سلطة الأمر الواقع) ، و بالأخص خلال و على مدى سنوات الحوار الثلاث الفائتة .
و أعود للقول بأن اللوم في كل ما حدث و يحدث من أزمات الصراع على السلطة ، لا يقع - أساسا - على هؤلاء الذين قفزوا في غفلة من الزمن ، لاحتلال مواقع اتخاذ القرار و إدارة شؤون الدولة و المجتمع ، قادمين إلى السلطة من المجهول ، فهم ليسوا غير نواتج فاسدة ، أفرزتها فورة - أو هبة أو انتفاضة - فبراير الشعبوية ، التي تحولت كليا و نهائيا إلى نكبة ، و صعدت بهم من القاع إلى السطح ؛ انتهازيون ركاب أمواج ، و باحثون عن أدوار ، و أصحاب سوابق جنائية ، و موتورون ، و مغامرون ، و مهربون ، و تجار محظورات ، و أثرياء فساد ، و لصوص ، و عملاء استخبارات أجنبية . و قد تذوقوا نعمة فوضى السلطة و الكسب الحرام ، فتجبروا بالثروة و السلطة و السلاح ، و لم يعودوا يقبلون إلا بما يضمن لهم الاحتفاظ بما استحوذوا عليه من مكتسبات و غنائم . لكن اللوم كل اللوم .. أولا على الجماهير الشعبية الرثة من الليبيين ، الذين انتخبوا أولائك النكرات و الأدعياء ، ليمثلوهم في السلطة التشريعية ، فمثلوا عليهم و مثلوا بهم ، على نحو ما حدث و يحدث من تداعيات كارثية متناسلة . و اللوم كل اللوم ثانيا على الجيش (النظامي) الليبي ، الذي انقسم على نفسه ، و رضِيَ بالانضواء الذليل تحت سلطة دولة الميليشيات المجرمة ، و خاصة في الغرب الليبي ، مما لن يغفره لهم التاريخ إلا بالتكفير عنه و محو آثاره ، تلبية لنداء الشعب و الوطن . أما ثالثا و رابعا و عاشرا .. فاللوم كل اللوم (بل العار كل العار) على السياسيين و (الكتَبَة) و المثقفين الوسطيين ، الذين لا زالوا مصرين على أن نكبة فبرابر .. كانت ثورة ، ثم سرقها المتربصون بها من الأعداء ، كما يسرق (الثعلب المكار) دجاجة غافلة .. بينما كانت تقاقئ لبيضتها !
5 : أفيقوا من الغيبوبة ، و أزيحوا من ركبوا ظهوركم بلا برادع
ليس لنا - نحن من نقول : لا - أيُّ عداء شخصي مع أيٍّ من حكام ليبيا الجدد ، الذين أتت بهم الصدفة و القبلية و الجهوية إلى السلطة من المجهول . فنهبوا و أهدروا ما يربو عن 400 مليار دينار ، و مارسوا كل أنواع الفساد المالي و الإداري ، و أفقروا الشعب الليبي و جوعوه ، و أذلوا كرامة الرجال و ابتزوا شرف النساء ، و استعانوا بالميليشيات المسلحة ، فشرعنوا وجودها و حموها و احتموا بها ، للحيلولة دون إعادة بناء مؤسسة الدفاع الوطني (القوات المسلحة النظامية الليبية) و مؤسسة الأمن الوطني (الشرطة و الأجهزة الأمنية النظامية المتخصصة) ، و استخدموها لإرهاب الشعب و قمع كل صوت وطني حر .
أما و قد صار واضحا أنّ دعاة الحل السياسي (التوافقي) لأزمة الصراع على السلطة في ليبيا ، ليسوا غير باعة سراب ، و أن المروجين لما يسمى (الحوار السياسي) ، ليسوا إلا مهرجين و راقصين في مهرجان تسويق الأوهام . و في أحسن الافتراضات هم (مستلبون) مغيبون عن الوعي ، و إلا فكيف لإنسان يتوفر على أدنى درجة من الوعي .. أن يراهن على سلطة فاسدة فاشلة ؛ يقودها الكومبرادور ، و بارونات التجارة الخارجية .. محتكرو اعتمادات الاستيراد " الوهمي " بسعر الصرف الرسمي ، و المضاربون في السوق السوداء ، و المهربون ، و كبار لصوص السطو المنظم على المال العام ؟! و قولا واحدا : لا غسان سلامة ، و لا مجتمع دولي ، و لا حوار سياسي لم ينتج و لن ينتج عنه غير مزيد من إفقار الشعب و ضياع الوطن . فليس من حل غير أن يفيق الشعب من غيبوبته التاريخية ، ليحرر إرادته المحتجزة ، و يستعيد كرامته المفقودة ، و يتجاوز واقعه المزري . أما كل الباقي ، فما هو غير تعاطٍ لأفيون ثنائية (الرعية / ولي الأمر) ، و تجميع الريح لأشرعة مراكب سلطات الأمر الواقع ، الفاسدة و الفاشلة .. بل و المنحطة قيَميّاً .
من المسلّم به أن الشعب هو مصدر السلطات ، و هو مصدر كل شرعية . فالنظام يسقط سياسيا ، و يفقد اعتباره و أهليته للبقاء ، إذا فقد شعبيته . و الحكومة تسقط و تفقد شرعية وجودها و تفقد أهليتها و صلاحيتها للاستمرار في السلطة ، إذا عجزت عن الإيفاء بتعهدات برنامجها للحكم .. بل حتى لو دارت شبهة فساد حول أي من أعضائها . و من المسلم به أيضا ، أنه لم يعد ثمة من اختلاف رأي يعتد به ، في كون كل أطراف الأزمة (المؤتمر و البرلمان المنتهية صلاحيتهما ، و الرئاسي و الأعلى غير الشرعيين ، و حكوماتهم الثلاث) ، لم يعد لهم - بعد يوم 17 ديسمبر 2017 - أيُّ غطاء يتسترون به للبقاء في مواقع سلطة الأمر الواقع ، ذلك أنهم جميعا لم يعودوا غير تشكيلات مافياوية موصوفة ، و كيانات غير شرعية ، منتحلة للصفة ، و مغتصبة للسلطة . فبأي حق إذن يصر حكام ليبيا الجدد - الذين أتت بهم نكبة فبراير المشؤومة إلى كراسي الحكم - على الاستمرار في السلطة ؟! لماذا يصر هؤلاء المتسلطون عموما - و الرئاسي خصوصا - على الذهاب إلى هذه الدرجة من السفه و حماقة التهافت على السلطة ، حتى و لو ضاع الوطن و غرق ستة ملايين ليبي و ليبية في مزيد من البؤس و العوز و الجوع ؟! و هم من فشلوا و تآمروا و ارتكبوا كل أنواع و أشكال الفساد (السياسي و المالي و الإداري و الأخلاقي) ، مما تنوء بتفاصيله الأراشيف ، و تقصر عن حصره و تَقصّي خفاياه أجهزة مكافحة الفساد العابر للحدود !
و مع كل هذه المعطيات ، لا أفهم لماذا لا يقوم الشباب المعطلون عن العمل ، و المنفيون على هامش الحياة في بلاد النفط و الغاز ، من أبناء الفقراء و المُفقَرين ، ليتنادوا و يقودوا طليعةَ ثورة شعبية ضد استبدادية و تسلط حكام ليبيا الجدد ، من طبقة الكومبرادور و بارونات المال الفاسد ، الذين يديرون دولة الميليشيات المجرمة في العاصمة طرابلس !؟ لماذا تنتظر هذه الجموع المجوّعة المحرومة ، أن يأتيها منقذ من خارجها ؟ لماذا لا يبادر هذا الشعب المنكوب .. فيثور ضد من أفقروه و جوعوه و استباحوا كرامته و أذلوا أبناءه و أفسدوا بناته ؟! لماذا لا تنفجر ثورة حمراء ساحقة ماحقة ، تجتث هذا السرطان من جذوره ، و تستعيد للوطن وجهه ، و تثأر لملايين المفقرين و المجوعين ، و تقتص من بارونات المال الفاسد .. دواعش الاعتمادات المستندية الوهمية و السوق السوداء و المضاربة في العملة و في قوت الفقراء ؟! لماذا ينتظرون الخلاص من حكم الكومبرادور و العملاء ، بواسطة الكومبرادور و العملاء ؟! لماذا لا يثور الفقراء و المفقرون على واقعهم و ضد من ركبوا ظهورهم بلا برادع ؟! لماذا لا يقتنع الفقراء و المفقرون بأنه ليس لديهم ما يخسرونه بالثورة غير فقرهم و بؤس حياتهم و هوانهم و مذلتهم في الطوابير أمام البنوك ؟! لماذا لا تريدون أن تفهموا أنه لا بديل لكم عن ثورة شعبية ، تقودها الطلائع الوطنية و الشبابية من أبناء الشعب بالشعب و من أجل الشعب ؟! و أنّ الثورة (الحقيقية) التي يتحتم (تاريخيا) أن تقع اليوم قبل الغد في ليبيا ، لا بد أن تكون ثورة الفقراء و المحرومين و الجياع . فهُم وحدهم ضحايا أزمة الصراع الهمجي على السلطة و الثروة ، الذي يدور بين أطراف الحوار العبثي ، و الذي جرى و يريدون له أن يجري ، لإعادة إنتاج سلطة نظام الغنائم ، برعاية ما يسمى المجتمع الدولي .
و لأننا لا ننشد أية مصلحة شخصية أو منافع خاصة من وراء العمل الوطني ، ولا نرى تحررنا أو مصلحتنا إلا ضمن تحرر ومصلحة شعبنا .. كل شعبنا . و لأننا لا نتطلع إلى أي دور سياسي رسمي (و إلا فالويل الويل لهم) ؛ فها نحن نناديكم يا كل أهلنا على امتداد الجغرافيا الليبية : أفيقوا من الغيبوبة ، و ثوروا ضد من أفقروكم و جوعوكم و أذلوكم و سرقوا قوت عيالكم ، فهم لا يعبئون بمعاناتكم و عذاباتكم ، ولا يحسون بكم ، و إنّ آخر ما يهمهم هو استقرار و أمن ليبيا أو رخاء و تحسن الأوضاع المعيشية المتردية للشعب الليبي ، و هم لا يملكون شرف الاستقالة و إعادة الأمانة إلى أصحابها ، فكل همهم أن يبقوا في السلطة ، كي يتضاعف حجم أرصدتهم و تتورم حساباتهم في بنوك السرية المصرفية ، و حتى يستنزفوا آخر درهم في الخزانة العامة ، و لن يغادروا الكراسي بطيب خاطر ، حتى لو جاء المسيح أو غاندي أو ماندلا مبعوثين أمميين ، لرعاية الحوار و حل أزمة الصراع على السلطة فيما بينهم . و أنْ يفيق المرء مؤخرا ، هو خير من أن يظل سادرا في الغيبوبة . و إن أقل و أبسط أشكال الثورة الشعبية تكلفة ، هو الدخول في عصيان مدني شامل ، يلزم فيه الجميع بيوتهم ، لا يغادرونها إلى أية دائرة حكومية أو أية مؤسسة تعليمية - و خاصة الجامعات - إلى أن يغادر كل (أكرر : كل) حكام ليبيا الجدد ، ما يحتلونه من كراسي السلطة المغتصبَة ، في البرلمان و بقايا المؤتمر و الأعلى و الرئاسي و الحكومات الثلاث ؛ ليستلم الجيش (سلميا) مسؤولية إدارة الدولة مؤقتا . فهل أقل و أيسر من أن تُعبّروا عن دعمكم للجيش - انحيازا لأنفسكم - بالعصيان المدني ؟!
6 : الضرورة التاريخية
عندما يتعرض الأمن القومي للخطر ، وعندما يسود الاستبداد والفساد ، وعندما تتحكم سياسات الإفقار والإقصاء ؛ تسقط كل جعجعات الديمقراطية التقليدية الجوفاء ، وتسقط كل دعاوى حرية التعبير المفخخة ، ويؤول الأمر كله إلى الشعب ، ويتعين الاحتكام إلى الديمقراطية الشعبية المباشرة في الشارع ؛ فتكون الثورة الشعبية الاجتماعية ، التي تفرز قياداتها المستوعبة و المستجيبة لضرورات المرحلة ، وترسم خارطة جديدة لنظام الدولة (المتحضرة) والعلاقات الاجتماعية / الاقتصادية (العادلة) . و إن الضرورة التاريخية الآن تقتضي تفويضا - بل تكليفا - شعبيا للجيش الوطني ، يُلزمه بالتدخل لحسم أزمة الصراع على السلطة ، و إن الضرورة التاريخية الملحّة ، تفرض على الجيش القيام بواجبه في إقرار الأمن و النظام ، و استعادة هيبة الدولة ، و الامتثال لإرادة الشعب و رغبته في التخلص من كل الكيانات و الأجسام اللاشرعية ؛ المغتصبة للسلطة ، و الرافضة لإعادة بناء مؤسسات الدولة ، و الخارجة عن القانون ؛ فمع استنفاذ كل إمكانات و فرص التوفيق بين أطراف سلطة الأمر الواقع ، و مع استقوائهم على الشعب بالأجنبي و بالمجموعات المسلحة الخارجة عن السيطرة ، لاغتصاب السلطة . و مع سقوط كل الدعاوى و التبريرات و التخريجات ، التي كان يتلطى وراءها مغتصبو السلطة (المؤتمر و البرلمان و الرئاسي و الأعلى و حكومات الثني و الغويل و السراج) قبل 17 ديسمبر 2017 ؛ فإنه لا بديلَ متاحٌ - واقعيا - غير الجيش الوطني ، للتعاطي إيجابيا (و وطنيا) مع الأزمة الخانقة ، الناجمة عن الصراع الفوضوي على السلطة خارج أطر الديمقراطية و القانون .
و إن الموضوعية تقتضينا الإقرار بأنه لم يعد ثمة من بديل (واقعي) غير أن يستلم الجيش إدارة شؤون الدولة ، لفترة انتقالية : من 3 – 5 سنوات . و على جميع المتشبثين بالأجسام فاقدة الشرعية (برلمان طبرق ، و الأعلى ، و الرئاسي ، و الحكومات الثلاث) ، أن يثبتوا مرة واحدة في حَيواتهم ، أنهم بشر أسوياء ؛ و لا نطلب منهم أن يكونوا مناضلين وطنيين أو أناسا شرفاء ، فذلك بعيد جدا عنهم . أقول إنه على حكام ليبيا الجدد ، أن يثبتوا مرة واحدة فقط ، أنهم بشر أسوياء ، فيمتثلوا لرغبة و إرادة أغلبية الشعب الليبي . و لْيَكُفّوا عن مضغ عبارة " تقديم تنازلات مؤلمة " ، فهم جميعا مغتصبو سلطة لا غير ، و عليهم أن يسلموا مسؤولية إدارة الدولة للجيش . أما من يمتنع عن ذلك منهم - أو من ( العسكر) الموالين لهم ، أو من أمراء العصابات الميليشياوية - فهم إنما يؤكدون بامتناعهم ذاك ، أنهم .. بأقل العبارات حدة : أعداء للوطن و الشعب ، و يحق فيهم ما يحق في أعداء الوطن و الشعب .
و لأنه لم يعد بمقدر الشعب الليبي المنكوب أن يتحمل مزيدا من معاناة ظروف تدهور الأوضاع المعيشية و الأمنية ، والفقر المدقع ، و الجوع ، و سوء التغذية ، و انفلات الأسعار ، و تدهور قيمة الدينار ، و نفاذ المدخرات ، و تفاقم ظواهر البطالة ، و الجريمة المنظمة ، و المخدرات ، و البغاء ، و التسول ؛ استمرارا لنفس الأوضاع المأساوية ، التي رافقت حكومة الكومبرادور برئاسة فائز السراج ، على مدى سنتين عجفاوين سوداوين ، هما أسوأ فترة في تاريخ ليبيا الحديث على وجه الإطلاق . و لأنه لم يعد مقبولا - بالمطلق - أن تساق الأمور في ليبيا من جديد ، على هوى مغتصبي السلطة أو على هوى ما يسمى بالمجتمع الدولي ، للدخول في ثقب أسود جديد من حوار صراع الديكة ، لتكون المحصلة إعادة إنتاج سلطة الأمر الواقع المافياوية ، في هيئة مثلث برمودا ليبي ، لتقاسم السلطة محاصصةً بين حكام ليبيا الجدد مغتصبي السلطة ، و ابتلاع ما تبقى من الاحتياطي النقدي في الخزانة العامة ، في بلد ضائع ممزق ، تسمع به لغو حديث الأقاليم و الولايات ، و كأنما هي حقيقة (جيوسياسية) قائمة فعليا على الأرض ، بينما خمسة ملايين منكوب ليبي - هم كل من بقي من الليبيين داخل الوطن المختطف - يتضورون جوعا ، بعد أن نهب حكام ليبيا الجدد (المُمَثلين في الحوار) و أهدروا نحو 400 مليار دينار ، هي كل ما وجدوه أو طالته أيديهم من قوت الشعب و رصيد الأجيال . خاصة و أنه بإحياء مومياء الصخيرات من العدم ، ستدخل بقايا أشلاء الدولة الليبية مرحلة انتقالية أخرى - ربما من سنة إلى سنتين - يتم خلالها التمكين لنظام روشتة البنك الدولي و صندوق النقد الدولي في الشأن الليبي ، لتغرق البلاد في دوامة الديون و الخصخصة و بيع أصول الدولة الليبية لمليونيرات الفساد و شركائهم الأجانب ..
لكل ذلك و غير ذلك ؛ فإنه لا بديل سوى أن يتولى الجيش استلام مسؤولية إدارة الدولة ، بدلا من كل أطراف سلطة الأمر الواقع .. غير الشرعية ، (فالجيش هو المؤسسة الوحيدة الشرعية ، التي تمثل - الآن - إرادة الشعب و سيادة الدولة) ، أو أن يقوم الشعب الليبي المغبون المطحون - في يوم قيامة حمراء - ليجتث كل هذه الطفيليات من جذورها ، و يرسلهم إلى الجحيم ، و يلقي بهم في السجون ، و يسترد بلاده ، و يسترجع كل ما نهبه حكام نكبة فبراير المشؤومة (و أيضا ما نهبه أسلافهم حكام سبتمبر) من الأموال العامة ، و يصادر كل ممتلكاتهم التي اكتسبوها بما نهبوه من أرزاق الليبيين . على أنه نظرا لأن الشعب يتعذر عليه أن يتصدى وحده للميليشيات المجرمة (التي تحمي حكام و نظام دولة الغنائم) ، فالجيش هو المعول عليه بالدرجة الأولى لإزاحة الغمة . و من يقول بغير هذا ، فهو - يدري أو لا يدري - يضع نفسه في خندق واحد مع أعداء الشعب الليبي . فلا شر بعد هذا الشر الذي نقاسي عذاباته اليومية .. تجويعا و إفقارا و إذلالا و ترويعا و تركيعا و إهدارا للكرامة الإنسانية .
7 : دعوة إلى ثورة شعبية / اجتماعية يدعمها الجيش
لست من المؤمنين بالأبطال المنقذين ، فالشعب وحده من عليه أن ينقذ وطنه و ينقذ نفسه من واقع أسود و مستقبل أشد سوادا ، والشعب الذي ينتظر الخلاص على أيدي الزعيم الفرد ، هو شعب لا يستحق الاحترام و غير جدير بالحرية . و لا أومن بتدخل العناية الإلهية لتغيير مجرى التاريخ ، فزمن المعجزات الأسطورية قد طواه التاريخ . فقط العقل المنظم ، و الإرادة الجماعية ، يمكن لهما صناعة الحدث التاريخي ، لكن الجماهير الشعبية الغاضبة ، تحتاج إلى قيادة وطنية واعية ، تنظم قواها ، و توجه حركتها .
و في هذه الظروف التي اختلط فيها كل شيء بكل شيء ، ليس غير الجيش (النظامي) الوطني ، من يملك الأهلية لقيادة حركة الجماهير (مرحليا) ، للخروج بالبلاد من الكبوة التي أوقعها فيها هواة السياسة المغرمون بالسلطة و السطو على المال العام . و بكل الوضوح : الشرعية الآن هي فقط للشعب وحده لا شريك له ، و من له أن يمثل الشرعية الشعبية الآن هو فقط الجيش الوطني الليبي . و مرة أخرى ليست الأخيرة ، نكرر تأكيد أنه لم تعد ثمة - بعد 17 ديسمبر 2017 - أية صفة لأيٍّ من أطراف الصراع على السلطة و تَنازُع الشرعية ؛ فلا المؤتمر الوطني العام ، و لا مجلس النواب (المنتهية ولايتهما و المنعدمان) .. بقي لهما أدنى حق في ادعاء الشرعية . و لا ما يسمى المجلس الأعلى للدولة ، و لا ما يسمى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني (منعدميْ الوجود الشرعي أصلا) .. تنطبق عليهما أدنى شبهة من الشرعية . و لا ما يسمى : الحكومة المؤقتة ، أو حكومة الإنقاذ الوطني ، أو حكومة الوفاق الوطني .. لها أي قدر من الشرعية . و إذا شئنا العدل و الإنصاف ، فليس لهم جميعا - دون استثناء و سواء بسواء - أدنى حق حتى في الرواتب التي يتقاضونها .. و (يجب) أن تُستَرد منهم . و تحصيل حاصل أن الميليشيات المسلحة كافة – بكل مسمياتها و ألوانها و انتماءاتها – لا تملك أية صفة شرعية ، بما في ذلك الشرعية الثورية التي يدعونها افتئاتا . و مرة أخرى و ليست الأخيرة ، نكرر القول - للتأكيد - بأن الشرعية الوحيد الآن هي شرعية الشعب الليبي دون سواه ، و أن الجيش النظامي (الوطني) الليبي ، هو وحده المؤهل لتمثيل شرعية و إرادة الشعب الليبي ، و استلام مسؤولية إدارة شؤون الدولة الليبية ، لفترة انتقالية ، يتم خلالها فرض الأمن ، و تأمين شروط الاستقرار و السلام الاجتماعي ، و إعادة الاعتبار لهيبة الدولة ، ليصار من ثم إلى تنظيم انتخابات عامة برلمانية و رئاسية ، وفقا للإعلان الدستوري القائم و تعديلاته أو إعلان دستوري جديد . أخذا في الاعتبار إرجاء البث في دستور جديد للبلاد ، إلى حين انتخاب برلمان (شرعي) جديد .
و بكل الصراحة و الوضوح : رغم ما سجله التاريخ من وقائع التجربة السبتمبرية القاسية (المحكومة بظروفها) ؛ أدعو - الآن - إلى تشكيل مجلس عسكري ؛ يمسك بالسلطة ، و يدير الدولة بحكومة مدنية قوية ، من العناصر الوطنية غير المنتمية لأي حزب سياسي ، و المنزهة عن أي ولاء أو هوى قبلي ، و غير المسجل عليها أية شبهة فساد . و ذلك لفترة انتقالية (3 – 5 أعوام) ، تنتهي بإجراء انتخابات برلمانية و رئاسية ، لإنتاج إدارة سياسية ، تؤسس لبناء دولة ديمقراطية ، يكون محتوى النظام فيها هو العدالة الاجتماعية (و تحديدا عدالة توزيع ثروة المجتمع بين أبنائه الأفراد) . و مع أني أمقت (تصنيم) الأشخاص مقتا شديدا .. مهما كانت أدوارهم في صناعة الحدث التاريخي الإيجابي ؛ فإنه حتى لو كان المشير خليفة حفتر نسخة ليبية من الجنرال فرانكو ، أو نسخة من العقيد معمر القذافي (بالذات في العقد الكابوسي الأخير من نظامه) ، فلا املك - كخيار متاح - إلا أن أكون معه في خندق مواجهة قوى الظلام و الدكتاتورية الدينية الاحتكارية و توظيف الله في خدمة الشيطان ، على أن يصار إلى إعلان الحرب على الفساد ، و ضرب الفاسدين .. بنفس القوة و الإصرار و الشجاعة في إعلان الحرب على الإرهاب و ضرب الإرهابيين .
و إن أصحاب الأجندات الخاصة ؛ من الإسلاميين ، و الحزبيين ، و الكومبرادور ، و الفاسدين ، و العملاء .. هم وحدهم من يعترضون على تدخل الجيش لإنقاذ ما تبقى من كيان الدولة الليبية . فليصمت المرجفون في الأرض ، و ليبلعوا ألسنتهم ، و ليكفوا نهائيا عن تدوير الأسطوانة المشروخة ( حكم العسكر ) ؛ فحكم من يسمونهم (العسكر) ، هو على أية حال أفضل و أرحم ألف مرة من حكم الميليشيات .
و كلمة أخيرة إلى حكام ليبيا الجدد : لا تنسوا أن الشعب يمهل ، لكنه لا يهمل . و لا تنسوا أنكم لم تتركوا لهذا الشعب المنكوب غير خيار واحد ، هو ثورة شعبية حقيقية ساحقة ماحقة (ليست كهذه التي ركبتم ظهرها) ، ثورة حقيقية .. تعيد له كرامته التي دستم عليه ، و حقوقه التي صادرتموها ، و أمواله التي نهبتموها . و عندها سترون ما هو أشد هولا من مشهد يوم القيامة .
-----------------------
(1) http://archive2.libya-al-mostakbal.org/news/clicked/96172
(2) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=541073
(3) http://www.libya-al-mostakbal.org/95/23355/%D9%81%D8%A7%D8%B6%D8%AA-%D9%83%D8%A4%D9%88%D8%B3-%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%83%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1-%D8%A3%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%86.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م