الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العدوانية كوسيلة لإرضاء الغريزة
ماهر رزوق
2017 / 12 / 19الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تحدثت من قبل في مقالة لي عنوانها : المثقف العربي و الجنس ، عن الحالات الثقافية أو مدعية الثقافة ، التي تهاجم الروايات (بالذات) العربية التي تتضمن محتوى جنسي صريح ، حيث يذهب هؤلاء إلى مواقع تقييم الكتب و مواقع التواصل الاجتماعي ، فيعمدون إلى كتابة تعليقاتهم الهجومية و محاولة تخفيض التقييم العام للرواية إلى أقل قدر ممكن ، بعد أن يكونوا أول من تهافت إلى شرائها ثم التهامها بنهم المحروم ، ثم التخلص منها ، كدليلٍ على الذنب المقترف ، في مجتمع يعتبر الغريزة الجنسية نجاسة و قذارة لابد من كبتها أو التخلص منها نهائياً لو أمكن !!
و أنا منذ زمن ، كنت و ما زلت ، مؤمناً أن مشكلة مجتمعاتنا الأكبر و الأخطر ، هي الجنس ... لأن هذه الغريزة الأساسية تؤثر و تتأثر بشكل فعال و واضح ، في مجالات الحياة الأساسية كالمجال الاقتصادي و النفسي و الاجتماعي ...الخ
لذلك أنتقد و بشدة هؤلاء المعادين لموجة المحتوى الجنسي الجريء في الروايات العربية الحديثة ... تلك الموجة التي قد تسهل عملية الانفتاح و هدم الحواجز العالية التي تفصلنا عن التنوير الأوربي و تقدّمه التكنولوجي و الثقافي ...
لماذا نحتاج بشدة لذلك الانفتاح ؟؟ ... سؤال مهم علينا أن نجيب عليه ، لندرك حجم الخطر الذي يتربص بنا ، و حجم الخطأ الذي نقترفه بالتصدي له !!
الغريزة الجنسية هي كباقي الغرائز ، حركة إيجابية في الحياة تهدف إلى تحقيق غاية مهمة لاستمرار الانسان أو (الحيوان حتى) في مسيرة الحياة الطبيعية ... فالجنس و البحث عن الطعام (الصيد ، الذبح ، قطف النبات) و السلطة بأشكالها المختلفة (فرض السيطرة و النظام) ... كل هذه الغرائز ذات منحى إيجابي في استمرار الحياة ... لكنها أيضاً لا تخلو من العدوانية الواضحة في تفاصيل العملية الغريزية و التي تكون عبارة عن وسيلة لتلبية هذه الغريزة أكثر منها غاية بحد ذاتها ...
و قد اختلف علماء النفس في هذه الناحية ، فكان منهم من اعتبر العدوانية متأصلة في ذات الانسان و الحيوان ، و منهم من رفض ذلك و اعتبرها حدث طارئ ، يساعد الانسان أو الحيوان على تلبية غرائزه و إشباعها .... و دافعَ هؤلاء المختصين بعلم نفس الحيوان ، عن ذلك ، بقولهم أن عدوانية الحيوان لا تظهر إلا في حالات معينة مثل : الدفاع عن المجال الحيوي (عن الطريدة أو منطقة الصيد ) ... البحث عن الغذاء ... المكانة المرتبية ضمن الجماعة ... التزاوج ...
و لاحظوا أيضاً أن هناك توازن واضح بين سلاح الحيوان المفترس و دفاعات الفريسة ، فبمقدار ما يزداد الدفاع فعالية ، تزداد قوة السلاح و العكس صحيح ... و كذلك هناك ميل كابح يساعد على كبح عدوانية الحيوان غريزياً ، بينما لوحظ زوال هذا التكيف عند الانسان الذي حلّت محل كابحه الغريزي ، كوابح خلقية و حضارية ، فسقط في مأزق العدوانية المفرطة (الحقودة و المبررة) التي تدفعه إلى التنكيل بالضحية و الاستمتاع بعذابها ...
أيضاً يخبرنا بعض علماء النفس عن البدائيين ، أنهم لم يكونوا بتلك الهمجية التي نتصورها و التي تبرز بشكل أوضح في المجتمعات الصناعية ، فحروبهم كانت قليلة الخسائر في الأرواح و غلب عليها طابع المباراة الرياضية و العدل في استخدام الأسلحة ، كما غاب عنها طابع الغدر !!
فالعدوانية إذن تبدو لنا أنها تعمقت في النفس البشرية و استشرت في العصر الحديث بشكل كبير بين فئات المجتمعات التي تعاني من الضغوطات الاقتصادية و الدينية و الكبت الأخلاقي لأهم الغرائز التي تدفع عجلة التطور و الابداع و البقاء أيضا !!
فذلك الكبت الذي تتحرر منه المجتمعات الأوربية و الغربية شيئا فشيئا ، و ما نزال نحن نرزح تحت ضغطه الفاضح ، هو السبب الأساسي و الخطير لتفشي العدوانية و تضاعف شدتها نحو الخارج ، أي نحو الآخر ، كرد فعل على رفض إشباع حاجة حيوية مهمة كالحاجة الجنسية ، فكل غريزة تصاحبها عدوانية كما ذكرت سابقاً ، و قمع العملية الجنسية ، يجعل العدوانية المصاحبة لها حرة طليقة ، مما يدفعها إلى طريق السادية و الحقد الأعمى ، لتحقيق لذتها و إشباعها !!
هذا ما يجعلنا نفكر الآن ، هل يمكننا أن نغفل هذا السبب الهام للعدوانية ، عندما نتحدث عن العنف المتزايد في عصرنا الحالي ، و في مجتمعاتنا المكبوتة ، خصوصاً مع تنامي نفوذ الأحزاب الدينية و خضوع السلطة لمطالبهم في قمع الحركات الحرة و المفكرين المعاصرين ؟؟
وهل علينا أن نستمر في نفاقنا الفصامي ، الذي يدفعنا إلى رفض الجنس في العلن و على مواقع التواصل و مواقع تقييم الكتب ، بينما نشتهيه و نلهث خلفه في الخفاء ؟؟
ما هو واجبنا كمثقفين أو تنويريين ، في خضم هذا الكبت الهائل الذي تفرضه قوانين التحريم و الوصاية الدينية و الأخلاقية على الطبقة الأكبر و الأكثر فعالية في مجتمعاتنا ، و التي هي الطبقة الجاهلة و الأمية (ثقافياً) ، التي تمتص كل ما يقدم لها من رجال الدين و مدّعي الثقافة ، دون أن تبذل أي جهد فكري ، مع التنويه إلى تحريم الشك و التفكير في مجتمعاتنا المضطهدة سياسياً و أخلاقياً و دينياً ؟؟
المصادر :
_ ميلاني كلاين (عالمة نفس نمساوية) ، الرغبة و الحاجة
_ فيلهلم رايش (عالم نفس نمساوي) ، خطاب إلى الرجل الصغير
_كونراد لورنتز (عالم نمساوي) ، علم نفس الحيوان
_ممدوح عدوان (مفكر سوري) ، حيونة الانسان
_فاوستو أنطونيني (عالم نفس إيطالي) ، الانسان الغاضب
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في
.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟
.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا
.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل
.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات