الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطموح و الهوية

صيقع سيف الإسلام

2017 / 12 / 20
الادب والفن





هل يتسنى لمريض نفسي أن يحصل على ملفه السيكولوجي قبل أن يودع المصح العقلي نهائيا ؟ . . . يبدو أن الإجابة هي نعم في حالتي أنا ، و كما كل مختل سيقول أنه شخص عادي و طبيعي ، أيضا أنا أبادر واصفا كوني إنسانا طبيعيا ، ولو أن الجميع لن يصدقني ، غير أن الإنسان الشاذ ليس حتما و لا دائما ذلك الذي يبتعد عن القاعدة ، حتى لقد يتفق خلافا لهذا ، أن يحمل في ذاته حقيقة جوهرية ، بينما يكون الناس ، جميع الناس ، قد ابتعدوا عن القاعدة إلى حين ، كأنما دفعتهم عنها ريح هبت عليهم ، على حين فجأة ...
كان الملف يحوي ثلاثة فصول قصيرة ، الأول يتحدث عن مرحلة السجن التي عشتها ، الفصل الثاني يخص خروجي من السجن ثم اقترافي لجريمة قتل ضمن دير يهودي ، و ضمن هذا الفصل ركزت المختصة على سبب الجريمة و الذي جاء في تصريح لي : « قتلت العجوز رغبة في العودة للسجن » ، أما الفصل الثالث فيحوي نتائج تحليل اختبار رورشاخ و ويكسلر ، إلا أن المختصة التي وقفت على معالجتي تجاهلت تحليلا آخرا سألتني عنه ، كيف تصف شعورك الداخلي و أنت تشاهد لوحة الصرخة لإدفارد مونك ، و وصف شعوري هذا هو ما سأذكره في تتمة هذا الملف السيكولوجي الخاص بي .

_جاء في سجل المختصة :

المريض رقم 725 المدعو : دنيس رفائيل

الفصل الأول : مرحلة السجن

عانى دنيس في أيام سجنه الأولى من العزلة و الإنطوائية ، لم يكن كثير الإحتكاك برفقائه ولا يملك زائرين يعتنون به و يشرفون على احتياجاته ، و قد حاول الإنتحار أكثر من مرة ، آخرها تم انتشاله من طرف أحد السجناء الجدد ، و قد كان شيخا مسجونا لأسباب سياسية بحتة . . . لاحقا لازم دنيس هذا الشيخ و معه تمكن من إتقان مهارات جديدة ، و تحسنت علاقاته مع باقي المساجين ، حيث قام المعتقل السياسي ببدء بادرة تحسين مستوى المحبوسين ، منهم دنيس ، والذي كان أذكاهم وأحذقهم . . . تعلم السجناء الفرنسيين لغات جديدة كالإيطالية و الإسبانية و الإنجليزية ، و قاموا بإنشاء مكتبة ضخمة تحت إشراف مدير المعتقل ، صحيح أنهم راسلوا كثيرا في سبيل هذا الطلب ، بيد أن النجاح كان نصيبهم في النهاية ، بل تجاوز الأمر لتمثيل مسرحيات كلاسيكية ، يحضرها حتى متخصصين في مجال الفن لينتقوا اصحاب المواهب من المسجونين ، بعد إطلاق سراحهم ... قاموا بتمثيل « أندروكليس و الأسد » ، دنيس قام بدور العبد الروماني الذي فر إلى الكهف و انتزع شوكة السبع ، و قد قام كذلك بتمثيل دور تشاتسكي في مسرحية جريبويدوف المعنونة بــ « كثير من الفكر ضرر » ، بل و تمكن المعتقل السياسي ، أي ذاك الشيخ ، بجلب صور منسوخة للوحات عالمية ، فصار بجانب فاوست غوته و عطيل شكسبير ، صارت لوحة العشاء الأخير و لوحة : النجوم ، غرنيكا ، الصرخة . . . كان يتميز دنيس من بين البقية بشرح معضلات فلسفية ضمن هذه اللوحات الخاصة بالمدرسة التعبيرية و الواقعية على حد قول أصدقائه المساجين ، قال واحد : « دنيس يجعل من الفن كتبا و مقالات مقروءة » ، يقول آخر : « دنيس يجعل ذكرياته مرتبطة باللوحات ، كأننا إن أسقطنا أحاسيسه على ورقة جاءت تلك اللوحات عينها » . . . سابقا كان المريض رقم 725 مدمنا على الخمرة ، فإذا فشلت محاولة انتحاره ، انتقل به الحال إلى معاقرة الشراب تناسيا لفجيعته و مصيبته ، إلا أنه لم يكن وحيدا في ذلك ، بل ضمن تشكيلة واسعة تشعر بالارستقراطية القصوى لدى تناول جرعة شراب من كأس بها ثلاثة ثقوب يخفونها عن الحرس ، أما وبعد وصول السجين السياسي ، تبدل الوضع ، حيث كان ملما بأساليب المعالجة السيكولوجية المعروفة بمدرسة العلاج بالمعنى لفيكتور فرانكل النمساوي ، بل و اقترح وصفات جديدة على مدير السجن لما تجرأ بعض المحبوسين على الاقتتال بعنف و شدة ، اقتراح عاد بفائدة عظمى زادت من أهلية و حظوة الشيخ السياسي لدى الحراس و المعتقلين و المدير عينه ، جاء الاقتراح في شكل خطة صغيرة تولد عذابا نفسيا رهيبا ، حيث تم إجبار المتسببين في العنف ، كل فرد منهم ، أن يجمع خمس قطع حصى صغيرة و يذرع ذهابا إيابا بين ساريتين وسط الساحة ، في كل مرة يأخذ حصى واحدة من السارية الإبتدائية بلوغا للسارية الثانية ، ثم يعيد نفس الحصى رجوعا و يضعها ، ثم يبادر الحصى الثانية و يفعل نفس الشيء ، هكذا مع باقي القطع جميعها لمدة خمس ساعات متواصلة ، وقد كان توقيت العقوبة هذه مختلفا لكل فرد ، منهم المجبر على تأديتها مع صياح الديك و بزوغ أول شعاع للفجر ، و منهم المجبر في كحلة الليل ، و منهم عند اشتداد حرقة الشمس وسط النهار ، أيا ما يكن تمثلت قسوة العقوبة في اللاهدفية التي تتميز بها ، عمل لا جدوى من ورائه يولد كبتا في البداية ثم ضغطا ثم رغبة عارمة و غضب شديد ، غضب ليس ناجما من عمارة في النفس ، بل من خواء و فراغ ، كطبل أجوف ، حينذاك يفقد الأمل معناه و الحياة تخسر طعمها ، كعقوبة صخرة سيزيف ، اللاجدوى . . . اعتمد السجين السياسي أيضا على بعض الكلاب التي كانت متواجدة داخل السجن ، حيث أنمى علاقة مودة بينها و بين المحبوسين ، و صار كل كلب حيوانا أليفا لمجموعة معينة ، يشرفون على إطعامه وملاعبته ببعض الكرات ، وهو يمتعهم بتلاعبه بذيله ، ومداعبة أيديهم بشفاهه الرطبة ولسانه اللهثان ، حتى أن فريقا منهم كان يجعل هذا الحيوان الأليف محلا لأسرارهم و ذكرياتهم الماضية ، وقد كان يشكل أنيسا حنونا في النوم كذلك ، على أن شيئا من المكر لا يخلو من هذه الحيوانات الأليفة و التي كانت تتمتع بإغاظة أصحابها في قضم و تهشيم النباتات التي يزرعونها و يقضون مددا من الزمن في تهيئتها و تربيتها و التعشق بنسيمها ، بلا شك ساهمت كل من الحدائق الصغيرة و الكلاب الأليفة في تعطيل غضب عارم و التخلص من عادات إجرامية عديدة ، حينذاك و ضمن كل هذه الثورة الفنية داخل السجن ، توطدت من جديد أواصر العلاقات بين كل سجين وعائلته ، فكانوا يقضون أوقات الزيارة مسرورين ، هذا يسمي زهرة باسم ابنته سيرين ، و ذاك يشرح رائعة غوته آلام الفتى فرتر لابنه ، و ثالث يحفظ إحدى وصايا زوسيما الإخوة كارامازوف عن الصلاة و المحبة للمخلوقات ، يردد على مسامع زوجته المنكوبة أن تحب كل حبة رمل و كل ذرة شجر ، وأن ترأف بالحيوان فالرب جعل فيها براءة فطرية . . . إن المتأمل في كل هذا ليرسخ في ذهنه أنه سجن مفعم بالأشياء : لوحات ، حيوانات ، حدائق ، مكتبة . . . إلا أن مقطعا من مذكرات المريض دنيس يشرح لنا أن السجناء كانوا يعيشون المعنى فقط من خلال صور مادية معوزة و فقيرة .
جاء في مذكرات دنيس : « إن زنزانة مادلين قاتمة ، جدرانها تحتفظ بأوصال العفن بين ثقوبها و تقاطيعها ، الشمعة التي يشعلها مادلين لا تكاد تجعله يبصر وجهه ، برغم ذلك هو يضعها قرب فراشه الأرضي المهترئ كي يراقب صورة لوحة الصرخة لإدفارد مونك التي أحضرها له الشيخ ، تلك كانت نوبته في الحصول على الصورة ، ونوبتي في حيازتها تأتي بعده ، اي بمعدل بقاء الصورة عند كل سجين ما يساوي اليومين و الليلتين ، غير أنني كنت أدمج نوبتي بنوبة مادلين لكي أستمتع بمعنى اللوحة في الصورة بتوازي مع سماعي لعزف مادلين على كمانه الخاص ، وإن كان مهترئا متشققا هو الآخر ، إلا أن براعة مادلين تجعله يبدوا سليما ، كان يتقن عزف الكلاسيكيات ، الفالس خصوصا ، ويتمنى بحرقة أن ييبلغ مهارة أندري ريو ، و كنت أسخر منه أنه لن يبلغ مرامه أبدا ، ويشتد ضحكي حين يعزف على زهرة غرسها داخل زنزانته و ماتت بعد مدة قصيرة ، وكان يستبدلها بأخرى اصطناعية بيضاء ، يسميها أنها ابنة الوردة الحية ، ويرثى لها بعزف يقسم القلب ، و لا عجب ، فقد كان كل شيء متسخا في زنزانته ، هو بذاته حتى وجهه يحمل فحما أسودا ، غير أن الوردة البيضاء سليمة من كل دنس ، كان يقول عنها : أنها روحه التي تعيش بين منكبيه ، هي بيضاء اليوم ، غدا تصير سوداء قبل موعد حكم الإعدام الذي يتربصه ، و لم ينقض عجبي من هذا ، بل شدهت و أنا أرى الكلب جيدكو يعبث داخل الزنزانة ، حتى بوجه مادلين المفحم بالسواد ، أما الوردة البيضاء فلا يقترب منها ، كأنه على علم من مكانتها لدى هذا السجين ، ولهذا زاد حب مادلين له ، وأيما حب كان يكنه له خصوصا لدى إطعامه ، و يجبره على أداء رقصة صغيرة يتذلل له بها ، و حين ينتهي يجد نفسه يكبت العبرات ، كيف أنه سيترك الحياة ، كيف أنه سوف يطوى من هذا الوجود ، و ليس من تسريح لتلك الدموع المكبوتة إلا قراءة في خطاب احتضار جان فالجان و توديعه لكوزيت و ماريوس ، كان يبكي وهو يقرأ في تلك الأوراق الممزقة القليلة من رواية البؤساء :
هكذا يقسم الله الأشياء بين الناس ، إنه في الأعالي ، إنه يرانا جميعا ، وهو يعرف ما يعمله وسط كواكبه العظمى ، و إذن سوف أرحل ، يا ولدي ، تحابا دائما أعظم الحب ، فليس في العالم شيء ، تقريبا ، غير التحاب ، و لسوف تفكران أحيانا في الرجل العجوز البائس الذي مات هنا ، آه . يا حبيبتي كوزيت ، إنها ليست غلطتي حقا ، إذا لم أرك طوال هذا الوقت ، لقد تفطر قلبي بسبب من ذلك ، لقد مضيت حتى زاوية الشارع ، و لقد كنت خليقا أن أبدو مضحكا في نظر الناس الذين يرونني أمشي هناك ، لقد بدوت اشبه بالمخبول ، و ذات يوم خرجت من غير قبعة ، يا ولدي ، لم أعد أرى ، الآن في وضوح كثير ، كانت عندي أشياء أخرى أحب أن أقولها ، و لكن لابأس ، فكرا في قليلا ، أنتما مخلوقان مباركان ، لست أدري ماذا ألم بي ، إني أرى ضياء ، اقتربا أكثر ، أنا أموت سعيدا ، قربا رأسيكما العزيزين المحبوبين لكي أضع يدي فوقهما ...
_ مادلين يقرأ هذه الكلمات الأخيرة و يبكي بحرقة ، و كنت مرة معه ، فصرت أذرف غزيرا ، و أمامي لوحة الصرخة تلك ، فنبت في ذهني معنى من المعاني ، قلته على سليقة مني كأنني أنقل وحيا لا أفكر من تلقاء ذاتي ، و قد اعترتني هالة من الوقار ، تحت رحمة وحي اللوحة ، حتى دفع هذا مادلين لينادي علي دنيس ، دنيس ، ولم أعره اهتماما ، قلت بتسارع :
_ إن الإنسان يمكن أن يفكر و يشعر ، ويمكنه أن لا يفكر ، لكنه أبدا يشعر . إن هذه الصور المادية أمامك يا مادلين من جدار و كمان و ووردة و أوساخ ، كلها لن تعدو عن أن تترجم لك معنى من المعاني ، يليه شعور خاص به ، و إن ثانية واحدة من إحساس عميق قادرة على إختزال الحياة كلها ، تلك الثانية و الإحساس المرافق لها هي أبدية لك ، تعيش داخلها بالذكريات ولو أنك تستمر في معاركة الزمن و التقدم فيه و الغرق داخله ، و الحياة دائما تتقدم و هي تعض على أناملها متحسرة على حدث سعيد مفعم بالإنسانية و الهناء ، متحسرة على تلك اللذة ، ترغب في استعادتها و ملاحقتها رجوعا بالزمن للوراء ، و ليس من بعد تلك اللذة القصوى إلا ذبول و هوان ، و تبقى اللذة في شكل ذكرى مخزنة داخل أدمغتنا ليس إلا ، و إنك يا مادلين مقبل على حكم الإعدام ، وفي هذا أعظم فرصة ، أن تخلق لذة قصوى من المعاني التي أمامك ، من الفن الذي نعيشه الآن ، هذه اللذة القصوى هي شعور يأتي من حدث مادي في أغلبه ، وذلك لأمثالنا نحن الضعفاء ، أما الحكماء فهم يخلقون متعتهم بتوهيم أنفسهم أنهم يعيشون الحدث لا واقعيا و لكن حضوريا ، حضوريا صوفيا ، الحكيم يستطيع أن يتذوق طعم ثلج الهمالايا و هو قابع في زاوية منزله ، بإمكانه الإحساس بحشيش المحيطات المالحة و هو يجالس ابنه أو كتابه أو جاره ، فبدل أن يخبو بريقك و تنطفئ مشكاتك خوفا و رهبا من حبل المشنقة ، استغل الفرصة ، و اجعل الموت حافزا ، يضاعف من لذتك و متعتك ، يضاعف من قدرتك على السباحة في عمق المعاني ، أنت تقرأ كلمات جان فالجان و غدا ترحل ، ليس مثلي و أنا أقرأها ، أنت تعزف الفالس على ذكرى وردة بيضاء و غدا تدفن ، ليس مثلي وأنا أعزفها ، إن لك غوصا في قلب المعاني ، كل معنى تستشف منه آخره ، تمتص منه الحياة ، و لا أعدو أنا عن مصافحة أسطح هذه المعاني ، هكذا تبلغ هدف كل إنسان على وجه هذه البسيطة ، أن يغرف من معين أعظم لذة ومتعة تتوافق و هو ، ثم يترك هذا الواقع المؤلم مباشرة ، حتى لا تتدنس لذته التي شعرها و ترحل معه و هي صافية ، هذا مرمى الحكيم ، و أنت يا مادلين حقيق أنك تعيش داخل قفص معتم ، غير أن في قلب العتمة النور ، فلا تحتاج من الأشياء إلا صورها و بداخلك المعنى أنت تزكيه و تذكيه ، فتكون جنتك وبستانك في صدرك ، و هل أعظم من الفن هدفا للإنسان ، الفن الذي يعيد إليك روحك ناضجة نقية ، فلا أذنك التي تتمتع بفالس الكمان ، بل روحك ترقص على أنغامه ، ولا كلمات جان فالجان تبكي عيونك ، بل روحك تتحد بصديقاتها الأرواح في عالم من الخيال، أرواح المساكين ، الأبرياء ، فتنمو إنسانيتك ووعيك ، وبدل أن تطلب الرحمة من الرب لك ، تطلبها للأولى منك ، هناك تتحد بوردتك البيضاء و تصفو صرخة إدفارد مونك ، و تتحول إلى بسمة صادقة تنبئ عن استقرار و اكتمال ، تنبئ عن كمال ، و الحق أقول لك : إن الناس يعيشون سعادة الحدث ثم يعيشون سعادة الذكريات ، أما أمثالك فهم يعيشون سعادة الحدث متحدة بسعادة الذكريات ، لا منفصلة ، وفي ذلك أعظم اللذة ، و الحق أقول لك أن الله عادل بين عباده ، وهذه نظريتي في العدل الإلهي أخبرك عنها :
يخطئ الناس أن الرب قد فرق بينهم ، فجعل الأمير في ظروف لائقة ، و جعل الفلاح في معاناة مريرة ، ذلك أن مناط القضية في الشعور المترتب من الحدث لا في الحدث ذاته ، و أن فكاك القضية جلها يكمن في هذا الطرح : أحداث و ظروف مختلفة لها القدرة على توليد نفس الإحساس و الشعور .
إن كل من الفلاح و الأمير الروسي شعر بسعادة متشابهة في المقدار و الكيف الداخلي النفسي ، غير أن هذه السعادة المتشابهة جاءت من ظروف مختلفة ، إحداها جاءت من بناء قصر مشيد يتخلله خدم كثر في موسكو ، وهي سعادة الأمير ، و أخرى جاءت من زواج فتاة كفلقة القمر من رجل شهم من القوقاز ، وهي سعادة الفلاح أب البنت ، و برغم اختلاف الحدثين : حدث زواج ، و حدث بناء قصر ، إلا أن إحساس الأمير بالسعادة يساوي تماما إحساس الفلاح بزواج ابنته ، وأن إحساس الفلاح بالخوف من احتراق محصوله ، يساوي تماما إحساس الأمير بالخوف من موته إذا التحق بمعركة بورودينو أو مسكه من طرف نابليون ، على أن احتراق المحصول حدث و معركة بورودينو حدث آخر و نابليون حدث ثالث مختلف تماما ، وإذا ما اشتكى الفلاح يوما للرب أنه ظلمه وما عدل بينه وبين الأمير الروسي ، أجابه الرب : هل تبحث يا عبدي عن أن تلمس يدك الشيء الخارجي أم تبحث عن ارواء الشعور الداخلي الذي فيك ، ولا مناص يا عبدي أنك تبحث عن الإحساس لا سواه ، بطبعك هذا خلقتك ، فإذا ادعيت أني ظلمتك ولم أجعلك تملك قصر الأمير ، حاكمتك أن الجوهر هو شعور الأمير ساعة امتلاكه القصر لا القصر عينه ، وأني منحتك نفس شعور الأمير ساعة امتلاكه القصر يوم أدخلت الرجل الشهم في نصيب ابنتك ، فكانت سعادتك بابنتك مساوية لسعادة الأمير ساعة امتلاكه القصر . . . يا مادلين اسمع كلمتي أنا دنيس أقول لك : الرب سائلك أنه في زنزانتك وداخل هذا القفص المعتم ، حصر لك الدنيا بحذافيرها ، فإن اشتكيت عن كونك تجهل دفء الشمس ، حاكمك أن شعورك بدفء الشمس هو نفسه شعورك حين تنام قرب جيدكو الكلب ، و إن حاججت أنك كنت تريد مزيدا من الحياة حتى تسعد غيرك بأعمالك الإنسانية ، حاكمك أن شعورك و أنت فرح مبتسم من تمتع جارك السجين بعزف كمانك هو عينه شعورك في أداء أعمالك الإنسانية ، فلا معنى لزيادة الحياة .

ملاحظة من المختصة : باقي الورقة محروق و الكلمات التي تكمل هذا المقطع من مذكرات دنيس مفقودة ، ولا يوجد إلا أسطر قليلة غير واضحة على الهامش ، الأول يحكي أن المعتقل السياسي قد تم قتله من طرف شخص يملك برصا في يده اليمنى ، الثاني يقول أن فكرة تشابه الإحساس و الشعور برغم اختلاف الأحداث المسؤولة يصلح جوابا لمعنى الشر الأخلاقي و حتى بعض جوانب الشر الوجودي ، و هذا الجواب في ذاته شرح للوحة الصرخة لإدفارد مونك التي تبرز نفسية الإنسان من الداخل ، سطر آخر يبرز أن سبب الشر الأخلاقي هو حرية الإرادة التي منحها الرب للإنسان و أن معنى القدر الإلهي هو تقليص نتائج حرية الإرادة السلبية إلى أقل ضرر ممكن و تفخيم نتائج حرية الإرادة الصالحة لأعظم خير ممكن ، و لذلك الوجود أغلبه خير و أندره شر ، ولذلك ليس في الإمكان إبداع كون أفضل من هذا الكون ، لأن شرط هذا الكون حرية الإرادة و إبداع كون آخر بنفس الشرط مع قصد تحسينه وجعله أكمل ممتنع ، و كون آخر لا يتمتع بشرط حرية الإرادة غير صالح للمقارنة مع كون بشرط حرية الإرادة ، سطر أخير يقول : إذا جاز مقارنة كون كامل في الخير و المحبة لكنه خال من حرية الإرادة مع كون به حرية إرادة فكفة الكمال راجحة لكون حرية الإرادة ، لأن في فعل الأشياء عن اختيار يوجد معنى ، أما فعل الأشياء بلا اختيار فلا معنى ، و خطأ أصيل خير من صواب مقلد .

الفصل الثاني : مرحلة الخروج و العودة للسجن

سجل المستشفى العمومي على المريض رقم 725 ثلاث حالات طوارئ ، كلها ناجمة عن انهيارات عصبية عنيفة ، يفقد اثرها وعيه تماما ، و يشير فحص الدم إلى ارتفاع كبير في نسبة الكحول مما يدل على إدمان شرس للشراب ، و هذا الإدمان يفسر الحالات التي سجلتها شرطة البلدة ضد هذا المريض ، حادثة تحرش و سرقتين ، لا تتجاوز قيمتها بعض الفرنكات ، مما يسد الرمق ، أو يكفي لابتياع كأس خمر جديدة ، و قد تم تسديد كفالته من مجهول في يده اليمنى برص ، وهذا المجهول عينه ، قام باغتياله ضمن الدير اليهودي الذي كان يذهب للصلاة إليه ، أداة الجريمة كانت سكينة موضوعة في كتاب التوراة الذي وجدوه لاحقا عند المتهم الذي كان واعيا تماما في تلك اللحظة ، وهادئا كل الهدوء برغم العجاجة التي أثارها و الفزع الذي تسبب فيه لزوار ذاك الدير ، حتى أنه كان ينتظر وصول الشرطة المختصة للقبض عليه . . . جاء في تقرير البوليس أن إجابة المجرم على سؤال لماذا قتلت الضحية ؟ ، والذي طرحه رئيس المخفر ، أجاب دنيس رفائيل : « قتلت العجوز حتى أعود للسجن » ، وعند الاستفسار عن معنى هذا الرد ، راح يوضح قائلا :
_« لقد مات الشيخ وهو يحاول أن ينتصر لقضية عادلة ، كان يريد أن يبني سجنا مليئا بالفنون ، غير أنكم قتلتموه جسدا ، كما تقتلون السجناء أرواحا ، فلا يبقى منه غير الجثمان يدب دونما إحساس إنساني ... إن مشروع الشيخ السياسي يدرك أن منع سجين من الحرية و السيطرة عليه بالمعاناة في الأكل و الشرب و القهر و الضرب ، لن يزيده إلا حقدا و حنقا على نفسه و على المجتمع ، ولسنا محتاجين أن نبرر ذلك ، فما أكثر من دخل السجن وعانى فيه ، أن يفقد إنسانيته و يصير سهلا عليه أن يدخل مرة ثالثة و رابعة ، غير مهتم ، فأمراضه الروحية لم تندمل ، و في المقابل كنتم بعدالتكم الساذجة كمن ينكأ الجرح حتى يقيح صديدا ، في حين كان عليكم الإلتزام بخطة الفن في إصلاح أرواح هؤلاء المغلوب عليهم ، إن الفن لا يعدو أن يكشف عن جانب الحب فيهم و يقويه ليطفو إلى السطح ، و هل كان تمثيل المسرحيات الكلاسيكية ، وقراءة الأدب العالمي الإنساني ، و تربية الحيوانات الأليفة ، و الإعتناء بالزهور و الحدائق ، و شرح اللوحات العالمية ، و عزف المقطوعات الموسيقية الخالدة ، هل كل ذلك إلا معالجة سيكولوجية عميقة لإصلاح حال المجرم و جعله منسجما مع الكون ، متحدا مع الحياة بأسلوب سلمي يقوي الروابط لا يكسرها ، هل تعتقدون أن التجويع و التشريد و وضع الذباب في الأطباق الوسخة ثم تقديمها لهؤلاء هو حل يساعدهم ، إنكم إذن مخبولون ، ليس من حل إلا الإنسانية في مداواة قليل الحظ ، هذا المجرم ، و ليس من سبيل للإنسانية إذا أحلكت الظلمات إلا سبيل الفن و الحب »
. . . تم تقديم تقريرين متنازعين للمحكمة العليا فيما يخص تحليل نمط هذه الجريمة ، يدافع التقرير الأول عن فكرة أن المتهم دنيس رفائيل قد أراد تحقيق هدفين بحركة واحدة ، أراد الإنتقام للسجين السياسي صاحب الفضل عليه ، و أراد العودة للسجن لإكمال مشروع خلق سجن الفن ، و في أسفل التقرير تم نقل مقطع من مذكرات المريض رقم 725 يحكي فيه :
_ « اليوم بدأ الشيخ بمعالجة السجين رقم 12365 و السجين رقم 12586 بطريقة السيكودراما ، التمثيل السيكولوجي حيث جمعنا في الساحة ، جاعلا منها مسرحا فنيا ، حينذاك قام كل من السجينين برفقة آخرين بتمثيل دور العقد النفسية التي يعانون منها ، و برؤية سجناء آخرون يمثلون تلك العقد النفسية كأنهم في الحياة الواقعية . ابتدأ السجين رقم 12365 و هو الذي يعاني من رغبة جامحة في القتل ولو من أجل خمسة فرنكات ، إنه في روحه مثل كازيمودو في شكله ، و قد جعل الشيخ باقي الشخصيات يمثلون أطفالا هم إخوته ، و أباه ، و أمه ، و أقرب أصدقائه ، حتى يؤثر عليه . . »
جاء في هذا التقرير أيضا إشارة إلى أحد تسجيلات مخفر الشرطة و التي تبرز بوضوح أن شخصا به برص في يده اليمنى قد أحضر دنيس رفائيل في أحد انهياراته العصبية ، و اعتمدوا في هذا أن عملية الشرب و الانهيارات العصبية ربما كانت طريقة في استجلاب الضحية ، ليس إلا . . . أما التقرير الثاني فهو يدافع عن فكرة أن الحالة النفسية و الجسدية للمريض رقم 725 قد تدهورت و تراجعت ، فلم يجد بدا من العودة للسجن حتى يستقر وضعه ، كون السجن يمثل له ملجأ آمنا من تلك الهلوسات جميعها ، و لكي يعود للسجن ارتكب تلك الجريمة الشنعاء ، فقد ظهر أن المتهم دنيس رفائيل قد نسي أغلب الأمور التي تعلمها داخل السجن ، نسي تلك المسرحيات و الفنون ، و لم يعد صالحا لقراءة جريدة يومية فضلا عن كتاب ، الأدهى إغفاله عن أداء الأعمال الإنسانية التي كان يمارسها داخل السجن و يساعد المعتقل السياسي من خلالها في نفع غيره من المحبوسين ، و لأنه خسر كل ذلك ، رغب مرة أخرى في استعادة تلك الأحاسيس يؤكد هذا ما صنعه السجين بعد عودته مجددا لمركز التأهيل ، قام بالسهر على أحد السجناء القدامى و الذي كان معروفا بنزعاته الانتحارية ، و هذه الفعل يشير إلى أن دنيس رفائيل من المرضى المهوسين بعمل الخير ضمن نزعة جنونية لذلك ، لكنها نزعة خير فردية ، يمكن أن تشمل أفراد قليلين ، و هذا يتقوى من مذكراته التي تحكي تعلقه بشخصية جان فالجان و مساعدته لطفلة وحيدة هي كوزيت ، لا مساعدة العالم في تحريره من الظلم ، بحيث لو امتلك دنيس رفائيل نزعة جنونية سيكولوجية لنفع البشرية كما يعتقد ، لقرر البقاء خارج السجن ، وهو ما لم يكن ...

الفصل الثالث : نتائج تحليل اختبار رورشاخ و ويكسلر

يقوم المريض برفض أداء الإختبارين بحجة أنهما غير ملائمين و غير دقيقين لتشخيص حالته ، لكن النتائج أظهرت التالي :
تدني في مستوى الذكاء ، إصابة بانفصام في الشخصية على مستوى واع ، يعاني كبتا جنسيا حادا ، يملك نزعة جنونية لخدمة الغير على مستوى فردي لا عالمي ، له القدرة على إيذاء الغير بدون تحرج أو تردد ، نزعة للقتل و السفك لكل من يعمل عملا غير مناسب و يسبب خطرا ، يعاني من الطفالة ، ذهان هوس اكتئابي محتمل ، باحث عن الكمال في كل شيء بشكل مهووس ... الخ
قمت بعرض لوحة الصرخة على المريض رقم 725 ، طالبة منه تحليلا للوحة ، وقد أتى بإجابة غريبة لم أسجلها ، لأنني في اليوم التالي طلبت منه تكرارها و لم يفعل ، لا أنه يملك تراجعا في الذاكرة ، وإنما بسبب انفصامه الذهني ، فهو يتكلم من داخله أكثر مما يلاحظ ماهو في الخارج ، يؤكد هذا انطوائيته و عزلته الأولى عند دخوله السجن ، عزلة و انطوائية توحي بكره الواقع فهو يسبب له ألما نفسيا شديدا ، يجعله يشعر باحتقار نفسه ، حيث تكمن عنده رغبة أن يجعل الواقع الخارجي مشابها لمنظوره الذهني الذي يملكه ، ولأن الواقع يستمر في تحدى و تكسير منظوره الذهني فهو يعود يتقوقع و يرجع القهقرى ، يفضل عالمه الأفلاطوني الذي خلقه ، و يكره الواقع بشدة لأنه رفض أن ينصاع له و ينحني تحت أفكاره و طموحاته ، هذا النوع من الإنسان يستطيع أن يقف في مساحة أربعة بوصات لألف عام دون أن يتزعزع ، يستطيع أن يعيش في زنزانة عاتمة مظلمة لا يبصر داخلها شيئا ، كالأعمى تماما ، بل هو يفضل أن يكون أعمى حتى يفقد آخر اتصال بالواقع ، لو استطاع سلب حواسه عملها لفعل مباشرة ، هو يدخل ذهنه ويغلق على نفسه و يسبح بين أفكاره ، و يجسدها ، فيخلق ما يشاء و يمحي ما يشاء دون أن يجد مقاومة تمنعه ، هذا الإنسان يقطع كل يوم الحبال التي تربطه بالواقع ، يا ليته يدخل غيبوبة لا يفيق منها أبدا ، تلك سعادته الكبرى ...

_انتهى سجل المختصة .

في الحقيقة لازلت أذكر ما شرحت به لوحة الصرخة ، وليست سعادتي أن أدخل غيبوبة ، لكن كما قلت في المقدمة أصف نفسي كما يصف كل مختل نفسه أنه طبيعي عادي و ليس شاذا عن القاعدة ، قلت وأنا أستعيد معزوفة تطرق ذهني ، تقربني من جغم معنى جديد ، صرخة جديدة :
« الطموح و الهوية هي إجابتي المختصرة ، وهاهي إجابتي المطولة :
إن هذه الصرخة تنبع من الداخل ، تريد أن تعبر عن هدف غير محقق ، عن هوية غير مكتملة ، و لنفرض ذاك الإنسان المعوز المنبوذ في قرية صغيرة ، لا يدري من العالم إلا كما تدري النملة من الكون ، يريد هذا الإنسان أن يبلغ تلك النقطة باء ، وهو منطلق من النقطة ألف ، يسعى أن يبني ديرا للعبادة أو مشفى للأمراض ، أو يقوم برحلة لقبائل المايا ، أيا ما يكن من ذلك ، ما أن يضع طموحا لذاته يصبو لنيله ، تتشكل هويته تبعا لذاك الطموح الساعي إليه ، حينذاك يدخل في صراع مع نفسه ، يتحدى نفسه ، و حقيق أن الإنسان يشعر بالسعادة و هدفه غير مكتمل ، و لا سعادة له في اكتمال هدفه ، كحزن بوشكين عند انتهاء روايته الشعرية يفغيني أوجين ، إلا أن طموحه في الإنهاء و سعيه للإتمام ، هو شيء أصبغ هويته بصبغة جديدة ، أعطاها لونا لم يكسوها من قبل ، صحيح أن أغلب اختياراتنا مقررة مسبقا ، يقررها اللاشعور ، و تقررها البيئة الاجتماعية ، و لكن إذا كانت الإرادة سبعة وأربعين جزءا ، فاللاشعور و البيئة الإجتماعية تأخذ مساحة ستة وأربيعن جزءا ، ويبقى جزء هو جوهر الحرية الإنسانية ، و أن تتجه بطموح نحو تلبية نداء غاية من الغايات ، فأنت تتجه بكل الأجزاء السبعة و الأربعين ، وعليه أنت تتجه بجزء الحرية الخاصة بك أيضا ، و أن ينشد جزء الحرية تلك الغاية بعينها ، فهي قطعا من طبيعته و للغاية لون هو من لون ذاك الجزء المسؤول عن الإرادة المستقلة ، وإذن طموحك من هويتك ، فهل يكون كذلك دائما ؟ ... قطعا لا ، وإنما ما وافق الطموح المعيار فهو طموح يوائم الهوية ، و المعيار هو المحبة المطلقة ، ستقول أن الشر حرية أيضا ، وهو كذلك ، إلا أن فطرة الإنسان نزاعة للخير و الحب و النفع وهذه أعلى حرية يبلغها المرء ، حرية تشابك بين الهوية و الطموح ، و الطموح و الهوية ، ثم في درجة أدنى يأتي الشر ، هنا سنقول أن جزء الإرادة ذاك قد ناله صدى من بقية الأجزاء الخاصة باللاشعور و البيئة الإجتماعية ، سنقول هو جزء تلوث قليلا بلوثة هاذين العاملين فجعل الطموح ساعيا للشر بدل حقيقته الجوهرية ، و سنقول أن الطموح هو امتداد للهوية ولونه من لونها ، فإذا تلوث جزء الحرية و فيه تكمن معنى الهوية الإنسانية فقطعا سيتلوث الطموح ، و هل كون الطموح امتداد للهوية ، امتداد لجزء الحرية ، يعني أنه محقق ؟ ... من جديد قطعا لا ، فبقية الأجزاء الستة و الأربعين يمكن لها أن تصد السبيل عن إتمام بلوغ الهوية و تطابقها مع الطموح ، امتناع هذا التطابق و صد الطريق هو تماما ما يخلق تلك الصرخة داخلنا ، الصرخة تعبير عن عدم اندماج الهوية و الطموح ، هما في خط مستقيم واحد ، يسعيان أن يتحدا في شكل نقطة لا تتمايز أبعاضها ، و لا أبعاض للنقطة الواحدة ، هي وحدة واحدة . أن لا يكون الطموح و الهوية وحدة واحدة يعني : الصرخة . . . الصرخة الداخلية من عدم اللحاق بتلك النقطة باء ، فلا يكون ألف وحده و الباء وحدها ، بل جمعا مشمولا ألفباء »








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف


.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??




.. عيني اه يا عيني علي اه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو




.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد