الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيزياء و إشكاليات ما قبل الانفجار العظيم

جلال مجاهدي

2017 / 12 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تكاد نظرية الانفجار العظيم تكون محل إجماع من طرف الفيزيائيين و علماء الكونيات على اختلاف مشاربهم و إن كان البعض منهم يتحدث عن وجود عدة انفجارات و وجود أكوان متعددة أو عن تواجد كوننا في إحدى الثقوب السوداء , إلا أنه و في كافة الأحوال تبقى نظرية انبثاق كوننا عن انفجار عظيم لها قوتها و صحتها, بالنظر للدلائل المقدمة كتوسع الكون و بالنظر للقياسات الموجية و الحرارية المأخوذة و حتى على فرض صحة نظرية الدورات الكونية , بمعنى أن الانفجار العظيم الأخير سبقته أكوان و انفجارات سابقة, فإن التساؤل عن ماقبل الانفجار الأول هو نفسه التساؤل عن ماقبل الانفجار الأخير , لذلك يبقى هذا التساؤل دائما مطروحا .

إذا كان من المسلم به أن الزمن نشأ مع الكون و الكون نشأ مع الزمن إثر الانفجار العظيم , فإن التساؤل عن الماقبل الذي هو تساؤل مرتبط بالزمن يبقى نقطة استفهام كبيرة طالما أن الزمن لا يمكن أن يتحدث عن ما قبل الزمن لأن ما قبل البيغ بونغ هو لازمني و لامكاني و لا يتصور تمثل الزمن رياضياتيا و فيزيائيا إلا بأرقام موجبة و إذا سلمنا بأن لاشيء ينبثق عن لاشيء أي أن الكون لا يمكن أن ينبثق من مجرد فراغ محض فإن وجود الماقبل الذي نشأت فيه شروط الانفجار العظيم هو أمر ضروري فكيف تعامل الفيزيائيون مع هذا الإشكال ؟

نعود إلى أشهر التصورات التي صاغها الفيزيائيون لتجاوز هذا الإشكال و خاصة تصورات كل من العالمين ألبير إينشتاين و استيفن هوكينغ اللذان تطرقا للأمر و حاولا تجاوز المشكل الزمني في نشأة الكون , فالأول أي ألبير إينشتاين ,افترض من خلال نظرية النسبية العامة وجود بعد زمكاني ,حيث تحدث عن تفاعل الزمكان كبعد يلتقي فيه الزمان بالمكان مع الجاذبية و هكذا صاغ فرضية مفادها أنه بفعل تحدب الزمكان بواسطة الجاذبية في لحظة تعادل الصفرنشأت ظروف الإنفجار العظيم و نمثل هنا تحدب الزمكان بفضاء هندسي يشبه النسيج الذي يتحدب بفعل وضع حجر عليه , فهل كان إينشتاين موفق في تصوره ؟

في الحقيقة هذا التصور يمكن تخيله في النسيج الفضائي بمسافات هائلة ,أما بخصوص الأجسام الضئيلة فتنطبق عليها ما تقدمه نظريه الكوانتوم , طالما أن الانفجار حدث في نقطة صغيرة جدا مثلت بداية الكون و بما أن الأجسام الصغيرة حسب نظرية الكم لا يمكن الحديث بخصوصها عن نسيج أو تحدب طالما أن ما يميزها هو العشوائية الهندسية و عدم اليقين و الصدفة في الحركة فإن طرح النسيج الزمكاني يعارض الكوانتوم , و نشير هنا من ناحية أخرى بأن اينشتاين كان يقول بأن تفاعل الزمكان مع الجاذبية أوجد شروط الانفجار العظيم الذي تكون فجائيا من حجم و لحظة تعادلان الصفر إلا أن هذه الفرضية أيضا يعارضها الفيزيائيون حيث أن انكماش الكون حسب استنتاجاتهم لا يمكن أن يصل إلى حد الصفر و أنه لا يمكن أن ينضغط الكون إلى حجم أقل من طول بلانك في أي بعد من أبعاده الفضائية و كما يخالفونه من ناحية ثالثة في افتراضه بأن الكون نشأ في زمن صفري طالما أن الزمن صفر هو زمن منعدم و هكذا يكون تصور إينشتاين لتجاوز المسألة الزمانية غير موفق .

أما بخصوص تصور استيفن هوكينغ لما قبل الانفجار العظيم , فهو يقول بأن شروط البيك بونك نشأت في زمن تخييلي أو زمن خيالي حسب الترجمة , لكن المأخذ على هذا التصور هو أن الرياضياتيين و الفيزيائيين يجمعون على أن الزمن الخيالي هو زمن رياضياتي احتمالي يساوي الزمن مضروب في جدر ناقص واحد و ليس زمنا فيزيائيا واقعيا و يمثلونه بخط عمودي , في حين أن الزمن الحقيقي يمثلونه بخط أفقي ومعلوم أن الجدر السالب ليس بكمية فيزيائية و بالتالي فليس له وجود فيزيائي و منه و بمنطق الفيزياء فإن ما اقترحه استيفن هوكينغ كزمن نضجت فيه شروط البيك بونك , ليس بزمن متحقق في الواقع الفيزيائي و هكذا يكون تصور استيفن هوكينغ لما قبل الانفجار العظيم غير عامل و منه فإن السؤال عن الماقبل يبقى دائما مطروحا , فهل ستستطيع الفيزياء الجواب عن الإشكالية مستقبلا ؟

يقول الفيزيائيون بأن الكون نتاج عمل القوانين كونية وبأن هذه القوانين نشأت مع بداية الكون , فهل الفيزياء التي تمنطق الأمور بمنطق هذه القوانين و بمنطق بعدي الزمان و المكان تستطيع تجاوز هذه القوانين التي ترى العالم من خلالها و تستطيع تجاوز بعدي المكان و الزمان , الجواب سيكون طبعا بالنفي , طالما أن الفيزياء لا تهتم سوى بالحدث الفيزيائي الذي لا إمكانية لتصوره في اللازمان و اللامكان و من ناحية أخرى فإن الأمر يزداد الأمر تعقيدا عندما نعلم أن جميع الفيزيائيين و بدون استثناء يجمعون على أن قوانين الكون ليست حتمية و حتى التي كانت توصف بالحتمية فحقيقتها أنها غير حتمية و الحتمية هنا نقصد بها الوجود إضافة إلى النتيجة, فهي قوانين موضوعة وضعا لتقدم خدمات معينة, فالجاذبية التي ارتبطت في الفيزياء بوجود الكون , هي ليست حتمية الحصول و لا حتمية النتيجة , فهل نقف هنا عند حدود الفيزياء ؟ و هل نشهد هنا سقوط السببية ؟

يقول ستيفن هوكينغ " إذا كانت قوانين العلم تتوقف عند بداية الكون ، أفلا يمكن أيضا أن تكف عن العمل في أوقات أخرى ؟ القانون لا يكون قانونا إذا كان لا يصلح للعمل إلا أحيانا , يجب علينا أن نحاول فهم بدء الكون على أساس العلم و ربما تكون هذه مهمة تتجاوز قدراتنا إلا أنه ينبغي على الأقل أن نقوم بالمحاولة – الكون في قشرة جوز صفحة 76 –

في الحقيقة , فإن العالم ستيفن هوكينغ يشير ضمنا عبر قوله بأن المهمة تتجاوز قدرات البشر, بأن فهم بداية الكون يتطلب فهما خارجا عن قوانين الكون و عن بعدي الزمان و المكان إلا أنه ربط هذا الفهم بالعلم المادي السببي رغبة منه في إبقاء كل التفسيرات سببية , كيف ذلك ؟

السببية هي منطق العقل و العلوم و منها الفيزياء و التي لا تفسر الكون و الأشياء إلا وفقها و وفق محدداتها , إلا أن هذه السببية كعلاقة , تقتضي وجود حدث في زمن ينتج عنه ناتج في زمن لاحق له و تقتضي وجود مكان للحدوث وأنها من حيث حاجتها إلى قبل و بعد و مكان فهي سببية زمكانية لزوما و بما أن الزمان والمكان وجدا مع بداية الكون بالانفجار العظيم , فان السببية كما نفهمها و كما تحدد هي تفكيرنا ,مرتبطة أيضا بما بعد البيغ بونغ و لا يتصور وجودها إلا بعد بداية الكون و منه فإن الماقبل اللازمني و اللامكاني لا يسري عليه قانون السببية المادية و بالتالي فإن الماقبل هو جنس من المطلق المتجرد عن الزمان والمكان و السببية , فماذا يعني ذلك ؟

يعني ذلك أن مجال العلم المادي بما فيه الفيزياء هو ما بعد البيغ البونغ و نشوء الكون , أما الماقبل فهو أمر يقع خارج دائرتها و منطقها و قوانينها و خارج منطق السببية المادية , فما قبل نشأة الكون ليس حدثا فيزيائيا يقع في مجالها و بالتالي فإن الفيزياء بتشعباتها لن تكون قادرة على إعطائنا أي تفسير مادي سببي لما قبل الانفجار العظيم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا