الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين 2017 : فشل في المراهنات وانقلاب في المواقف

إبراهيم ابراش

2017 / 12 / 28
القضية الفلسطينية


في الحسابات الاستراتيجية فإن عمل جردة حساب سنوي لن يفيد إلا كعملية توثيق لأحداث مستَجَدة منسجمة مع المسار السياسي والرؤية السياسية التي تحكم الفاعلين السياسيين ،إلا أن عام 2017 بالنسبة للقضية الفلسطينية ولمسارها السياسي يختلف عن سابقيه ،حيث كشفت وعبرت أحداث نهايته عن مخرجات متغيرات دولية وإقليمية وفلسطينية تُنذر بنهاية حقبة أو مرحلة سياسية وما ارتبط بها من رهانات وأوهام سياسية ،وأهم هذه الأحداث قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، محدودية ردود الفعل العربية والإسلامية والفلسطينية على قرار ترامب ، و تسليم بالانقسام بعد وصول الجهود المصرية لطريق مسدود .
عندما نعتبر حدثا أو أحداث خارجية نقطة فارقة في مسار القضية الفلسطينية فلأن القضية الفلسطينية وجودا وتطورا ارتبطت وارتهنت بمتغيرات وحسابات دولية وإقليمية بما لا يقل عن ارتباطها بالفعل الذاتي الفلسطيني ،وبأيديولوجيات وتفسيرات دينية أكثر من الحسابات السياسية الموضوعية .
في سياق التاريخ المعاصر للقضية الفلسطينية نشهد اليوم نهاية حقبة أو مرحلة منه امتدت لأربعة عقود تقريبا ، حقبة راهنت فيها النخبة السياسية الفلسطينية على إمكانية أن تحقق من خلال التسوية السياسية ما لم تستطع إنجازه بالثورة والكفاح المسلح ، وبتدويل القضية ما لم تستطع تحقيقه بتعريبها وأسلمتها ،وهي حقبة شهدت تراجع البعد القومي للقضية وانحراف البعد الإسلامي وانهيار معسكر الحلفاء الدوليين .
كان أساس فكر التسوية آنذاك أن تكون الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة مرجعية في تسوية الصراع ، ومارست واشنطن ودول عربية ضغوطا على منظمة التحرير لتقبل بقرارات الشرعية الدولية التي كانت المنظمة ترفضها كليا ، إلا أن سرعة الانهيارات والمتغيرات دوليا وإقليميا دفع القيادة لتوقيع اتفاقية أوسلو التي لم تؤَسَس على كل قرارات الشرعية الدولية بل على أساس قراري 242 و 338 فقط دون ذكر الدولة الفلسطينية ،أيضا تم تأجيل كل قضايا الوضع النهائي وخصوصا القدس واللاجئين والحدود ولم يتم إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان ، كما أن المفاوضات التي كان مقرر لها خمس سنوات استمرت لأكثر من عشرين سنة ،وكل ذلك أدى لكسر المحرمات وفتح الباب لدول عربية وإسلامية ودول أجنبية كانت صديقة لأن تعترف بإسرائيل وتُطبع معها .
متغيرات الثمانينيات وبداية التسعينيات والتي كانت وراء الاعتراف بالشرعية الدولية وقراراتها وآنذاك كان هذا الاعتراف بمثابة تنازل وتفريط بالحقوق ، هذه المتغيرات كانت وراء مراهنة القيادة الفلسطينية على تسوية تمنح الفلسطينيين بعض الحقوق في إطار الشرعية الدولية أو على الأقل الحيلولة دون نهاية المشروع الوطني الذي تمثله منظمة التحرير .
إلا أنه ومنذ بداية عملية التسوية وتوقيع اتفاقية أوسلو تغيرت أمور كثيرة نحو الأسوأ ،وكان عام 2017 كاشفا لها ومؤسِسا لحقبة جديدة وهي متغيرات بمثابة زلزال هز وأسقط أوهام كثيرة هيمنت على العقل السياسي الفلسطيني والعربي خلال أربعة عقود .
1- بالنسبة للوضع الفلسطيني الداخلي ،تميزت مرحلة التسوية السياسية وخصوصا ما بعد مرحلة أبو عمار بالمراهنة الكلية للعوامل الخارجية وخصوصا الولايات المتحدة والأمم المتحدة مقابل تجاهل الشعب وقدراته ، أيضا الصراع الداخلي على السلطة وهذا كان سببا في الانقسام ووقوع الفلسطينيين في الضفة وغزة في شِراك السلطة والراتب ، وإقحام فلسطينيي الخارج ضد إرادتهم في مشاكل وفوضى ما يسمى الربيع العربي .
2- وإسرائيل تم الانقلاب على عملية التسوية منذ مقتل اسحاق رابين على يد صهيوني متطرف والمجتمع الصهيوني أصبح أكثر تطرفا ويمينية وتراجع اليسار الإسرائيلي .
3- على المستوى الدولي وبالرغم من التأييد الواضح للرأي العام العالمي لعدالة القضية الفلسطينية والذي يتبدى في حملات مقاطعة إسرائيل والمظاهرات والمسيرات المنددة بممارساتها كما جرى بعد اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل ، إلا أنه يمكن القول بعدم وجود حليف استراتيجي دولي للشعب الفلسطيني يمكن الاعتماد عليه في حالة قرر الفلسطينيون قلب الطاولة والدخول في مواجهة مباشرة مع الاحتلال .
4- على المستوى العربي والإسلامي فإن الصراع لم يعد إسرائيليا عربيا أو إسرائيليا إسلاميا بل آل لصراع إسرائيلي فلسطيني ، فالأنظمة العربية التي كانت ترفع شعارات وتتخذ مواقف معادية لواشنطن وإسرائيل تم إسقاطها ،وغالبية الدول العربية اليوم منشغلة بهمومها ومشاكلها الداخلية وأغلبها يستجدي رضى واشنطن ويتطلع للتطبيع مع إسرائيل ، وحال الدول الإسلامية ليس بالأفضل حيث كثير منها يعترف بإسرائيل وحليف لواشنطن .
5- أما الأمم المتحدة والشرعية الدولية والتي كان العالم يلح على الفلسطينيين الاعتراف بهما وبقراراتهما وقوانينهما فقد تراجعت قوة تأثيرهما وقدرتهما على اتخاذ قرارات ملزمة بسبب طبيعة التوازنات داخل الأمم المتحدة وبسبب العربدة الأمريكية ، وبالتالي وبعد أن كان الفلسطينيون يرفضون مرجعية الشرعية الدولية أصبحوا اليوم يستجدون تطبيق قراراتها ونشدان حمايتها .
بالرغم مما يوحي به هذا المسار من تراجعات إلا أنه وبالحسابات الاستراتيجية بعيدة المدى ،فإن إسرائيل وواشنطن وبالرغم مما يبدو عليهما من مظاهر قوة فهما الأكثر عزلة في العالم لأن الاحتلال والقوة الغاشمة لا يؤسسا أو يشرعنا حقوقا ،ونصف ساكنة فلسطين التاريخية ما بين البحر والنهر فلسطينيون مسلمون ومسيحيون ،وأن القضية الفلسطينية أعادت فرض حضورها دوليا بالرغم من الاحتلال والعدوان الإسرائيلي ، وإن الصوت الفلسطيني هو الأعلى لأنه صوت الحق وصوت شعب لم يتنازل أو يستسلم ، فما جرى كان فشلا لرهان النخبة السياسية وفشلا للنظام السياسي الرسمي وليس استسلاما من الشعب ، والشعب قادرة على إعادة تصويب البوصلة .
صحيح أنه لا يمكن إعادة عجلة التاريخ ولكن حتى ضمن الواقع القائم هناك ما يمكن البناء عليه ويمنح أملا في المستقبل :
1- رد الاعتبار للشعب والمراهنة عليه ،فلا يوجد شعب دون إمكانيات ، والقيادة التي لا تحترم شعبها ولا تراهن على إمكانياته لن يحترمها العالم ولن تنفعها المراهنة على الخارج .
2- تغيير وظيفة السلطة الوطنية وهذا يتطلب تغيير رموزها وقيادتها .
3- تثبيت ودعم وجود وصمود الشعب سكانا وثقافة وهوية .
4- تعظيم كلفة الاحتلال على إسرائيل بأشكال متعددة من المقاومة الشعبية السلمية المفتوحة على كل الاحتمالات .
5- التمسك ولو بالحد الأدنى من الوحدة الوطنية بما يقطع الطريق على مخططات مشبوهة تستغل حالة الانقسام لتصفية القضية .
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة