الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالح الدولية في سورية وفرص نجاح الحل السياسي

منذر خدام

2017 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



ما إن انتهت القمة الروسية - السورية بين الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد في منتجع سوتشي السياحي على شاطئ البحر الأسود بتاريخ 21/11/2017 حتى بادر الرئيس بوتين بالاتصال بنظيره الأمريكي دولاند ترامب، ليطلعه على نتائج مباحثاته مع الرئيس السوري بشار الأسد. اللافت في ردود الأفعال على هذه الاتصالات ما صرح به الرئيس الأمريكي بان محادثاته مع الرئيس بوتين استمرت ساعة ونصف وكانت "رائعة" بحسب وصفه لها. بلغة السياسة هذا يعني ان ثمة نتائج ايجابية مرغوبة امريكا قد تم التوصل إليها مع الرئيس السوري. وكان الجانب الروسي في اعلانه عن نتائج المحادثات قد ركز على موافقة الرئيس السوري على إجراء تعديلات دستورية على الدستور "الحالي"، او اعداد "دستور جديد" وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة، مع ضمان نزاهتها.
إن التمعن في مسار العلاقات الروسية الأمريكية المتعلقة بالأزمة السورية وتحليله، لا بد ان يكتشف التعارض البين بين اهداف كل من روسيا وامريكا في سورية، وهو تعارض قائم على اختلاف في مصالح كل منهما. بالنسبة لروسيا فإن مصالحها في سورية هي من طبيعة استراتيجية ولها تاريخ، وما كان لها ان تتخلى عنها تحت أي ظرف، ولذلك فهي أرسلت قواتها العسكرية للدفاع عنها، عداك عن استخدامها للمجال السياسي والدبلوماسي لتأكيدها. اليوم وقد شارفت المعركة ضد الإرهاب على نهايتها بهزيمته ، وهو كان الاداة بيد قوى اقليمية ودولية لتهديد هذه المصالح، فمن الطبيعي والمنطقي ان تعمل روسية على التامين عليها لأمد طويل، وهذا لا يكون من خلال بقاء نظام الاستبداد على حاله، بل بإجراء تغييرات جوهرية عليه تفتح مسارا حقيقا نحو الديمقراطية، وهي بذلك تلاقي اهم مصلحة حقيقية للشعب السوري.
من جهة اخرى، لا يصح القول ذاته بالنسبة لأمريكا، فهي ليس لها مصالح استراتيجية خاصة بها في سورية، وهذا ما عبر عنه مرارا عدد من المسؤولين الأمريكيين، بل مصالح لدول في الاقليم لها معها مصالح استراتيجية تقف في مقدمتها مصالح إسرائيل. من السجاجة الاعتقاد ان اسرائيل تريد الديمقراطية في سورية، عداك عن دول الخليج العربي التي تحكمها انظمة عائلية. بالنسبة لإسرائيل كان هدفها الرئيس في سورية هو تدميرها كقوة وحيدة باقية في مواجهتها، ومن خلال تدميرها تدمير قوة حزب الله، وانهاك ايران، فهاجس اسرائيل الدائم كان وسوف يظل هو الهاجس الأمني. ولذلك فهي كانت تعارض أي حل سياسي بتدخلها المباشر في الأزمة السورية او من خلال حلفائها، قبل تحقيق هذا الهدف الرئيس لها. من الناحية الواقعية لقد تم تدمير سورية كقوة سياسية وعسكرية محتملة بتدمير بناها التحتية والعمرانية، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وباتت بحاجة اليوم إلى عقود من السنين لكي تنهض من جديد. وإذا كان بعض الخبرات العسكرية القتالية قد تم اكتسابها من جراء الصراع المسلح مع قوى الارهاب والتطرف ، فإن اسرائيل تعمل على الحد من مخاطرها عليها على المدى المتوسط والبعيد من خلال التسوية السياسة للأزمة. في هذا الإطار ينبغي النظر إلى اتصال بوتين برئيس الوزراء الإسرائيلي لتطمينه بأن بعض المطالب الاسرائيلية الأمنية سوف تتم مراعاته في أي حل سياسي قادم، خصوصا لجهة منع أي تواجد إيراني أو لحزب الله إلى الغرب من طريق دمشق درعا، وعدم تزويد الجيش السوري بأسلحة حديثة خصوصا اسلحة دفاع جوي. وأبعد من ذلك بحسب بعض التسريبات الاعلامية فإن روسيا تعمل منذ بعض الوقت على إيجاد حل سياسي للصراع بين سورية واسرائيل عبر التفاوض المباشر، ومن المحتمل ان يكون قد تم بحث ذلك مع الرئيس السوري بشار الأسد..
اما بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي خسرت كل معاركها السياسية في المنطقة منذ قيام الثورة الإيرانية وحتى اليوم ، وكان آخرها محاولتها افتعال ازمة في لبنان من خلال دفع رئيس الوزراء سعد الحريري إلى الاستقالة، فقد صار لها مصلحة في الحل السياسي في سورية. لقد أنفقت السعودية وقطر وغيرها من دول الخليج الأخرى عشرات المليارات من الدولارات على دعم قوى الارهاب والتطرف في سورية من أجل اسقاط نظامها، وبالتالي هزيمة ايران في أهم ساحات نفوذها، لكن سياستها هذه ثبت فشلها فتحاول اليوم عبر الوسيط الروسي والتلويح بورقة المساهمة في اعادة اعمار سورية إلى التقليل من خسائرها على المدى البعيد. بالطبع ليس معروفا بدقة محتوي الاتصال الهاتفي بين بوتين والملك سلمان، لكن بحسب بعض التسريبات الاعلامية فإن بوتين أبلغ سلمان بان الرئيس السوري وعد بتسريع المصالحات العربية، ومساعدة السعودية للخروج من المستنقع اليمني من خلال التوسط لدى إيران.
ويبقى الأهم من كل ما جاء في اتصالات بوتين مع المسؤولين الذين ذكرناهم، و أولئك الذين لم نذكرهم، ما جرى ابلاغه مباشرة للرئيسين التركي والايراني في لقاء القمة التي جمعتهم معه في منتجع سوتشي . يبدو أن تعارض المصالح بين تركيا وإيران في سورية خلال سبع سنوات من عمر الأزمة السورية وجد له بوتين اخيرا في لقائه مع الرئيس السوري توليفة مناسبة للطرفين. من المعلوم أن دور تركيا في الأزمة السورية تمثل في وقوفها إلى جانب قوى الارهاب والتطرف على أمل أن تنجح بإسقاط النظام السورية لتصير سورية جزءا من مجالها الحيوي ،لكن التدخل الروسي العسكري في الأزمة أفشل هذه السياسة التركية. ما يهم تركيا اليوم هو ضمان أمن حدودها، وعدم السماح بوجود أي كيان كردي تحت اي مسمى، ويبدو انها اخذت ضمانات بذلك.
أما بالنسبة لإيران وهي الحليف القوي للنظام السوري، وكان لها دور مهم في الدفاع عنه ضد قوى الارهاب بدعمه عسكريا واقتصاديا وسياسيا، فإن مصلحتها تتمثل في بقاء النظام على حاله دون اجراء أية تعديلات جوهرية عليه. لكن هذه المصلحة باتت تصطدم اليوم بمصلحة روسية ، ونظرا للحاجة الإيرانية الماسة للمظلة الروسية في مواجهة امريكا، فإنها وافقت على إجراء تغييرات جوهرية وأساسية في طبيعة النظام السوري لجهة انفتاحه على الأليات الديمقراطية.
وهكذا فإن نقطة التقاطع بين مصالح مختلف الدول المتدخلة في الشأن السوري باتت تتحدد عند عند تعديل الدستور، واجراء انتخابات شفافة ونزيه ومراقبة دوليا، وهي بذلك تلاقي أهم مصلحة للشعب السوري. بطبيعة الحال ما كان لهذه الأطراف الدولية ان تقبل بهذا الحل "الطويل الأمد" بحسب تعبير الرئيس الروسي بوتين إلا بعد هزيمة قوى الارهاب والتطرف، على امل ان يستخدمه كل طرف للعمل على وصول "جماعته" من السوريين إلى السلطة. وإذا صح ما ذهبنا إليه أعلاه يمكن القول ان الحل السياسي للآزمة السورية قد انطلق على مسار تحققه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لتهنأ سوريا بهيك معارضة
نبيل السوري ( 2017 / 12 / 29 - 15:59 )
من المستحيل على من يقرأ مقالك أستاذ منذر أن يعرف أنك محسوب على المعارضة!!! يخزي العين حولك، لم تأل جهداً بتبجيل فخامة الرئيس الكيميائي في كل مرة ذكرته، و لم تبخل على إيران بتمجيد ثورتها، التي هي تختلف عن الثورة السورية، فالعيب في الثورة السورية بحسب أدونيس و حضرتك ومن لف لفكم أنها قد خرجت من الجوامع، ولم تكن علمانية كما تحبون (والحقيقة نحن نتمنى ذلك لكننا لا نحلم)، بعكس ثورة المتنور العلماني آية الله الخميني التي خرجت من المراكز الثقافية والكباريهات. وأبارك لك ولرئيسك الكيماوي مساعدة إيران العلمانية في القضاء على الإرهاب، ذلك الإرهاب الذي نعرف كلنا من اخترقه وغذاه وعلفه في سجون سوريا لوقت اللزوم، ليأتي أنصاف المثقفين لطمس حقائق يعرفها الجميع ويصمتون عنها وذلك لمصالح مختلفة. أستاذ منذر، إن التأسلم المؤسف (والمخطط من قبل النظام الغاشم واعوانه) للثورة السورية لا يعني أنها لم تكن واجبة وعلى حق، والمفترض بالمثقف أن يكشف خبايا التآمر من قبل النظام وأعوانه القذرين للتاريخ، لا أن يداهن ويدلس فقط لأن الباطل قد انتصر مرحلياً وهو يطمح لفتات قد يلقي بها المجرم له حين تضع الحرب أوزارها
ياللعيب

اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات