الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النصوص المكتوبة واختلاف المجتمعات

طلعت رضوان

2018 / 1 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد قراءتى لأى نص مكتوب، يبرزأمامى سؤال: أليس هذا النص لصيق بشخصية كاتبه؟ والسؤال بصيغة أخرى: هل ينفصل النص عن بيئة مؤلفه؟ والسؤال بصيغة ثالثة: أليستْ كتب الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) جاءتْ من وحى البيئة الاجتماعية؟ ومُـعبـّـرة عن عقلية أبناء هذه البيئة؟ وحتى فى مجال الإبداع الأدبى: هل كان الروائى الروسى ديستوفيسكى يكتب عن الشخصية الحجازية أواليمنية، وعن مجتمع قريش واليمن، أم كتب عن الشخصية الروسية والمجتمع الروسى؟ وهذا السؤال ينطق على كل نص للتأكيد على أنّ (النصوص مُـعبـّـرة عن بيئتها)
وكان عميد الثقافة المصرية (طه حسين) ثاقب البصرعندما اختارعنوان (مرآة الإسلام) لواحد من كتبه المهمة، والصادرعن دارالمعارف المصرية- عام1959.
وبعد أنْ أسهب فى الصفحات الأولى عن تخلف العرب، فإنه ذكرأنّ أبناء قريش كانوا يتصلون بأبناء البلاد المُـتحضـّـرة (من أجل التجارة) ومع ذلك ظلّ العرب على تخلفهم، والسبب- كما كتب- لأنّ ((الحضارة لاتنتقل من مكان إلى مكان كما تنتقل البضائع، وإنما تنشأ (الحضارة) فى بيئة من البيئات، وتنبتْ من الأرض ثـمّ تقوى وتشتد، ويزيدها الاتصال بالأمم المُـتحضـّـرة نموًا وازدهارًا)) (ص21)
ولأنّ التخلف أوالتحضرلصيق بالبيئة، لذلك فليس غريبـًـا أنْ تنشأ الحياة التى عاشها العرب، بأخلاق غليظة كغلظ البيئة، وليس غريبـًـا أنْ نعرف أنّ العرب كانوا يقتلون أولادهم (خشية الفقروالإملاق) ويئدون بناتهم (خشية الفقروالعار) وليس غريبـًـا أنْ نعرف أنّ العلاقة بين رجالهم ونسائهم لم تكن مهذبة ولانقية ولامُـبرّأة مما يـُـعاب إلى غيرذلك من العادات الكثيرة. حتى فى الدين الواحد، فقد يكون من النافع أنْ نقيس نصرانية نجران إلى النصرانية التى كانت مُـنتشرة فى البلاد المتحضرة. وأنْ نقيس يهودية يثرب وخيبرإلى يهودية اليهود الذين كانوا مُـتفرقين فى البلاد المتحضرة. والنتيجة أنّ الدينيْن (المسيحية واليهودية) انقطعتْ الصلة بينهما وبين الأحبارورجال الكهنوت، وامتزجتْ بالبيئة التى يعيشون فيها (ص28، 29)
ولأنّ القرآن كان يـُـترجم الأحداث الجارية على أرض الواقع ويـُـعبـّـرعنها، لذلك تمتلىء كتب تفسيرالقرآن (خاصة أسباب نزول الآيات) بوقائع حدثتْ بالفعل قبل نزول النص القرآنى الذى جاء تاليـًـا للواقعة، وعلى سبيل المثال فإنّ كتب التفسيرورد بها أنّ (عماربن ياسر) كان أول من اتخذ مسجدًا فى بيته، وفيه نزلتْ الآية رقم9من سورة الزمر. كما أنّ القرآن أرّخ لمعظم غزوات الرسول، ومن أمثلة ذلك ما جاء عن غزوة (حـُـنين) حيث نزل القرآن لعتاب الغزاة المسلمين/ العرب فقال لهم ((لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة. ويوم حـُـنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تـُـغنِ عنكم شيئـًا. وضاقتْ عليكم الأرض بما رحـُـبتْ ثـمّ وليتم مدبرين..إلخ)) (سورة التوبة/25، 26) ومثلما ورد عن الشخص الذى كان ضمن جنود الغزوفقال للرسول أنه (ضعيف أمام النساء) ويخشى الفتنة، وهوما عالجته آية ((ومنهم من يقول إئذن لى ولاتنفتنى)) (التوبة49) وفى نفس السورة عالجتْ الآية رقم107موضوع (مسجد ضرار)
ولأنّ الدعوة للدين الجديد (الإسلام) كانت مـُـجبرة على التعامل مع (ظروف الواقع والبيئة وأهلها) لذلك اضطرنبى الإسلام إلى عقد بعض التحالفات مع خصومه (فى بداية الدعوة) بل إنه اضطرللعفوعن واحد من أشد أعدائه، وذلك عندما تهيـّـأ النبى لمعاقبة قريش فى العام الثامن للهجرة، حيث ذهب إلى مكة فى جيش لم يجتمع له مثله من قبل، من حيث القوة وكثرة العدد، حتى إذا كان غيربعيد من مكة، خرج أبوسفيان فى نفرمن قريش يتحسّـسون الأخبار. فلما رأوا نيران الجيش راعهم ما رأوا وعرفوا أنه قد حان أوان الانتقام منهم. وحدث فى هذه الأثناء أنّ العباس أشارعلى أبى سفيان أنْ يذهب معه لمقابلة النبى، وفى الطريق نصحه بالدخول فى الإسلام. وعندما دخل على النبى نطق بشهادة: أنّ لا إله إلا الله. ولكنه تردّد فى نطق شهادة: أنّ محمدًا رسول الله. وفى نهاية اللقاء اضطرإلى نطق الشهادة كاملة. فكانت النتيجة أنْ أعطاه النبى الأمان. وكل من دخل داره فهوآمن.
عاد أبوسفيان إلى قريش بهذا الأمان. فلم يسع قريش إلاّ الإذعان. وانقسم أهالى قريش: فمنهم من دخل دارأبى سفيان، ومنهم من دخل المسجد الحرام. وآخرون لزموا دورهم وغلــّـقوا أبوابهم. ودخل النبى مكة بعد أنْ أمرقواده بعدم التحرش بأهالى قريش. ولكن خالد بن الوليد خالف أوامرالنبى، فعاملهم- بما عـُـرف عنه من غلظة وخشونة- بكل عنف وقسوة. فلما علم النبى بذلك بعث رسولامن طرفه يطلب منه أنْ يكف عن القتل والقسوة، احترامًـا لعهد الأمان الذى منحه النبى لأبى سفيان، ولكل من دخل دارأبى سفيان.
وكما كانت القبائل العربية تعتدى بعضها على بعض، تكرّرعندما أغارالرسول على قافلة قريش، كما قال (كعب بن مالك الأنصارى) والذى أضاف: لم أتخلف عن رسول الله فى غزوة غزاها إلاّفى غزوة تبوك وغزوة بدر(نقلا عن طه حسين- المصدرالسابق- ص224)
ونفس العقلية البدوية/ الرعوية هى التى جعلتْ معاوية (الذى ولاّه عمربن الخطاب على الشام) لايكتفى بالشام، وإنما طمع فى العراق كذلك وفى كل جزيرة العرب، فكان يـُـرسل الكتائب لتعتدى وتـُـغيرعلى أطراف العراق فتقـتل وتنهب. وقد أسرف معاوية فى ذلك فأرسل (بسربن أرطأة ) فى جيش إلى الحجازفأفسد فيه كثيرًا وأفسد فى اليمن أيضًـا. وطمع فى مصرفحرّض على قتل (محمد بن أبى بكر) وأهداها (مصر) لأحد تابعيه (عمروبن العاص)
ولأنّ القرآن اتهم خصوم الدين الجديد وأطلق عليهم تعبير(كفار) وتعبير(مشركين) وأباح قتلهم إنْ لم يدخلوا فى الإسلام وهوما عبـّـرتْ عنه آيات كثيرة مثل ((فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق..إلخ)) (سورة محمد/4) بل إنّ القرآن نصّ على شرعية قتل (الكفار) ليس فى زمن رسول الدعوة الإسلامية (فقط) وإنما بصفة دائمة (فى شكل متوالية) وهوماعبـّـرتْ عنه آية ((يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفاروليجدوا فيكم غلظة)) (التوبة/123) وقال ((سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان...فلمْ تقتلوهم ولكن الله قتلهم)) (الأنفال/ من12- 17) وكان القرآن صريحـًـا وهويضع الإختياربين الدخول فى الإسلام أوالقتال وهوما نصّـتْ عليه آية ((تقاتلونهم أويـُـسلمون)) (الفتح/16) ولأنّ نبى الدعوة (محمد) مُـتطابق مع القرآن لذلك ردّد ما جاء فى القرآن فقال فى حديث منقول عنه وهويـُـحذرأتباعه ((لاترجعوا بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض))
وكما كانت القبائل العربية (قبل الإسلام) تفرض على القبيلة المهزومة فى المعركة (دفع مبلغ من المال فى شكل إتاوة) فإنّ هذه الإتاوة أخذتْ اسم (الجزية) فى الإسلام. ولذلك كان كتاب طه حسين (مرآة الإسلام) أدق تعبيرعن أنّ (هذا الإسلام) ابن هذه البيئه أوأنّ (هذه البيئة هى التى أنتجتْ الإسلام) ولم يكن طه حسين هوالوحيد الذى توصل إلى هذه النتيجة، وإنما جاءتْ أجيال بعده بسنين، وآمنوا بما آمن به طه حسين، أمثال خليل عبدالكريم (فى كل كتبه) وعبدالهادى عبد الرحمن فى كل كتبه خاصة كتابه (جذورالقوة الإسلامية) وعبدالجواد ياسين (فى كل كتبه خاصة فى كتابه: الدين والتدين: التشريع والنص والاجتماع) الذى قال فيه عن التشريعات فى الإسلام والعقوبات مثل قطع يد السارق أنها ((عقوبة مصمتة ذات حد واحد، تنطبق فى جميع الأحوال، وهى معالجة تبسيطية ومباشرة، تعكس طبيعة الاجتماع (المجتمع) الذى كانت تتعاطى معه، فى بيئة صحراوية خشنة، ذات اقتصاد فقيريتسم بالبساطة (رعوى إجمالارغم وجود نشاط تجارى فى مكة والمدينة)) (دارالتنويرللنشر- عام2012- ص300)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مغالطات
ابراهيم الثلجي ( 2018 / 1 / 2 - 19:40 )
يا اخ طلعت شو قصتك لك يومين بتخلط الاوراق بشكل غير علمي
قبل ايام طرحت فكرة غير عملية ان كيف للناس الاقتتال وهم من نفس القومية وكانك لم تسمع بالحروب الاهلية او لم تسمع بالصراع الطبقي او كانك لم تسمع بادم ابو البشر وان اولاده هم المكون البشري ويمكن تعمل مثل ابونا فرنسيس تلغي قصة ادم واحد وتقترح 190 ادم بعدد اعضاء الامم المتحدة لتبرير اختلاف الاصول وربطها بالصراعات الدولية
واليوم تقول ان النصوص وليدة نفس البيئة
طيب يا عم رضوان كيف تلائمت النصوص للكتاب المقدس مثلا مع سكان بلدان كثيرة جدا مختلفة البيئة واللغة والتقاليد
وكيف تلائمت بيئة بسيطة وغير معقدة كالعرب مع معظم شعوب الارض ليناسبهم النص ويتمسكوا به، ويكفيك النظر لصلاة العيد في موسكو لتنقض افكارك
ولكن هناك نصوص واحدة لا تلائم الا بيئة واحدة وطاولة تاجر البندقية واحدة لذلك تجده دين غيرمرغوب فيه ومنغلق على نفسه لايمان اتباعه بالبيئة الخاصة وادعاء التفوق العرقي
عند البحث انصح باخذ الامثلة من الميدان فيكون العمل دقيقا ومنتجا فكريا
ولك تحية

اخر الافلام

.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي