الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبذة عن آية الله الخميني في العراق

هيثم بن محمد شطورو

2018 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


يقول الفيلسوف اليوناني "هيروقليط":
" الحمير تـفضل القـش على الذهب".
انه شأن من يعلق آمالا في تحرير فلسطين من قبل إيران. هذه الآمال في حقيقتها ما هي إلا القـش، بمعنى الوجود الموهوم لقوة تهدد الكيان الصهيوني، أما ان تـقوم ايران بذلك عن طريق حزب الله اللبناني، فإن ذلك لا يمكن ان يكون إلا اذا تمت مهاجمتها او التهديد الفعلي بإزالة نظام الملالي.
المتعلقون بهذا الأمل في النهاية يدرك بعضهم مدى حاجة الامبريالية العالمية للنظام الايراني. فهو اولا و منذ البداية كان مانعا لصعود قوى اليسار الإيراني و من جهة اخرى فانه من اكبر الانظمة المجسدة للرجعية الدينية، ثم انه عامل فعال جدا في استـنـزاف دول الخليج و خاصة السعودية و الامارات و ربطها بسلسلة من المبيعات العسكرية و حصرها في دائرة التهديد و الحاجة الى التامين الامريكي لوجودها. إضافة الى ذلك و أساسا الدور الايراني الكبير في تمزيق العراق و انهاكه و تحويله عن أهداف التحرر العربي..
الذهب هو ان يحول الفلسطينيون الاحتلال الصهيوني الى جحيم. الذهب هو استـنهاض جميع عوامل القوة و الوحدة و اختراع اساليب للمقاومة متـنوعة و متجددة. الذهب هو التحول من منطق الدفاع الى منطق الهجوم..
ثم و على افتراض قيام ايران بتحرير فلسطين فيا لخيبة المسعى لحرية على حساب حرية الشعب الإيراني، و يا لخيبة المسعى ان يمنحوا نظام الملالي شرعية كبرى في التهام العالم العربي. ليس من فلسطيني حر يرضى بالانـتـقال من احتلال الى احتلال أقـوى و أشـد بأسا و قمعا له و لبقية العرب..
... بما انهم حمير فمن السهل التلاعب بهم. كانت أثمن فرصة تاريخية يمنحها القدر للإسراع في غزو الاشتراكية للعالم، لو سارت الثورة في أواخر السبعينات الى مداها العقلاني التحرري لو انقض الشيوعيون و جميع يساريي جماعة "مصدق" على السلطة. التراخي الناتج عن عدم التماسك و التـنظيم و الوحدة و كذلك عن الطمأنينة الشرقية المرعبة تجاه القدر، أعـطت الوقت الكافي للخميني ليعقد اتـفاقـاته في باريس، فتـتحرك آلة الاعلام الغربية لإرباك المشهد الايراني و من ثم بلوغ حالة التـناصف بين اليمين الديني و بين اليسار، ثم بفضل ميليشيات "الخميني"، أفضت الحال الى سيطرة اليمين الديني على المراكز الحساسة في طهران.. و تم اعلان هروب الشاه، و من ثم يسافر "الخميني" من باريس الى طهران، و يتم استـقباله و كأنه المهدي المنتظر من طرف أنصاره و يتم الترحيب به من البـقية كأنه القدر لهيـبته و شيخوخته الموقرة جدا و كلماته الساحرة، اضافة الى ما كان معروفا به من ثـقافة واسعة و توهج غريب في نظراته..
الشيوخ أقرب الى الموت بمثل ما هم الأقـرب الى الحكمة و لعل ما بعد الموت هي حياة العقل الخالص. لأجل ذلك بقدر امتداد الضعف البدني بقدر استـقواء قدرات النفس العقلية مثلما قال الشيخ الرئيس "ابن سينا"..
أدرك "الخميني" بوضوح تلك العاطفة التي يبعثها في الآخرين، و بما انه لا يرى نفسه مجرد زعيم سياسي او رئيس دولة بل يراها في مرتبة الأنبياء فقد سمى نفسه "آية الله" و لم ينتصب كرئيس لإيران و انما الكاهن الاعظم الذي يجمع بين سلطة الناسوت و سلطة الرب في نفس الوقت، فكان المرشد الاعلى للثورة الاسلامية العالمية..
..." لم تمنحنا العناية الإلاهية عونها لنقف بما لا يشاء الله و ملائكته في ثورتنا عند حد من الحدود".. ثم بعد فترة وجيزة اصبح الكلام واضحا عن تصدير الثورة، ثم يبعث برسالة الى بغداد يعلن فيها تعيين والي مرشد الثورة الاسلامية العالمية فيها..
و تبدأ الحرب الاعلامية بين المنطق العلماني في بغداد و بين المنطق المهدوي الكهنوتي في إيران في الوقت الذي بدأ فيه الخميني سحب المجتمع الى الوراء من خلال ميليشيات الحرس الثوري التي تلاحق النساء في الشوارع بالسياط أمام الملأ و بكل تشييء و اهانة للمرأة الايرانية لإجبارها على ارتداء الحجاب و الخمار الأسود، و كان "صدام " يزيد في حماية المرأ ة العراقية و تحريرها حتى انه أطلق تسمية الماجدات" على نساء العراق.. حرب بين المجد للنساء و الإهانة لهن..
لا كهنوت في الاسلام و لا سلطة مؤسساتية دينية في التاريخ العربي الإسلامي و لا حتى سلطة مزدوجة بمثل ما كان الامر بين الكنيسة و الملكيات الاوربية في القرون الوسطى. في التاريخ العربي الاسلامي سلطة سياسية واضحة قائمة على العصبية القبلية مع انها في بعض الاحيان تـتلبس بأوصاف مثل " ضل الله في الأرض".
السلطة في التاريخ العربي كانت دائما في مواجهة مع معارضة ما.. يقول محمد عبد الكريم الشهرستاني المتوفي سنة 548 هجري في كتابه " الملل و النحل":
" و أعظم خلاف بين الامة خلاف الإمامة، إذ ما سُل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُل على الإمامة في كل زمان".
***
أسوق هنا ثلاث شهادات حية كفيلة بوصف الحرب الايرانية العراقية التي امتدت لثماني سنوات. شهادات كفيلة بالإيحاء بإشعاعات القراءات، و هي لثلاث اصدقاء عراقيين في مدينة الحلة من محافظة بابل في اواسط التسعينات..
ـ الشهادة الاولى لصديق فترت صداقـتـنا رويدا رويدا بداية من الحوار الآتي. كان قد اقـتـنى مسدسا ايطاليا صغير الحجم فدعاني الى شقـته لأراه. كان سعيدا و فخورا به، و بمناسبة الحديث عن الاسلحة سألته عن حرب إيران فكان يحدثـني بنشوة قائلا:
" يا معود طقيناهم طق..."
و ضل ينوع عبارات الروح الانتصارية في تجلياتها النارية التي تـفيد تدمير العدو الى حد الاشباع. فقلت له:
" الخميني مجرم.."
لحظتـئذ انقلب جذريا و تملكه العبوس و اشتعلت عيناه بالغضب و قال:
" لا تعيدها رجاء.. الخميني رجل مبارك.. آية الله"..
أعتـقد الى اليوم، أني لو ذكرته بالتـناقض الحاد بين كلماته السابقة و كلماته الأخيرة، لتسارع الى تخليص نفسه من المأزق بتدشين مسدسه بطلقة في صدري.. لذلك آثرت الصمت ثم الخروج..
ـ الشهادة الثانية من شارع "الإمام علي" في هذه المدينة ذات الاغلبية الشيعية، حيث كنا مجموعة من التونسيـين و العراقيـين نـتـناقـش في المواضيع السياسية في دكان "جودر و أزهر" الذي يبيع الاجهزة الكهربائية. كاسات الشاي البلورية صغيرة الحجم تأتي باستمرار من "ابو سرمد" المدرس في الثانوية الذي اضطره الحصار الى ان ينتصب في الشارع لإعداد و بيع الشاي الحار الخفيف اللذيذ. كان الحديث عن حرب ايران، و كان احد الحاضرين شاب طويل متين الجسد ذو شاربين اسودين كثيفين. انتـفض فجأة و الى غاية هذه اللحظة بعد مرور كل هذه السنوات لازلت غير فاهم لحقيقة مشاعره و موقـفه ساعتها. كان يتحدث بحماسة و انتـشاء. التحق بفرقة من الحرس الجمهوري المُرعب في السنوات الاخيرة من الحرب. تحدث عن صدام بطريقة غريبة لا تعرف فيها هل هو بمُحب له ام كاره، مع العلم ان "جودر" المضيف و محور الجلسات بشكل عام، أعرب لي ذات مرة في نقاش مطول بيني و بينه أنه يكره العرب و العروبة و أنه ذو أصول فارسية. فصديقـنا من الحرس الجمهوري لربما أراد ارضاء "جودر" حين سب صدام، و لكن الكلمة التي قالها معهودة و تُـقال في الاتجاهين اي السبي و الايجابي في نفس الوقت..
" أخ القحبة، في المعارك الليلية، تحوم السمتيات فوق رؤوسنا تبعث الضوء و النشيد الوطني، ثم يتكلم عمك قائلا: يا بواسل، يا أسود دجلة و الفرات، يا ابن امك و أبيك، يا أحفاد القعقاع و خالد المغوار..
و هيتشي شغلات تخلينا في حالة ماكو هيتش.. و نهجم عالايرانيين كأننا الجحيم بذات نفسه..."
أتصور ان الاستـنـتاج الموضوعي من خلال هاتين الشهادتين يفيد بالتمزق بين الاعتـقاد في شبه قدسية الخميني و ما بين الاحساس العارم بالنخوة و القوة و الانتصار العراقي. و لا تخفى علينا قراءة ايديولوجية البعث الحاكم في العراق حينئذ أن البعد القومي هو الأقوى من البعد الديني، و بلغة فلسفية فإن الكينونة التاريخية للإنسان هي ما يشكل أساس وجوده.
من جهة اخرى فهما شهادتان لشباب تـشكل وعيه أساسا بعد حرب الكويت. هذه الحرب التي وصفها لي دكتور عراقي قائلا:
" دخل الجيش العراقي الى الكويت علمانيا بشكل عام يؤمن بقوته و خرج منها في انسحاب فوضوي هارب تلاحقه الطائرات الامريكية إسلاميا مؤمنا بقوة الغيب.."
لن تجد وضوحا اكثر من قول الدكتور معاذ الذي درس الفيزياء في الاتحاد السوفياتي و هو شخصية راقية جدا مغمورة بحب الموسيقى الكلاسيكية و خاصة الموسيقى الروسية. فالعلمانية هي طريقة التفكير القائمة على الاعتراف بقوة الانسان و تعمل على تـنمية هذه القوة بمختلف المفاهيم و الأفكار أما الاسلاموية فهي طريقة التـفكير التي تحتـقر الانسان و تغيبه عن نفسه و تـقـتل حوامل القوة فيه. لذلك انتصر العراق على ايران و لذلك فأكبر سلاح فتاك للأمة العربية هو الجمهورية الاسلامية الايرانية و الايديولجيات الاسلامية برمتها لأنها تغيب الانسان و تحتـقره..
" حين قام الجيش العراقي بالهجوم على ايران فانه كان يهاجم خامس جيش في العالم لكنه بقيادة العمائم، لذلك انتصر العراق"..
ـ الشهادة الثالثة كانت لأسير عراقي تم أسره في سنة 1981 و أُفرج عنه سنة 1997. كنت قد رافقت صديقي الفلسطيني "عنان دعنا" لزيارته لتهنئـته بالإفراج في إطار التضامن العربي و وحدة القضية، و لكن بالنسبة لي لأستـقي شهادة حية تُفيدني في بناء نظرة موضوعية بعيدا عن بروباغندا الاعلام.
كان كهلا و رجلا طيبا الى ابعد الحدود. لغة الرجل متخفـفة من التعبيرات الدينية.. صورة العراقي الواثـق المقـتدر و الواثـق بقدرة الانسان و قوته.. كان في الحقيقة الوجه العراقي ما قبل احداث الكويت.
حدثـنا عن الأسر، عن الإهانة، التعذيب.. كان يسب بعض الأسرى العراقيين اللذين انبطحوا بسهولة و دخلوا تحت عباءة الفقيه الدجال. أما هو فقد رفض ان يسب "صدام".
"هل تؤمن بعلي؟"
" طبعا. أؤمن بعلي و بأهل البيت جميعا"
"صدام عدو علي. سب صدام"
" صدام ليس عدو علي. صدام رئيس جمهورية العراق و واجبه ان يدافع عن العراق.."
ضحك الشاهد و هو يردد ما قاله ذات مرة لمعذبيه من زبانية آية الله الخميني:
" هو علي مالتنا مو مالتكم يا عيني. انتم ما تريدون تبوقوا العراق بس..هامين تبوقوا علي.."
لم أنسى تلك الجمل لاني احتـفـظ دوما بكنش أسجل فيه ما يثيرني في حينه من موقـف او قول او فكرة طارئة..
.. تلك الكلمات التي وصف فيها نظام آية الله الخميني بالسارق لعلي ابن ابي طالب و السارق للعراق ( و قد تمكن من العراق في 2003 بتواطؤ مع الامريكان) قادته الى صولات من التعذيب الوحشي في أقبية الجمهورية الاسلامية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا