الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ومضات -6-

جميل حسين عبدالله

2018 / 1 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ومضات
-6-
يتبع
لم لا نحتفل بميلاد المسيح عيسى عليه السلام، وهو المخلص الذي ستنتهي به دورة الحياة في آخر الزمان، لكي يستحيل الكون إلى عالم آخر، يمنح كل واحد ما أضاع من حق في صريح وجوده.؟ قد يكون هذا مؤلما لمن رأى هذه المبادئ الدينية التي تنفق عليها الملايير في سائر البلاد الرافعة لراية التوحيد، لم تستطع أن تكبح جامح النفوس المعذبة بغرائزها، وشهواتها، ولا أن تحول دون التعبير عن انحراف القصد في الدرس اللاهوتي، والفلسفي، ولا أن تقيم ذلك المجتمع الفضيل، والإنسان الظليل. لكن، هل يعني هذا أننا حاولنا أن نستفسر "الكل" عن ماهية النيات المضمرة في بواطنهم، والمجبرة عليها ظواهرهم، ونقول لهم بما يقتضيه واجب الصدق: أي فكرة تختارون.؟ أو أي رأي ترفضون.؟ لو فعلنا ذلك، وكانت لدينا الجرأة على التزام نتيجته، ورضينا بما ستحمله إلينا من مفاجآت القبول، أو الرفض، فإن ذلك سيدل أولا على أننا نتبنى حقيقة مسمى الحرية التي تضمنها جميع المواثيق العالمية المحددة لحقوق الإنسان في هذا الكوكب الأرضي. وثانيا؛ سيكون ذلك سبيلا إلى معرفة ما يحميه الإنسان بكل ما ينجزه من مشاريع في التربية، والتعليم، والتثقيف، لأن منتهى الاختيار في صياغة قوانين التفاعل والاشتراك في الحياة، هو الذي يصفنا بالصفات الحقيقية، ويسبل علينا ألواننا الخاصة، وأفعالنا المسئولة. لكن، لن يكون هذا مسارا لنا في زمن أصيب بخوف نحذر ما يحمله شرب سؤره من مغبات، ومعرات، ومهما حاولنا أن ننفخ في رماد تلك الأرقام التي تكاثر بأعداد المنتسبين إلى إيديولوجية معينة، أو إلى نظريات، وأنساق، وسياقات عامة، وتغالي بالمنجزات التي نحسن بها من وضعية هويتنا الروحية، والمادية، إذ ذلك، لن يتم الاستدلال به على معنى قصديته، إلا إذا كان منتجا لآثاره الإيجابية في الإحساس الملتزم برغبة تحديد المسير، والمصير.
ولربتما من باب تفخيمها الذي نستفتح به عوالم متصلة برغبات مستجنة في أعماقنا، لا نريد إلا أن نقول باستعارة نوري بها عما علق بعقولنا الذاهلة: إن منطق الصراع بين الأديان، والحضارات، والثقافات، ما زالت نيرانه لم تنطفئ، وحروبه لم تهدأ. وأنى لها أن يخمد ما في غورها من أوار، وهي ما زالت تحتضن في مفاهيمها آلام التاريخ المتضمخ بدماء الموءودين، والمقتولين، وغصة الإنسان المعذب بعسر المناكب، وكمد المجالب.؟ إذ لا نجابه واقعا نتحكم في تكوين ما ينشأ عليه من ظواهر غريبة، وما يتشكل حوله من وعي بالأحداث الرتيبة، يتجاوز كثيرا من المقدمات التي أسست هدوء أكناننا في عمر انصرم، وجيل انخرم، ولم تبق منه إلا صور متناثرة في الذاكرة الجماعية، وحكايات تحكى للاستدلال على صفاء تلك اللحظة التي جمعتنا حول جملة من الخصوصيات البشرية، كانت سببا فيما وهبتنا الطبيعة من عقود الأمان، وعيون البيان؛ وهي سر في ذلك الميثاق الذي ضحينا من أجله، وقدمنا أرواحنا في فداء له، وغنينا بمجده حين كان لونا من ألوان هويتنا، يعمنا خيره، ويشملنا بره. لكن، ألا يسوغ لنا أن نساءل ما فيه من عناصر وجودنا، ومكونات طبيعتنا؛ ونحن لسنا إلا أبناء هذا الكون الذي وجد لإمتاعنا، وإسعادنا، لاسيما حين صار ما نهتدي به إلى مهيع الرجاء قناعا كثيفا، يخفي ما تراكم في حياتنا من أزراء، وأدواء، عسانا أن نتعرف على ما حقه أن يبتر، ويبعثر، ويُنهى طوره إلى مزبلة التاريخ المنسي، وما حقه أن يبقى، ويُحمى، لكي يمدنا بسر الحياة، ويهبنا ذلك الأمل الذي نبحث فيه عن ملاذ النجاة؛ وهو صفاء حريتنا، ونقاء كرامتنا.؟
لو امتلكنا شيئا من القوة التي ندبرها بما نبرمه من مشانق للفكر الحر، وبها قتل شهداء الرأي في التاريخ البشري، لرضينا بأن نعرف من نحن أولا، لأنه بصريح ما انطوى عليه منطق عقله، سيحدد كنه جوهرنا الفردي، وكلية معنانا الجماعي. وثانيا، سنختبر حقائقنا التي لن يتم لنا صوغ حيز ماهيتنا إلا بتآلف ضرورتها على حقيقة الوجود، فنجد تمامها بين هذه المجموعات، أو تلك الجماعات، لأنها بلطفها الجامع لكل تضاريسنا النفسية، والاجتماعية، ستفضي بنا إلى لحظة التسامي عن مجاهل الفكر المستقوي، ومضايق القصد المستعلي. وإذ ذاك، يحق لنا أن نطالب غيرنا بأن يستنسخ تجربتنا، ويستلهم خبرتنا، لأنها قد أفضت بنا في دقة ملاحظتها إلى التواجد مع ذواتنا، والتآلف مع واقعنا، إذ ما شهدناه من نور مصباحها، لم يجعلنا نحتكره لأنفسنا، بل صيرنا ما ينزف من ضوءه لعموم من يشاركنا معنى الوجود، وضرورة العيش بين مهاد الأرض الغبراء. لكن، أن نعيش بين ترسبات الوحل كالطفيليات المترنحة بمناطق العفن، والنتن، فنمتص دم المتعة من تخبيل الأذهان، وتدجين العقول، لكي تقعي بعريها حول ما يدار بين خمائل الخيمة من أغاليط متهوكة، فذلك هو الذي يسلب عنا صريح النظر إلى مكامن الإرادة، ويفرغنا من كسب معرفة محتوانا الإضافي في الطاقة، ويفرض علينا أن نسير خلف حيلة الغالب، وجلبة المغلوب، لأننا لا نمتلك في أحشائنا مناعة على مقاومته، ولا في سواعدنا قوة على مجابهته. بل قصارى ما ندخره من وافر جهدنا، أن نجاريه برغبة عارمة، ونسايره بلوعة حارقة، وإن أظهرنا أننا نمتلك مفاتيح الأرض، ومعاريج السماء، ما دمنا لن نطيق أن نتحرك بدون شخصه، ولا أن نتطور إلا بسبب صنعه، إذ هو الذي يَهدينا في سآمة الديار كيف نحيى بأوكسجين صناعته، وكيف ننتعش بأكسيد إيديولوجيته، وهو الذي يريحنا بتقنيته في كثير من دروب شقائنا، وضروب عنائنا.
ولولاه، فإننا لن ننتظر أن تنتج كل مدارات الفكر في معابدنا، ومعاهدنا، ما يمكن أن يكون علاجا لأمراضنا، وأدوائنا، أو ما يجوز له أن يطوي المسافات، ويقلص المساحات، فنتواصل مع العالم كما هو في صغر جرمه، وضيق حجمه، إذ لم يستدل ذلك القول على دعواه ببرهان، فنهدأ لما يضمره من خفق حول العنان، بل غدونا في يأسنا مما ينثره الوعد من بيان، نتحدث عن القرية الصغيرة، لا عن المدينة الكبيرة، وقد كنا نسمع عن ظلال ذلك المصر منذ أول صرخة استهلت بها هذه الثقافة التي نبني هرمها الفارع، وأول كلمة نطقت بوعدها فيما نشرته، أو طوته، وما فتئنا نغني بما فيها من أوتاد، وأمجاد، لأنها هي الصولة الوحيدة التي نملكها بمقتضى التاريخ، واللغة التي نجيد التعبير بها عن فصول مسرحية هويتنا الصريعة. وإذا تخلفنا عن رسم معالمها بالألوان المزركشة، ووقعت أعيننا على ما ننجزه من أفعال الخراب في واقعنا المشتت الأبعاد، والاتجاهات، فإننا سندرك أننا كنا محبوسين في حقيقة تائهة، أو في لعبة تافهة، أو في خدعة لاهية، إذ لا يدل على ماهية الأشياء مجرد تصور وجودها بالقوة، بل تبرز صورتها بما لها من مظهر متسم بالفعل، وهو الذي يضمن رسمُه ما نحكم به من صدق القضية، أو كذبها، لأن ما ندركه من علامات الشيء، ورموزه، وهو مرئي لنا بأداة العقل الفاحصة، لن يلتبس علينا فيما تلتقطه عدسة أعيننا من دلائل، ووسائل، إلا إذا كانت هناك مقاومة تضمر إخفاء الحقائق، وتحريف خطها، وتزييف مسارها، وهي لا تريد إلا أن تهدم ما هو شاخص في المعنى الذي وجدنا لأجله، لترفع على أنقاضه معالم الذات المستقوية بالاكتناز.
لكن، هل استطعنا أن نحول تلك المدينة إلى أعماق جغرافيتنا التي نعيش بين وهادها غير آبهين بما يحمله المكان من سر، أو من فكر.؟ لو أنجزنا غير ما نحن تبع فيه لسوانا الظافر بخلاص الأماكن من لوثة التاريخ، لانحلت عنا عقدة الخوف من ذلك الغد المنظور، والوجل من ذلك الشبح المنكور، وإذ ذاك، سيرتاح كل واحد إلى ما ينتظر حصوله من سعادة، وهناءة، ولو تباطأت ساعات الزمن المجهول، وتأخر العهد المأمول، وتوانى الرجاء المغلول. وإذا كان هذا هو مجالنا الدوي، ومآلنا الشقي، ونحن نفتخر بكثرة أعدادنا، ووفرة أرقامنا، فإننا لا نكابر إلا بأوضاع فارغة من معناها، ونازلة عن جدواها، إذ لا تتحقق الطوبى، إلا فيما تتعين به الجدوى. فلا غرابة إذا لم نبحث عن موطن العلة في جسد تهادى بين الكمد، وتهاوى بالبدد، ما دمنا لا نمتلك في كيسنا ما نشتري به قصة سعادتنا، وغُرة فضيلتنا، لأننا في لحظة فقر معجمنا من مفاهيم الرخاء، واغتنائه بأساليب الرثاء، لن نتعالى إلا بإنكار لما هو كائن، لكي ننسجم مع كياننا أولا، ونتنفس الصعداء من أثر الأعباء التي أضرت بنا ثانيا، إذ يسوِّغ ذلك ما نلناه من هزيمة في جل الميادين التي أغلقت علينا أبوابها المفتوحة، ويعلل لنا أننا لم نكن متخلفين عن أوائل الركب السائرين، إلا لكون موجة من القدر دهمتنا برياحها العاتية، فصرفتنا عن المحطات التي وصل إليها الإنسان المتحرر من شبكة أوهامه، حين أزال غلالة الماضي المتوجع بأنين المغدورين، والمفجوعين، ثم تحرك بلا قيود في تعريف الحدود، فوصل إلى حقيقة هذا المجهول، وذلك المأمول.
وحقا، قد وصل إلى المرتجى الذي هتف بحميته، وغنى بأغنيته، وها هو يسومنا الخسف، ويسوقنا بالعنف، ويرتب نهاية مصيرنا بين مراسيم قداس انتصاره، وحفلات انبهاره، وهو فيما يدبر، لا يحفر إلا قبر انتحاره، إذ لا يمكن له أن يكون سيدا إلا كنا عبيدا. وإذا أزالنا عن وجوده، وانتهى من ردمنا، التهم بعضه بعضا، وصار مع زلزلة الزمن للمتغيرات نسيا منسيا. وأنى لنا أن ننكر ذلك الاستحواذ الذي نتألم بعذابه، ولو قلنا بأنه لا يعيش السعادة في صناعته، أو الفضيلة في حضارته، لأن ذلك مما يمسح دموعنا، ويهدئ أعصابنا، ويمنينا بأن طاقة ما ستأتينا من خارجنا، فتعيد إلينا تلك النغمة التي خلناها في غبائنا مسروقة، ومنهوبة. وأنى لها أن تعود بإشراق مصابيحها المضيئة، وهي ما فارقتنا بانشراحها، إلا حين نزع منا أدبها، وحصر عنا روحها.؟ بل متى كانت لنا في الزمن المنصرم، ونحن لم ننتج معرفتنا إلا بمنطق الصراع الذي صنع فينا مناطق جوفاء، هي مرفأ الفراغ الذي يذيب فينا قدرة طاقتنا، وقدرة مواهبنا.؟ بل كيف سننكر أن أشلاء المدفونين تحت الرمال الدامسة، لا تتحدث فينا أشباحها إلا بأصوات منكرة، لا نطيق أن نفارق ضجيجها الصاخب، لكي نسمع لحنا سليم الأوتار للكون، والوجود.؟ بل لِمَ نتسلق شيئا ليس لنا بالأصالة، ونحن لم ندبر إلا أوهاما حمقاء، وأحلاما عجفاء، إذ أفخم ما فيها من معنى نحارب لأجله، أننا نعرف كيف تصير ذكورتنا خشنة الطلعة، لتظهر ملامح الباه علينا فحولة فقدت ميسم رجولتها المتميزة، حين صارت حيلا، واحتيالا.؟ كل ذلك، يجب أن أتذكره في سعار الأفكار، ودوار الأنظار، وأنا أرى نقاشا حادا يدور حول مشروعية الاحتفال بميلاد الرسول الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو جواز التهنئة بعيد المسيح عليه السلام، لأني أعلم يقينا، وبوساطة أدوات البحث، والتحليل، أن ما يحدث بين ديارنا من مآس غضة، ما هو إلا مخطط قديم ينفذه أبناء جلدتنا بالهمم المتدنية، والأيدي المتدنسة. وقد ابتدأ بتحقير رمزية النبوة، ومظاهرها التكوينية، والتشريعية. وما نوع الكلام في أب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأمه، وعمه، إلا من أشد الأدلة برهانا على ذلك التدبير المجانف لحقيقة الانتساب إلى مبدأ عام، يكون التكليف فيه بظاهرة الوحي متساميا بين كل مداراته النفسية، والاجتماعية، ثم التوى عطفه للاستدلال على بشرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وارتباطها بعالم الجلب في مسلكها الأرضي، وعدم عصمتها إلا في الإخبار عن الكلام الإلهي، ثم انتحى نحو المطالبة بإخراج قبره من المسجد، وإرغام الناس على الابتعاد عن تقديس رمزية محل تلاده، وهكذا كل ما حدث في البقيع من هدم لقبور الصحابة، وكل ما حدث في مكة من نسف للآثار التاريخية، كمنابر المذاهب الأربعة، وكراسي التدريس بالمسجدين الحرمين. كل ذلك، كان شوكة مغروسة في حلق هذه الأمة التي جبر ها القدر على أن تكون مرمى حراب الأعداء، خارجيا، وداخليا، وقد انتهى ضررها إلى ما صنعته من تدنيس للمقدس الديني، وتمهيد سبل اتهامه بالعنف، والإرهاب، وترسيخ مبدأ اليأس، والحيرة، والارتياب. وما كثرة أعداد المعاندين لرسوم الأديان بالإنكار، أو المروق، إلا حقيقة جلى، تثبت أن الفكر السياسي الديني، لم يخلق إلا لهوات فارغة، تسبح في فجوات بائسة. ولولا ذلك، لما أنتجت هذه الصراعات المحمومة غصة الفوبيا من كل ما هو ديني، بل الأغرب أن تجسيم الله عز وجل، وتحنيطه بمنطق التعطيل، وتدجينه بمفاهيم التفويض، وسقوط رمزية بشرية النبي المتميزة بارتباط كمالها بعالم السمو الروحي، واعتباره مجرد وساطة توسطنا بها إلى عالم السماء، وما صاحب ذلك من أزمات ورَّثها هذا الخطاب المتشنج؛ وهو ما ضاع من زمن ثمين في صراعنا مع الأديان، والحضارات، والثقافات، لم يفرز فينا إلا كراهية، وحقدا، وضغينة، وسواء من ساوم من أجل هذه القذارة، لكي ينال دسم الموائد المترعة بالخيانة، أو من نافق في موقفه المعلن بدعارة، لكي يستفيد من حمأة هذا النراع الذي يربك السير، ويشل الفكر، ويجعل الديار متصارعة حول حقيقة متناقضة، لا أمل في التخلص منها، ولو أرعد من أرعد، وأزبد من أزبد. إذ كلاهما، لن يؤثر بشيء في هذه الأعداد التي بدأت تتخلص من ذا، أو ذاك، لأنها اليوم تريد أن تفرح، وتمرح، ولو للحظات تعود بعدها إلى بؤسها، وتؤوب إلى شؤمها، إذ هي تعبر عن كونها تريد أن تحس بشيء اسمه الحياة الهاربة، أو اللحظة السارحة، ولا شيء يشدها إلى الوجود غير ما تحيى به من آمال سانحة، ولو كان مما يرفضه الراهب بكلامه المفارق لما يتفاعل في زمنه، ويتآلف في عصره، وهو لا يلوم مجرد الاتصاف بما تفرزه من ألوان، وأشكال، إلا لئلا يفقد صورته التي استوحاها من التاريخ المكتوب بدماء الأحرار، وبها يداري ما يغلق به وجهه من مساحيق عزته، وقوته، لأنه، لو كان بالخيار فيما يقول، أو فيما يفعل، وفي وضع آخر غير ما هو مجبر على التعايش معه، لاسيما حين يرتبط رزقه بترسيخ الخرافة، وتعميم الأسطورة، لكان له رأي آخر، ونظر يتجاوز ضغط الوظيفة، وأتعابها الحريصة على إبراز ملامح الطهرانية، وموقف يتعالى على أوجاع ماضيه المترع بالفقر، والعوز، والحاجة، لكنه غير مخير في قوله، فكيف سيفصح فعله عن تعبير آخر، غير ما يغله من قيود مصلحته النازفة في باطنه، والمتصلة بروابطه المنطقية التي تنبني بها سيرته العاطفية، والعقلية، والسلوكية.؟
إن الواقع يشهد على ذلك، وهو فيما يأتينا به من تناقض الأقوال، والأفعال، لا يؤكد إلا أننا لسنا ملائكة، ومهما حاربنا جزءنا المادي، ورسمنا مدارا لا حدود له في طاقتنا البشرية. وما التوسع في الطيبات، (كالتعدد) والامتلاك بما ينفخ في الذات روح القوة، والاعتداد، إلا حجة على أننا نفصل بين الذات، والموضوع، والفكرة كتصور، والقضية كواقعة، وسواء ما نناله بالتفسير المغالط، أو بالتأويل المجانف، إذ كلاهما يفصحان عن حقيقة واحدة؛ وهي أننا في طريق الآخرة الذي قدر علينا أن نكون من طلابه، أو من الأدلة الدالة على بحاثه، لا نطيق أن نضحي بمكاسب الدنيا الفاتنة، ونجعلها في يد من يحتاجها ضرورة، لا إكمالا، أو تكميلا، لأننا، ومهما أسففنا بحق عقل هذا الإنسان المنكود، واحتقرنا قدرته على الاختيار المحمود، وسعينا إلى أن نفصله عن حتميات واقعه، ونربط كل ما يعيشه بعوامل خفية، ونؤسس في عمقه لفكر مشتت البنية، والوظيفة، فإن ما ننتجه مع الزمن من وعي متراكم لديه، لن يعود إلى تلك الخلفيات التي أردنا أن نؤسس لحقيقتها في الأذهان الساهمة، ولن يمسح ما يبرز على مرآة الواقع من فواجع فاتكة، إذ هذه الذوات المتنامية بعوامل أخرى تدبر تطورها، وتغيرها، وتحولها من نمط إلى نمط، أو من سياق إلى سياق، تجتاز كل ما هو موضوع في قوالب جاهزة، وتختار أن ترى الأشياء بنظر مستقل في الفكرة، والرؤية، ما دام ما قيل لها، أو ما يقال لها، لم يأت منه شيء فعال في الكينونة، يزيل عن الصيرورة أورام الحياة، وأوساخها، وأزماتها الضاغطة على الماهويات، والهويات.
ولذا، لا عجب إذا شربنا المدامة صرفة كعين الديك، أو خدرنا العقول بالسموم القاتلة، أو عانقنا المومس في المراقص الساحرة، ما دمنا لن نصرف عنا ضرر ما نعانيه، ووضر ما نجابهه، بل هو جاثم على أكتافنا كالكابوس، أو الجاثوم، لا نكاد نطيق أن نحاوره، ولا أن ننابذه، بل هو قائم في دورنا، وشوارعنا، وأسواقنا، ومقاهينا، وملاهينا، بل هو نحن كما رسمنا في لوحة الوجود مترنحين بالألم، ومتبرمين بالورم، لأننا لو أيقنا بأننا إن لم نفرح بما نشهده ينسينا شيئا من وعينا، لكي نعيش بعض سعادتنا في لاوعينا، ولو لسويعة نثمل فيها بأنخاب نعبها بنية نسيان المأساة الغالبة، فإننا سنبحث عن دليل آخر، يسوقنا إلى ما نترجاه من آمال حرى، وأحلام عظمى. لكن، ما دمنا نقايض الزمن بأن يمنحنا ما تقوم به أجسادنا من صحة، وعافية، ويمتعنا بشيء من الأمل الذي نكتم في جونه أوجاعنا، وأوضاعنا، فإن ما يسري فينا من دبيب الأفراح التي نستلهم بسمتها الحانية، هو سبيلنا الأوحد الذي لا نملك سواه، إذ هو في تعبيرنا الحقيقي عما نخططه بكليات تفكيرنا، لا نشارك به إلا أضواء العالم التي انطفأت على سنة قديمة، لكي تبتدئ طاقة الحياة بشمعة سنة جديدة. أجل، وعلى رغم اختلاف فلسفات الاحتفال، ودوافعه، ومواضعه، وعلى رغم تفاوت درجات الفرح هناك، وتهافته هنا، لأنه هناك، استحضار لمنجزات الماضي، واستلهام لنفس يحتضن القادم بين جوانح مترعة بالنجاح الباهر، وهنا، ما هو إلا نوع من التلهي، والتشهي، وأحيانا يضمر معنى التفشي، والتوري، فإننا لا نفصل إلا بين فترات الوجع بما نصنعه من مهاد للبسمة التي ماتت، والفرحة التي ذابت، لكن، ما يدل عليه الفرح عندنا، وفي سعار الهموم الكاشحة، هو عدم يأسنا من وجود لحظة سارحة في الحياة المخذولة، يمكن لها أن تطل علينا في زمن من الأزمنة المأمولة، فتنتشلنا من وهدة الألم، وتفتح لنا آفاقا في الحضارة، والمعرفة، بل هو نوع من التمرد على كل الأنساق التي طفا عوراها، ولم يبق منها إلا همس أطلالها، والتحدي لما هو كائن في ضامر العيش النكد، ولا أمل في إحداث غيره، والتعالي عما ينتابنا من مشاعر الإحباط، والكآبة، ويعترينا من سواد الرؤية، والأفق، والعنان، لأننا في الفكرة الأولية، والقبلية، لا نقول: إننا ما دمنا لم نمت، فلا محالة، سنكتفي في فرحتنا بما يمكن لنا أن نقتنصه من نتائج اللحظات السعيدة. إذن، هو انتقام من القهر الاجتماعي، والاستبداد الديني، والاستكبار التقني، والاستعلاء الاقتصادي، وكأنه يريد أن يعبر عن مشاركته لفرحة الكون، وبسمة الطبيعة، وينسى أنه فقد لذة لونه، وطعمه، لئلا تصير حكرا على من يملك أدواتها، ويعرب عنها بما تقتضيه من قواعد المعاني، والحقائق.
صعب أن تكون السنة المنصرمة هناك قديمة، وتصير عندنا بدون إدراك للزمن، ولا رغبة في التفاعل معه، إذ ما نداريه من جنون الواقع، وعلله الفادحة، لن يزاح عنا بما نجترحه من جلد للذات، وتأثيم الضمير، وتعذيب الكيان، لأننا لا نملك من تبعات ما يقع علينا من أقدار شيئا له قوة على الرفض، والإنكار، فنخال ما نجتاز به كمد الديار مضيئا لدروب التخلص منها، أو مفضيا إلى حقيقة تجمع شتاتنا، وترحم عوزنا، وتشفق على فقرنا، إذ ما هو قائم في واقعنا من أوضاع، أو ما يسري في ذواتنا من أوجاع، هو مضر بالكنه كله، ومفض إلى عتمة الفراغ، والتيه، والضياع، وسواء من وجد في فرحه شيئا من الامتداد نحو المستقبل الرغيد، أو من عاش خارج بؤرة الزمان، وغلمة المكان، لكي يستخلص تذكرة سفره إلى الحقيقة من آليات المعجزات الباهرة. تلك هي حجتنا التي نملكها في تدبير ما هو كائن، وما هو منتظر، لأننا، وفي كثير من حكايات حزننا، وروايات مللنا، لا نجد لنا يدا نرحم بها أود غيرنا، ونمسح به دموعه، ونعينه على اجتياز ما ألم به من خطوب، أو ما نابه من كروب، أو ما أغاضه من ندوب، ولذا نكتفي بتذكيره بما يربطه بعالم السماء، أو ربما في قسوة انتمائنا إلى الفكرة الشقية في أعماقنا، نتهم عقيدته بلين، أو ديانته بخشونة، أو ربما نتهكم على عقولنا الشاربة من صديد المأساة، فنغالط غيرنا، ونرى أن ما يُفعل في كوننا البائس، أو ما يحطمنا من إحباط، هو انتقام الإله، أو ابتلاء منه بالسلب بعد العطاء؛ وهو في سمو رحمته، وعلو كرمه، ما أوجدنا لإتعابنا، وإرهاقنا، وإنهاكنا، بل حدث الخلل في معرفة النواميس التي تؤسس لحقائق الأشياء في مشتل الوجود، وترفع قوام ما هو متشكل في واقعنا من علل، وخطوب، إذ لم نبحث عن الرشد الموجود في الوقائع المتناثرة بين ذواتنا، وذراتها، لكي نكتبها على صفحة الأحداث بلغة سليمة، فنحصل على الكلمة التي خالفنا في وضع نقطة حرفها ذلك الموعد المرتجى مع التاريخ، والحضارة.
كل ذلك، لا يدل على أن أعماقنا تتفجر منها ينابيع الطهارة، أو آيات الرحمة، أو علامات الفضيلة، بل يوحي إلينا بأننا عاجزون عن تدارك ما حدث، وغافلون عن صياغة ميثاق يضمن للإنسان بعده الإنساني في الكرامة البشرية، إذ لو كان ذلك العنف الرهيب الذي نتظاهر بالحرص عليه، على اعتباره حماية للمعتقد الذي تركب فينا، ونحاذر أن يصاب بلوثتنا، ولوعتنا، هو البرهان المنطقي على ما ندعو إليه، لكانت له حقيقة فيمن يعاني النكبات، ويجابه الأزمات، لا فيمن يغدو به الحظ آمنا بين طرق لا يخب عليها إلا من هو جذلان، وفرحان، أو من هو قائم بما يسعفه به القدر من أدوات، وآليات، تنجده عند الاحتياج إلى علاقاتها، والافتقار إلى وسائطها، لأنه غير محتاج إلى كلامنا، ومستغن عن خطابنا، وإن استمع إليه لرغبة في الانتساب إلى حقيقة معينة، وسواء ما هو منطو عليه في غوره من مثاله، أو ما هو متصل بروابطه التي تمنحه شخصية متميزة في شاخصه، فإنما هو عنده بمنزلة الذكرى التي تذكره بأن له في الماضي قلبا، وفي الحاضر روحا. كلا، بل ربما يعتبر ما نتصارع من أجله محض خرافة قديمة، لا تتشكل طواطمها إلا في محيط يطوي مسافات الحياة بالأماني الفارغة، والأحلام الخادعة. وما دام هذا المتألم بحرج الموارد، وسفه المقاصد، لم نطق أن نتسلل إلى عقله، ونتعرف على لغته، ومعانيه، ومفاهيمه، لكي نفكك بنيته النفسية، والاجتماعية، ونملأها بما يضمن له معرفة أسباب وجوده، ومحاضن طبيعته، فإن دورنا المنوط بنا، والذي كلفنا بحماية ما ننطق باسم ضميره الجامع لكل مساربه، ومشاعبه، قد تجاوزه الإنسان، وتعداه إلى ما هو بارز للعيان، ويتضمن ما يؤدي إلى فرح الإنسان، وسعادته، أو إلى شؤمه، وشقائه، إذ صار ما نحاكيه من واقع منتظر حدوثه جزءا من التاريخ الذي ينسخ ذاته الراكدة بين آسن رواسبه المسمومة، ومخلفاته المعلولة، لعله أن يظفر بشيء من لذته التي فقدها بين رغباته الممنوعة، وشهواته المحرومة. وأنى له أن يجدها في قاع مادي متنام بصقور حادة المخالب، وقعر متناسل بسحال شرسة الأنياب، لا يعبأ بما قيل عن المثل الكبرى، ولا يأبه بما هو جار في الكون من سنن عظمى، ولا بما هو كامن في الإنسان من قيم مثلى، ولا بما هو قائم في الحياة من أخلاق جلى، بل ما أقام المجازر الرهيبة إلا لبقاء صولته، والاستحواذ على غيره، والسيطرة على موارد كسبه، والتسلط على رأيه، ومنافذ معرفته. وقد انتهى ذلك العهد الذي ردمت بين فجواته أرواح تحاربت حول قبة السماء، وتعاندت في رسم صورة لذلك الإله الذي حاول الإنسان الاتصال به، ولم يجد سلما يرتقيه إلى عالم حقيقته، إلا ما يبنيه في ذهنه من تصورات، وتصديقات، ثم طوق مجال الإنسان بحقوق تواطأت عليها الإرادات العاقلة، حين أدركوا أن الموت لا ينهي الأزمات، بل تتقابل الآراء في طي طرق الملمات، وهي متساوية النسب، وفي نسبيةٍ مجردة عن الأنانيات الكاسحة، لكي تؤسس لمهد آمن، ينفي عن ذويه سبة الاستعباد. وإن كان في النفس شيء من شر، أو بطر، فليكن خارج الحدود التي حماها العقل حين اختار الرشد سبيلا، لا فيما يطوي عليه يديه، وهو ملك مشترك لجميع أفراده، إذ حالهم يقول: ما هو بين ملك لنا بالطبيعة المسيطرة على جوهره، أو عينه، لن ينازعنا فيه أحد، ما دمنا نطيق أن ندبره بحكمنا، وخلقنا. ولذا، ليكن قسمه بعدالة، ومساواة، وليتم القبض عليه باعتدال، واتزان، وما توارى خلف ديارنا، وكان زينة في عنق غيرنا، وهو غير مؤهل لأن يجعله سببا لتنمية حياته، واستيعابها لكل مكوناته الدينية، والثقافية، والفكرية، فلنجعله هدفا لنا، وغاية لنباهتنا، وقصدا نجابتنا، إذ نحن لن نزداد به إلا قوة، ومتانة، وصلابة، ما فتئ ذلك الغافل عنه في سبة صراع مسموم بأمراض نفسه، ومحموم بأوجاع عقله، ولا يضيف إليه إلا ضعفا، ووهنا، وهوانا. هنا، كان الشطار متحكمين في قواعد اللعبة، وأدوات تركيبها، ومنطق تحليلها، وهي محكمة الأدوار، والأطوار، لا تقف عند محطة من المحطات المحصل عليها، بل غايتها الاستقرار المعبد لطريق الاستمرار. فكيف لرقيع لم تمس نعمة الحياة سحنة وجهه، ولا لبسة جسده، أن يرسم لنا خطا في طريق لم يحفره بيده، ولم يضع الصوى على منحدراته، والعلامات على منعرجاته، بل خرطه في سهله وجبله من ارتقى سلم الحضارة، وعاد من تيهه آمنا في سربه، ومعافى في جسده، وعنده قوت يومه، وأمان غده، وسعادة قادم زمنه.؟
لهذا، يكون خطابنا غير مستوعب للشرط التاريخي، ولا مستجلب لما يفحص أعماقنا، ويرسم خطة أملنا، لكي نكتشف ما تراكم في دورتنا من تجارب سيئة، وخبرات رديئة، وسواء ما كان مرتبطا بمستوى التصور الحقيقي لكياننا، أو بمستوى الإدراك الدقيق لواقعنا، أو بمستوى الحركة الإيجابية لحياتنا، أو بمستوى الفعل الحيوي المواكب للتطلعات الإنسانية، والتوجهات العامة في الفكر، والعلم، والمعرفة، لأنه، ولو اقتضى الوضع الآن شيئا من الحنكة، والدربة، والدهاء؛ فإن ما تتضمنه الموارد من جلب يحتقن الشراسة، والخشونة، والانفعال، لا يمنحنا تلك الفرصة التي كنا نأمل فيها، وهي أن تقوم الأشياء بحكمة، فتقع كل واقعة على مقتضى منطقها، وصورتها، ومعناها، إذ أحيانا تجرنا تلك الوداعة بما فيها من ضرورة إلى شيء هو أشبه بالدعارة، لأنها إذا لم تكن نابعة من عمق الشيء الذي ننفخ فيه سمو روحنا المستبصر لمعالم العصر، ومفاهيمه الموجهة لعمليات بناء ماهيتنا الواعية، فإن ذلك سيسحبنا إلى خلاعة تميع خصوصياتنا، وتسيب مكوناتنا، إذ ما نملكه من إرادة متسمة بنرجسية متغطرسة، لم يبلغ درجة التأثير في مطالبنا، ومقاصدنا، فكيف بما نبنيه من أزمات الحوار، والنقاش، لأننا لا نخاطب إلا إنسانا فقد وجوده بما يهديه قاعه المظلم من احتراب يسوقه إلى صوغ نهايته، وعدمه.؟ فكيف سيصمت صوت داخله، وما في واقعه يطالبه بأن يطرح السؤال، ويشرح العلاقات، ويفهم الروابط، لكي يعيش بين المناكب موجودا، ومعلوما.؟
وإذا كان هذا حالا مغريا بالسخرية، فإن مناقشتنا للاحتفال بميلاد الأنبياء، ليس إلا استحمارا لعقل الإنسان، أو استغباء له، إذ ما هو مطالب به في خطابه الذي يعلن به عن طريق الخلاص، هو ما يجعل هذا الصريع بغمه قادرا على تجاوز أزمته، ومقاومة عواصف واقعه، وأعاصير حياته، لأنه إذا لم يتمكن من إيجاد حل ليوميِّه، ومعيشيِّه، فإنه سيبقى حائرا، لا يسكته منطق، ولا يقنعه فكر، ولا يحركه ناموس، ولو ارتبط ببعض الطقوس التي تنمي في جونه هوس الانتماء، وتمتعه بمفاهيم تستعلي على ما يدهمه من نكبة، وحسرة، وتنعمه بظلال حقيقة لا يحكمها ما يسري عليه من تناقضات القدر، والضرر، إذ هي اللغة التي تكسبه الارتباط بالمجردات المطلقة، والاتصال بالعوالم الخفية، ولو كانت مقولات ذهنية، أو كليات عقلية، لكنه لن يشتري بها كسرة خبز من فران، ولن يطبب بها مريضا في مشفى، ولن يعلم بها جاهلا في منتدى، ولن يبني بها كنا يأويه، أو فراشا يغشاه، إذ هي معنوية الطبيعة، ولا يمكن لها أن تتحول إلى قيمة معتبرة إلا في حقيقتها الباطنية. وهنا، يكون في تحنته حاضر الجسد، وغائب الروح، إذ لا يلوي على شيء بين حقويه، ولو ادعى من باب التنفيس عن كربته أنه يسلم للأبد، ويفوض للأزل، لكنه سرعان ما يغتص بجرعة الألم المضني، فينتفض، ويثور، ويصخب، ويسب، ويلعن، ويشتم، ويسخر، ويهمز، إذ حين يصعق بضغطة الواقع الذي يصطدم بقوانينه الصلدة، ويلمس أثر الفقر فيما يناله من وساخة سريره، وحقارة سبيله، فلا محالة، سينجر إلى الإنكار على من سيره قابلا للمرض، ونازفا بالجهل، وذاهلا بالفقر. وهنا، يطير فرخ المطلقات من بين أفنان عقله، ويفقس من بيضة قعره ثعبان ماكر، يمتص دماء كيانه بأسمال الطهرانية، وإن كان في لمسته الملتبسة بالحنان أقسى من نفثة شيطان كاسر. تلك هي الحقيقة التي يجب أن يفهمها من يطالب بالنقاب، أو بالتعدد، أو يبدع الاحتفال بميلاد الأنبياء، أو يهدم القبور، أو يطمس معالم ما فقدت ملامحه الطافحة بالذكريات التليدة، ولكنه بقي وإلى يومنا هذا مرفأ مريح الجناب، يستظل بشجرته اليابسة كل من أراد أن يشعر بأنه كان موجودا في هذا المكان بعشق اللغة، والفنون، والأدب، والفلسفة، وبين هذه الأفياء التي فقدت لونها، وصفتها، وطعمها، وصارت خالية من المعنى، والجدوى، إذ في استعادة الذكرى، ينسى ما في الزمان من شكوى، وما في المكان من بلوى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد