الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تزخرف النجوم زرقة ليل بضيائها، فماذا حين يضئ الكون في قلب إنسان؟

دعد دريد ثابت

2018 / 1 / 12
الادب والفن


كولومبيا، بلد عريقة بكل نقائض أرض خُلقت في لب صميم سكون الكون. فهي ومنذ التاريخ الأول، ارض حضارة وعطاء بقدر ماتحتاج ، قسوة وفقر بقدر أكثر مما تحتاج.
وللوهلة الأولى، تغيب عن الناظر هذه الملامح الصغيرة، المنمنمة والتي تعطي للقالب النهائي خصوصيته المجردة والتي تميز البشر عن بعضهم. خصوصية تفرق الشعوب ومايدفعها للوصول الى غاية معينة.
ماهو هذا الشئ الذي يحث البشر في إختياراتها؟ هناك من يملك ولايعطي، وهناك وإن لم يملك مادة يقدمها، فيحتضن ليواسي متألماً، لتكفيه إبتسامة رضاه.
ومن هذه النجوم التي تسطع وتشع قلباً، لويس المكتبجي. يقول لويس: " إن لم يستطع الأطفال الوصول للكتب، تصل الكتب اليهم" .
يستيقظ صباح كل يوم في الساعة الثالثة، وواسطة نقله الحمار. لاتوقف عزيمته المخاطر التي قد تتأتي جراء تقلبات المناخ كالسيول، ولابعد الطريق ووعورته وخطورته من الثعابين السامة مابين الجبال والأدغال. ولا حين يسقط حماره العزيز عليه، كما حدث له مرتين لتنكسر ساقه، ويضطر لبترها ووضع ساق إصطناعية.
فهو يجوب القرى النائية محملاً بالأمل والكتب. الفرحة التي يراها في عيون الصغار هي غايته. سعادته في أن يتذكر الأطفال مجيئه لهم وكشف عوالم جديدة في بواطن وعيهم الصغير الشفاف، هي ثمن هذا التعب المكلل بحبات عرق التي هي أغلى من ذهب المايا التي أعمت الإسبان حين أقتحموا هذه القارة.
يرافقه حماره الرفيق الواعي لمهمته بكل صبر ومحبة وتؤدة، حاملاً على ظهره قصص وحكايا مطبوعة في ذاكرة الورق وأخرى في ذاكرة لويس وذاكرته. ملونة جميلة ومحفوفة بالأخطار كالعالم من حولهم. بعض هذه القرى لاتملك حتى مدارس، ولم يرى أطفالها في يوم كتاب. وبعضها الآخر وإن كانت تملك مدارس، فليس لديهم مكتبة، ولايستطيع الأهالي توفير الكتب لصغارهم. فهم ملزمون بشراء متطلبات المدرسة من ملابس ومستلزمات التعليم.
وحين يصل لهم لويس مع حماره الملون بالكتب، ينادي الصغار، ليتحلقوا حوله، فيباشرون بسرعة وايادي صغيرة متلهفة بإنزال الكتب، وهم غير مصدقين لهذا العالم الذي كان قبل لحظات بسيطة غير مرئياً، وبحركة عصا سحرية، أصبح ناطقاً مليئاً برقص مفرداته وموسيقاه، التي يعزفها لهم لويس، بالرغم من تعبه ليقص لهم إحدى الحكايا. يتحلقون حوله. بعضهم ينظر له صامتاً خاشعاً من الرهبة، والأصغر، محتضناً له. فكتفيه هما أعمدة السماء، فكيف لايشعرون بالأمان وهم يحتضنون هذه السماء الوادعة الحنينة؟
ويبقى معهم مايسمح له الوقت، ربما ساعتين أو أكثر، لكن هناك صغار آخرين ينتظرونه، وعليه سباق الزمن، فأطفاله يكبرون بسرعة، وهناك الكثير منهم، قبل أن يكبروا وينسوا أنهم كانوا أطفالاً يوما ما لم يتعلموا رقص الكلمات.
وبعد يوم حافل يعود لويس ليلاً لزوجته الحبيبة صاحبة المطعم البسيط المتواضع. فيحتضن ويقبل بشوق أجمل إمرأة في العالم، التي تفرح لملقاه سالماً آمناً بعد كل مغامرة ورحلة ويطمئن قلبها في إحتضان لؤلؤتها بداخلها.
ويضحك لويس من أعماق كونه المشع، ويقول: قد استيقظت في الثالثة صباحاً، والآن في العاشرة مساءاً، قد أزفت شمس الصباح لينام نجمي قليلاً، وغداً لنا موعدُ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص