الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقت ضائع و تركيب الاحداث على نص العرض

ظفار احمد المفرجي

2018 / 1 / 13
الادب والفن


تأليف و اخراج : تحرير الأسدي
تمثيل : اسيا كمال - رائد محسن - محمد بدر
عرضت على خشبة المسرح الوطني يوم 29 / 3 / 2017 والايام التالية الساعة 6 مساءاً في بغداد
و على مسرح هاني صنوبر في المركز الثقافي الملكي ضمن مهرجان الأردن المسرحي بدورته الرابعة والعشرين يوم 18 / 11 / 2017 في عمان
يبدأ العرض على عالمين لا بناء فيهما الا موسيقى ترقب و بقع ضوء . شخصيتان تنامان في منطقة / ايقاع صفر غير معرفة و ثالث يتأمل التفاح على الأرض في منطقته . الشخوص في مناطقهما تتأثران بالمساحة و الظروف و هذا يدل انهما ستتأثران طرديا بهذه الظروف ( الموسيقى و الإضاءة و الحوار و التقنيات الخ ) .
على السايكلوراما ( ) و الحدث صور حية تنعكس من كاميرات مراقبة ( ) تراقب الشخصيتين النائمتين على المسرح . و المراقبة هنا تجعلهما شخصيتين ضعيفة و مسلوبة فاقدة لحريتها منذ البداية .
يدلنا الحوار على انهما طردا من نعيم السكن في ( شقة ) في الأعلى و هبطا الى ( الشارع ) في الأسفل بسبب خطيئتهما بفتح باب حذرهما مالك المنزل من فتحه ، و الغريب انهما يتذكران كل التفاصيل السابقة الا علاقتهما الشخصية كزوج و زوجة .. ثم ، يتذكران اخيرا .
و على الأرض قطع من التفاح مختلفة الأحجام اكبرها بحجم كرسي صغير و اصغرها بحجم كرة التنس نشرت على المسرح بطريقة مقصودة ، و اسند شكلها الغير مرئي في الظلام بقع من الإضاءة شكلت خطوط من الضوء تنير قطع التفاح تتقاطع لتصنع منطقة كثافة ضوئية في الوسط .
و التفاح كما نعلم هو رمز الخطيئة البشرية الأولى في ( قصة الخليقة ) ( ) عندما اخذت حواء التفاحة رغم تحذير الخالق لهما ( حواء ) و زوجها ( ادم ) بأن لا يقربا شجرة التفاح ، و هكذا فحصولهما على التفاح هو خطيئتهما التي حرمتهما من الجنة و انزلتهما الى الأرض و يمكن ان نربط الأن ما بين الجنة كونها سكن الأنسان الأول و هي في الأعلى و الأرض كونها السكن الحالي للإنسان و هي في الأسفل ، و تتفق كل الأديان السماوية على هذه القصة كما تتفق عقائد لشعوب كثيرة في الشرق الأوسط و الشرق مع هذه القصة و عليه فأن التفاح = الخطيئة = احجامها المتنوعة = كل الخطايا البشرية بأنواعها و احجامها ، التي دمرت البشرية و يدفع الأنسان ثمنها و يمتلئ التاريخ العراقي بالعديد من الأخطاء البشرية المتلاحقة ، كما توحي خطوط الإضاءة بخطوط الاتجاهات و الهيمنة على الاتجاهات ، او غير ذلك .
و رغم ان القصة ينقصها شخصية رابعة حسب ( قصة الخليقة ) و هي شخصية الشيطان ، الا ان العرض لا يناقش هذا المفصل الذي يبرأ الأنسان و لا يتهمه بل يغطي تداعيات يوميات عادية بين زوج و زوجته تتسع لتشمل قضايا شمولية و قدرية و اجتماعية عامة تسقط على التجربة الإنسانية بموجب مداخل التشابه ما بين نتائج افعال الإنسانية و حياة الشخصيات اليومية الإنسانية التي يتلبسون مبادئها مثل ادم و حواء في الميثولوجيا ( ) الإنسانية و اي زوجين في الحياة اليومية المعتادة لنخرج بالحصيلة النهائية ، العرض .
و تضمنت الحوارات اليومية هذه معنى و اشارة الى الخذلان ، وفيها تبدو الشخصيات حائرة ما بين اليأس و استمرار و استبدال هذه الحياة المخيبة و لا امل لها في مستقبل منظور ، و عن هذه الدورات من الصدمات التي تحصل عليها الأنسان على هذه الأرض فالنهايات منذ فجر التاريخ كانت دموية و جارفة و مدمرة ، و كان هذا نصيب مدن و دول و امارات و ممالك كثيرة قامت على الأرض العراقية ثم اندثرت و لم يعد لها اثر ، و الأنسان يحتار امام هذه الدورات من الموت و العودة الى الحياة ( قديما بفعل سيطرة الخيال و الوثنية ) ، و اللا عودة اليوم بعد ان سيطر الواقع و عرفنا ( الله ) ، فـالعراقيين مارسوا هذه العملية طقسا في اسطورة موت ( تموز ) ( ) و انقطاع نسل الأرض و نزول ( عشتار) ( ) الى العالم السفلي خلفه و عودتهما بقدرات المطلق المعروف حينها و تعاد هذه القصة كل سنة . و دورات الألم و الفرح هذه خذلت سكان هذه الأرض ، فالأموات لا يعودون اليوم ، لأن المطلق الذي نعرفه لا يعيد الأحياء ، و هكذا من هذا كله تتواصل الشخصيات على اساس من اليأس و الخذلان .
ان الحوار في هذه اليوميات ينبهنا الى وجود فهم عميق لحاجة المتلقي الى المعنى بسبب من تسلسل الحوار ، اولا عن سبب وجودهم في هذا المكان ، ثم من هم ( الهوية ) ثم معنى وجودهم و الى اين يذهبون .
و المقصود ان المؤلف وضع الأفكار في تسلسل للمعنى منطقي على مخطط اولي ثم قام بتأليف النص عن طريق الحاجة الى الحوار و تقديم و تأخير الحدث و الحوار حسب المعنى و الجمالية . كما ان النص لم يكن نصا لمؤلف بقدر كتابته المباشرة للعرض فكان نص المخرج هو نص المؤلف . و قد يكون طور اثناء التمارين .
حاول النص الإجابة على : -
1- اسئلة وجودية عميقة حول اصل الأنسان ، الأسئلة التي ردت عليها الأديان و لا زال الأنسان يشكك فيها حتى اليوم
2- اسئلة وجودية مماثلة حول المستقبل المظلم و الغير معلوم
و لم يجد لها حلا ، الأمر الذي افضى الى الشعور باللا جدوى و التيه في الدوران حول المشكلة ، التي بحثا عن حل لها و الخيارات هي اما الثورة على هذا الإحساس ، او الهرب .
فالرجل النموذج يعاني من الحيرة في كيفية مواجهة المستقبل بعد ماضي ملي بالأخطاء و الدليل اعتبارهما ولادة ابنهما مشكلة و عدم قدرتهم على حلها فلا هو يريده ان يولد كي لا يعيش اياما كتلك التي عاشها في الماضي و لا هي تتفهمه لأنها كأي امرأة لا تفصل حب ابنها عن حبها و ما دام لا يحب ابنها فهو في صميمه ايضا لا يحبها و بهذا نفهم انهما لا يملكان اي تصور عن المستقبل و لا يريدان ان يلتزمان لأن الخطيئة تلازمهما و لا تفارقهما كالنحس
انهما يتنصلان من مسؤولياتهما و يرمياها على بعضهما ثم على الأخرين و اخيرا الى كل شيء و الى مالك الشقة = مالك الجنة = المطلق ، و السبب ان الأخطاء صارت كارثية اكبر من قدرات الأنسان نفسه ، لكن الأنسان = كل الإنسانية تتناسى انها هي السبب في هذه الكوارث و انهم امتلكوا الفرصة بعدم فتح الباب = عدم اخذ الثمرة من شجرة التفاح و البقاء ببساطة في الجنة ، ان الأنسان يساهم في دماره حتما سواء بالمشاركة في الحروب او الخضوع الى الطاغية او السكوت على الباطل فأن كان جاهلا بما يحدث حوله فلا جناح عليه ، و لكن ان درى بالكارثة و سكت فهو ( شيطان اخرس ) . هنا يجب ان يتخذ الأنسان الموقف قبل ان تحل الكارثة اما بالندم او المضي او الثورة على الخطأ ايضا . و الا فليتحمل وزر خطيئته
ان التلاعب بالقيم على نحو عابث و بالعقائد و الموروثات هو من شيم انسان فقد الأيمان بها و لم يعد يؤمن بالماضي و هو بالتالي لا يحترم واقعه و لا حياته لذا يتحول الى انسان عابث يعلم ان لا وجود حقيقي له بسبب من عدم معنى وجوده .. لذا يهزأ بكل شيء و يغرق في العدم و يبدأ بتدمير القيم و المثل .
ان صفته الرمزية كونه ادم هو اقدم جذر له لكنه صار فيما بعد يحمل صفة اخرى على الأرض و لكنه نسي حياته على الأرض لأنه يكرهها يعني انه يريد نسيانها ، و لم يكن امر نسيانها صدفة ، ربما بفعل صدمة المآسي التي قدمتها له الأرض . مثل فلاح ، و ضابط ثم ( كلكامش) ( ) و هي عشتار و اخرين دون ان يعرفوا من هم فعلا .. لأنهم في الحقيقة كل هذا مجتمع ، انهم في مواجهة الحقيقة ( المآسي من خلفهم و القوة المطلقة من امامهم ) و هم لا يقاتلون كما ( العدو من امامكم و البحر من خلفكم ) بل يفضلون الهرب الى ارض اخرى .
ان الإجابة على اسئلة كهذه يرجعها الكثيرين الى سنوات طويلة من التفكير في الأسئلة نفسها تحت السطوة الخارجية على العقل العراقي ، الحروب الطويلة و القصيرة و المتنوعة بل حالة الحرب الدائمة منذ 37 سنة و اكثر و وسائل الأعلام و التي تحفزك على ضرورة مواجهة الأعداء ، اما الناس فأعدادها تتراجع اما موتا او هجرة او فقد اثرهم ما بين هذا و ذاك ، و هكذا تبرز خيارات الهروب و فقدان الأيمان بأن الغد افضل .
و هنا تبرز فكرة اخرى هي ان الخطأ لا يصدر من الأنسان فقط = اكل التفاحة و عصيان المطلق بل تقدم هذه الفكرة وجود صراع ما بين الأنسان و انسان اخر و احدهما يضع المؤامرة تحت اقدام اخيه في الإنسانية ، فما هي تسمية هذا الأنسان الذي يقع فريسة المؤامرة و يدري انه فريسة ... ثم يهرب .. ما هو الحل ؟ .
و المواجهة هنا يعني ان تواجه وحشا غير مرئي ، كما انني لا ادعي ان المغادرة هي خطأ فكل انسان حر بخياراته ما دمنا نتحدث عن الإنسانية فالحزن على ذلك التاريخ و على الواقع المؤلم و المدن التي اندثرت كلها تندرج تحت عنوان البحث عن الهوية و الذات و الأنا و الجذور ، و مواجهة الواقع المؤلم امام اخبار الماضي العظيم و الذي لم يبق منه سوى الخيال يضع الأنسان في مفارقة الالتباس حول الهوية و الرغبة في تحسين حاضره رغم صدمة الواقع يحارب الخيال رغم ايمانه به بحثا عن الواقع الحلم . ليبقى في هذه الدوامة ما بين الواقع و الخيال دون حل .
و في الحقيقة ان هذا الخطأ بشري و لا دخل للخالق به لأنه صراع بشري و المطلق الذي تسكن صورته عقل الأنسان و لم يره ، يشرك صورته الأنسان في تداعياته مع نفسه التي تبرر له الأيمان بالخالق على طريقته الخاصة او العكس ، و الوعي بهذا يمنح المرء القدرة على تداول هذه الأفكار بوصفها في الدين من المحرمات كأنها ادوات عادية يبرر لنفسه تداولها ، و لكنها في الحقيقة تقع على اول طريق ملتبس لأن الصراع كما اسلفت بشري خالص و تراه و تلمسه بل يفسره البشر من المتدينين دون ان يتفهموا وجهة الالتباس كما يبقى هذا الأمر يحتاج الى جرأة كبيرة في الطرح نظرا لحساسية تداول الأمور المرتبطة بالدين في واقعنا العراقي و العربي . و طبعا كل المتدينين سيتفقون ان السبب هم السكان و ليس صاحب ( الشقة ) او المالك . بينما سيخبرك المتشككين بالعكس .
و قد استخدم العرض الحوار الشعبي الدارج الذي يهدف الى النزول الى المستوى الشعبي و الغاية هي تطويق المشكلة بدقة و محاكاة اكبر قدر ممكن من الناس و التفاعل مع المتلقي الذي يجد صعوبة في التعامل مع الأفكار المتعالية الموجهة الى الخاصة ، و كسب دوام التلقي في المسرح ، و منافسة المسرح الكوميدي الذي لم يعد يناسب اذواق افراد العائلة ، و صار على اهل الشأن مواجهة هذه المشكلة .
و كان انزال المتعالي الى الشعبي قد جاء عن طريق ( اختيار جانب من التاريخ و الميثولوجيا السومرية ) و السخرية من طريقة لفظها مثل : -
1- لفظ الاسم بطريقة مضحكة ( ثور السماء خمبابا ) ( )
2- ان يكون هو ( كلكامش) الجبار ( نصف الأله ) و هي ( الألهة ) عشتار خارقة الجمال يتحدثان بلهجة شعبية
3- ان ( كلكامش ) في الحصن البابلي يبحث عن بيت للإيجار
كما تضمن العرض الأعمال التقنية الأتية : -
1- نظام المراقبة بالكاميرات ( و يعني بالمراقبة و التجسس فقط )
2- بث نظام المراقبة بالكاميرات على نحو مباشر و عكسه على الخلفية ( و يعني بكشف وفضح هذه المراقبة )
3- تحريك حقائب السفر لوحدها عبر التحكم اللاسلكي او الميكانيكي ( لست متأكدا ) ( و هو فعل مبالغة ، يعني ان الحقائب نفسها تريد الرحيل )
و اعتقد ان الغناء الذي تمارسه الشخصية المفردة ( يا حبيبي ) بهذه الطريقة الباردة و تكرار نفس المفردة يشير الى العبث و اللا معنى و اللعب او امتاع الذات على حساب المعنى العام = الأخرين ، و يأتي هذا من عدم الاهتمام للأخرين .
ان استغلال فكرة اللعب لتضمين الأفكار قدم حدثا تميز بالأيقاع السريع و المعلومات الوفيرة المتلاحقة التي اغنت التلقي و سمحت بحدوث المتعة في التلقي فوضع اطارا من لعبة الشطرنج و تحويل التفاح كأدوات متيسرة الى بيادق شطرنج ادخلت المتلقي في اللعبة و ساهم في اغناء الفكرة و ايصال المعنى ، خصوصا المعنى الذي يصرح به العنوان ( الوقت الضائع ) حول الزمن الذي شغلته الحروب و افكار الحاكم الذي دمر العراق و هكذا لم يتبق وقت للبناء و التربية و التطور و كل الأفعال الصالحة و صارت تلك الأوقات الأخرى وقتا ضائعا
و قد تضمن نص العرض الألعاب الأتية : -
1- رمي التفاح ككرات يتلاقفها الممثلين
2- لعبة الشطرنج بوصفها منظومة بناء
3- الغناء
4- التصوير التقني و الفرجة ( التفرج )
و قد عبر المخرج عن فعل المراقبة الدائمة التي يمارسها الخالق كونه حاضر و لا يغفل عليه شيء بواسطة اثبات مراقبته لنا جميعا ( البشرية جمعاء ) عبر فعل تقني مثير لصق بالعرض من خارجه و هو ( نظام كاميرات المراقبة + data show ( ) = انعكاس الصورة على السايكلوراما = مصدر التصوير ( كاميرا من الأعلى ) و لأن الحاجة البشرية عادة ما توظف الكاميرات على المداخل و زوايا الكشف و السطوح للمراقبة ، فأننا نلاحظ ان المراقبة من السقف او السماء لا تخضع الى الحاجة البشرية ، و هذا يعني انها ما فوق بشرية بل هي مطلقة . و السؤال هنا ما دام المطلق يراقب و يمكنه الحساب فورا بإخراج ادم و حواء من الجنة لارتكابهما الخطيئة ، فلماذا يسكت على الكوارث هو الذي يمارس المراقبة دائما عليها ؟ عبر معاقبة الظالم فورا . و لماذا نقرأ عن هذا الفعل في الكتب السماوية و التي تؤرخ للدين فقط ؟ . و هو المنطوق الذي صرح به العرض رغم حساسيته .
ان استخدام المخرج لمفردات من خارج السياق هي كاميرات المراقبة و انعكاسها على السايكلوراما مع العاب مسرحية متداخلة و حوارات مرتبطة ، كلها امور سمحت للأخراج بأن يتصف بالترتيب و التسلسل المنطقي للأفكار و السبب انها نفذت بالتركيب اصلا ، لكن النص برر وجودها ، و هو الأمر الذي ينبهنا بأن استخدامها كتب مع اول كلمات النص او قبله . الا انها لم تكن لعبة عرض بل العاب داخل عرض . على عكس مسرحيته ( المقهى ) ( ) ( الأكثر تميزا حسب رأيي ) لأنها احتوت على لعبة عرض شاملة هي السكك الحديدية التي تتحرك عليها الأرائك لتحقيق مشاهد داخل المقهى لا يمكن تحقيقها على المسرح الا بلعبة سينوغرافيا مسرحية . و قد حققت حينها نسقا ايقاعيا افتقدناه في ( وقت ضائع ) و ان تلمسنا جزء منه بسبب ميل تحرير الأسدي الى صناعة لعبة داخل العرض ( اللعب بالتفاح + توظيف السايكلوراما لعرض كاميرات المراقبة ) ، كما كان لنسق حركة الممثل على المسرح اثرا في التوظيف الإيقاعي بين خطوط متعامدة ثابتة تتحرك عليها القطع و الشخصيات في المقهى ( بنسق ثابت و خطوط متعامدة ) و بين خطوط متقاطعة و مختلفة الأيقاع ما ولد تشتتا احيانا في التركيز في وقت ضائع يقابله تركيز اكثر في المقهى . و هو الأمر الذي يذكرنا بأن التكثيف و الاختزال و التقليل من المكونات على خط الزمن يزيد التركيز عند التلقي
و بهذا فأن العنوان كما هو واضح يعني بمحصلة باقي الزمن و الفرز ما بين الوقت الضائع و الوقت الأصلي و يشير العرض الى ان الوقت الضائع دمر الأنسان و العراق معا و تلك هي ( الحروب + الدمار الكامل الاجتماعي و الثقافي و ( ما يعادل البنى التحتية و الفوقية )
ان اعتماد العرض على ممثلين محترفين كبار هما ( اسيا كمال) ( ) و( رائد محسن) ( ) و كلاهما يمتلكان حد عالي من المقبولية و التقدير بسبب من حسن أداءهما و تاريخهما المميز ، وضع اساسا متينا للتلقي فمواجهة ممثلين من هذا النوع جعل المتلقي يفكر بأمرين معا لا يمكن تجزئتهما الأول ان المتلقي سيتابع العرض انطلاقا من تاريخهما اعجابا به ، و الثاني قدراتهما الفعلية اصلا ، ما ساعد العرض كثيرا . الأمر الذي ينبهنا الى اهمية اختيار الممثل استنادا الى اعتبارات متنوعة .
فأسيا كمال تمتلك تاريخا متواصلا من المشاركات على المسرح ( و هي ليست نجمة تلفزيون فقط ) لأنها لمعت في المسرح اولا ، هي تمتلك المطاولة و القدرة على توزيع جهدها على المسرح و البناء الارتجالي الإيقاعي الذكي الناتج عن الخبرة و الموهبة معا ما يجعلها قادرة على انتاج مشهد متواصل مع من يقابلها على المسرح و على نحو مشدود . ان مشاعرها المتأججة توحي برسالة صوتية حسية لديها كنبرة صوت بأن الشخصية تحمل الما مكبوتا ، و هي تنطقه على نحو طبيعي واقعي غير ممتد صوتيا بغرابة ( الألم من الحوار الواقعي المعتاد ) الأمر الذي يميز شخصياتها دائما .
و يمكن القول ان رائد محسن و هو واحد من اكثر الممثلين خبرة على الساحة الفنية اليوم و لا اقول هذا بسبب العمر و التجربة الممتدة فقط بل بسبب نوعها فمن مسرحية ( انا لمن وضد من ) مع المبدع الأكبر المخرج ( قاسم محمد) ( ) الى رائعة العبقري المخرج ( عوني كرومي) ( ) مسرحية ( الأنسان الطيب ) الى واحد من اجمل عروضه في السنوات الأخيرة مع المبدع المخرج مهند هادي ( ) و مسرحيته ( حظر تجوال ) فهو دائما ما يترك بصمة بقدرته على اثارة السخرية و التساؤل المثير للضحك من البساطة شأنه شأن الهداف من انصاف الفرص في كرة القدم .
و وجود الممثلين كما اسلفت سجل حضورا للعرض قبل عرضه ( على الأقل في عرضه في بغداد ) ، ان توظيف كبار الممثلين في عروض لمخرجين ليسوا من نفس الجيل بل شبابا هو امر يتيح التواصل ما بين الأجيال على المسرح ، و ينتج ثقلا اكبر للعرض ساعة عرضه ، كما انه يسمح بصناعة اجيال جديدة من المبدعين على المسرح .
اما الممثل( محمد بدر ) ( ) و الذي رافق تحرير الأسدي في اغلب عروضه فقد امتلك حضور الشخصية الصامتة بسبب من عزله من المخرج داخل الفعل لوحده ووضعه في ميزان واحد مع ممثلين بقيمة ( اسيا كمال و رائد محسن ) ، ما قدمه على نحو يوازيهما و يمكن القول انه قدم شخصيته على نحو ممتاز رغم قناعتي الشخصية بضرورة ان تمتلك تلك الشخصية حجما اكبر .
و من الواضح ان ( تحرير الأسدي ) ( ) دائما ما يصنع تكوينا اساسيا اوليا تتركب عليها لعبته ثم ( مسرحيته ) ثم يصوغ ما تبقى من مفهومه فالحوار و هو اسلوب كتابه العرض لديه ايضا ، ما يجعله يمتاز بالعمل على مفهوم ( تركيبي ما بعد حداثي ) و لا يعمل على قصة متكاملة + قدرته على صناعة اللعبة المسرحية سواء لعبة العرض او اللعبة داخل العرض ، و هو بهذا يعد اقرب الى توظيف الأداء في المسرح لا الى توظيف الأدوات المسرحية المعتادة .
و هو مخرج شاب تمكن خلال فترة قصيرة من التطور و تمثيل العراق في مهرجانات متعددة كان اهمها عرض مسرحيته المقهى في مهرجان المسرح العربي ، و مشاركة مسرحيته الأخيرة ( وقت ضائع ) في مهرجان المسرح الأردني .
اخيرا يذهب العرض الى تأكيد ما ذهبت اليه في وضعه الحل لهذه المشكلة لأن الرجل يقرر المغادرة او الهرب ، و لست في محل لتقييم قراره ، سواء هرب ام غادر ، الا اننا جميعا نتفق انه هرب على الأقل من مسؤوليته تجاه ابنه و مستقبله و حاضره المتمثل بالزوجة ، و لكنه يغادر بحثا عن ذاكرة بيضاء و من اجل ان ينسى كل الماضي المؤسف المليء بالمآسي ، اما زوجته فتتجه الى مكان مجهول لتلد و تضع المستقبل كله على كف عفريت .. و اخيرا تسقط كمية من التفاح ( خطايا جديدة ) من الأعلى اي كما في القصص .. و نقول تستمر الخطايا
و اخيرا فأن العرض يحول الحياة اليومية الى وثيقة ( دليل ) عبر كاميرات المراقبة الذي يثبت حدوث هذا الملل و الدوران و الأحباط و اللاجدوى منذ فجر التاريخ ( الدوران العبثي للتاريخ ) و هو فهم يربط بهذه الطريقة ما بين الوثائقية و فهم عبثي لنموذج حياة ينبغي مغادرته ، و العرض يكسر هذه العبثية بحل و هو ( مغادرة حالة اللاجدوى ) الى ( حالة اكثر جدوى ) ، اي كسر حالة الدوران الحاصلة ، و هكذا نحصل على نموذج وثائقي مختلف عبر تدعيمه بأدلة ادائية شكلها عبثي و تنطلق من الأحباط و المأسي و الشعور باللاجدوى الى حالة لها حل تتفق مع الفهم الوثائقي للمسرح . كما ان الأمثلة الطويلة عن كلكامش و المدن المندثرة و حياته الشخصية بالأدلة الحروب و التاريخ نفسه ، هي وثائق ايضا و ان اتخذت شكل الحوار ، و بهذا نكون خلصنا الى رؤية غير متشائمة عبر بحث هذا التشاؤم على نحو شمولي . اذن وقت ضائع هو عرض مسرحي وثائقي = عرض ما بعد حداثي ( بسبب من لصق الأفلام و الصور ) + التفاح كقطع غير مألوفة .
المؤشرات
1- استخدم العرض الحوار الشعبي الدارج الذي يهدف الى النزول الى المستوى الشعبي و الغاية هي تطويق المشكلة بدقة و محاكاة اكبر قدر ممكن من الناس و التفاعل مع المتلقي الذي يجد صعوبة في التعامل مع الأفكار المتعالية الموجهة الى الخاصة .
2- استغلال فكرة اللعب لتضمين الأفكار قدم حدثا تميز بالأيقاع السريع
3- استخدم العرض فعل تقني هو ( نظام كاميرات المراقبة + data show
4- التكثيف و الاختزال و التقليل من المكونات على خط الزمن يزيد التركيز عند التلقي
5- اهمية اختيار نوع الممثل استنادا الى اعتبارات وظيفية متنوعة .
6- ، ان توظيف كبار الممثلين في عروض لمخرجين ليسوا من نفس الجيل بل شبابا هو امر يتيح التواصل ما بين الأجيال على المسرح ، و يسمح بصناعة اجيال جديدة من المبدعين على المسرح .
7- ان ( تحرير الأسدي ) دائما ما يصنع تكوينا اساسيا اوليا تتركب عليها لعبته ( مسرحيته ) ثم يصوغ ما تبقى من مفهومه فالحوار و هو اسلوب كتابه العرض لديه ايضا ، ما يجعله يمتاز بالعمل على مفهوم ( تركيبي ما بعد حداثي ) و لا يعمل على قصة متكاملة + قدرته على صناعة اللعبة المسرحية سواء لعبة العرض او اللعبة داخل العرض ، و هو بهذا يعد اقرب الى توظيف الأداء في المسرح لا الى توظيف الأدوات المسرحية المعتادة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما