الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نبني مجتمع قادر على التحول والتجديد؟

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 1 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كيف نبني مجتمع قادر على التحول والتجديد؟


إشكالية بناء مجتمعاتنا التي غرقت تماما في الماضوية وعدم القدرة على النفاذ للمعاصرة والتحديث هي نتيجة طبيعة البناء الأجتماعي المأزوم بين قضية الحتمية التأريخية على الأنتقال بالواقع من واقعة، وعدم وجود رؤية قابلة للتطبيق والتجسيد تمكن هذه المجتمعات فعلا من التحرك للمستقبل بها، ليس لأننا لا ندرك الحاجة إلى ذلك ولكن يعزو السبب فيه إلى هيمنة القوى المحافظة وتحت شعارات وعناوين تجعل من الإنسان الفرد متردد بين خوض غمار التجربة أو البقاء لأنتظار عما سيكون عليه من نتيجة الصراع بين القوى الأجتماعية الفاعلة، وبالرغم من توفر الكثير من النظريات والأسس الفكرية التي مثلت تجربة إنسانية مجردة يمكنها بالفعل أن تساهم ببلورة هذا التحول وتساعد على النهوض بالمهمة، إلا أن العوامل الموضوعي تشير إلى عدم وجود أي رغبة جدية ذاتية في التجريب أو العمل على تجاوز إشكالية ما يمكن أو ما يجب أن يكون.
إذا العملية التحديثية التي يقودها الفكر تدفعها مخاوف سايكلوجية بالدرجة الأولى وقوة الفاعل المحافظ على البقاء في دائرة الأزمة، لقد أستغلت تلك القوى هاجس المساس بالهوية الشخصية للمجتمع وما يتصل بها من إيمان غالبية أفراد المجتمع والحرص فيها على عدم الخروج مما يسمى مثلا ثوابت الإيمان والأعتزاز بالقيم الرأسية التي تهمين على العقل البشريو الأعتقاد أن الإنسلاخ عنها يعني التفريط الكامل بالمنجز التأريخي مع أنه موهوم غالبا، ساهمت بشكل حاد وفاعل في عدم الرغبة في التغيير مهما كانت نتائجة واضحة ومطلوبة وضرورية، لذا فالمؤسسات الأجتماعية التي يمكنها أن تفعل ذلك في مواجهة حقيقية ليس مع التخلف كظاهرة وإنما من دوافع تلك الظاهرة وأساسياتها.
لا بد لنا أن نبدا في المحاولة من خلال أعادة هيكلة الواقع (أفكار وممارسات وتنظيم) لتنشيط العوامل المحفزة قبل أن يصبح هدف التجديد والتغيير والتحول ممكنا، وبدون ذلك تبقى كل المحاولات عقيمة وغير ذات أهمية لأنها تبقينا في دائرة التنظير الخالي من منهج عملي ممكن وقادر على الولوج للمستقبل، يبدا العمل النقدي التنظيري والعملي مرهون بقدرتنا على ترتيب الأولويات وتحسين فرص النجاح ومن ثم السعي لأعادة بناء المجتمع بشبكة من الفعل التفصيلي البنيوي الذي يسمح للأفكار أن تنتقل من العقل للواقع، فكل التجارب الإنسانية لم تبنى على تراكم الأخطاء الأجتماعية ولم تتطور مع بقاء عومل التخلف، بل بدأت بهدمها أولا طالما أنها لا تصلح ولا تقبل فكرة التغيير، الدين والعادات الأجتماعية ومبادء الأخلاق والمثل كلها يمكن أن تتحرك للأمام بالنقد الموضوعي وليس بالرفض التام لها أو التمسك التام بها دون الفحص والتقدير ثم التقرير المبني على ما يمكن وما لا يمكن.
السؤال المطروح من يمكنه أن يفعل ذلك في ظل هيمنة القوى المحافظة وسطوة الأفكار التقليدية التي تتزاحم مع كل تنظير حداثي أو تجديد فكري؟ هنا لا بد أن نشير أن هناك ما يمكن أن يساهم بقدر ما في هذه المحاولة وهو العقل كمصدر للأفكار الجديدة والزمن الذي لا ينفك على الحث والدفع بالعملية إلى أمام، من هنا يمكن للنخب الفكرية أن لاتكتفي بالتنظير الفوقي المتعالي عن المجتمع والذي لا ينزل له أو يحاول أن يتغير هو أولا لتجسيد النموذج على الأرض، ومن ثم فإن عملية زرع الأفكار فيه لا يمكن أن تخرج بلا نتائج تتوالي وتتسارع في أنتشارها حينما تكون فعلا قادرة على كشف زيف وأنحراف الواقع مستعينة بعالم الزمن والتجربة الإنسانية الأخرى التي نجحت في نقل مجتمعاتها من واقع إلى أخر.
قد يرى البعض أن التعويل على الفكر والشعور الذاتي بالحاجة للتطور والتحديث مجرد أحلام وواقع لا يمكن الوصول له بسهولة خاصة مع قوة التيارات التقليدية والمحافظة وعدم إمكانية مزاحمتها على الشارع الأجتماعي، يبدو هذا الطرح يملك شيئا من الواقعية والقبول عند الكثيرين، ولكن الإصرار والعمل ضمن إمكانيات المراهنة على عنصري الشباب والرافضين لتلك القوى بطرح البديل المؤمن بالمواطنة أولا وبحتمية التغيير مع تراخي وتشظي القوى التقليدية وأزمتها المتفاقمة يمكن لنا أن نصنع تيارا وطنيا حداثويا يتحرك بقوة وبقناعات راسخه نحو الهدف، أيضا لا ننسى أن الواقع الدولي وتطور وسائل الأتصال والمعرفة وحتميات هزيمة المشروع الراهن لا بد أن تنتج الدافع الحقيقي للتغيير.
التغيير الحقيقي والتجربة الأجتماعية في الأنتقال للمستقبل ليس فقط إرادة وتحدي بل هي بالغالب فعل حضاري متكامل وقدرة على المقاومة، وهذا ما يمثل الجانب الإيجابي من عملية الأنتقال نحو الغد، أما التنظير ومهما أمتلك من أسس فكرية حقيقية وصحيحة لا يمكنه أن يتجاوز أزمة المجتمع ولن ولم ينجح ما لم يمتلك مشروعا قابلا للتنفيذ مراعيا الوسائل والطرق العملية لتجسيد الفكر وتحويله لخطة عمل، هنا يكون دور المثقف والنخبوي وخطورة المسؤولية الملقاة على عاتقه، إذا نحن نشير من جهة أخرى إلى دور العنصر البشري الإيجابي إلى دور النجف الثقافية والحضارية كي تمسك بمقود التغيير وبقوة، لا أن نترك الساحة فقط للعوامل الثانوية في مراهنة غير ناجحة وقد تساهم في تأصيل التخلف وتجذيره لأننا تخلينا عن المهة الأساس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية