الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع طبقي ام صراع اجتماعي ( 1 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



هل تصلح مقولة الصراع الطبقي للتطبيق على الوضع الاجتماعي بالمغرب ؟
ثم هل من تشابه بين البنيات الاجتماعية ، والاقتصادية ، والثقافية ، والإيديولوجية الغربية ، ونظيراتها المغربية التي يسيطر عليها التقليد ، وأنماط وبنيات أركاييكية ، لا علاقة لها بالبنية الغربية ؟
وهل لا تزال مقولة الصراع الطبقي ، تجد لها صدى بالمجتمعات الغربية ، أمْ أنّ التحول المتحكم فيه اجتماعيا ، افقد الطبقة العاملة الغربية حسها الطبقي وشعورها الثوري ، بعد ان أصبحت مندمجة كليا في النظام الرأسمالي ، وتحولها من طبقة متناقضة رافضة وثورية ، الى مجرد فئات اجتماعية استهلاكية ؟
وبما ان منظري هندسة الصراع الطبقي ينتمون الى الأحزاب الشيوعية والثورية ، والى المنظمات النقابية الجذرية ، من حقنا ان نسأل عن المآل الذي آلت إليه هذه الأحزاب اليوم ، وانعكاس هذا التحول سلبيا على الوضع التنظيمي للنقابات الاجتماعية التي كانت مرتبطة بها ، وهو ما جعل الصراع بالغرب يتحول في مجمله إلى صراع من اجل المنافع ، بعد ان كان صراعا من اجل الطبقة ، للوصول الى نظامها المجسد في دكتاتورية الطبقة ، على باقي الطبقات الأخريات التي تتكون منها المجتمعات الغربية .
فبعد سقطة الاتحاد السوفيتي ، وانهيار دول أوربة الشرقية ، وسقوط جدار برلين ، وتحول الصين الى وحش امبريالي اقتصادي يغزو العالم ، هل لا يزال من يردد اسطوانة الصراع الطبقي ، في وقت اختفت فيه هذه المقولة لصالح التشبث بالنظام الرأسمالي ، وتحول الشعوب الكارهة لوضعها السابق ، إلى حماة لآدام سميت ، ومعاداة ريكاردو .
وبالرجوع الى المغرب ، ونظرا لبنياته المتناقضة التي تسيطر عليها المحافظة الرافضة لكل تحديث او تغيير جذري ، نتساءل عنْ منْ يتحدث عن الصراع الطبقي . هل هم العمال الغير الموجودين أصلا بالتعبير الماركسي للطبقة العاملة ، ام من ينوب عن هؤلاء هم مثقفون ، لكنهم لا يشتغلون بالمطرقة والمنجل ، ويشتغلون بالقلم والأوراق ، وينظرون لطبقة معزولة عنهم ، و تفتقر الى حسها الاجتماعي التمييزي ، الذي يجعل منها مجرد جماعة تساهم من زاويتها ، في الإنتاج ، وليست بطبقة متميزة تخضع لقوانين خاصة بها ، تجعل منها دائما في تناقض مع واقع الحال ورافضة له . وهنا نتساءل . هل يعتبر ثوريا من يندمج حتى النخاع في التقليدانية ، والاركاييكية ، والمحافظة ، ويعتبر ان وضعه ألبئيسْ فرضه الله ، وليس من صنع البشر المسيطر على الخيرات وعلى الثروات ؟
ان الحديث عن الوعي الطبقي يستلزم بالضرورة ، الانطلاق من أرضية وأساس نشأة هذا الوعي ، أي الطبقات الاجتماعية ، بل وصراعها ، ما دام الصراع ملازما للطبقات حيثما وُجدت أولاً ، والوعي هنا والخطاب عنه ، وطيد الارتباط بذات الوعي ، أيْ بالطبقات الاجتماعية التي تبلوره بأشكال وأساليب عدة ثانيا . ولذلك فان دراسة مسألة الوعي الطبقي ، ومعوقات بروزه في المجتمع المغربي المعاصر تفترض ، قبْليا ، تحديد موقع هذا المجتمع من الطبقية ، أي الإجابة عن السؤال التالي : هل المجتمع المغربي المعاصر مقسم إلى طبقات اجتماعية ؟ ثالثا .
ولئن كانت الإجابة عن السؤال الجوهري غاية في التعقيد ، وسيما ان مفهوم الطبقة غالبا ما يستعمل كمسلمة ، ودون ان يحدد بشكل دقيق ، فلا بد من الإشارة إلى أنّ عدة عوامل أصبحت تؤدي بعدد غير قليل من البحثين الماركسيين او غيرهم ، إلى نبذ مفهوم الطبقة الاجتماعية ، ونفي طبقية المجتمع المغربي ، او على الأقل التشكيك فيها باسم بالعلم والموضوعية تارة ، وخصوصية مجتمعنا تارة أخرى .
و لاشك أنّ الأزمة الحادة التي يعيشها اليسار الماركسي اللينيني في بلادنا ، وعجزه سابقا وفي الظرف الراهن ، عن بلورة تحليل طبقي بعيدٍ عن الكليشيهات الدغمائية ، بالإضافة إلى عدم قدرته على فهم واستيعاب طبيعة ووظيفة بعض البنيات الاجتماعية مثل القبيلة ، ومن ثم نفيه لوجودها وفعاليتها من جهة ، وحملات القمع الرهيب التي استهدفت اليسار الجديد ، وما ترتب عنها من رقابة ذاتية يمارسها المثقفون ، لتفادي كل ما من شأنه أنْ يؤدي إلى قمعهم من جهة أخرى .... من العوامل التي تفسر هذه المواقف .
وبالمقابل فان التجزيئية التي تطرح نفسها كتحليل نقيض للتحاليل المادية التاريخية ، وتعطي تحاليل / تفسيرات شمولية للمجتمع المغربي ، قد اكتسحت الساحة الوطنية ، وأصبحت تلقى إقبالا كبيرا من طرف المثقفين الذين انبهروا بمعرفتها الدقيقة ، والجزئية في الواقع ، بطبيعة وآليات السلطة في مجتمعنا ، ولم يعد البعض يشهد إلاّ بما قاله واتيربوري ، وكلينير ، وغيرهما من التجزيئيين . ونعتقد ان قوة وانتشار التجزيئية ، لا يأتي من قدرتها التفسيرية ، ولا ينبع من قيمتها العملية فقط ، بقدرما هو راجع بالدرجة الأولى ، الى عجز الماركسيين والتقدميين عموما ، عن إدراك الطبيعة المعقدة للمجتمع المغربي ، وعن تفكيك آليات بنياته الأساسية .
وبصدد الجواب عن السؤال المطروح ، فان المواقف تتراوح بين النفي القاطع لوجود طبقات اجتماعية في بلادنا ، وبين تأكيد هذا الوجود . ولئن كانت الطبقات السائدة تقر بوجود طبقات اجتماعية ، و فوارق طبقية على صعيد خطابها الإيديولوجي والسياسي ، بعدما كانت تعتبر ان الحديث عن الطبقات الاجتماعية من قبيل الفكر المستورد ، وان " الأمة المغربية " تشكل وحدة متراصة لا فرق بين أفرادها الخ ....، فان الموقف الجديد ، والذي تبلوره الدولة وأجهزتها الرسمية ، والقمعية من حين لآخر ، ليس من قبيل الدماغوجية والخطاب التضليلي فقط ، بل فرضته على الطبقات السائدة ، وعلى دولتها بشكل خاص ، الصراعات الاجتماعية التي تمزق مجتمعنا أولاً ، وتعميق الفوارق الطبقية وانتشار البطالة ، والتشرد والفقر والهامشية ، والفساد ... الخ ، مع كل ما تحمله في ثناياها من خطر على مصالح الطبقات السائدة ، ومن تهديد بانفجارات شعبية اجتماعية على الأبواب ثانيا .
وانّ كون الخطاب الرسمي للدولة ، الذي يؤكد كلما تصاعد هدير الاحتجاج الشعبي ، على الأخطار المحدقة بمصالح كل المستفيدين من الأوضاع القائمة ، ودعوتهم الى " الإحسان " بالفقراء ، والى ضرورة بعض التنازلات الجزئية والثانوية ، لضمان المصالح الأساسية ، وتأييد استغلالهم للجماهير الكادحة . ان هذا الخطاب يضطلع بوظيفة سياسية إيديولوجية مزدوجة ، ما دامت الدولة مكلفة بالسهر على حماية مصالح الطبقات السائدة ، والحيلولة دون الإخلال بالتوازنات الاجتماعية التي تكفل استمرار استغلال الجماهير ، وضمان استمرارية هذه المصالح .لان نهم وشره الطبقات السائدة ، هو من العوامل التي يمكنها ان تهدد هذه التوازنات ، ومن ثم وجب على الدولة العمل على ان لا يتجاوز هذا الشره والنهم بعض الحدود " المعقولة " .
وعلى صعيد آخر ، فان هذا الخطاب يستهدف استيعاب هذا الواقع ، واقع الصراعات الاجتماعية ، إيديولوجيا وسياسيا ، قصد التخفيف من حدتها ، بفعل أنّ الايدولوجيا الماكرة السائدة ، بحكم وظيفتها التضليلية التي تمسخ الواقع الاجتماعي ، وتقولبه فكريا وفق مصالح الطبقة السائدة ، تضطلع بدور أساسي على مستوى كبح نضالات الجماهير وتعتيم وعيها ، أي دفعها في آخر المطاف الى القبول بواقعها وكأنه قدر محتوم .
وليس من الغريب ان يصاحب الإقرار بوجود الطبقات الاجتماعية من طرف الطبقات السائدة ، الدعوة الى " التكافل " واغتناء الفقير دون إفقار الغني ... وهذه الدعوة الصريحة الى التعامل الطبقي ، و " السلم الاجتماعي " لا تلغي ، بل تستلزم تحريك هراوة القمع المباشر ، كلما تجرأت الجماهير على خرق هذا السلم الذي يراد له ان يكون دائما وحيد الجانب .
وإذا كان جون واتربوري في مؤلفه " أمير المؤمنين " يعتبر " ان المغرب بلد تجزيئي بالمعنى الواسع للكلمة ( 12 ) " ، فان تحاليله لمكونات وبنيات المجتمع المغربي ، انطلاقا من علاقات الصراع / التحالف التي تحكم نظام التجزيئيات السائدة في اعتقاده ، فان ذلك لا يتنيه عن الحديث ، وفي نفس الكتاب عن البرجوازية والطبقات الاجتماعية الخ ... بيد ان الاتجاه العام لدى أصحاب النظرية التجزيئية ، هي نفي وجود الطبقات الاجتماعية ، وحتى في حال الإقرار بوجودها ، اعتبارها بنية اجتماعية ليست لها فعالية كبرى في هيكلة المجتمع ، ما دام واقع العلاقات بين التجزيئيات الاجتماعية ، هو الذي يحدد على كل الأصعدة ، أيْ بنية المجتمع ونظامه العام .
ودون الأخذ بالمنهج التجزيئي ، فان بعض الباحثين ( أندري آدم و جاك بيرك ... ) يؤكد على ان المجتمع المغربي ، لم يشهد بعد ، بلورة الطبقات الاجتماعية بشكل يجعلها واضحة الملامح ، ويعتبر أندري آدم ، أن الثنائية ، تطبع كافة مجالات الحياة الاجتماعية ببلادنا ، الى حد أنها تُحدث شروخا عميقة في الطبقات الاجتماعية نفسها ، ولذلك فان التحليل الطبقي أداة غير صالحة ، او على الأقل غير مناسبة لدراسة المجتمع المغربي .
أماّ جاك بيرك ، فيعتقد ان مفهوم الطبقة الاجتماعية الذي تبلور على ضوء دراسة المجتمعات الأوربية ، لا يمكن تطبيقه في إطار مجتمع تقليدي عربي مسلم ، يجتاز مرحلة انتقالية ، دون تكييف ذلك المفهوم مع هذا الواقع الاجتماعي المتميز . بيد أنّ هذا الوقف ، لا يلغي الإقرار بوجود الطبقات الاجتماعية في مجتمعنا بشكل مطلق .
اما بول باسكون ، فيعتبر الطبقات الاجتماعية ، ليست البنية الاجتماعية الوحيدة في المغرب ، فضلا عن كونها لا تشكل المحور الوحيد ، ولا حتى الأساسي ، على كافة الأصعدة التي تهيكل المجتمع المغربي المعاصر . وذلك لأنه بموازاة الطبقات ، تتواجد بنيات اجتماعية أخرى ( القبائل ) لا زال لها تأثير بالغ على بنية وهيكلة المجتمع المغربي ، بل ان فعاليتها تكون اكبر من فعالية الطبقات الاجتماعية في العديد من الحالات ، وخلال بعض المراحل التاريخية . ويشكل هذا الفهم ، منطلق دعوة بول باسكون ، الى المزج بين التحليل الطبقي ، والمنهج التجزيئي ، لاستيعاب واقع المجتمع المغربي بكل تعقيداته .
في حين يقول عبدالكبير الخطيبي من جهته ، انه " ليس من المفيد التساؤل حول وجود او عدم وجود الطبقات الاجتماعية بالمغرب ، بل المهم بالدرجة أولى ليس هو الواقع العيني للطبقات ، وإنما نظام التراتبية وسيره " ، غير ان نظام التراتب نفسه ، لا ينفصل عن موضوع ومكونات هذا التراتب ، اي الطبقات والفئات الاجتماعية ، إلاّ في زاوية منهجية لا بد من تبريرها نظريا .
ويعتبر ( روني گاليسو ) ، ان " التناقضات الداخلية الناتجة عن اللاّمساواة الاجتماعية ، وعن المراتب في السلطة .... يتم إخفاؤها تحت مظاهر التضامن العشائري ... " ، ويضيف انه " مع ذلك ليست هناك طبقات اجتماعية ، ولذلك ينتصر التجزيئيون . ان المشكل المطروح على الماركسيين الذين عليهم ان يفسروا هذه الهيكلة الاسروية ، وهذه العلاقات النزاعية ، على أساس الجماعة ، وليس على أساس التناقضات الطبقية ....ان الأحداث الجماعية تتغلب على الأحداث الطبقية " .
وعلى صعيد هيكلة المجتمع المغربي ، يذهب الى حد القول " إنّ القدرة الوحيدة للهيكلة ، بما فيها الهيكلة الاقتصادية ، هي قدرة الدولة " .
وإذا كان گليسو يسلط نار نقده على التجزيئية واختزاليتها ، فان الماركسية الدغمائية لا تنجو من انتقاداته ، سيما انه يدرك طبيعة وفعالية البنيات الاجتماعية اللاّطبقية ، والتي لازالت تمارس تأثيرها في المجتمعات المغرب --- عربية .
وعلى الطرف المناقض للاتجاه التجزيئي ، يوجد المعسكر الماركسي بكل تلاوينه ، هذا المعسكر الذي يؤكد على انقسام المجتمع الى طبقات اجتماعية . غير ان هذا الاتجاه لا يتميز بالانسجام في طروحاته ، ولا حتى على صعيد مقاييس تحديد الطبقات الاجتماعية . ويبقى هذا الاتجاه ولحد الآن غير قادر على بلورة تحليل طبقي علمي للمجتمع المغربي ، ويكتفي فقط بالتأكيد المبدئي على وجود الطبقات الاجتماعية في بلادنا منذ القدم ، دون تكليف نفسه عناء تأسيس هذا الوجود تارة ، وعلى النقل الميكانيكي لتحاليل طبقية غربية وغريبة عن المجتمع المغربي ، وإسقاطها على الواقع الاجتماعي لبلادنا ، دون أيْ تكييف تارة أخرى ، الأمر الذي سهل ويسهل الزحف التجزيئي ، ويجعل هذا الاتجاه غير قادر على التصدي له ، ويجعله أعزلاً في مواجهة الدعاية الرجعية ، ما دام عاجزا عن تأصيل الماركسية ومغربتها ، بتطبيق المادية التاريخية على واقع اجتماعي تقليداني بشكل خلاق .
ولئن كانت محدودية هذه الملاحظات تفرض عدم الخوض في هذا الموضوع الهام ، فان انطلاقها من التأكيد على انقسام المجتمع المغربي المعاصر الى طبقات اجتماعية ، يستدعي بعض التوضيحات المقتضبة :
1 ) إذا كان القول بانقسام المجتمع المغربي المعاصر الى طبقات اجتماعية متناقضة المصالح ، يقتضي ، في اعتقادنا ، الأخذ بمقاييس مادية ، لتحديد الطبقات الاجتماعية ، فان تبني هذه المقاييس التي تحدد الطبقة الاجتماعية ، والانتماء الطبقي انطلاقا من دور المجموعات البشرية والأفراد في مسلسل الإنتاج الاجتماعي ، لا يعني إغفال الخصوصية المحدودة للطبقات الاجتماعية في مجتمعنا ، ودور مختلف البنيات والهياكل الاجتماعية ، والقوى الاستعمارية الامبريالية ، في بروز هذه الطبقات ، وفي إعادة إنتاجها كذلك .
2 ) من الصعب التغاضي عن العوامل الاقتصادية على صعيد تحديد الطبقات الاجتماعية ، دون السقوط في متاهات المثالية ، بيد انه من الضروري التأكيد على ان هيكلة الطبقات الاجتماعية في مجتمعنا ، لا تخضع حصرا للعامل الاقتصادي ، بل تشكل العوامل الإيديولوجية ، والسياسية ، والثقافية ، والللاّهوتية ، محددات هامة للطبقة الاجتماعية ، وللطبقية في مجتمعنا ، دون ان تبطل مفعول العامل الاقتصادي .
3 ) إذا كانت التمايزات الاجتماعية بما فيها ، تبلور بعض الطبقات الاجتماعية ، البرجوازية الميركانتيلية مثلا ، قائمة في المجتمع المغربي قبل الاحتلال الكلونيالي ، وفي ظل بنيات اجتماعية ما قبل الرأسمالية قبلية .. الخ ، فان التغلغل الكلونيالي وفرض السيطرة المباشرة للامبريالية الفرنسية – الاسبانية على مجتمعنا سنة 1912 من جهة ، وغرس بذور نمط الإنتاج الرأسمالي ، مع كل ما ترتب عن ذلك من تحولات هائلة على كافة الأصعدة الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية من جهة أخرى ، من العوامل التي أعطت دفعة قوية للتمايز / التقاطب الاجتماعي في المغرب ، وأدت الى بروز طبقات اجتماعية جديدة ، لم يكن مجتمعنا يعرفها قبل الغزو الكلونيالي لبلادنا .
4 ) غير ان الطبقات الاجتماعية في مجتمعنا ، تتفاوت من حيث تبلورها ، وهيكلتها كطبقة اجتماعية قائمة الذات ، ومستقلة الكيان ، علاوة على كون الثنائية في الاقتصاد ، والثنائية في الثقافة ، تُحْدث عبر مختلف الطبقات شروخا عميقة جدا ، الى حد انه يحق التساؤل ، عمّا اذا كانت هذه الشروخ لا تفرق طبقات في الواقع . وان المخاض الذي تعيشه الطبقات الاجتماعية ، ومختلف أنواع التناقضات التي تخترقها ، تنعكس على بنيتها ، فلا بد أنها تؤثر حتما على وعيها مما سنبين لاحقا .
وعلى العموم يبدو ان الطبقات الاجتماعية الحضرية ، تتميز بكون بنيتها ، أكثر تبلورا ووضوحا ، من بنية الطبقات الاجتماعية القروية ، ولا سيّما في تلك المناطق التي لا زالت تخضع كلية لآليات نمط الإنتاج الرأسمالي .
ذلك ، ان اسمرار الهياكل والبنيات الاجتماعية الماقبل الرأسمالية مشوهة ، ما دام نمط الإنتاج الرأسمالي قد نسف في الغالب أساسها المادي – الاقتصادي من جهة ، واحتفاظ هذه البنيات / الهياكل مع ذلك ببعض الوظائف الاجتماعية ، وسيادة علاقة اجتماعية ما قبل رأسمالية من جهة أخرى .... كلها عوامل تعوق تبلور الطبقات الاجتماعية وبروز ملامحها بشكل واضح .
ان هذا الواقع لا يعني ان هذه البنيات الاجتماعية الماقبل الرأسمالية ، لا تحمل في أحشاءها تناقضات وتراتبات اجتماعية ، قد تكتسي صبغة طبقية ، بقدر ما يدل على ان آليات طمس الاستغلال / التمايزات الاجتماعية في إطار هذه البنيات أكثر فعالية من مثيلاتها في المدن .
5 ) ان كون الطبقة العاملة المغربية ، من الطبقات الاجتماعية البارزة الملامح ، والقائمة الذات موضوعيا ، قد دفعنا الى اتخاذها كنموذج ، للتدليل على دغمائية الأطروحات الماركسية في معالجة شيء يسمى اعتباطا بالصراع الطبقي .
وتقودنا هذه الملاحظة ، الى مسألة هيكلة المجتمع المغربي المعاصر . ويقصد هنا بهيكلة المجتمع المغربي ، تحديد السمات والمميزات الأساسية لهذا المجتمع ، في كافة المجالات الاقتصادية ، والسياسية ، والثقافية ، والإيديولوجية ، والعقائدية .
ويعني ذلك عمليا ، تحديد البنيات ، والهياكل ، والعلاقات الاجتماعية الأساسية / السائدة من جهة ، وحصر والبراز القوى الفاعلة في واقعنا الاجتماعي ، ومدى دورها في هذه الهيكلة من جهة ثانية .
وإذا كان نمط الإنتاج السائد في مجتمعنا ، هو نمط الإنتاج الرأسمالي التابعي ، بمعنى انه النمط الإنتاجي القوي ، والمهيمن على صعيد الإنتاج ، فضلا عن كونه يخضع ويوظف لإعادة إنتاج باقي الأنماط الإنتاجية الأخرى الماقبل رأسمالية ، فان العلاقات الاجتماعية السائدة في مجتمعنا ، ليست علاقات اجتماعية رأسمالية بكل ما يميز هذه العلاقات على مختلف المستويات .. ذلك ان العلاقات الاجتماعية الماقبل رأسمالية ، مع ما يصاحبها من علاقات التبعية الشخصية ، وأشكال التضامن القبلي و العشائري ، ونمط الأسرة البطريركية ، والعلاقات الزبونية والريع ...الخ ، لازالت هي الشكل الأساسي للعلاقات الاجتماعية في مجتمعنا .
ان الصراعات الاجتماعية التي يشهدها المغرب ، هي بالأساس صراعات طبقية ، وقد تتخذ هذه الصراعات مظاهر غير طبقية تخفي طبيعتها المصلحية / الطبقية .
إنّ هذا النوع من الصراعات الاجتماعية ، لا يلغي قيام صراعات اجتماعية ذات صبغة ما قبل طبقية ، قد تطغى في بعض المراحل ، حتى ولو كانت تابعة ومحددة ، في آخر المطاف للصراع السياسي ، الصراع الطبقي .
ولئن كان الصراع الطبقي هو العنصر الأساسي في هيكلية المجتمع المغربي ، بما في ذلك تحديد شكل / طبيعة ودور الدولة القامعة ، التي ليست مستقلة عن الطبقات ، فان هذا لا يلغي آليا دور البنيات والهياكل الأسرية ، والفئوية ، والعشائرية ، والقبلية ...الخ ، في هذه الهيكلة ، وكونها تشكل عائقا في وجه اكتساح العلاقات الطبقية ، لكل مجالات الحياة الاجتماعية .
ان العلاقات الطبقية الرأسمالية السائرة نحو السيادة ، باعتبارها مرتبطة بنمط الإنتاج الأكثر قوة وحيوية ، وبذلك تثمل العلاقات الاجتماعية للمستقبل ، في حين ان العلاقات الاجتماعية الماقبل رأسمالية ، والتي ليست كلها ما قبل طبقية ، سائرة نحو التقهقر والانحلال فضلا عن كونها ماضوية . ... ( يتببببببببببببببببببببببببببببببببببببع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي


.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال




.. استطلاع للرأي يكشف أن معظم الطلاب لا يكترثون للاحتجاجات على 


.. قبول حماس بصفقة التبادل يحرج نتنياهو أمام الإسرائيليين والمج




.. البيت الأبيض يبدي تفاؤلا بشأن إمكانية تضييق الفجوات بين حماس