الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتخابات الرئاسية المصرية بين برزخين

رياض حسن محرم

2018 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


فى بيان غير مسبوق صادر من قيادة القوات المسلحة تم إحالة الفريق أول سامى عنان الى المحاكمة العسكرية جزاءا لتجرأه على الترشح للإنتخابات بدون موافقة مسبقة متهما إياه بالتزوير فى أوراق ترشحه وعصيان الأوامر العسكرية بما يعرضه لعقوبة لا يعلم مداها الاّ الله، وخرج علينا متحدث سابق باسم هيئة الإنضباط العسكرى على برنامج عمرو أديب متهما عنان بنفس التهم السابقة، يضاف الى ذلك تصريح السيسى فى نهاية مؤتمره الإنتخابى "حكاية وطن" بأنه لن يسمح للفاسدين "من وجهة نظره طبعا" بالدخول لميدان المناقسة على منصب الرئاسة، ولا ندرى بأى حق يعلن ذلك وهو الآن مرشح محتمل يتساوى مع بقية المرشحين للمنصب، خلال ذلك بدأ نصب مولد الهجوم على الفريق أول سامى عنان من أجهزة الإعلام السيساوية متهمة إياه بالخيانة والعمالة، ومن الطرافة اتهام رئيس أركان الجيش المصري الأسبق بأنه إخواني، فهو لم يكن ليصل لهذا المنصب لو كان كذلك، ولم يكن ليعينه الرئيس الأسبق حسني مبارك ويبقي عليه المشير طنطاوي. ليس هذا فقط بل أن يكون ضابطا في الجيش وأحد جنرالاته الكبار الذين تبوأوا مناصب عسكرية قيادية كبيرة.
من الظاهر حتى الآن وجود عقل يبدو مدركا لهذه الحقيقة خلف الفريق سامي عنان يعمل على توظيف أمر واقع محلي غير مستقر كان دائما نقطة تحول تاريخية باتجاه إنهاء حقبة وبداية حقبة جديدة، بحيث أنه مع مرور كل يوم جديد ترتفع كلفة منع الفريق عنان عن بلوغ الترشح، إن الجمود المجتمعي الناتج عن إغلاق كل المنافذ السياسية في الشارع، وفتح هذه المنافذ على مستوى مؤسسات الدولة الرئيسية، والخلافات بين أجهزة الحكم في مصر نتاج للضغط المستمر على المجتمع المدنى من أحزاب وجمعيات وحركات حقوقية وقوى سياسية باستخدام سلطة الأجهزة الأمنية وسلطة التشريع التى تم إحتوائها وأجهزة الإعلام التى تمت مصادرتها، متزامنا مع الإستمرار فى خنق المواطن المطحون بغول الأسعار وحرمانه من أدنى إمكانيات التنفيس، يبدو أن ذلك إنتقل تلقائيا الى صراع فوقى بين أطراف مختلفة قد يكون من الصعب على السيسى تحديد أو وقف تحركها، حيث قال عنان صراحة إن ما دفعه للترشح هو "تردي أحوال الشعب المعيشية وتآكل قدرة الدولة المصرية على التعامل مع ملفات الأرض والمياه والمورد البشري.. نتيجة وجود سياسات خاطئة حملت القوات المسلحة مسؤولية المواجهة دون سياسات رشيدة تمكن القطاعات المدنية من القيام بدورها، وأردف متحدثا عن "ضرورة تقاسم السلطة بين مؤسسات الدولة، وبناء نظام سياسي واقتصادي تعددي يحترم الدستور والقانون ويؤمن بالحريات ويحافظ على روح العدالة، ويدرك فلسفة العصر ويحترم إرادة وكرامة الشعب"
فى ظل ظروف رسمتها السلطة الحاكمة تتصور أن تكون إنتخابات الرئاسة نزهة قليلة التكلفة وبعد إنتشائها بإخضاع الفريق شفيق وإبعاده عن المنافسة، فجأة يقفز الى قلب المشهد سامى عنان الذى ظنه الجميع مجرد كومبارس، فإذا به يتحول فجأة الى نمر ومنافس حقيقى وخاصة بعد أن تحلى بالحكمة فى تعيين المستشار هشام جنينة وحازم حسنى لقيادة حملته الإنتخابية بما لهم من سمعة فى أوساط القوى المدنية والقدرة على ضم قطاعات واسعة من المجتمع المدنى الى حملته، ، كاشفان لحقيقة أن فريق عنان الانتخابي ليس من الهواة، وقد ظهر ذلك فى البيان الإنتخابى الذى ألقاه عنان، وبإستخدام نهج برجماتى إنتهازى فى قلب الطاولة على النظام بالتركيز على الجوانب الإقتصادية للشعب "حتى ولو كانوا حتى الأمس يؤيدون تلك الإجراءات باعتبارها ظرف الضرورة"، بينما يظهر السيسي أن خطابه بما يجعلك تدرك منذ الوهلة الأولى أنه ليس سياسيا متمرسا، بالعكس، كرجل عسكري نشأ في الجيش المصري، فهو يكره السياسة والسياسيين، ويفخر أنه “ليس سياسيا”! وقد دفعه هذا الموقف إلى التصرف بعقلية “الحاكم المطلق” المتعالى، وجعله ذلك يتصرف بأريحية شديدة يملى على الشعب ما يريد دون معارضة منظمة أو غير منظمة، وأدى الى خروج عنان من نفس الصندوق الى شعوره بحساسية شديدة جعلته يخرج عن النص ويعلن أنه لن يسمح للفاسدين "من وجهة نظره" من الإقتراب من كرسى الرئاسة وكأن الشعب عبيد إحسانه، وقد وضعه ذلك في إشكالية أولية جعلته يظهر كرئيس يعرف الفاسدين ويتركهم من دون حساب، بالإضافة إلى أنه يحل مكان القانون والدستور بالسماح أو المنع في مسألة الترشح والفوز في الانتخابات.
يبقى أن عقلية الرجلين متقاربة وتبدو مغازلة عنان للإخوان وحديثه عن وظيفة القوات المسلحة فى الدفاع عن الوطن فقط هى مسألة تكتيك إنتخابى وأن الرجلين لن يبتعدا كثيرا عن خدمة النمط النيو ليبرالى الإقتصادى والخضوع للهيمنة الإمبريالية، عموما فأن يُنافس الرئيس السيسي خَصمًا مِثل الفريق أحمد شفيق، أهون بكثير من مُنازلة خَصم ربّما يكون أكثر شراسة، وربّما أقوى فُرصة في الفَوز، وهو الفَريق سامي عنان الذي ما زالَ يَحظى، مِثلما يَتردّد، بِدَعمٍ قطاع مهم مِن المُؤسّسة العَسكريّة، وربّما بعض القِوى الخارجيّة مثل الولايات المتحدة الأمريكيّة ويَتردّد بأنّه يُقيم علاقات جيّدة معها، بَدأت مُنذ أن تولّى عِدّة مَهام تَستوجب التّنسيق معها، سَواء عندما كان قائِدًا للقوات الجوية، أو بَعد تولّيه آخر مَناصِبه كرئيس لهَيئة أركان الجيش المِصري، السّؤال الذي يَطرحْ نَفسه بقُوّة يَتعلّق بنوايا المُؤسّسة العَسكريّة الحقيقيّة، فهَل تَطبخ سيناريو مُفاجِئ يُريد نَقل الرّئاسة إلى وَجه جديد من “بَطنِها” لتَزعُم المَرحلة وتَحدّياتِها، ويمثل إستمرارا لسيطرتها على أداة الحكم، أم أن السيسى نجح فى إخضاعها والسيطرة عليها بحيث تستمر فى تأييده فقط، لا نَستبعد وجود “سيناريو” سِرّي لدى المُؤسّسة العَسكريّة المِصريّة، التي لا بُد مِن التّذكير بأنّ المُرشّحين الثّلاثة الأبرز للرئاسة، وهم السيسي، وعنان، وقَبلهُما شفيق، هُم من أبنائها، ومَلامح هذا السّيناريو ستتبلوَر في الأيّام أو الأسابيع القليلة المُقبِلة، ولذلك نُفضّل البُعد عن النّزول إلى مَيدان التكهّنات الآن، ونَعتقد أن من الحِكمة الانتظار حتى يَنقشِع غُبار الغُموض، ( فى تلك اللحظة من كتابة المقال هناك خبر يتردد فى وكالات الأنباء عن القبض على الفريق عنان وتقديمه لمحاكمة عسكرية عاجلة وهو ما يعنى حسم قيادة القوات المسلحة لخياراتها).
يبدو أن الإعلام المستقل فى مصر بدأ يتجرأ قليلا على المشير السيسى فى لغة إفتقدناها من مدة طويلة، يبدو ذلك فى بعض المقالات والآراء بالصحف المستقلة بما يوحى بمرحلة جديدة من المواجهة ربما تتواكب مع سخونة عملية الإنتخابات، وفى المقابل يبدو أن جهاز الحكم فى مصر يبدى إنزعاجه الشديد من ترشح عنان ويبدو ذلك فى الإجتماعات الطارئة بالمحافظات التى يحضرها مسئولى المحافظة والأجهزة الأمنية والعمد والمشايخ لمنع الدعاية الإنتخابية لأنصار الفريق والتضييق على إستخراجهم لتوكيلات إنتخابية له، وأن أجهزة النظام وجّهت باستمرار النواب التابعين لها والعمد وشيوخ العائلات والقبائل المتعاونين معها في حشد المواطنين بكثافة إلى مكاتب الشهر العقاري في مختلف المراكز والضواحي، للاستمرار في عمل التوكيلات الشعبية الجماعية المؤيدة لترشح السيسي رغم تعديها 800 ألف توكيل حتى الآن، وذلك لإبقاء المكاتب مزدحمة بالمواطنين، وقطع الطريق أمام مؤيدي سامي عنان لعمل التوكيلات له بالكثافة المطلوبة، وذلك رسالة واضحة للخارج بأن شعبية السيسي ليست متراجعة كما تزعم بعض وسائل الإعلام، وأن المعارضة الواضحة خارج مصر وفي مواقع التواصل الاجتماعي ليست معبّرة عن الشارع المصري.
لاشك أن عنان يمثل الآن جبهة داخل النظام السياسي المصري، تكبر ككرة الثلج يوما بعد يوم، ولم يجد خصومه سوى البحث فى دفاترهم القديمة لأيجاد أى ثغرة يمكن النفاذ من خلالها " وهو منطق مألوف من سلطة الحكم الآن" منها قضية قديمة كان قد رفعها المحامى سمير صبرى تتهم الرجل بالإستيلاء على قطعة أرض، والحديث أيضا أن عنان نشر مذكراته عن ثورة يناير فى عدد من الجرائد المصرية كاشفا عن أسرار تعرّض أمن البلاد للخطر وغيرها، وسوف تستمر تلك الحملات وتتصاعد، ولكن خبر القبض على الفريق ينقل القضية الى مستوى آخر تماما، وما زالت الأيام حبلى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في