الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقدارنا الجغرافية: (محاولة بدائية لفهم الاختلافات البشرية!) (الج/3) قدراتنا الذهنية/1

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2018 / 1 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الناحية الفسلجية وحتى الموضوعية :
يعتبر البشر ـ ومن أي جنس كانوا ـ متساون في قدراتهم الذهنية ومقدرتهم الشخصية، لكن الناحية الواقعية والتجربة العملية وما يعيشه البشر من تفاوت كبير بين الأفراد والشعوب، وعلى كل المستويات الإنسانية يقول لنا غير هذا القول!.
ومع هذا، دعونا نذهب إلى الجغرافيا لنرى، هل أن لها دور في صنع كل هذا التفاوت بين إنسان وإنسان آخر، وبين شعب وشعب مجاور وبين مجتمع ومجتمع مقارب.............الخ ؟
يمكننا أن نجيب بنعم منذ البداية..فالجغرافيا كما تعطي للبشر أشكالهم الجسمانية وألوان بشرتهم ولون عيونهم وأشكال شعرهم، ونوع غذائهم وطبيعة أزيائهم.......الخ ، فهي تعطيهم أيضاً حدود قدراتهم الذهنية ومشاعرهم الشخصية وطبيعة علاقاتهم وتقاليدهم وقيمهم الاجتماعية، وتتدخل أيضاً تدخلاً مباشراً في صياغة أفكارهم ومعتقداتهم وطقوسهم الدينية، وكذلك جملة مفاهيمهم ومعارفهم وعلاقاتهم الدنيوية !.
والطبيعة كما نعرف تتكون بيئات جغرافيه كثيرة ومتنوعة، وبالتالي وجدت أنواع متنوعة من البشر بعدد تلك البيئات الجغرافية المتنوعة..ومن هذه النقطة المركزية بالذات، يمكننا أن نضع أيدينا على جذور جمله هذه الاختلافات بين البشر!. ولأن البشرية متنوعة الأشكال والأجسام والألوان والبيئات الطبيعية، فإننا لا نستطيع أن نحيط بهذا التنوع البشري جميعه . ولهذا، يمكننا أن نختصرهم في نوعين من البشر وفي بيئتين جغرافيتين متناقضتين..وهم: " أهل الحضر وأهل المدر" كما كان يسميهم الأقدمون..ومن خلال مقارنه بسيطة ومقتضبة جداً بين بيئتين جغرافيتين مختلفتين :
إحداهما خضراء : معتدلة المناخ ومليئه بتنوعات ومخلوقات طبيعيه!.
والأخرى صحراء : جرداء ضنينة بكل شيء وفقيره من كل تنوع!.
(1)
أولاً: قدراتنا الذهنية :

أ ـ في هذا المجال يمكن القول :
إن إنسان (طبعاً هذاً في بداية الحياة الإنسانية وبدائيتها) ذو خلفية جغرافية طبيعية ملونة زاخرة بأشكال وتفاصيل وألوان وجزئيات كثيرة للحياة، ويعيش في بيئة طبيعية معتدلة المناخ وغنية بالمياه والغابات والأنهار والأثمار والرياح والعواصف والمخلوقات الأليفة والمفترسة، وحتى السامة منها..فإن كل هذه التفاصيل والجزئيات التي تحملها طبيعته بيئته الجغرافية ستنعكس لوحتها حتماً في ذهنه، وتشكل صورتها خلفية موضوعية لأساسيات تفكيره!.
فتبرز عنده هذه الأساسيات الفكرية بصورة رؤية شاملة للحياة والناس والأشياء، ولكافة أشكال موجودات الطبيعة ولعلاقاتها به وببعضها، بما فيها علاقته بالإنسان الآخر..ومن ثم، ستتغلب هذه الرؤية ـ موضوعياً ـ على سلوكه وتفكيره ومزاجه الشخصي، وانعكاسها ـ طبيعياً وغريزياً ـ في كامل تفاصيل حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية، وفي كامل منظومته العقلية وقيمه الإنسانية ومفاهيمه الحياتية ومعتقداته الدينية، عن الكون والوجود والحياة وما بعدها من حياة أخرى!.

ومثل هذه البيئة الطبيعية المتكاملة، ستوحي لساكنها في النهاية بأفكار واقعيه على شاكلتها، تتكامل عنده بمرور الحقب التاريخية والأجيال البشرية ـ وستوسع موضوعياً ـ دائماً وباستمرار، وبحكم طبيعتها المتغيرة دائماً، من مدركات الإنسان العقلية، وتعظم من قدراته الذهنية ومن إمكانياتها في الاستيعاب والإنتاج والتطوير على مختلف المستويات، كانعكاس لطبيعة بيئته الجغرافية التي تتغير صورتها دائماً وباستمرار، وعبر تغير الفصول وتعاقبها المستمر!.
ومعروف أن شكل البيئة الطبيعية وحتى محتواها :
ـ في بيئة طبيعيه ملونة من هذا النوع ـ يتغيران دائماَ وباستمرار بتعاقب الفصول على مدار الأيام والأعوام، وهذا التغير الدائم في الطبيعة سينعكس موضوعياً في ذهن الإنسان، ويجعل منه صفة ملازمة لهذا الإنسان!.
وبمرور والأجيال الحقب التاريخية، يصبح (هذا التغير) طبيعة إنسانية مكتسبة عنده، تشكل محتوى ذهنه وماهيته الإنسانية، وتعطيه (ذهناً حركياً) وتخلق عنده طبيعة حركيه فطرية، تقولب العقل والروح والجسد عنده، في إطار هذا التغير الدائم والمستمر، وكانعكاس لتغير الطبيعة الدائم والمستمر!.
فتنتج عن هذه الحقيقة الطبيعية الجغرافية بالأساس، (ذهنية) فردية واجتماعية (مكتسبة) منها، فتنتج هي الأخرى بدورها إنساناً ومجتمعاً يحبان التغير الدائم والمستمر، ومنفتحة على بعضها ومتفتحة للعالم الخارجي، ومعدة طبيعياً ومستعدة سايكولوجياً للتغير: الفكري والمعرفي والاجتماعي والسياسي الدائم والمستمر ـ كانعكاس وكمعادل موضوعي ـ لحركية الطبيعة المحيطة به، ولتغيراتها الدائمة المستمرة!.
*****
أ ـ في حين أن إنسان الصحراوات الجرداء (سواء كانت رمليه أو ثلجية أو جبلية) :
الخالية تقريباً من كل أشكال الحياة والألوان والتضاريس المختلفة (طبعاً هذا أيضاً في بداية الحياة الإنسانية وبدائيتها) سيكون على العكس من ذلك الإنسان، ومن جميع صفاته وسلوكياته وأفكاره وطبيعته تماماً!.
فهو بعكسه، لأنه لا يرى في بيئته الطبيعة هذه، إلا صوره معاكسه ومناقضه لتك الطبيعة الخضراء الملونة، فتأتي جميع سلوكياته وأفكاره وطبيعته الإنسانية معاكسه ومناقضه لجميع سلوكيات وصفات أبناء تلك البيئات الخضراء!.
فهو لا يرى في بيئته الجغرافية والطبيعية، إلا صورة كلية واحدة شاملة تتكرر دائماً وباستمرار أمام ناظريه، تمثل طبيعة بيئته الصحراوية الممتدة بامتداد الأفق والسماء الزرقاء اللامتناهية المنطبقة عليها..وهي صورة ثنائية ثابتة وجامدة وأبدية، ولا تتغير (تقريباً) في الطبيعة مطلقاً!.
فتنعكس هذه الصورة الطبيعية الجامدة في أذهان أبناء الصحراوات، وتشكل عندهم ـ بمرور الحقب والأجيال أيضاً ـ طبيعة (ذهنية سكونية) مكتسبة، وجامدة كجمود بيئتهم الطبيعية، وهذه الذهنية السكونية هي التي ستتحكم بحياته، وهي التي ستصوغ له حدود قدراته الذهنية ومدركاتها العقلية وماهيته الإنسانية!.
وهذا الذهن الصحراوي السكوني الجامد، الذي نحتته له بيئته الطبيعية الصحراوية الجرداء، يشكل هو أيضاً انعكاساً موضوعياً لصوره الطبيعة في لاوعيه، وهو أيضاً الذي سيصنّع للصحراوي: منظومة معارفه الأساسية وقيمه الحياتية، وجمله مفاهيمه وتقاليده الاجتماعية ومعتقداته وطقوسه الدينية...........الخ

وبالنتيجة ستتمظهر كل هذه الحقائق ذات المنشأ الجغرافي :
في ذهن الإنسان الصحراوي على شكل جمود فكري وثبات قيمي وتحجر للمفاهيم والتقاليد الاجتماعية..فينتج عنها بصورة موضوعية ثبات لقيم هذا المجتمع ولسلوكه على مدى حقب وأجيال، وقد لا يطرأ على منظومته هذه أي تغير على مدى قرون قد تطول كثيراً!.
ومن الطبيعي أيضاً، أن تنتج هذه الحالة الذهنية السكونية بدورها مجتمعاً سكونياً ـ إستاتيكياً ـ محافظاً ومعادياً لكل أشكال التغير والتطور، وسيبقى هذا المجتمع السكوني يعيد إنتاج نفسه دائماً، ويعيد إنتاج معتقداته ذاتها بصورتها ذاتها ودون تغير يذكر في كل جيل حتى تتعفن، وعلى مدى أجيال وحقب وعصور وأزمان متطاولة.. وربما إلى آخر الزمان!.
ومثل هذه المجتمعات السكونية وقيمها المتوارثة، قد (تتعفن) في حالتها السكونية هذه، وقد تؤدي بها إلى كوارث أكثر تأثيراً وتدميراً لحياتها من الكوارث الطبيعية والبيئية!.
وكما أدت الوهابية مثلاً: بالقيم والمفاهيم الإسلامية، وحولتها من قيم حب وتسامح وأخوه إنسانيه إلى قيم تكفيرية وجرائم دمويه ومنظمات إرهابيه متوحشة، لا تعرف من الدين إلا القتل والذبح والتدمير!.

وهذه الحالة السكونية الثابتة :
ستستمر إلى الأبد في مجتمعات البيئات الصحراوية، إذا لم يطرأ عليها عامل تغير من خارج بيئتها الصحراوية أو من خارج ذهنها الصحراوي السكوني، ويفرض عليها التغير فرضاً!.
(2)
ب ـ إن ذهن الإنسان ذو الخلفية الجغرافية الطبيعية الملونة :
سيكون مهتماً بالتفاصيل الدقيقة للأشياء، بحكم وجودها وكثرتها في بيئته الطبيعية المليئة والزاخرة بمثل هذه التفاصيل، وكانعكاس أيضاً ومحاكاة للطبيعة الجغرافية المحيطة به ذاتها.. وهي بيئة طبيعة مليئة وزاخرة بآلاف المخلوقات والموجودات الطبيعية المختلفة، وبالألوان والأشكال الهندسية الدقيقة المتعددة الأنماط والدرجات، والتي ستفرض ـ من الناحية الموضوعية ـ على ذهنه محاكاتها وتقليديها، في دقتها وألونها وطبيعتها وأشكالها المتغيرة دائماً!.
فهذه الحقيقة الجغرافية والطبيعية الموضوعية، تجعل من ساكن هذه البيئات الملونة (مهيأ فطرياً) للتفكير الدقيق والمبدع الذي يهتم بالتفاصيل الدقيقة للأشياء، والذي سينتج ويبدع حتماً ـ فيما بعد ـ قيماً ومفاهيماً تُكَوّن ثقافةَ ومعارفاً كثيرة، وسيؤدي (تراكمها الطويل) إلى إنتاج (مركب ثقافي) يشكل نواة صالحه لتكوينه لحضارة خاصة به في نهاية المطاف!!

لأن هذه الدقة التي سيتمتع بها ستنعكس حتماً فـــي :
حياة هذا الإنسان ومجموعة قيمه ومعتقداته الدينية والدنيوية وسلطاته السياسية ونظمه الاجتماعية، وستنعكس جميعها ـ حتماً أيضاً ـ في سلوكه ورؤيته للحياة نفسها، وفي جميع شؤون وجوده الإنساني و في علاقاته بالأمم الأخرى والمجتمعات الأخرى، وستتبلور وتصاغ حتماً في النهاية في قوانينه الوضعية، وتنقذه من الفوضى البدائية وتنظم حياة الفرد والمجتمع معاً!.
وبالتالي وبكل هذا، سيكون هذا الإنسان قادراً على صنع حضارة خاصة تجعل منه في النهاية إنساناً متحضراً، بعد أن كان مخلوقاً بهيمياً هائماً على وجهه في صحراء الحياة!.
*****
ب ـ أما الإنسان الساكن لبيئات صحراوية :
فسيكون ـ موضوعياً ـ على العكس من هذا الإنسان الذي مكنته بيئته الطبيعية من أن يكون متحضراً، لأن بيئته الصحراوية القاسية عكس بيئة قرينه الخضراء، وهي فقيرة بكل شيء وعديمة التفاصيل أو الملامح حتى العادية منها تقريباً!.
ولهذا ستعكس بيئته هذه في ذهنه صورة أخرى مغايرة وقريبة (من اللاشيء) عدا هذا الامتداد المكاني والزماني الأبدي الثابت، لصحرائه القاحلة..ولهذا أيضاً سيصبح ذهن هذا الإنسان الصحراوي وتفكيره، انعكاسا موضوعياً لذلك الامتداد الصحراوي الزمكاني المغبر دائماً!.
وسينحصر تفكيره واهتمامه نتيجة لهذه الحقيقة الموضوعية :
بالعموميات والكليات والشموليات والثوابت الكونية دون الجزئيات منها، ودون التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي تحملها أشياء الطبيعة في ذاتها..ولهذا فإن ذهنه هذا لا يرى إلا (فعاليه أو اثنتين) من فعاليات الطبيعة المتعددة، ومن صفحة واحدة من صفحاتها ألا متناهية، التي تكونها أشكالها وألوانها وأبعادها ومخلوقاتها التي لا تحصى ولا تعد، ويكونها جوهر الحياة نفسها!.
ولهذا يصبح ذهن وتفكير مستوطن مثل هذه البيئات ألصحراويه ـ نتيجة لفقر بيئته ـ متكون من صفحة واحدة وتفكيره ذو بعد واحد، لأن بنية عقله غير متكاملة وعاجزة بنيوياً، عن إدراك جميع صفات الطبيعة وصفحاتها الكثيرة، أو إدراك موجوداتها التي تقع خارج بيئته الصحراوية القاحلة والجامدة.. ولهذا هي تقع خارج إدراكه أيضاً!.

فهو لهذا لا يرى ولا يعرف، إلا بعدين اثنين فقط من أبعاد الطبيعة اللامتناهية..هما :
صحرائه الممتدة بدون حدود!.
والسماء: اللامتناهية المنطبقة عليها!.
فتعكس صورة الطبيعة الثنائية هذه نفسها في ذهنه بشكلها ثنائي أيضاً، وتجعل من تفكيره محدوداً وينحصر بين هذين البعدين والحدين الطبيعيين القاطعين :
فهو ـ بالمعنى المجازي ـ لا يرى إلا لونين اثنين فقط [أسود أو أبيض] من كل ألوان الطبيعة الأخرى، وحتى أنه لا يتصور وجوداً للون ثالث يتوسطهما.. وهذا هو الذي يجعل من تفكيره متكون موضوعياً من صفحة واحدة ذات بعدين فقط، وهي صفحة غير كافية موضوعياً :
لإنتاج ثقافة يمكنها أن تبني حضارة خاصة، إلا إذا تغيرت شروط هذه الطبيعية الصحراوية من حوله، أو دخل عليه عامل خارجي أو داخلي يغير جملة قيمه ومفاهيمه المتوارثة هذه!!

[يـــــــتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــــــع]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص