الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية في زمن السيسي

ناجح شاهين

2018 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



الديمقراطية في زمن عمي عبد الفتاح
السيسي مشكلة دون شك، ولكنه ليس أصل المشكلة، فقد ولدت الأزمة المستعصية عندما خرجت الملايين في شوراع القاهرة لتهتف على نحو ساذج: "الملايين أهم، الجزيرة فين؟"
ناجح شاهين
كان هناك أغنية في أيام طفولتي تقول:
يا عبد الفتاح لاح العنب لاح
نادي عالناطور
يعطينا المفتاح
عبد الفتاح "تبع" الأغنية عنده مقدار من العطاء بدليل أن الأغنية تتوسم فيه خيراً من ناحية إعطائنا المفتاح لنقطف العنب.
أما عبد الفتاح السيسي فإنه على الرغم من قصر عهده بالسياسة قياساً إلى الزعماء "الخالدين" من قبيل بورقيبة وزين الدين بن علي ونايف حواتمة وحسني مبارك...الخ إلا أنه لم يعد يحتمل أحداً من "العالمين" منافساً أو مرشحاً. كأن الفكرة ذاتها "رجس" من عمل الشيطان، ناهيك عن الحلم واقعياً بتحققها، والوصول إلى الكرسي الذي تعب عبد الفتاح كثيراً حتى فتح الله عليه بالوصول إليه.
لا نرغب في أن يتوهم أحد من الناس أننا نزعم أن السيسي قد افتتح طريقاً لم يكن مطروقاً من ذي قبل، أو أنه قد أتى أمراً منكراً لم يسبقه إليه أحد من الناس. الديمقراطية تعني وصول الطرف "الأحق" من ناحية ميزان القوى الطبقي/النخبوي في لحظة معينة. ليست الديمقراطية شيئاً آخر. هل تحصل اختراقات أحياناً؟ استثناءات "مجنونة"؟
نعم تحصل. في الخمسينيات توصل الحزب الشيوعي إلى الحكم في كاريلا الهندية عن طريق الانتخابات. نجح الشيوعيون خلال فترة قصيرة في تحويل كاريلا إلى الولاية الأقل فقراً في الهند، ولكنهم تجاوزوا الخطوط كلها عندما قرروا تأميم المدارس الأهلية والأجنبية والخاصة التي كانت تهيمن على ما نسبته 40% من التعليم، فكان أن تحركت قوى كثيرة بما في ذلك جيوب حزب المؤتمر التابع لعائلة غاندي/نهرو، وتم استدعاء الجيش الاتحادي لاعتقال "المارقين" وإعادة الانتخابات بدونهم، ففاز حزب المؤتمر سنة 1959وأعاد الأشياء إلى طبيعتها. وسوف تتكرر هذه العملية أكثر من مرة في تاريخ الهند وتاريخ الولاية.
في سنة 1981 تنادى حراس الديمقراطية في كل مكان من أجل حماية فرنسا من خطر الوقوع في براثن الديكتاتورية الشيوعية الذي بدا وشيكاً. الحزب الشيوعي الفرنسي بالطبع كان نموذجاً لأحزاب أوروبا الغربية اليسارية الناعمة، ولكن دولاً كثيرة من قبيل الولايات المتحدة وألمانيا الاتحادية والمملكة السعودية خافت على الديمقراطية الفرنسية. وقد قدمت السعودية مئات الملايين من الدولارات من أجل دعم الدعاية المضادة للشيوعيين. لحسن الحظ لم تتشكل حاجة في ذلك الوقت لتدخل الطيران القطري أو السعودي لأن الشيوعيين لم ينجحوا في الفوزووصل الاشتراكي الوسطي فرانسوا ميتران وحزبه الى السلطة.
التغيير الجدي أو الجذري أو العميق الذي يشمل ما يسمى بلغة السياسة "الدولة العميقة" وبنية العلاقات الاجتماعية والاقتصادية ليس ترفاً تسمح به الديمقراطية في أبهى أشكالها. الديمقراطية تعني تغيير الحزب أو الفرد الجالس في مقر الحكم بشرط أن يكون بديله من "الفريق" السياسي/الايديوجي ذاته. الحفاظ على أسس الوضع القائم أحد شروط نجاح الديمقراطية.
من الصحيح بطبيعة الحال أن سامي عنان وأحمد شفيق وغيرهم ممن فكر في الترشح ينتمون إلى معسكر عمي عبد الفتاح على نحو دقيق. لكن بلادنا ما تزال دون مرحلة حزب الطبقة القادر على القيادة، وقد برهن على ذلك وصول محمد مرسي إلى السلطة، الأمر الذي استدعى تدخل الجيش لإعادة البرجوازية "الليبرالية" إلى السلطة عن طريق فرض ضابط لامع هو عبد الفتاح السيسي.
هل علينا أن نحزن بسبب عجزنا عن إقامة انتخابات حرة نزيهة تفضي إلى الاختيار بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب على سبيل المثال؟ وهل هذه ممارسة "عاقلة" للاختيار؟
الجواب طبعاً هو لا كبيرة.
لكن جزءاً من المثقفين الليبراليين العرب يتوهمون أن الديمقراطية ترياق شاف لكل الأمراض، ناهيك عن أنها تشكل مثال الخير الأفلاطوني الذي لا يشوبه عيب أو نقيصة.
نود أن نؤكد لإخوتنا العرب والفلسطينيين الليبراليين من فئة "المخلصين" أن أسوأ مصيبة يمكن أن تحل بالصين العظيمة هي أن تنجر إلى مستنقع الديمقراطية الذي سيدمر هذا البلد الذي يصعد بقوة الصاروخ. وإذا كان العراق قد أفرز 250 حزباً لتتناحر على جيفة المنصب السياسي، فما الذي سيحل بالصين؟
ونود أن نؤكد لهؤلاء أن السودان المسكين قد جرب الديمقراطية فما أخرجته من الجوع والجهل والفقر، وأن الديكتاتورية لم تزد في مصائبه قليلاً أو كثيراً.
ترى هل تحل الديمقراطية مشكلة فلسطين واغتصابها أو مشكلة تدمير سوريا...الخ؟
سوريا في حاجة إلى دولة قوية تستعيد وحدة البلاد وتحاول تضميد الجراح وبناء ما دمره أنصار الديمقراطية. أما فلسطين فإننا قادرون على الزعم أن فيها من الديمقراطية –ربما بسبب وجود الاحتلال أو عدم وجود كيان فلسطيني مكتمل الأركان- ما يتجاوز الديمقراطية الأمريكية بكثييير. لكن ذلك كما ترون لا يفيد في قدرتنا على استعادة الوطن أو زراعة ما تبقى منه أو توفير الصحة أو الطعام أو اي شيء لمن يسكن في مناطق السلطة الفلسطينية.
السيسي مشكلة دون شك، ولكنه ليس أصل المشكلة، وإنما هو عرض من أعراضها. وقد بدأت الأزمة المرعبة في مصر تتفاقم عندما خرجت الملايين في شوراع القاهرة لتهتف على نحو ساذج مريع: "الملايين أهم، الجزيرة فين؟" لقد كان هناك غياب واضح للكتلة التاريخية وحزبها وقيادتها التي تأخذ بتلك الملايين إلى بناء حالة سياسية تشبه الصين أو ماليزيا مهاتر أو فنزويلا تشافيز أو حتى إيران الخميني، ناهيك عن مشروع الأمة الكبيرة. كان الفراغ واضحاً تماماً، مما سمح بتعبئته بالإخوان المسلمين العقيمين بدئياً، بسبب عماهم الفكري والسياسي والاقتصادي الذي انكشف عبثه التطبيقي بسرعة، مما سمح للسيسي وجيشه بالعودة بحسني مبارك وطبقته إلى سدة الحكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية