الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وظيفة الإله فى الأسطورة البابلية والديانة العبرية

طلعت رضوان

2018 / 1 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وظيفة الإله فى الأسطورة البابلية والديانة العبرية
طلعت رضوان
فى فصل بعنوان (التكوين البابلى) ذكرالمفكرالسورى الكبير(فراس السواح) فى كتابه (مغامرة العقل الأولى) الصادرعن دارعلاء الدين بدمشق- الطبعة العاشرة- عام1993، أنّ الحضارة السورية والمصرية من أقدم وأهم الحضارات الإنسانية. ولم يكن تعاقب الشعوب السامية على الهيمنة السياسية فى وادى الرافدين (كالكلدانيين والأشوريين) إلاّ تنويعا على أرضية واحدة مشتركة.
وتتوضح أفكارالبابليين فى الخلق والتكوين، بشكلها الأكمل، فى ملحمة التكوين البابلية المعروفة باسم (الأنيوما إيليش) وهذه الملحمة تعتبرإلى جانب ملحمة (جلجامش) من أقدم الملاحم فى العالم، فتاريخ كتابتها يعود إلى مطلع الألف الثانى قبل الميلاد، أى قبل ألف وخمسمائة سنة تقريبـًـا من إلياذة هوميروس، ومن تدوين أسفارالتوراة العبرية. ومع ملاحظة أنّ أسطورة الخلق البابلية تــُـعتبروثيقة مهمة عن معتقدات البابليين، ونشأة آلهتهم ووظائفها. كما تــُـقدم لدارسى الديانات المقارنة مادة غنية، بسبب المشابهات الواضحة مع الإصحاحيْن الأول والثانى من سفرالتكوين فى (كتاب العهد القديم)
الملحمة مُـوزّعة على سبعة ألواح فخارية. وكان العثورعليها أثناء الحفرفى المنطقة، حيث كشف الحفرعن قصرالملك (آشوربانيبال) ومكتبته التى احتوتْ على مئات الألواح فى شتى الموضوعات الأدبية والدينية. واسم الملحمة مأخو ذ – كما هى عادة السومريين والبابليين – من الكلمات الافتتاحية للنص، فقد تصوركاتب الأسطورة أنه فى بداية الخلق لم يكن هناك سماء، وفى الأسفل لم يكن هناك أرض. ولم يكن فى الوجود سوى المياه الأولى ممثلة فى ثلاثة آلهة: (إبسو) و(تعامة) و(ممو) إبسوهوالماء وتعامة زوجته هى الماء المالح. أما (ممو) فيعتقد البعض بأنه الأمواج المتلاطمة الناشئة عن المياه الأولى.
وبعد تفاصيل كثيرة عن الصراع بين الآلهة الثلاث، وُلد الإله (مردوخ) أعظم آلهة بابل الذى أنقذ البابليين من بطش الآلهة القديمة، ورفع نفسه سيدًا على المجمع المقدس. وورد فى الأسطورة أنّ الإلهة (تعامة) تركتْ زوجها الإله (إبسو) لمصيره المحزن دون أنْ تقدم له يد المساعدة وهويـُـذبح على يد الآلهة الصغيرة، فتجد نفسها مضطرة ومقتنعة بضرورة السيرعلى نفس الطريق، لأنّ الآلهة الصغيرة لم تــُـغيرمسلكها.. فاجتمعتْ الآلهة الصغيرة القديمة مع (تعامة) وحرضتها على حرب أولئك المتمردين على التقاليد الكونية، فوافقتْ وشرعتْ بتكوين جيش من الكائنات الغريبة، مثل الزواحف والتنانين الهائلة والحشرات العملاقة.. إلخ.
اجتمعتْ الآلهة برئاسة الإله الأكبر(مردوخ) ومنحوه سلطة (تقريرالمصائر) ومنحوه (قوة الكلمة الخالقة) وبعد ذلك كان مردوخ إذا أراد شيئــًـا قال له ((كــُـن فيكون)) فصنعتْ الآلهة الصغيرة له عرشــًـا يليق بألوهيته، واعتبروه سيدًا عليهم جميعـًـا. ثم تقابل مع (تعامة) وصنع لنفسه قوسًـا وسهامًـا وهراوة. كما صنع شبكة هائلة وأمرالرياح الأربعة أنْ تمسكها من أطرافها. ودفع أمامه الأعاصيرالعاتية ثم أطلق طوفان المياه...إلخ.
وبعد أنْ انتصرمردوخ على مظاهرالفوضى، التفت إلى بناء الكون وتنظيمه وإخراجه من حالة الهيولية الأولى، إلى حالة النظام والترتيب.. وذكركاتب الأسطورة أنّ مردوخ رجع إلى جثة الإلهة (تعامة) وتأملها ثم أمسك بها وشقها نصفين. رفع النصف الأول فصارسماءً. وسوى النصف الثانى فصارأرضًـا. ثم خلق النجوم على أنها (محطات راحة للآلهة) وخلق الشمس والقمر، وحـدّد لهما مساريهما. ثم خلق الإنسان وخلق الحيوانات والنبات.
وعن أسطورة (الطوفان) البابلية جاء فى اللوح الأول على لسان مردوخ ((خلقتُ الأفعى الخبيثة والتنين وأبا الهول)) (ص61) فإذا كان (أبوالهول) فى مصروليس فى بابل، فلماذا ذكره كاتب الأسطورة؟ وما مغزى ذلك؟ وهل ترسّـب فى عقله الباطن، أمنية أنْ يكون فى بابل كائن شبيه بأبى الهول، خاصة وأنّ الفنان المصرى الذى نحت التمثال جعل جسمه (جسم أسد) ورأسه (رأس إنسان) أى أنّ التمثال جمع بين رمزالقوة (الأسد) ورمزالفكر(رأس الإنسان) ومع ملاحظة أنّ من تناولوا الأسطورة البابلية وذكروا نص اللوح الأول الذى ورد فيه اسم (أبى الهول) لم يخطرعلى بالهم طرح الأسئلة التى سألتها لنفسى، ولاحتى مجرد التعليق بكلمة واحدة بهدف لفت نظرالقارىء عن تأثركاتب الأسطورة البابلية بالحضارة المصرية.
ومن الواضح تأثركاتب الإسطورة البابلية بالحضارة المصرية، لأنه لم يكتف بذكراسم (أبى الهول) فى اللوح الأول من الأسطورة، وإنما ذكره للمرة الثانية فى اللوح الثانى (ص68) وهوهنا كان أكثرصراحة لأنه أضاف بعد اسم أبى الهول مباشرة ((الأسد الجبار))
ويتضح تأثركاتب الأسطورة البابلية- للمرة الثالثة- عندما ذكرفى اللوح الرابع من الأسطورة أنّ الإله (مردوخ) شقّ الإلهة (تهامة) نصفيْن ورفع نصفها الأول فشكل منه السماء سقفــًـا)) (ص75) وهوماحدث فى الأسطورة المصرية (مع الاختلاف فى التفاصيل) حيث أنّ الإله (رع) لاحظ أنّ إلهة السماء (نوت) ملتصقة بالإله (جب) فى حالة عناق، فأمرإله الهواء (شو) بفصلهما عن بعض.
وبينما تأثركاتب الأسطورة البابلية بالحضارة المصرية، فإنّ بنى إسرائيل الذين كتبوا أسفارالعهد القديم، تأثروا بالأسطورة البابلية فيما يتعلق ببناء (بيت الرب) حيث جاء فى اللوح الخامس من الأسطورة البابلية أنّ الإله مردوخ قال ((فوق العيشارة التى بنيتُ.. سأمهد مكانــًـا صالحـًـا للبناء.. هناك أبنى بيتــًـا لى وهيكلا.. به قدس الأقداس رمزجلالتى.. وسأدعواسمه بابل.. آى بيت الآلهة الكبرى)) (ص80) ومع ملاحظة أنّ هذا النص البابلى سينتقل إلى بعض أسفارالعهد القديم.
وفى اللوح السادس قال مردوخ:
سأخلق دماءً وعظامًـا..
منها سأشكل (لالو) وسيكون اسمه الإنسان..
نعم.. سوف أخلق لالو الإنسان..
وستفرض عليه خدمة الآلهة، فيخلدون للراحة.. إلخ.

فى هذا النص نلاحظ أنّ من بين أهداف خلق الإنسان ((خدمة الآلهة) والسؤال الذى يفرضه العقل الحرهو: كيف يخدم الإنسان الآلهة: وما مطالب الآلهة؟ وما نوع الخدمة المطلوبة؟ هل تكون الخدمة تقديم الطعام والشراب؟ وهذا السؤال أجاب عليه كاتب الأسطورة حيث ذكر(فى نفس اللوح السادس) أنّ مردوخ جلس أمام الآلهة فى جلال.. والتقوا فى حرم مردوخ السامى:
فأجلس آباءه الآلهة إلى مأدبة وقال لهم:
هذه بابل مكان سكناكم المفضل..
فاصدحوا وامرحوا فى أرجائها..
ولما استقر الآلهة الكبار إلى المائدة..
أخذوا يعبون البيره وهم يأكلون.. إلخ.
هكذا كان التصورالساذج لدى كاتب الأسطورة البابلية: أنّ الآلهة (مثل الإنسان) ستحتاج إلى الطعام واحتساء البيره. أما الملفت للنظرأكثرفهوالمبالغة فى استخدام (الخوارق) غيرالطبيعية وغيرالواقعية، ومن أمثلة ذلك أنّ ((آلهة المصائرالسبعة قامتْ بوضع ثلاثمائة إله فى السماء)) فما الغرض من وجود آلهة فى السماء؟ لم يـُـفصح كاتب الأسطورة بالسبب غيرأنه ذكرأنه بعد أنْ منح مردوخ لكل إله اسمًـا خاصًـا به، ومنحهم اللسان للنطق به، عندئذ:
فليهج باسمه لسانهم.. ويذكرون نعمته عليهم أبدًا..
ويقدمون القرابين لآبائه..
وكما فعل فى السماء.. لتكن كذلك مشيئته على الأرض..
فيعلم البشركيف يخشونه.. إلخ.
وهكذا تتأكد حقيقة التشابهات بين أساطيربابل (وغيرها من أساطيرالشعوب) بما جاء فى كتب الديانة العبرية عن: التسبيح بالحمد والشكرللإله ((على نعمته)) والتأكيد على موروث ((مشيئة الإله)) والأهم من ذلك التأكيد على موروث الطاعة المطلقة للإله والخوف منه وخشيته وهوما عبـّـرعنه كاتب الأسطورة بالنص على ((فيعلم البشركيف يخشون الإله))
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر