الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


**** أقدارنا الجغرافية: (محاولة بدائية لفهم الاختلافات البشرية!) (الج4/) قدراتنا الذهنية/2

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2018 / 1 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(3)
أولاً: قدراتنا الذهنية/2 :
إن القدرات الذهنية لا يصنعها الإنسان لنفسه، وإنما تدخل في تكوينها عوامل موضوعيه كثيرة جداً، وإذا صح للأفراد في بعض الأحيان من توسيع قدراتهم الذهنية بقواهم الذاتية وجهدهم الشخصي، فهذا يؤكد القاعدة لا بنفيها لأن "لكل قاعدة شواذ". وإذا صح هذا للأفراد فإنه لا يصح للأمم والشعوب والمجتمعات، إلا إذا احتكت بأمم ومجتمعات أرقى وأكثر تطوراً منها، ولمدد زمنيه طويلة ولعود من الزمن!.
ومره ثانيه فإن الأمم والشعوب لا تصنع قدرتها الذهنية بيدها، لأنها هبات ربانيه محكومه بظروف جغرافيه موضوعيه وبقوانين اجتماعيه معقده.. ونحن هنا نحاول أن ندرس هذه القدرات الذهنية للأمم والشعوب والمجتمعات، في (بداية الحياة الإنسانية وبدائيتها) وفق ظروف نشأتها في بيئاتها الجغرافية والطبيعية الموضوعية، والتي أعطتها في النهاية طريقاً ونمطاً حضارياً خاصاً مختلفة فيه عن بعضها، ووضحت جلية في العصور الحديثة.. فأعطت منهما نمطين حضاريين مختلفين عن بعضهما، ونوعين من البشر هم " أهل الحضر وأهل والوبر" كما صنفهم أسلافنا الأقدمون منذ عشرات القرون!.
*****
ج ـ ولكثرة الأشياء المحيطة بالإنسان :
الساكن لبيئة طبيعية مليئة بالأحياء والأشياء والتفاصيل الدقيقة، ربما تجعله بيئته هذه يعرف ـ غريزياً وفطرياً ـ بأنه ليس وحيداً في هذا الكون، ويعرف أيضاً بأنه شيء واحد فقط من جملة الأشياء الكثيرة المحيطة به، والتي تملأ بيئته الطبيعية وغيرها من البيئات الأخرى!.
فهو إذاً قد عرف من بيئته الطبيعية، أنه ليس الشيء الوحيد في هذه الطبيعة الكبيرة والواسعة، رغم أنه شيء من أشيائها، لكنه عرف في الوقت نفسه أن شيء مميز عنها ومتميز عليها جميعاً، وسيعرف لاحقاً ـ وفق قوانين التداعي الغريزية ـ أيضاً، بأنه عاجز عن التعرف على جميع الأشياء المحيطة به، أو الوصول إلى كنه وجوهر كل شيء من أشيائها اللامتناهية!.
ولهذا، فإنه ربما سيستشعر غريزياً :
بوجود الآخر من جنسه في بيئته وفي البيئات الأخرى، وبحاجته إليه وجودياً لمواجهة جبروت الطبيعة القاسيه، ولمعرفة كنه وجوهر بيئته الطبيعية وأشيائها الكثيرة المحيطة بهما، والتعاون معاً لاكتشافها والاستفادة منها وسوية!.
وربما تنعكس هذه الاحتياجات الفطرية في ذهنه موضوعياً، على شكل بحث مبهم ودائم عن (حقيقة الأشياء) المحيطة به، وعن الآخر الذي يشاركه بيئته الطبيعية هذه وأشيائها المختلفة، وربما سيتصور ـ غريزياً أيضاً ـ بأن الآخر الذي يشاركه بيئته هذه قد يكون أكثر منه معرفه بشيء آخر أو بفرع أخر من فروع بيئته الطبيعية هذه!.

ومجمل هذه الاحتياجات الموضوعية :
ستكون هي (نقطة البداية) لتكون المجتمعات البدائية الأولى، وهي نفس الاحتياجات التي ستجبر الإنسان الأول (فطرياً) على توزيع المسؤوليات بين باقي أفراد عائلته أولاً ثم قبيلته ثم مجتمعه الأكبر.. فتؤدي كل هذه الاحتياجات بالإنسان الأول ـ فطرياً وغريزياً ـ إلى نوع من (التفكير الجمعي) الإيجابي داخل المجتمع، وإلى قيام شبه ثقافة اجتماعية مشتركة يسندها ذلك البحث الدائم عن حقيقة الأشياء!.
وربما ستنتج عن مجمل هذه الاحتياجات والمشتركات الموضوعية للإنسان الأول (نظرة مركبة) ومتطورة للحياة الاجتماعية، تتجاوز الحالة الفطرية والغريزية (الخام) التي كانت تسير حياة ذلك الإنسان الأول، وتؤسس داخله حالة أكثر تطوراً ورقياً.. وقد تنتج ـ وهذا هو الذي حدث فعلاً ـ هذه النظرة المركبة الجديدة للحياة الاجتماعية بدورها (ثقافة مركبة) أيضاً تتجاوز بالإنسان الأول حالته البدائية التي يعيشها، وتؤدي إلى قيام حضارة خاصة جوهرها ذلك البحث الدائم عن حقيقة الأشياء المحيطة بالإنسان، وقد تتطور عنده بعد عدة أجيال وحقب تاريخيه، فتنتج علوماً متنوعة :
فلسفية واجتماعية وإنسانية ذات طابع ديني في البداية ثم تتطور إلى مدنيه، وبمرور الأجيال والبحث المستمر ستتطور إلى علوم صرفة، تنتج بدورها ـ وقد أنتجت فعلاً ـ حضارة علمية تكنولوجية متطورة، تتفيْ ظلالها اليوم الإنسانية كلها!.
وهكذا كانت قصة الحضارة دائماً!.
*****
أما الإنسان الأول الذي استوطن بيئات صحراويه :
فإن جدليات تطوره ستكون على العكس من تطور الإنسان ذي البيئة الخضراء، لأن بيئته ومحيطه الطبيعي يفتقر إلى الموجودات والمخلوقات والأشياء والألوان، التي تحثه على البحث الدائم عن حقيقتها، ولأن بيئته ـ كما يعرفها هو ـ لا تمتلك إلا لونين ومعلمين فقط هما: الأرض و السماء .. لهذا ينحصر جل اهتمامه وتفكيره وبحثه الدائم بهما فقط .. فتنعكس هذه الصورة في ذهنه سلباً!!
لأنه في هذه الحالة سيرى نفسه مخلوقاً وحيداً وأوحدا في هذا الكون الواسع، وربما يراها كقطب ثالث مكمل لقطبي الطبيعة (الأرض والسماء).. وبسبب نظرته هذه تتضخم الذات عنده وتشكل لديه إحساساً عالياً ومفرطاً بالعظمة والأنفة، مع اعتداد طاغ بالنفس وحساسية سلبية عالية اتجاه الإنسان الآخر، وتوجس وخوف دائم منه وعدم ثقة به!!

وهذه الحقائق الطبيعية والنفسية الموضوعية:
ستؤدي عملياً إلى محدودية العلاقات الاجتماعية وصغر المجتمعات الصحراوية، كانعكاس لمحدودية بيئته الطبيعية ذاتها، وكمحاكاة لصورتها المتمثلة بالأرض والسماء وحدهما تقريباً..وهما ـ في ذهن الصحراوي ـ يشكلان معاً كل عالمه الذي يعرفه، فيعطيان لذهنه معناً محدداً يتلخص : بــ [ثنائية الوجود وزوجية الأشياء).. أي أنه لا يرى الوجود إلا بشكل زوجي، متنافر أو متناقض أو متعاكس...مثلاً :
فوق وتحت ، حق وباطل ، مقدس ونجس ، جميل وقبيح ، ذكر وأنثى ، عدو وصديق ، مع وضد.......الخ فلا حاله وسطيه عنده بينهما.. وهه صور محدودة ومبتسرة للعالم والوجود، ولا تساعد على قيام مجتمع قادر على إنتاج ثقافة مشتركة، ذات قيمة نوعية لها إمكانية على إنتاج حضارة كبيرة أو متوسطة ولا حتى صغيرة جداً ترفعه ولو بمقدار بسيط، عن البداوة الطبيعية والواقعية والعقلية والروحية التي يعيش وسطها!.
(4)
د: إن الإنسان الأول الذي استوطن بيئة طبيعية غنية :
ومليئة بأشكال المخلوقات والموجودات الطبيعية الحية والجامدة، سيكون بصره وبصيرته متجهتان ومصوبتان دائماً نحو الأرض، ليرى مواطئ أقدامه بين الحشائش والأحراش والمخلوقات الصغيرة السامة القاتلة والمخلوقات الكبيرة المفترسة!.
وبمرور الأجيال المتعاقبة والحقب التاريخية المتطاولة ستثمر هذه النظرة المحدقة بالأرض دائماً ـ وقد أثمرت فعلاً ـ تعلقاً بها واكتشافاً لكنوز الأرض ومكوناتها ومكنوناتها، واكتشافاً لقوانينها وأسرارها ومنافعها اللامحدودة!.

وهذه النظرة المحدقة بالأرض دائماً هي التي أثمرت ـ على المدى البعيد جداً ـ حضارات كبرى واكتشافات علمية وتطبيقات تكنولوجية مذهلة، استخرجت كل ما في جوف الأرض من أسرار ومكونات وقوانين، كانت مجهولة لأغلب الأجيال التي سبقتنا.. فحلقت الإنسانية بواسطتها إلى عالم أبعد من العقل وأغرب من الخيال!!

فهذه النظرة المحدقة بالأرض أبداً :
أنتجت ـ قبل إنتاجها لحضارات متميزة ـ أديان أرضية بحتة لا علاقة لها بالسماء مطلقاً.. فحتى المسيحية عندما اعتنقها الأوربيون الغربيون مثلاً، و نتيجة لتعلقهم الشديد بالأرض، فأنزلوا هم بالسيد المسيح إلى الأرض، بدلاً من أن يرتفع هو بهم إلى السماء..وإن حاولوا هم من جهتهم، أن يوفقوا بين الأرض التي يعشقون والسماء التي يجهلون، فجعلوا من المسيح مخلوقاً (أرضياً وسماوياً) في آن واحد ـ إله بطبيعتين/ أب سماوي وأبن أرضي ـ وبشكل متعسف لا يفهمه ولا يستسيغه الشرقيون، أصحاب رسالة المسيح الأصليون والحقيقيون!!

د ـ أما الإنسان الذي استوطن البيئات الصحراوية الجرداء فقد كان على العكس منه :
ولهذا تكون علاقة الإنسان الصحراوي بالأرض دائماً علاقة غير وطيدة، ووقتية وغير محددة بمساحات معينة أو منافع ثابتة، إنما هي مساحات مفتوحة ومنافع متنقلة [الماء والكلأ أو ما شابههما من منافع] يتنقل هو إليها على مدار الأيام والسنين!.
ولهذا تتأخر عند هذا الإنسان الصحراوي :
(فكرة الوطن) والمواطنة وما يتبعهما من مفاهيم وقيم وتضحيات، لأن الأرض حسب عرفه هي " أرض الله الواسعة " ولا يملكها إلا الله وحده، وهو وحده الذي "يرثها لمن يشاء من عباده" .. ولهذا بقيت علاقة البدوي بالأرض مهزوزة دائماً، حتى بعد استقراره حديثاً في أرض محددة ومخططة بحدود دولية، ولها هوية واسم وعلم ودستور ونشيد وطني!.

ولهذا أيضاً فإن مستوطن الصحراء يستعيض عن (رابطه الأرض/الوطن) بـ (رابطه الدم) أي الروابط الأسرية والعشائرية والقبلية.. ولهذا السب ترى هذه الروابط لا زالت موجودة عند مستوطني البيئات الصحراوية وأشباههم منذ الخليقة إلى اليوم، بينما تراها قد اندرست وتلاشت تقريباً عند مستوطني البيئات الخضراء، بعد تطورهم وتدرجهم وترقيهم في سلم الحضارة!.
*****
إن تحديق مستوطن الصحراء الدائم والأبدي بالسماء والنجوم وتعلقه الشديد بهما، أثمر أيضاً عن علاقات وطيدة معهما ـ أي مع السماء والنجوم ـ واكتشاف نوعي لحقيقتهما العلوية ولفوائدهما الحياتية، واستثماراً أيضاً لمكوناتهما ومكنوناتهما وأسرارها في حياته اليومية، واكتشف معها علم الفلك ومواقع النجوم ومنازل القمر، كما أكتشف قرينه (أبن البيئات الملونة) الأرض واستثمر مكوناتها ومكنوناتها في حياته اليومية!.

لقد اكتشف مستوطن البيئات الصحراوية :
السماء بفطرته، ولنقائه الإنساني واستثمرها دينياً وعملياً لصالحه أيضاً، ولهذا أصبح هو الوسيط الوحيد بين الأرض والسماء، على يد الأنبياء والرسل والرسالات السماوية.. ولهذا أيضاً نرى أن أغلب الأنبياء والرسل الحقيقيين والرسالات السماوية الحقة، قد خرجت من بيئات صحراوية أو شبه صحراوية أو قريبة من الصحراء :
o فاليهودية مثلاً: قد خرجت من اليمن ـ حسب أحدث الآراء العلمية ـ واليمن بيئة شبه صحراوية، وحتى إن كانت اليهودية من فلسطين حقاً، فالصحراء تحيط بفلسطين من جميع الجهات!.
o والمسيحية : خرجت من فلسطين، وفلسطين بيئة محاطة بصحراء سيناء والصحراء الشامية!.
o أما الإسلام : فقد خرج من مكة المكرمة، ومكة نفسها بيئة نصف صحراوية وتحيط بها الصحراء من جهاتها الأربع!!

ومعلوم أن أول من اكتشف الــتــوحــيــد الإلهي هم سكان البيئات الصحراوية والشبه صحراوية، الممتدة بدون معالم ونهايات وحدود واضحة..فصورتها مع السماء اللامتناهية المنطبقة فوقها، تشكلان معاً صورة إحادية لا تتحمل تعدد الآلهات، ولا توحي إلا بإله واحد أحد..لفقرها البيئي، ولعدم وجود ظواهر طبيعيه كثيرة فيها تحتاج لآلهات أو أرواح علوية تمثل كل منها معلماً من معالمها الطبيعية، كما كانت عند قرينه مستوطن البيئات الخضراء الملونة التي أوحت إليه بتعدد الآلهات!.
أما ما نراه عند مستوطني الصحراء وأشباههم :
من تعدد لأشباه الآلهات والأصنام في البيئات الصحراوية العربية وشبيهاتها الأفريقية والآسيوية، فإنه (شرك أو بالأصح توسل بالله) بواسطتهم، وليس تعدد آلهات عندهم.. أي أن، هئولاء الصحراويين يشركون مع الله كائنات أخرى تساعده في إدارة هذا الكون الكبير الواسع، لكنها هي بالذات ـ من وجهة نظرهم ـ لا تخلق شيئاً، وهي دائماً تحت إمرة الله وطوع إرادته.. فهم يتوسلون بهذه الكائنات العلوية ويتقربون بواسطتها إلى الله..لأن الصحراويين يعتقدون بأن هئولاء مقربون إلى الله ويقبل شفاعتهم، وأنهم يقربونهم إليه " يقربوننا إلى الله زلفى" لأنهم وجهاء عند الله، ولهم مكانة خاصة عنده!.
فهذه الأصنام إّذاً ليست آلهات متعددة :
تشارك الله في صنع الكون والحياة والوجود، إنما هي كائنات علوية مقربة من الله ووجيهة عنده، والله يتقبل شفاعتها ووساطتها للناس أجمعين..والدليل أننا نجد أسماء عربية كثيرة في الجاهلية ـ كعبد الله مثلاً ـ تدل على عبودية البشر لله وحده، وكذلك عبودية بعض هذه الآلهات لله!!
وهذه المعتقدات هي نفس المعتقدات التي لازالت سائدة في معظم البيئات العربية والإسلاميةّ.. لكن بعد استبدال هذه البيئات للآلهات والأصنام القديمة، بالأنبياء والأئمة والأولياء والصالحين.........الخ الذين وردت أسمائهم وكراماتهم بعد الإسلام!.

[يـــــــتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــــــع]
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل