الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدور الأمريكي التخريبي في كمبوديا 2

السيد شبل

2018 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


هناك دمار وتخريب واسع تسببت فيه الولايات المتحدة بكمبوديا، من 1965 وحتى أواسط السبعينات، تارة ضمن حملتها على الفيتناميين جيران كمبوديا، والذين كانوا يستخدمون أراضيها أحيانًا لتمرير مجهودهم الحربي أثناء نضالهم المعروف ضد الأمريكيين، ومرة لنصرة عميلهم "لون نول" الذي وصل للحكم بانقلاب أطاح بالملك سيهانوك المحايد في 1970 (سيعود للحكم في 1993 من جديد).. خلال هذه الحرب أسقطت القوات الجوية الأمريكية قنابل من أكثر من 230،000 طلعة جوية على أكثر من 113،000 موقع. ولا شك في أن كمية القنابل التي تم إسقاطها هي محل نزاع، لكن التقديرات المتحفظة، بحسب روبرت س.موريس، قد أوصلتها لـ500 ألف طن (أي ما يساوي تقريبا ما أسقطته الولايات المتحدة في مسرح المحيط الهادئ بأسره خلال الحرب العالمية الثانية).

في 1975، وعلى قاعدة كل هذا الدمار والعجز والتخريب والدماء، وصل بول بوت قائد الخمير الحمر للحكم بعد أن نجح في الإطاحة الثورية التي كان عمادها من الفلاحين الغاضبين بـ"لون نول".. شخصيًا أدرك تمامًا أن سمعة هذا الرجل ملطّخة للغاية، وهو لا شك تورط في أعمال قاسية ومتعسفة، لكن التضخيم الواسع في أعداد ضحاياه جزء من حملة وراءها السي آي إيه وذيولها من المتعصبين الدينيين "المسيحيين" في الغرب ثم نسخ عنهم الشرقيين "مسلمين ومسيحيين"، وهو تورط بذلك في ضوء رغبته في استنهاض بلاده واستعادة مجدها البعيد على عجل، ودفع كل سكانها نحو المزراع لحل أزمة المجاعة وتحقيق اكتفاء ذاتي، كما دفعه تمسّكه العنيف بمشروعه لتصفية معارضيه، ودفعه تعصبه القومي لتجاوزات ضد الأقليّات داخل البلد كما تورط في استفزاز الفيتناميين الأقوياء المنتصرين على أمريكا، الذين كانوا يطمحون إلى حد ما لتوحيد البلدين بالإضافة إلى لاوس، ودفع ضريبة ذلك بالختام، لأنهم كانوا من أطاح به، ونصبوا حكومة اشتراكية موالية لهم (وأخذ الأمر طابع الصراع السوفيتي/الصيني).

بصراحة أزمتي المركزية معه، ليست فقط فيما سبق، ولكن في أنه بعد أن أزاحه الفيتناميون "حلفاء السوفيت" عن الحكم في 79، أرتضى بأن يصير تنظيمه، بالتحالف مع تنظيمات أخرى (منها أتباع الملك سيهانوك -الذي سيعود للحكم بعد عدة مفاوضات بدأت في 1989-)، سببًا في حالة من الشقاق داخل البلد، وهو بهذا خدم أطراف خارجية (أمريكا، وتايلاند، والصين -بعد ماو-) في مكايدة مع هذه الحكومة الجديدة، وحصل على الدعم من هذه الأطراف، فمثًلا، بقي مقعد الأمم المتحدة بأوامر غربية في قبضة صديقه (كدلالة على أن الحكومة الجديدة الموالية لفيتنام والسوفيت مرفوضة وغير معترف بها دوليًا).. وهذا التحالف أو شبه التحالف كان دافع الأمريكيين لأن يمتنعوا عن تقديم أي من الخمير الحمر للمحاكمات إلا في وقت متأخر جدًا، رغم أن آلتهم الإعلامية لم تصمت عن التجارة بما يُنسب إليهم من جرائم، رغبة في تلطيخ سمعة "الاشتراكية" أو "الطامحين للاستقلال".. لكن أيضًا الروس، نشروا كثيرًا عن إحفاقات وعنف "بوت" في محاولة لجلب الأنصار للحكومة الجديدة، وإظهار أن أمريكا والصين يدعمان مجموعة من المجرمين الانفصاليين، والأمر أخذ أبعاد أيدولوجية لمحاولة النيل من الماوية ذاتها، وبول (وهو دارس بفرنسا بالمناسبة) كان متأثر بها فعلا، وبطابعها القومي.. وإن جزئيًا، أو وإن تطرف في التطبيق (إلا أن الماويين، لا يدافعون عن "بول" تمامًا باعتبار أن الدعم الصيني الواسع له كان بعد رحيل ماو سي تونغ من الأساس، والانقلاب بدرجة ما الذي حصل على تركته والقبض على ما سمي بـ"عصابة الأربعة" -وهي تسمية دعائية ومخادعة طبعًا-، لكن الماويين أيضًا يتهمون الفيتناميين بالقفز على التجربة وعدم السماح لها بالاكتمال، كما لا ينسون اتهام أمريكا بتخريب كمبوديا أساسًا وتعقيد ظروف حكمها)!.

بول بوت والقضية الكمبودية مسألة جدليّة واسعة ومعقدة جدًا، وليس من السهل إصدار حُكم خِتامي فيها قبل تجميع كل المعلومات، ومعرفة من المستفيد من حملات التشويه، والأسلم تكوين موقف مركب، ومن المصلحة أن نطّلع على أراء متنوعة فيه (ليس لتبنيها بالتأكيد).. لذا أعرض أجزاء مُترجمة لهذا المقال من موقع "counterpunch"، وهو يتبنى، على عكس كثيرين، الدفاع الصريح عن "بوت"، بناء على زيارة إلى كمبوديا!:

يقول الكاتب:

((استمرت تجربة الخمير الحمر ثلاث سنوات فقط، من عام 1975 إلى عام 1978. والمثير للدهشة أن الكمبوديين ليس لديهم ذكريات سيئة عن تلك الفترة. هذا هو ما يكتشفه الزائر. لم أذهب لكموديا لإعادة بناء "الحقيقة"، بل لمعرفة ما هي الذاكرة الجماعية للكمبوديين، وكيف ينظرون إلى أحداث أواخر القرن العشرين،..... إن آليات السرد الغربية قد طبعت لدينا صورة الخمير الحمر بأنها دموية تحشد الشعب إلى حقول القتل وحكمت على بول بوت، باعتباره شخص مستبد لا يرحم.

وقد كتب أستاذ جامعي ر. ر. رومل : "من بين عام 1970، ربما كان هناك ما يقرب من 7،100،000 شخص ... قتل منهم ما يقرب من 3،300،000 من الرجال والنساء والأطفال ... معظمهم قتلوا على يد الخمير الحمر". ومعنى ذلك أن كل مواطن قد قتل مواطن آخر، وفقا لتقديراته.

غير أن عدد سكان كمبوديا لم ينخفض إلى النصف ولكن تضاعفت منذ عام 1970، على الرغم من مزاعم الإبادة الجماعية المتعددة.

لا يذكر الكمبوديون "بول بوت" كطاغية، ولكنهم يعتبرونه وطني وقومي كبير، وعاشق للثقافة الأصلية ولطريقة الحياة الأصلية. نشأ في دوائر القصر الملكي. كانت عمته محظية من الملك السابق. درس في باريس، ولكن بدلا من كسب المال والالتحاق بمهنة راقية، عاد إلى دياره، وقضى بضع سنوات يسكن مع قبائل الغابات للتعلم من الفلاحين. شعر بالرحمة لناس القرية العاديين الذين يتم تمزيقهم يوميا من قبل سكان المدينة، الطفيليين والسماسرة. بنى جيشا للدفاع عن الريف من هؤلاء اللصوص.

بول بوت، رجل من الرهبان يعيش على احتياجات بسيطة، لم يسعَ إلى الثروة أو الشهرة أو السلطة لنفسه. كان لديه طموح كبير واحد: إنهاء الرأسمالية الاستعمارية الفاشلة في كمبوديا، والعودة إلى تقاليد القرية، ومن هناك، لبناء بلد جديد من الصفر.

رؤيته كانت مختلفة جدا عن السوفياتية. بنى السوفييت صناعتهم من خلال نزيف الفلاحين؛ أراد بول بوت إعادة بناء القرية أولا، وفقط بعد ذلك بناء صناعة لتلبية احتياجات القرويين. وقد حمل ازدراء لسكان المدينة؛ حيث لم يفعلوا شيئا مفيدا، في رأيه. وكان الكثير منهم مرتبطا بالربا والقروض، وهي سمة مميزة في كمبوديا بعد الاستعمار؛ وساعد آخرون منهم الشركات الأجنبية على سرقة الناس وثرواتهم. وباعتباره قوميا قويا، كان بول بوت يشك في الأقليات الفيتنامية والصينية. ولكن ما كان يكرهه أكثر من ذلك هو الاستحواذ والجشع والرغبة في امتلاك الأشياء. (...).

لقد تحدثت مع الكمبوديين عن قصص الاضطهاد الواسعة. وذكروا أن تاريخهم القصير من المشاكل بدأ في عام 1970، عندما طرد الأميركيون حاكمهم الشرعي، الأمير سيهانوك، وتم استبداله بالديكتاتور العسكري الوكيل لون نول. وكان لون نول عنوان للفساد، وسرق أتباعه كل ما في وسعهم، ونقلوا مكاسبهم إلى الخارج ثم انتقل إلى الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك جاءت الولايات المتحدة وقصفتهم. وعليه التحق الفلاحون بمتمردي الخمير الحمر، وهي الجماعة التي كان يقودها عدد قليل من خريجي السوربون (بول بوت متعلم في فرنسا-المترجم)، ونجح الحزب في نهاية المطاف في طرد لون نول ومؤيديه الأمريكيين.

في عام 1975، تولى بول بوت البلاد، التي دمرها حملة القصف الأمريكية (....).

في الواقع، فإن الطائرات الأمريكية ... أسقطت قنابل على هذا البلد الفقير أكثر مما اسقطته على ألمانيا النازية، ونشرت ألغامها في جميع أنحاء البلد الباقية. وإذا تم الضغط على الكمبوديين لتسمية المدمر العظيم لبلادهم، فهو البروفيسور هنري كيسنجر، وليس الرفيق بول بوت.

بول بوت وأصدقائه ورثوا بلد مدمر. وقد تم إخلاء القرى حيث تجمع الملايين من اللاجئين في العاصمة هربا من القنابل الأمريكية والألغام الأمريكية.

المعوزون والجوعى، كان لا بد من تغذيتهم. ولكن بسبب حملة القصف، لم يزرع أحد الأرز في عام 1974.

أمر بول بوت الجميع بمغادرة المدينة والتوجه إلى الحقول لزراعة الأرز. وكانت هذه خطوة قاسية، ولكنها خطوة ضرورية، وفي عام كان لدى كمبوديا الكثير من الأرز، وهو ما يكفي لإطعام الجميع بل وحتى بيع بعض الفائض لشراء السلع الضرورية.

كمبوديا الجديدة (أو كمبوتشيا، كما كان يسمى) تحت بول بوت ورفاقه كانت كابوسا للممتازين وللأثرياء، ولكن الفقراء كان لديهم ما يكفي من الغذاء ويدرسون ويتعلمون القراءة والكتابة. أما فيما يتعلق بعمليات القتل الجماعي، فهذه مجرد قصص رهيبة، مما يفسر محاوري الكمبوديين. ومن المؤكد أن الفلاحين المنتصرين أطلقوا النار على المتسللين والجواسيس، بيد أن الكثيرين ماتوا بسبب الألغام التى زرعتها الولايات المتحدة وخلال عملية الاستيلاء الفيتنامية اللاحقة.

ومن أجل الاستماع إلى الجانب الآخر، سافرت إلى حقول القتل في تشويونغ إيك، النصب التذكاري الذي قتل فيه الضحايا المزعومون ودفنوا. وهذا مكان على بعد 30 كم من العاصمة بنوم بنه، حيث توجد حديقة خضراء أنيقة مع متحف صغير... . وتقول لوحة أن حراس الخمير الحمر كانوا يجلبون ما بين 20 إلى 30 محتجزا مرتين أو ثلاث مرات في الشهر، ويقتلون العديد منهم. على مدى ثلاث سنوات، من المفترض، أن يصل عدد القتلى إلى أقل من ألفي شخص، لكن لوحة أخرى قالت إنهم قاموا بدفن نحو ثمانية آلاف جثة!. بيد ان لوحة اخرى قالت ان هناك اكثر من مليون قتيل. وقال نعوم تشومسكي ان عدد القتلى في كمبوديا قد يكون مضخما "بعامل قدره الف".

ولا توجد صور للقتل؛ بدلا من ذلك، المتحف المتواضع يحمل اثنين من اللوحات الساذجة تظهر رجل كبير وقوي يقتل صغيرة ضعيفة واحدة، بطريقة تقليدية نوعا ما. وكتبت لوحات أخرى: "هنا تم حفظ الأدوات القاتلة، ولكن لا يزال هناك شيء الآن" ونقوش مماثلة. بالنسبة لي، استدعت هذا القصص الأخرى التي ترعاها وكالة الاستخبارات المركزية عن الفظائع الحمراء ....
الناس الآن المسؤولون عن الولايات المتحدة ... يريدون تقديم كل بديل لحكمهم غير لائق أو دموي أو كليهما. هم يكرهون بشكل خاص القادة غير القابلين للفساد، سواء كان روبسبير أو لينين، ستالين أو ماو - وبول بوت. انهم يفضلون القادة الحريصين على الكسب غير المشروع.

الأميركيون لديهم سبب وجيه إضافي: حيث أن إشاعة عمليات القتل التي قام بها بول بوت تعمّي العيون عن الفظائع الخاصة بهم، والملايين من الهند الصينية الذين قتلوا أو عانوا على ايديهم.

(.....)

إذا نظرنا إلى الوراء، يبدو أن الخمير الحمر بقيادة بول بوت فشلوا في سياستهم الخارجية بدلا من السياسة الداخلية. في الداخل ألغوا المال، والبنوك، وأرسلوا المصرفيين لزراعة الأرز، ومنعوا المقرضين من مصّ دماء الفلاحين، وأزاحوا السماسرة. لكن فشلهم هو في أنهم لم يحسبوا موقفهم تجاه فيتنام، وحاولوا تجاوز وزنهم. كانت فيتنام قوية جدا - فقد هزمت الولايات المتحدة للتو - ولن تحسب أي هراء من إخوانهم الصغار في بنوم بنه. وكان الفيتناميون يعتزمون اقامة اتحاد هندوتشى يضم لاوس وكمبوديا تحت قيادتهم الخاصة. لقد قاموا بغزو كمبوديا والإطاحة بالخمير الحمر العنيدين الذين كانوا حريصين جدا على استقلالهم. كما دعموا الأسطورة السوداء للإبادة الجماعية لتبرير تدخلهم الدموي.

نحن نتحدث كثيرا عن الشرور التي ترتكب تحت أنظمة مستقبلية، وقليل جدا عن شرور الحكام الجشعين. ليس كثيرا ما نتذكر المجاعة البنغالية، دمار هيروشيما، مأساة فيتنام، أو حتى صبرا وشاتيلا. لقد أدى إدخال الرأسمالية في روسيا إلى قتل عدد أكبر من الناس أكثر من إدخال الاشتراكية، ولكن من يدري ذلك؟.

المقال للكاتب المقيم في موسكو "يسرايل شامير".
النص الإنجليزي الكامل:
https://www.counterpunch.org/2012/09/18/pol-pot-revisited/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا