الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تحرك الكتلة الغربية ازمة مولدافيا؟

جورج حداد

2018 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


بعد ازاحة يلتسين عن السلطة في اخر يوم من سنة 1999، وبداية عهد فلاديمير بوتين تبنت السلطة الروسية الجديدة العقيدة الجيوستراتيجية الاوراسية التي تأخذ روسيا فيها على عاتقها فتح جميع قنوات التعاون السياسي والثقافي والاقتصادي والامني والعسكري بين البلدان الاسيوية والشرقية عموما، من جهة، وبين البلدان الاوروبية عموما من جهة اخرى.
وعملا بهذه العقيدة كانت روسيا ولا تزال تسعى لحل كل المعضلات الناشئة عن ظروف "الحرب الباردة" السابقة وتفكك المنظومة السوفياتية السابقة، عن طريق التفاهم والحوار والتعاون لما فيه خير الجميع.
ولكن دول الناتو والاتحاد الاوروبي الواقعة تحت التأثير الشديد والتبعية للولايات المتحدة الاميركية، فإنها انتهجت سياسة تقوم على "معاداة روسيا" وخلق المشاكل فيها وحولها. وتبدى ذلك بشكل صارخ في دعم الحركات الانفصالية والارهابية التكفيرية الاسلاموية داخل الاراضي الروسية بالذات، وفي استغلال التسهيلات المرورية عبر الاراضي الروسية لقوافل نقل الجرحى والمؤن للقوات الاميركية والدولية من والى الاراضي الافغانية، لتهريب المخدرات من افغانستان الى روسيا، واخيرا لا آخرا اثارة النزاعات حول روسيا ومعها، كما جرى في ناغورني كاراباخ وجورجيا واوكرانيا.
وتضع الكتلة الغربية نصب اعينها تحقيق الاهداف التالية:
اولا ـ التضييق على روسيا اقتصاديا بالحصار والمقاطعة وفرض العقوبات عليها.
ثانيا ـ تطويق روسيا بالقواعد العسكرية الاميركية والناتوية في البلدان المحاذية لها.
وثالثا ـ تحويل تلك البلدان الى بؤر للفساد ومقرات وممرات للتهريب والتخريب والتجسس ضد روسيا.
وفي هذا الصدد تعمل الكتلة الغربية الان لتفجير الاوضاع في جمهورية مولدافيا كوسيلة جديدة للاستفزاز والتحدي والإلهاء ضد روسيا.
وتسمى مولدافيا ايضا مولدوفا، وهي جمهورية صغيرة عاصمتها كيشيناو وهي تبدو كجزء من رومانيا التي تطالب بضمها. وتبلغ مساحة مولدافيا اكثر من 4 الاف كلم2، وهي تقع بين رومانيا واوكرانيا. وعدد سكانها 3،5 ملايين نسمة يعمل منهم في الخارج اكثر من 1 مليون و200 الف، منهم 750 الفا يعملون في روسيا. والمداخيل التي يؤمنها العاملون في الخارج هي المصدر الاقتصادي الاول في البلاد. والتحويلات من الخارج تشكل 23% من الدخل الوطني القائم، وتحويلات العاملين في روسيا تشكل 67% من التحويلات الخارجية. ومصدر الدخل الثاني لمولدافيا هو زراعة الكرمة وصناعة النبيذ. ويتم تصريف القسم الاكبر (85%) من النبيذ وفاكهة العنب من مولدافيا في روسيا ايضا.
ويضع الاتحاد الاوروبي امامه مهمة جذب مولدافيا للابتعاد عن روسيا والانضمام الى ما يسمى "الشراكة الاوروبية" كخطوة نحو ضم مولدافيا الى الاسواق المفتوحة بينها وبين الاتحاد الاوروبي. ولهذه الغاية فإن بروكسل لا تقدم اي مشروع اقتصادي حقيقي للتعاون مع مولدافيا بل تقول مجلة "بانوراما" المولدافية انه في خلال 3 سنوات تم انفاق 330 مليون يورو على "الجماعات الضاغطة" (اللوبيات) التي تدعو الى الانفتاح على اوروبا الغربية، وهذا يعني ببساطة تشكيل العصابات الشوفينية الاجرامية العميلة ورشوة مؤسسات المجتمع المدني والصحافة والنقابات وقادة الاحزاب والشخصيات السياسية. وهذه الاموال تصبح اساسا للفساد المستشري في البلاد.
ومن ضمن هذا الاتجاه قدم الاتحاد الاوروبي بصفة هبات وقروض في سنة واحدة 336 مليون دولار، وقدم البنك الاوروبي للانعاش والتنمية 327 مليون دولار، وقدمت الولايات المتحدة 253 مليون دولار كهبات، وقدم البنك الدولي 173 مليون دولار كقروض. وقد بلغ حجم الدين الخارجي لمولدافيا اكثر من 6 مليارات دولار.
كل ذلك يجعل البلاد مقسومة بشدة الى معسكرين، فالنخبة السياسية والاجتماعية تطالب بالانضمام الى رومانيا (وبالتالي الانضمام الى الناتو والاتحاد الاوروبي). في حين ان الغالبية الشعبية تطالب بالاحتفاظ باستقلال مولدافيا واستمرار التعاون مع روسيا. وفي استطلاع عام اجري منذ وقت قريب ايد 42% الانضمام الى رومانيا والانفتاح على الاتحاد الاوروبي بينما ايد 48% الانفتاج على الاتحاد الاوروبي مع التمسك بالتعاون والانفتاح على روسيا في الوقت ذاته.
وعلينا ان نلقي الضوء هنا على وجود مسألتين اتنيتين حساستين في مولدافيا هما:
الاولى ـ جمهورية "ما وراء دنيستر" شرق دنيستر (نهر دنيستر قرب الحدود مع اوكرانيا) : وهي كناية عن شريط مستطيل على امتداد شرق نهر دنيستر، مساحتها 4 1634 كلم2، وعدد سكانها اكثر من 555 الف نسمة، عاصمتها تيراسبول، وهذه الجمهورية هي مستقلة بحكم الامر الواقع عن مولدافيا، واغلبية سكانها من الروس والاوكرانيين الناطقين بالروسية. وتطالب غالبية سكانها بالانضمام الى روسيا وايجاد الصيغة القانونية الدولية المناسبة لذلك.
والثانية ـ هي جمهورية غاغاأوزيا (Gagayzia) ذات الحكم الذاتي. مساحتها 1832 كلم2، عدد السكان اكثر من 155 الف نسمة. والغاغاأوز هم فرع تركي ولغتهم قريبة من اللغة التي يتكلم بها اتراك بلغاريا. ولكن غالبيتهم (93%) هم مسيحيون ارثوذوكس. وتقع (Gagayzia) في اقصى جنوب مولدافيا قرب اوكرانيا. ولهم برلمان خاص بهم ينتخب كل اربع سنوات، وكذلك رئيس ينتخب كل اربع سنوات ويحق له الترشح لولاية ثانية. العاصمة هي كومرات.
و"جمهوريتا" شرق الدنيستر وغاغاأوزيا هما مستقلتان تماما في شؤونهما السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ولكنهما تعتبران جزءا من مولدافيا تجاه العالم الخارجي، ومواطنوهما يستخدمون جواز السفر المولدافي في الخارج. وتؤكد هاتان الجمهوريتان الاعلان عن انهما في حال انضمام مولدافيا الى رومانيا، فإنهما ستعلنان اوتوماتيكيا الانفصال التام عن مولدافيا وتطلبان الحماية من روسيا.
وباختصار: ان مولدافيا هي جمرة متوقدة تحت الرماد. وما يؤخر الكتلة الغربية عن تحريك تلك الجمرة هو:
اولا ـ عدم الثقة بأية امكانية للنجاح والخوف من ان ينقلب السحر على الساحر من اول الطريق، واعطاء روسيا المبرر القانوني لانزال قواتها في مولدافيا بطلب من شعبها بالذات.
والثاني ـ الخوف من زعزعة الاوضاع في رومانيا والسقوط السريع للحكم الموالي للغرب فيها، الذي يترنح الان تحت ضغط الفساد المستشري والازمة الاقتصادية الخانقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
مولدافيا بين رومانبا واوكرانيا والشريط الاحمر هو جمهورية شرق الدنيستر
جمهورية غاغاأوزيا (باللون الاحمر) في اقصى جنوب مولدافيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خطا طباعي
جورج حداد ( 2018 / 2 / 7 - 09:54 )
ورد في المقال ان مساحة جمهورية شرق دنيستر هي
4 1634
والصحيح هو
4163 كلم2
ارجو المعذرة من القراء الكرام

اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا