الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السبات خارج الوعي وإشكالية التطور

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 2 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


السبات التي تعيشه الشعوب الملتصقة بالماضي وخاصة التي تعيش زمنها الماضوي بكل تفاصيله وتنحاز لثقافة أن السلف الفكري والشخصاني حالة لا يمكن أن تتكرر وعليها واجب التمسك وعدم التفريط فيه، والنتيجة أنها ربطت روحها وفكرها برباط مقدس بذلك الحال ووقائعة وأشارت إلى الفاعل الأساسي الذي صنع تلك التحولات أو ساهم في خلقها لعلها تنجح أن تعيده مرة أخرى للواقع، الأسباب الحقيقية لهذا التعلق ليس في نوعية وكيفية فعل الفاعل ذاك بل بالرمزية التي صنعها ونقلها وجسدها حلما أوحدا لها، والحقيقة أن القول جزما وأطلاقا بتحميل الواقع منسوبا للدين تلك المسؤولية هو منهج لتعميق الأزمة وتجذيرها فليس السبات الحالي والمتواصل منذ قرون وقرون من أثر الدين وأثاره الفكرية لوحدهل، بل من نتائج منطق ثقافة التنويم التي أفرزها الفشل الذاتي المجتمعي والفردي في أستحضار عوامل الوعي بالزمن وإدراك ماهيتها على النحو الذي ينتهي فيه في نقطة حرجة فيها القرار محصور بين خيارين أن نكون أو لا نكون.
حتى الشعوب الأخرى وتجاربها الواقعية والمدونة في سجلات الذاكرة الإنسانية والتي أدمنت فيها بمراحل زمنية على الأفيون والمخدرات العقلية والفكرية، نهضت بقوة من كبوتها بعد أن أستحضرت وعيها بالزمن وقوانينه ومن خلال فعل النخبة التي عابت على واقع مجتمعاتها حالة التخلف والإرباك والفوضى، وأجزمت على ان البقاء في حالة محلك سر لم ينتج لهم إلا الفقر والإذلال والجوع والتخلف وتحولوا إلى شعوب حيه ساهمت في النهضة الوجودية بكل قوة وفاعلية بل وأصبحت من المجتمعات الرائدة في تقديم النموذج الحضاري الهام لبقية الشعوب، نحن كشعوب ما زالت تبحث عن خياراته في ذات الدائرة المطغلقة والميتة ذاتها، وأن مصيبتنا الكبرى التي لا نحاول الأقتراب من رؤيتها أن الزمن لدينا لا قيمة له وأن قيمته الصفرية بالرغم من عدميتها تتحكم فينا، لذا ترانا نتصارع ونتقاتل على أحداث وأفكار وروايات حتى الماضي نسيها ولم يعد تتذكرها إلا العقول المتحجرة تقدم لها القرابين وتتوسلها كي تعود.
الإنسان الكائن العاقل المعرفي المدني حسب مصطلحات علم الأجتماع والفلسفة وعلم النفس من الضروري أن يكون بهذه الملكة التكوينية والأساسية في وجوده أن يكون ذا وعي خاص وعام، بمعنى أن وجود العقل لديه وقدرته على بناء ونقل المعرفة وأنتاجها وتوزعيها سيكون ملزما قبل ذلك أن يكون واعيا لوعيه الخاص بهذا التكوين والتكيف كأساس ومستجيب له ومتفاعل به، ومن خلال هذا الوعي الخاص سيكون ملزما أيضا بوعي عام أكبر وأعظم شمولية متعلق بالوجود كله وحركته وأسبابه وعلله، وبالتالي فأن أكتشاف قوانين التطور والتجديد هي من مخرجات ونتائج هذا الوعي وعلاته، وهو يرى أن العالم لم ولن يتوقف على لحظة تاريخية معينة أو مفترضة أو مؤرخة لديه، وأن العالم من حولنا لن يفعلها مهما كانت هذه اللحظة مفصلية ومحورية في حياته، أو تملك ما يمكن أن تحرك به الوجود في ظرفها ومحلها وزمنها الخاص.
الزمن في حياة الفكر حامل ورافع ودافع للتطور وهو محور قياسي ومعياري في تقييم أداء الأفكار والعقائد والقيم ومصدر تجديدها الدائم دون أن يكون ذلك يمعزل عن وعي الإنسان به أو بدوره في تجديد أطر وأهداف وغايات الوجود, فكل تجاهل لهذا القانون الطبيعي أو تغييب لمفاعليه لا يستند إلى وعي إنساني حقيقي بل هو نقييض للحالة الطبيعية التي يجب أن يكون عليها الإنسان في الحال المعتاد ولا أقول الحال النموذجي، وبخلاف ذلك يمكننا أن نصف من يتعمد تغييب هذا الوعي أو تجاهله أنه حال من أحوال خروج الإنسان عن كينونته وماهيته المعرفية العقلية.
من هذه النتيجة ومن خلال ما يمكن أن نفهم منها أهمية الوعي وأهمية الزمن وضرورة التجديد لا بد أن ندين أي حالة سبوت وإسبات في الماضي وفي ظروفه ومعطياته وإن لم ننكر الماضي كواقع حصل، هناك فرق كبير وعظيم جدا بأن تعي الماضي ودروسه وعبره وتسخرها في فهم الحاضر للتقديم للمستقبل، وبين أن تجعل منه قائدا ومحركا وقاعدة لا يمكن التخلص منها أو من أحكامها وتأثيراته على الحاضر، فليس كل الماضي ممكن أن يكون قنطرة للمستقبل ولا كل ما في الماضي نهاية لا يمكن تجاوزها، فالعقل الإنساني الذي صنع الحدث فيه هو ذاته الذي يمكنه وبالقوة أن يصنع ما هو أكبر وأعظم كتجربة وكحقيقية متماهية مع تطوره هو وما يمكن أن تثريه التجارب والتراكم في الخبرة وفي البحث عن مخرجات وحلول.
المشكلة أذن في تقصيرنا في تجديد الوعي وفي تجديد إحساسنا بالزمن وفي عدم قدرتنا على ربطهما معا الزمن والوعي عقليا لمزيد من المعرفة والتتابع والتجديد في قواعد بناء الذات الواعية، لذا لا غرابة حينما نقول أن تغييب الوعي هو علة العلل في التخلف وليس الفكر دينيا كان أم معرفيا بوجوهه المتعددة، العقل الإنساني في مجتمعاتنا النائمة في أوحال الماضي يمكنه مع قليل من الحرية وقليل من الدوافع الحسية أن ينجح في أستنهاض الواقع بمجمله وتحريكه نحو أفاق التطور والتحديث مهما كانت المعرقلات والمعوقات لها حضور فاعل لأن الزمن حليفه هنا والقادر على مساعدته في التخطي والعبور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة