الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإلحادوفوبيا في العالم العربي .

مهدي جعفر

2018 / 2 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يبدو أن اعتبار "أندريه مالرو" الأديب و وزير الثقافة الفرنسي السابق ، أن القرن الواحد و العشرين سيكون عصرا للدين بامتياز أو لا يكون ، اعتبار لم تظهر بوادر رجاحته حتى الآن إلا عكسيا ، إذ تعرف فرنسا (50% من الفرنسيين لادينيين) و أوربا (8% فقط من السكاندينافيين مؤمنين) و الوطن العربي خصوصا و العالم بأسره عموما (90% من سكان الصين لادينيين، 65% من الإسرائيليين ملاحدة ) ، موجهة كاسحة من التخلي على الأديان و الروحانيات المشهورة ، و بالمقابل الإقبال على العلوم و الفلسفات أو الروحانيات التي لا تتضمن نظرية معرفة تدعي الحقيقة حول الكون و الطبيعة و التاريخ ، كالتصوف بمعناه الواسع -و الغنوصي بشكل خاص- و بعض الأديان الوضعية كالبوذية ، أي الأديان التي لا تعدوا كونها مجرد فلسفات أخلاقية و روحانية ، أما الأديان التي تدّعي امتلاك الحقائق النهائية و تُأسس لنظام حياة أحادي سياسيا و ثقافيا و مجتمعيا ، فإنها تعرف توجسا في النظر إليها و تقلص دائرة الراغيبين في الإنتماء إلى عقائدها .

أكثر من ذلك ، برزت في الآونة الأخيرة خصوصا في العالم العربي ظاهرة الخروج عن الأديان الثلاثة اليهودية و المسيحية و الإسلام ، بل الجحود و عدم الإعتراف بخالق للكون . إذ إن الويب و شبكات التواصل الإجتماعي العربية غاصة بالمدونات و الصفحات و القنوات ، التي يُعلن فيها الشباب عن رفضهم للأديان و الخالق ، و ذلك عن طريق برامج في اليوتيب كبرنامج "البط الأسود" و "الجهر بالإلحاد لمن استطاع إليه سبيلا" و "قبسات من حياة الأنبياء" ، فضلا عن تنظيم هؤلاء الشباب لقاءات مع مختلف المفكرين و المثقفين العرب و الغربيين الذين يستضافون لتقديم محاضرات علمية و ثقافية لها علاقة بموضوع الأديان ، ناهيك عن تنسيق سلاسل حلقات نقاش في موضوعات بعينها كسلسلة "أخطاء القرآن" التي يقدمها "سامي الذيب" ، أكثر من ذلك تصدر مجلات خاصة بهذا الشأن "كمجلة الملحدين العرب" ، بالإضافة إلى عشرات المدونات التي تنشر باستمرار مقالات و دراسات نقدية عن الأديان ، تعالج تاريخها و أفكارها .

و كرد فعل على انتشار هذه الظاهرة ، ينتشر ما يمكن أن نسميه "الإلحادوفوبيا" في المنطقة العربية ممن يخافون على أبنائهم و مجتمعاتهم من انتشار الإلحاد و اللادينية ، ذلك ما حفز بالمقابل إطلاق مدونات و قنوات و حلقيات في المساجد تهتم بالرد على أفكار الملاحدة تارة بالتعصب و تارة بالحسنى ، بالإضافة إلى سهر مفكرين عرب مرموقين على "الرد العلمي" على الأفكار الإلحادية ، كالدكتور عدنان ابراهيم في سلسلة "مطرقة البرهان و زجاج الإلحاد" ، و سامي العامري ، فضلا عن ما يقوم به في ذات التوجه الباحث هيثم طلعت ، ناهيك عن عدد كبير من الكتب و المقالات التي تصدر باستمرار و التي تتغيى دحض و نقض الإلحاد .

هذا من جانب الرد الفكري على موجهة الإلحاد ، أما من جانب الرد القانوني فإن معظم الدول العربية تحجر على حقوق الملحدين في كثير من مناحي الحياة ، إذ لا يسمح لهؤلاء بالإفطار العلني في رمضان ، كما تشدد كل وزارات الأوقاف العربية على عدم إسقاط حكم المرتد ، كما تمنع مختلف الحكومات نقد الأديان و تعتبره ازدراءا و استهزاءا ، ذلك ما دفع هذه الحكومات إلى سن قوانين ترفع سقف العقوبة إلى السجن و الغرامة على كل من انتقد الشرائع و الأديان . و هو ما دفع مجموعة من الخارجين عن الأديان في العالم العربي إلى إختيار الهجرة ، كالمسيحي رشيد الحمامي المعروف بالأخ رشيد ، و هشام المعروف بكافر مغربي ، و شريف جابر و وليد الحسيني و غيرهم ، إذ إن أشهر المتحولين دينيا أو الملحدين العرب لا يتواجدون في بلدانهم ، بل كل نشاطاتهم تتم من أوربا و أمريكا .

كما إن الباب مفتوح على مزيد من القوانين القامعة لحرية الدين و التدين ، فلا يخفى على المهتمين أن التاريخ لم يوجد فيه الدين فقط ، بل أينما تواجد الإيمان وجد الإلحاد كذلك ، و حيثما وُجد التدين وُجد اللاتدين أيضا ، ما يجعل هذين المتناضقات مكونات أساسية لا تخلوا منهما أي ثقافة ، ذلك ما يجعني غير متفق مع الإستهزاء بالمقدسات ، و من جهة أخرى أرفض التضييق و محاربة الإلحاد بأي شكل من الأشكال ، إلا مناضرته فكريا و علميا ، و نفس الشيء اتجاه الأديان ، فبين الميوعة و التضييق أجد نفسي منتصرا للحرية ، فمن أراد أن يلحد فل يلحد ، و من أراد أن يؤمن فل يؤمن ، لكن لا لمن أراد أن ينتهك حرمة المقدسات ، و لا أيضا لمن أراد قتل الإنسان أو التضييق عليه على أساس هويته الإلحادية أو اللادينية .

مشكلة العالم العربي لا تختزل في إلحاد بعض الشباب ، بل ذلك يمكن فهمه كنتيجة ربما و ليس كسبب . فكما يرى الدكتور "محمد شحرور" فإن الإلحاد العربي هو ظاهرة سياسية و ليست دينية ، هو نتيجة لفشل السياسة التي أخفقت باسم الدين (خصوصا الإسلام) إلى تأسيس كيان قابل للعيش بكرامة ، ذلك ما دفع بعض ضحايا هذا الإخفاق إلى الكفر بكل من الدين و السياسة . هكذا فاللاتدين و اللاإيمان يجب أن يفهما في سياقهما الإجتماعي و السياسي ، و كذا "العلمي" فلا يُستساغ أن تتقدم العلوم و تتراكم ، و تقدم أجوبة موضوعية عن أهم أسرار الطبيعة و الحياة ، و بالمقابل يرتد رجال الدين إلى معرفة القرون الوسطى غير آبهين ، و أحيانا مُكفرين للمعارف العلمية و الفلسفية المعاصرة ، ما يجعل بعض الشباب يكفرون بمعارف الشيوخ الدينية التي تبدو لهم مثيرة للسخرية ، و يؤمنون بمعارف العلماء و الفلاسفة و المفكرين .

لا يصح أن نترك نظريات "ألبرت آينشتاين" و نتشبث بما يقوله العريفي ، لا يمكن أن يترك الشباب معارف "ستيفن هوكينغ" و يؤمنون بما يقوله الشيخ الحويني ، لا ممكن إسقاط علم "تشالز داروين" و "طوماس هكسلي" و "هربرت سبينسر" ، و تعويضه بعلم الشيخ حسان و الشيخ الفوزان و الشيخ محمود المصري ، كما لا يمكن الإعراض عن نظريات علم الفلك و الطبيعة و الفيزياء و علم النفس و الأنثروبولوجيا ، و اتباع علم السماوات و الأراضون و ما بينهما ، و اتباع طب بول البعير و الحبة السوداء .

كلما في الأمر ، هو تضارب في معرفتين حد التناقض يصعب التوفيق بين مقالاتهما . فإذا كان العلم يقول بأن أصل الإنسان مشترك بينه و بين باقي الكائنات الطبيعية ، فإن العلم يقول أن الإنسان أصله ليس إلا التراب ، إذا كان العلم يقول بتكون الكون في ملايين من السنين حتى ظهر في حلته الحالية ، فإن الدين يقول بأن الله خلق الكون في ستة أيام فقط ، كما إذا كان العلم يأرخ إلى سلالات بشرية يصل عمرها إلى أكثر من 300.000 سنة ، فإن الدين يفيد بأن الحياة الطبيعية لم تظهر إلا قبل قرون يسيرة من ميلاد المسيح ، إذا كان العلم يصرح بإمكانية صعود الإنسان إلى الفضاء ، فإن الدين يقطع باستحالة ذلك ، و يعتبر أن النجوم و الكواكب مجرد حارسة للسماء ، إذ تمنع صعود أي مخلوق إلى الفضاء . إذ يكاد لا يتفق العلم ممع الدين في أي من استنتاجاته المعاصرة ، و ذلك ما يسلك بالدارس و الباحث مسلك العلم و المعرفة ، لا مسلك الدين و المشيخة .

غير أن الخلافات بين كل من الدين و العلم ليس مبرر لهدم بعضهما البعض كليا أو التقليل من شأن الواحد من الآخر ، بعبارة أخرى لا يصح الإيمان بالدين على أنه علم ، كما لا يصح الإيمان بالعلم على أنه دين ، كل منهما معرفتين بشريتين ، يمكن العيش بهما معا كإيمان توفيقي ، أو بأحدهما أو بدونهما ، و إن كان قرار العيش بدون علم في زمننا الحاضر ، يعد حكما بالمؤبد على صاحبه في سجن التخلف .

أخيرا ، ما يهم هو الدعوة إلى الكف عن الإستهزاء بالأديان ، و بالمقابل الدعوة إلى تحرير الإنسان و تمليكه القرار الديني و الثقافي ، فمن الحرية أن يؤمن الإنسان ، و من حقه أن يلحد أيضا ، فلا الأديان ستنقرض و لا الإلحاد سينتهي ، الأهم هو أن لا ينقرض الإنسان و أن لا تُداس حريته و كرامته ، و أن لا يُنتهك حقه في الحياة كما يريد هو و ليس كما يريد الآخرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال