الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في السعودية الثورة بالمقلوب

وفاء البوعيسي

2018 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



مقدمة
صدمت التدابير التي اتخذها الأمير محمد بن سلمان، على صعيد القضاء على الفساد وحقوق المرأة والفنون، العالم الاسلامي والدولي، وسرعان ما تبعتها اجراءات تسمح للنساء بدخول الملاعب الرياضية، والتوظف بمهن كانت ممنوعة، وإعلان وزارة التجارة تخليها عن طلب موافقة ولي الأمر، لأي أمرأة ترغب بإقامة مشروعها الخاص، في بلد عُرف بماضويته وتزمته الديني، الأرواح والثروات فيه ملك عائلة مستبدة، مدعومة بمنظومة دينية راديكالية، سعت باستمرار لتصدير نموذج تدينها للعالم كله، وأعترف شخصياً بحيرتي في فهم سلوك الأمير الشاب، الذي بدا لي أنه يقود ثورةً من القمة، يسوّق عبرها لإسلام معتدل، يهدف إلى إحداث تحول جذري في وقائع الإسلامي السني بالمنطقة، والقائمة على رفد القرار السياسي بالفتوى، كما جرت العادة ببلده، وبمصر وليبيا واليمن والسودان والصومال عدة مرات، وتقديم مقاربة جديدة لهذه الوقائع، تقوم على تجاوز الدين، واعتماد الوقائع الموضوعية الدنيوية وحدها لإنتاج أي قرار سياسي من الآن فصاعداً، لكن الملاحظ أن الأمير الشاب، قد استهل مكافحته للفساد، بملاحقة أتباع ابن عمه المخلوع محمد بن نايف، وكافة المنافسين المحتملين له من عائلته، ليضعف نفوذهم ويطيح بمراكزهم، دون خطة تحقيق شفافة، تُطرح للنقاش القانوني العلني أمام الشعب.
وما بحوزتي الآن مجموعة ملاحظات أسجلها على هامش تلك التدابير الفجائية:

توقيت اتخاذ تلكم التدابير
إن حزمة التدابير تلك، جاءت على خلفية توترات داخلية وخارجية تهدد استقرار المملكة، فقد أنفقت مئات المليارات في حروب خاسرة مع إيران في جبهات لبنان، سوريا، العراق، اليمن، عدا عن إنفاقها الباذخ على بناء المساجد والمدارس الدينية، ودعم غلاة الأئمة والمعلمين في أدونيسيا، ماليزيا، ليبيا، الفلبين، تونس، أوربا ... الخ، وبالمقابل، توسع جبهات إيران المطرد بسوريا واليمن والبحرين، وتنامي علاقة قطر بها على حساب مصالح السعودية والخليج العربي كله، مع مؤشرات نضوب النفط، الذي لم تستغله الأسرة الحاكمة في التنمية المستدامة، لذا توجب إيجاد اقتصاد مستقبلي بديل وثابت، بمجالات لم يعرفها المواطن السعودي، كالسياحة والتكنولوجيا والتطوير الصناعي، ما يتطلب فرض تغييرات داخلية، تهيء البلد له، وإحلال بنية قيمية عصرية تسمح باستيعابه، وبالتالي فهو تغيير لا يستجيب لأي ضغط حقوقي داخلي، إذ لم يراجع الأمير محمد لحد اللحظة، ملف سجناء الرأي الذين كانوا يعارضون سياسات النظام وينتقدون ماضويته، ويناقشون ضرورة تبني قيم الديموقراطية والشفافية والتحديث، كما لم يتخذ بعد قراراً واحداً يخص حقوق الأقلية الشيعية.

ضبابية إجراءت محاربة الفساد وتبعاتها
إن تدابير مكافحة الفساد جاءت بالجملة، ضد عدد غير معروف من الشخصيات النافذة،
الظاهر منها حتى الآن، أمراء ووزراء سابقين ورتب عسكرية، كثير منهم رجال أعمال معترف بهم دولياً، وهم شركاء بحصص مرموقة في آبل، چوچل، تويتر، سيتي جروب، بورصات أميركية وآسيوية، عشرات العلامات التجارية العالمية، تكتلات اقتصادية مهولة بالشرق الأوسط، محطات تلفزيونية غربية، صناعات نفطية، والأمير يتصرف كحاكم مطلق ووحيد للبلاد، يقصي نفسه وثروته من المحاسبة، وينتهج سياسة تشي بتطهير طريقه من العقبات صوب العرش، ما قد يهز ثقة المستثمرين الدوليين بالمملكة، والخشية من صعود توترات سياسية ودينية داخل العائلة المالكة، قد تؤثر في شراكاتهم المستقبلية هناك.

الفجوة المرتقبة
إن تجارب المجتمعات التي انتقلت إلى التحديث الحضاري على جميع مستوياته (سنغافورة، كوريا الجنوبية) استلزمت وجود نهج عملي تدريجي وشفاف، يستهدف التغيير الاجتماعي والثقافي بالبلد، وقد أشركت الشعب بمكوناته الثقافية في هذا الانتقال، أما بالسعودية (وسابقاً ليبيا)، فالتغييرات فجائية متسارعة ومن طرف السلطة، ستظهر معها ولا شك فجوة على عدة مستويات:
أولاً مستويات مجتمعية، تقاوم التطور بسبب غياب منظومة راسخة من القيم المتسامحة مع المرأة والفنون في العقل الجمعي للسعوديين، وعدم تهيئة الرأي العام جماهيراً لذلك.
ثانياً مستويات قانونية، تجهض المشروع بسبب غياب أرضية قانونية وعقليات مؤهلة ومقتنعة بالتغيير.
ثالثاً مستويات بيروقراطية إدارية، تعرقل التنفيذ وتؤخره.
رابعاً مستويات دينية، تحرّم المشروع الذي يتعارض مع الهوية السعودية، والتاريخ الديني للملكة منذ قرون.

موقف السلطة الدينية
إن التدابير الخاصة بالفساد مبهمة، ولا يُعرف ما إذا كانت قد استهدفت رجالاً من الهيئة الدينية الأكثر تجذراً بالبلاد، أو شخصيات دعوية أو مفتين أم لا، مع أن كثيراً منهم لا يقلون ثراءً وتبطراً عن الأمراء والوزراء المستهدفين، بل أن الثابت إن تلك الهيئة، غالباً ما وجهّت ممارساتها السلطوية العنيفة للشعب، لكنها لم تتعرض بجدية للفساد المستشري بالحكومة، ولا سلوك الأمراء الأخلاقي والمالي خارج البلاد، الذي يعارض النسخة الدينية التي ارتضتها السعودية لنفسها وللآخرين، وبقيت على تملقها ومداهنتها للفساد الملكي.

ستلُقي هذه التدابير بظلال ثقيلة على الحلف التاريخي الذي كان سبباً في ظهور المملكة السعودية كما نعرفها اليوم، وهو حلف يضمن السياسة لآل سعود، والشؤون الدينية والفتوى لآل شيخ على نهج محمد بن عبد الوهاب المتزمت، وعائلة آل شيخ متنفذة، تمتلك رؤوس أموال ومنابر إعلامية فضائية بالبلد وخارجه، وهي اليوم تُصدم بتغيير واقع ديني اجتماعي ثقافي عمره قرون، بقرارات سياسية مرتجلة صدرت في دقائق، وترى شيوخاً موقرين يستهزء العالم بهم، وهم يتراجعون عن فتوى تحريم لبس العباءة، التي ساقوا بسببها النساء للسجون بالسياط، وتحريم عيد الحب الذي يعتبرونه من آكد الضلالات، وتحريم الاختلاط بالملاعب وأماكن العمل بعد أن سوقوا قروناً للفساد الذي ينجر عنه ... الخ.
والأمر الآن يحتمل واحدة من الاحتمالات التالية:
أولاً، أن تشهد المملكة بروز جيهيمان العتيبي آخر، يقود حركةً مسلحةً على العائلة المالكة تستهدف إعادة الأمير لاحترام حلف أسلافه مع آل شيخ.
ثانياً، أن تلوذ السلطة الدينية بالحياد، وتتربص بأمير أو ملك آخر يعيدهم إلى الواجهة والشغل بالفتوى من جديد، أو قد تستعجل ظهوره مستغلةً الضغينة ضده داخل العائلة.
ثالثاً، أن يركنوا للمداهنة والنفاق إرضاءً لولي نعمتهم، فيحبون ما يحب ويكرهون ما يكره، ويروجون له كإمام سحب الله نسخة واحدة منه، وقد أسقطته السماء بالحداثة والتنوير لإنقاذ البلاد، ويعيشون معه في شرنقة بعيداً عن الطبقة الشعبية الكادحة والمقهورة، كما سبق للجماعة السلفية التونسية أن فعلت، حين داهنت الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، فأحبت الحداثة على طريقته، وعادت اليسار والأحزاب القومية والشيوعية كما عاداها، ومع الوقت، ظهرت بالواجهة حداثة براقة على مستوى حقوق الإنسان، لكنها تكاد لا تعني شيئاً لشرائح الشعب بالمناطق الفقيرة والمهمشة، وهي تصر على التمسك بالهوية الإسلامية، أعطت أصواتها بالملايين لحزب إخواني وتر البلاد والعباد، مع بروز عدد مفزع من المتطرفين بالداخل والخارج اتتشروا في العالم أجمع، كما ظهر بإحدى مدنها (بن قردان) جماعات لا يُستهان بها من النساء والرجال المسلحين، يعلنون قيام إمارة إسلامية هناك، هذا لأن التغيير فُرض من القمة عن طريق ديكتاتور مستنير، لم يستصحبه استجواب شجاع للنصوص الإسلامية بين حديث وقرآن، ولم يُنجز سؤال الهوية الوطنية للبلاد، وما يقال عن بورقيبة يقال عن كمال أتاتورك، ديكتاتور آخر مستنير، فرض تغييرات على الشعب من القمة، لكن هذه التغييرات تبخرت بتصدر حزب إخواني لا يتردد في إعلان رغبته باستعادة الخلافة على العالم كله من جديدة، وبالنهاية، لم ينجُ أياً من البلدين من الردة الأصولية في أول انتخابات سانحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخراب المرتقب
محمد البدري ( 2018 / 2 / 20 - 10:40 )
اتمني ان ما يفعله هذا الارعن الامير يأتي بنتائج تكون خرابا علي المملكة مثلما كانوا مخربين لكل وطن لوثوه بالاسلام


2 - أستاذة وفاء
جلال البحراني ( 2018 / 2 / 20 - 22:05 )
الثورة بالمقلوب تعني، ثورة من أعلى؟ لكن لماذا يثور من هو أعلى على نفسه، ويقلب نفسه؟
كأننا نقول الرأسماليين يثورون على أنفسهم ويريدون تطبيق الشيوعية!! ههه
الطبقة الحاكمة، في السعودية ليست بحاجة للإنقلاب على نفسها، نساؤهم ليسوا بحاجة لرخص قيادة فهم يسوقون، أكبر السيارات الفارهة، يسبحون بالمايو بأي مكان، بقصورهم ليس سينما بل ما هو أحسن، لا يستمعون للموسيقى، بل يحضرون المغنين والراقصات ليقدموا عروضهم حية أمامهم
اعتاد التقدميين العرب، على تعبيرات، الثورة من فوق!! على الرغم من علمهم أنه عين الزيف والكذب
كل ما في الأمر أن الشعب (طفش) ثار على الكبت والحرمان، خصوصا بعد ثورة التكنولوجيا ورؤيتهم العالم يعيش بحرية، بدأوا بالشكاوى حول العالم، من أمريكا لأستراليا
خجل الأمريكان من أنفسهم والقادة الأوربيون انفضحوا أمام شعوبهم لدعمهم النظام السعودي، فأوعزوا للأمير (على الأقل دع المرأة تسوق والناس تذهب للسينما) بدل ذهابهم لدبي والبحرين يسوقون ويشاهدون السينما!
أمريكا قائدة الحرية المزعومة، تدعم أكبر نظام بالعالم لا حرية ولا ديمقراطية، مكان، إسمه زريبة إنسان، أتعس زريبة حيوانات أفضل منه حرية!


3 - رحم الله
ماجدة منصور ( 2018 / 2 / 21 - 04:50 )
من قال: ان الشعوب على دين حكامها0
بعد حين...ستجدي أن شعب المملكة قد أصبخ على دين حكامه0
فلا تستعجلي أيتها المحترمة0

اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ