الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قد لا يأتي الأمل أبداً

عبدالله بير

2018 / 2 / 24
الادب والفن


" لا بد أن يأتي في يوم من الأيام ، يخرجني من هذه القذارة " هكذا كان عزت يتحدث إلى نفسه عندما يكون وحيدا أو وهو يحفر الارض لأساسات دار ما أو ينقل قوالب إسمنتية وهو في اقصى حالات الإرهاق . كان هناك أمل يحاول أن يشرق بين طيات افكاره القاتمة .لم يتولد هذا الشعور لديه بعد الزواج و الأعباء الثقيلة التي رافقت زواجه ، إنما كان يرافقه في ايام العزوبية ايضاً . عاش عزت في اسرة فقيرة في ضواحي المدينة ، كان والده عامل بناء ، ولديه عائلة كبيرة تتكون من زوجة و أحد عشر طفلاً ذكوراً و اناثاً ، وكان تسلسل عزت من هذه السلسلة الرابع . دخل عزت المدرسة في السنوات الأولى من عمره ولكن تركها فيما بعد ليلتحق بوالده و اخوته الذكور في العمل . بعد أن تزوج عزت بفتاة تصغره بعامين ،ترك المنزل مثل باقي اخوته الأكبر منه ، لم يتجاوز عزت العشرين من العمر حبنما تزوج و ترك المنزل ليحمل اعباء الأسرة و الأطفال .استأجر عزت بيتاً أو شبه بيت, كان مكوناً من غرفتين ضيقتين و ملحقاتهما . كانت حياته هادئة في البداية حيث هو و زوجته وحيدان في البيت ، و ما أن مر عام حتى ملأ ضجيج أول طفل لهما البيت و تغير النظام كله ،زادت المصروفات و قل الخروج و السهر عند الأصحاب و الأصدقاء . بدأ يحس بأن حياته انقلبت رأساً على عقب . واستمرت سلسلة الولادات حتى الطفل الرابع ذكراً و أنثى ، ملئ البيت بالأطفال ، بقي عزت في البيت نفسه ، و مع توسع العائلة صَغُر البيت شيئاً فشيئاً ، حتى ضاق به ، لم يكد يعود إلى البيت من العمل مع والده مرهقاً و تعباً ، حتى تنهال عليه شكاوى الأولاد و البنات و الزوجة الكل يشتكي على الكل ، فوق ما كان يعاني من جسده كان يعاني من جيبه ايضاً ، لان العمل قل و الشتاء على الابواب ،فالعمل في هذه الايام يقل و المصاريف تكثر .كان كل فكر عزت يدور حول كيفية توفير قوت الشتاء و مواد التدفئة و ملابس للأطفال ، بدا يمد يده إلى مدخراته كي يعوض ما ينقصه من المال ، بقيت فكرة المنقذ لديه ثابتة و كانت بالنسبة اليه كعقيدة يؤمن بها و يردد مع نفسه دائماً في البيت و في العمل " سياتي في يوم ما و يقول لي ، يا عزت انا صديقك القديم فلان ، ماذا تعمل الآن ؟ تعال عندي ، فانا غني جداً ، اعمل عندي و سأغير حياتك ، ساهب لك بيتاً و سيارة و ملابس جميلة و طعام راقي ، تعبت كثيراً ، تعال و استرح الآن ". وفي كل مرة يصحو من هذا الفكرة و والده يوبخه لكسله و لتباطؤه في العمل .
في احدى الليالي ، وبينما تشتكي له زوجته من سوء الحال و قسوة الحياة ، البنات بحاجة إلى ملابس جديدة و العيد على الابواب و البيت بحاجة إلى اغراض ، و هي ايضاً بحاجة إلى مستلزمات لاستقبال مولودها الجديد قال لها عزت :
- اصبري ، سيأتي ، حتما سيأتي ، لن يخيب ظني أبداً .
كان عزت في تلك اللحظة بين حالة الهذيان و الصحو و لم يكن يعرف ماذا يقول ، فقالت زوجته :
- مَن الذي سيأتي ؟ هل سيأتينا ضيوف ؟ ماذا تقول ؟
مع هذه الكلمات أفاق عزت و قال :
- ماذا؟
فردت زوجته :
- من الذي سيأتي ؟
فقال بهدوء و كان غارقاً في تفكير عميق جداً :
-لا شيء ، لا شيء ، إنها مجرد فكرة .
سكت عزت لبعض الوقت فردت زوجته مرة أخرى بأن و أولادها بحاجة إلى ملابس جديدة للعيد و مستلزمات و حاجات للبيت و عليه اعطاءها بعض المال ، لكن عزت هز راسه موافقاً وقال :
- غداً سأتدبر الأمر .
تمتم عزت يتكلم مع نفسه :
- نحن على أبواب الشتاء ، أرجو أن يأتي صديقي في هذه الأيام و إلا سيكون هناك مشاكل ، إلى ذلك الحين يجب أن أتدبر بعض المال لأتجنب الثرثرة في البيت .
في احدى ايام الشتاء الماطرة و البرد قارس ، كان عزت يجلس القرفصاء في احدى زوايا المقهى ، وكان الجو كئيباً في الداخل و الخارج ، ففي الداخل دخان سكائر ، وبخار اباريق الشاي ، وصيحات الزبائن الذين يلعبون الدومينو و لعبة الطاولة ، بينما في الخارج مطر غزير و ضباب كثيف و رائحة عفونة و رطوبة تملأ انوف المارين ، ولم يتوقف المطر منذ الساعات الأولى من الصباح لذلك كان هذا اليوم بالنسبة لعزت يوم عطلة ، وفي العادة يذهب إلى المقهى في مثل هذه الأيام لقضاء الوقت بعيداً عن ضوضاء البيت و الأولاد. القي عزت نظرة إلى الخارج من خلال الزجاج المغطى بالبخار و قال في نفسه :
- اليوم ، لم اذهب إلى العمل أيضاً ، متى سيتوقف المطر يا إلهي ، إن لم يتوقف المطر الليلة ، سأكون مضطراً أن استدين بعض المال و مرة أخرى سأكون مديوناً فوق طاقتي ، يا إلهي كن عوناً لي .
يحاول التخلص من رماد سيكارته و هو غارق في التفكير ، سمع صوتاً غريباً يناديه :
- عزت ، عزت
رفع عزت رأسه بهدوء و نظر إلى جهة الصوت ، فسمع مرة أخرى يناديه :
- عزت ، انت عزت أليس كذلك ؟
فرد عزت عليه :
- نعم ، انا عزت ، تفضل أخي ماذا تريد ؟
فرد صاحب الصوت :
- أنا صديقك عامر ، صديق طفولتك ، صديقك في المدرسة ، ألا تتذكر عامر البدين ؟
ما أن سمع عزت هذه الكلمات ، و كأنما انقشعت كل الغيوم التي في السماء و اشرقت الشمس ، وأنار وجهه ضياء غريب ، و اصبحت ابتسامته بارزة على وجهه ، و قام من مكانه و استقبله أحسن استقبال ، وهو يردد في نفسه :
- ألم أقل إنه سيأتي في يوم من الأيام . ها قد أتى .
اجلسه عزت بجانبه ،رحب به ترحيباً عظيما ، طلب له كوب شاي و اعطاه سيكارة ، سعد به عزت أيما سعادة ، أول ما سأله عزت كان عن حياته و اختفائه كل هذا المدة وقال :
- عامر البدين ، ولكن لم تعد بديناً مثل قبل ، اين كنت ؟ وماذا فعلت في حياتك ؟ ومن أين تأتي ؟
لم يدعه عزت ليجيب على هذه الأسئلة حتى انهال عليه بوابل أخر من الأسئلة ، وكان في نفسه رغبة قوية بان يقول له عامر " قم يا رجل ماذا تفعل في هذا الوكر الوسخ ، قم دعني البسك الحرير ، واطعمك ما لذ و طاب ، تنام على ريش النعام " و لكن كان عامر يضحك و هو يشرب الشاي ، لم يجيب عن اسئلة عزت و طلب منه أن يحدثه عن حياته ،فتحدث عزت عن حياته ، و المصاعب التي يواجها ، في سبيل إعالة عائلته ، وهو يتنظر مولوداً جديداً ، اما صديقه عامر فتحدث عن البلاد التي سافر إليها ، كيف يعيش الناس هناك ، ان الحياة في تلك البلاد صعبة للغاية ، ولا يستطيع المهاجر الاندماج سريعاً في تلك المجتمعات و يبقى غريباً عنها مدة طويلة ، ومَن لم يتحمل ذلك يعود إلى وطنه ثم قال :
- انا منذ عشر سنين سافرت إلى خارج الوطن ، مررت بدول كثيرة ، سافرت و معي مبلغ من المال ، ولكن لم اتزوج بعد ، افكر الآن في الزواج ولكن ، أولاً يجب علىّ أن استقر في البداية ، وأن أجد عملاً ، لأنني لن اعود إلى الخارج مرة أخرى.
ثم تحدث عامر عن أيام الطفولة و المدرسة وتصرفاتهم البلهاء في ذلك الزمن ، ثم اضاف :
- بحثت عنك كثيراً يا عزت ، حتى وجدتك ، لأنني في حاجة ماسة إليك ، لم أجد أحداً غيرك كي اهرع إليه ، تعرف أنني بعدت منذ زمن عن هنا و كل شيئ تغير ، و لم أعد أعرف الناس الآن لذلك لجات إليك ، في الحقيقة أنا مدين بمبلغ كبير صرفته في طريق عودتي من الخارج ، و لا املك فلساً واحداً الآن ، لذا رأيت من الأحسن ان ألجأ اليك لتساعدني ، اعطني مبلغاً من المال سارده اليك حالما أستطيع ، وخذني معك إلى العمل . فهل لك أن تساعدني في ذلك ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع