الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الايديولوجيات الاسلامية، والتركية منها، واللعبة الدينية ضد الهوية الكوردية

سامي عبدالقادر ريكاني

2018 / 2 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يطرح اليوم السؤال حول، هل ستتنازل تركيا الاسلامية لبشار ضد الكورد في نهاية المطاف كما تنازلت لروسيا وايران بعد فشل تعاونها مع داعش في كوبانى بالامس، واليوم في عفرين؟. وفي نفس السياق يتسائل البعض، هل ستنجح تركيا في مسعاها هذا؟.
وسواء اكان الجواب بالايجاب اوالنفي فانها لن تغيير من مصير المعادلة الكوردية في ذهنية بعض المتاسلمين، لان مجرد محاربة الكورد يكفي تبريرا لشرعنة الحرب ولتقبل أي تنازلات للاخر ولتغطية أي فشل لاحق، لكون محاربتهم لدى الايديولوجيات الاسلامية تدخل ضمن الواجب الديني المقدس المقدم على جميع الواجبات الاخرى الموجهة ضد غيرهم من الاعداء ؟. وفي هكذا دول او مجتمعات نتسائل هل بقي للكورد حاضنة تحميها بعد الان من عنف هذه الايديولوجيات الاسلاموية، بعد ان غدت هذه الحركات تعمل في كنف دول قومية قطرية متصارعة تسعى كل منها جاهدة لتتحول الى امبراطوريات قومسلاموية؟
توجه تركيا الجديد تغير كثيرا بعد ابعاد اهم راسمي سياساتها الخارجية والداخلية عن الحياة السياسة ومن قيادة الحزب الحاكم، وهما كل من(احمد داود اغلو وعبدالله كول)، على ايدي الرئيس الحالي وبعد تصفية الاخير للحزب من بقية رفقاء الدرب الطويل ممن بقي عنده نفس بسيط من الاستقلالية في الرؤية، ناهيك عن من يفوح منه رائحة عدم الرضا ولو البسيط حيال طموحه السلطاني، فهؤلاء لاينتظرون لمصيرهم سوى التهميش او السجن او الخروج من السلطنة.
السياسات التركية المريضة تخبطت كثيرا بعد خروجها عن مسارها القديم وكل نتائجها لم تاتي على المنطقة سوى بالدمار، وباستمرار الازمات، وفقدان الامل من أي خروج من المآزق الحالية، بل الادهى من كل هذا ان أي خطوة خطاها الحكومة الحالية سواء على المستوى الداخلي اوالخارجي لم تاتي الا بعكس نتائجها، ابتداءا من تنازلاتها المستمرة لخصومها واعدائها التاريخيين كل من(روسيا وايران والعراق) وانتهاءا اليوم ببشارالاسد، الذي يتباحث نظام انقرة واستخباراتها اليوم مع كل من روسيا وايران وبعلم ورضى امريكي ايضا للخروج من الازمة التي اوقعت نفسها فيها في عفرين، باحثة عن ثغرة تنفذ من خلالها الى الحوار مع دمشق من اجل تقديم التنازلات لها، مقابل ضرب الكورد في عفرين، بعد ان ضربت المعارضة السورية وباعتهم للنظام السوري، وقبلها لداعش، وكما تلاعبت هي وايران بمصير السنة في العراق ودمرت مدنهم على ايدي داعش، ومن ثم دفعتهم للتفاوض والرضوخ لبغداد، ومصير كورد العراق الحلفاء الرئيسيين لانقرة لم تكن بافضل حال من اخوتهم السنة العراقيين، فقد تعرضوا لاكبر خيانة على ايدي النظام التركي بعد اعلان الاستفتاء الكوردي حيث تم بيعهم لايران بابخث الاثمان.
والعجيب في الامران كل سياسات تركيا الداخلية الاخيرة لم تاتي بنتائجها الايجابية الا لصالح ترسيخ سلطة الرئيس الحالي وتحويل تركيا الى سجن لكل من يتافف من تصرفاته، والاعجب من كل هذا ان كل ماروج عن مشروع الحزب الاسلامي الحاكم في تركيا لم نرها الا واختزلت اهدافها الخارجية لتنحصر في تحقيق نقطة واحدة فقط، وهي ابراز الكراهية والعداء للكورد .
بل الملفت في الامر ان كل هذا الفشل يساق له ابواق النظام على كونها سياسات سلطانية ناجحة، متباهين ومبرهنين على ما يرتكبه هذا النظام ضد الكورد على الارض عسكريا، وبما يتامرون استخباراتيا وسياسيا ضدهم عبر الاتفاقات مع بقية اعداء الكورد، مراهنين في عملهم هذا على الحشد العاطفي الديني والقومي لتثبيت وهم النصر الزائف في الوعي الجمعي لدى الشارع التركي، وفي وعي الشعوب الاسلامية المخدوعة بشعاراتها وادعائاتها حول الدفاع عن الاسلام والمسلمين، وبتصريحاتها وتحذيراتها في تضخيم الخطرالكوردي التي تحاول تركيا من ورائها اقناع الشارع الاسلامي بايجاب اعطاء الاولوية لمحاربة الكورد بدل محاربة العدو الخارجي من الدول الاخرى المتربصة بتركيا الخلافة، كايران وروسيا وامريكا ، وذلك للتغطية على فشل سياساتها امامهم، وكذلك ابتغاء تهيئة الارضية للتامرضد الداخل التركي ايضا عبر محاولة انجاح اسلمتها او عثمنتها مستقبلا بعد انجاح تثبيت السلطان في الانتخابات المقبلة .
فاذا لم تكن الصورة كذلك فما الذي حققته السياسات التركية على المستوى الخارجي حسب شعاراتها الاسلامية سواء للمجتمع السني امام ايران ومخططاتها، ام للمجتمع الاسلامي امام المؤامرات الغربية الكافرة(روسيا، امريكا) ضد الشعوب المسلمة كما تدعيها، او امام النظام السوري وقتله لنصف مليون من شعبه، او ضد اسرائيل وانتهاكاتها ضد الشعب الفلسطيني، فهل خرجت سياساتها واعمالها عن حيز الشعارات والتصريحات الجوفاء والمتناقضة والمتخبطة؟، وهل كانت نتائجها سوى الخضوع والخنوع والتسليم لجميع اعدائها، وبعد التضحية بكل من وعدتهم من اصدقائها ممن اغرموا وخدعوا بايديولوجيتها الاسلامية ومن ثم باعتهم لهذا وذاك عبر اتفاقات استانة وسوتشي،بعد اللقاءات المكوكية لقادتها بين(طهران وموسكو وبغداد ودمشق)، وكل ذلك فقط مقابل ضمان بقائهم على سدة الحكم.
فلو نظرنا الى اسباب هذا العداء المترسخ في راس القيادات التركية من قادة حزب العدالة والتنمية ضد الكورد فلن تاخذ بنا التفكير بعيدا للبحث عن الاسباب الكامنة ورائها، خاصة اذا نظرنا الى خلفية الحزب الايديولوجية، التي تنتمي الى نفس المدارس الحركية السياسية الاسلامية التي ظهرت في المنطقة العربية على خلفية سقوط الخلافة العثمانية، والتي نشطت في العالم الاسلامي وتبنت منهجيات مختلفة في اعمالها السياسية، ولكن كل هذه الحركات في نهاية المطاف تتلاقى عند نقطة واحدة، وهي محاولة اسلمة المجتمع والدولة وفق منهجية واحدة ووحيدة لاتعبر سوى عن ايديولوجية الحركة وفلسفة وطموح قائدها الذي يعبر عندهم عن ظل الله على الارض.
وبهذا ولاول مرة في تاريخ الاسلام تتحول سياسة الدولة وادارتها عن كونها شأنا تدبيريا حسب الفقهاء القدامى ليتحول على ايدي هذه الحركات الى شأن تعبدي وليصبح فيما بعد فرضا دينيا مرتبطا بالامورالعقدية. لذلك اصبح السلوك العنفي والرغبة الانفرادية في القراراهدافا راسخة ومكنونة في اللاوعي الجمعي لدى كل التنظيمات الاسلامية الحركية. وبهذا نرى ما ان يصل اصحاب هذه الايديولوجيات او حركاتهم الى مرحلة التمكين السياسي او العسكري الا وستجدهم رافضين للاخر ولايقبلون باي توجه او رؤية مخالفة لفلسفتها حول الدين والدنيا.
ومن الواضح ان الحكومة الاسلامية التركية كمثيلاتها الايرانية والعربية تحاول جاهدة لتثوير تصورات وأفكار كامنة في عقول شعوبها مع استدعاء أفكار اسلامية أخرى من تراثها ومن ثم تحاول الباسها لباس أيديولوجيتها القومية ومن ثم تقوم بالتحشيد لها لتوظيفها ضد المخالفين لها على المستوى الداخلي والخارجي.
وهذه الالية تعبيرعن منهجية راسخة لدى كل الحركات الاسلامية مع اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم الطائفية اوالقومية ، بل هي بالاساس ذات ابعاد قومية مغلفة بالدين، ولا تؤمن سوى باستعمال العنف ضد بعضها البعض وضد الشعوب الاخرى المسلمة مالم تؤمن بايديولوجيتها وذلك بعد اعطاء الشرعية لنفسها للتكلم باسم الله عبر ادعائاتها بامتلاكها للحق والحقيقة المطلقة التي يتوجب على الجميع اطاعتهم عليها، وحينها يتحول العنف ضد المخالف الى جهاد بعد ان يلبس لباس القداسة يمارسه اتباعها كعبادة وقربان إلى الله.
وهذا ما نلاحظه اليوم عبر الحشد الديني الذي يمارسه السياسي والخطيب في تركيا ومن على المنابر ضد الشعب الكوردي في عفرين، ونفس المنهجية رايناه من غلات الشيعة في العراق ابان حكومة المالكي وكان على راسهم الزعيم الديني جلال الدين الصغير الذي دعى عبر تسويق احاديث ملفقة عن الرسول وفسرها ليتلائم مع مقاس المالكي في محاربة الكورد والذي صوره الصغير بانه سيعجل مجيء المهدي المنتظر، وهذا مالمسناه ايضا من ايران في كركوك اخيرا بعد احداث الاستفتاء، وهي نفس الفلسفة التي برر بها شيوخ الوهابية في الخليج حملات الانفال والكيمياوي الذي تعرض له الشعب الكوردي على ايدي النظام العراقي البائد.
ان مانراه من الحكومات والحركات والشخصيات الدينية في المنطقة الاسلامية من اظهارهم لجانب اللين والتعاطف مع حقوق الكورد وامام مآسيهم بين فينة واخرى، فانها لاتخرج عن كونها نفاقا سياسا ظرفيا تقتضيها تلاقي المصالح اوتقاطع المواقف امام امور معينة تقتضي الاقدام على تلك الخطوة او تفرضها حالة الحاجة اوالضعف من قبل بعض هذه التوجهات ماتلبث ان تتراجع عنها بمجرد وصولها الى حالة من التمكين. فلايوجد من بين أي الايديولوجيات الاسلامية من يؤمن بثبات الحقوق السياسة للشعب الكوردي او بوجود شرعية لها خارج اطار او سيطرة ايديولوجيتها باي شكل من الاشكال، فالكوردي الذي لايلتزم برؤية هذه الايديولوجيات حول الدين والسياسة على اراضيهم المحتلة من قبل هذه الدول يدخل في دائرة التكفير ويستحق القتل والابادة او السجن او النفي من الارض.
وهكذا يتحول العنف ضد الكورد من قبل هؤلاء الى ركيزة اساسية في منهجيتهم الاسلامية السياسية اتجاه الطموح الكوردي، خاصة بعد ان تحول هذا العنف الى عنف مقدس ترتديه اصحابها خلف شعارات ونصوص دينية تنادي بالجهاد من اجل ارضاء الله.
ان العنف الايديولوجي الديني الحالي الذي يتبناه الاسلام السياسي دمرت التوليفة المجتمعية في دولنا، ولافرق بين الفكرالسياسي الاسلامي الشيعي او السني، او بين المتشدد العنفي اوالمسالم ، اوبين الرسمي وغير الرسمي، او بين الذين هم في المعارضة او الذين هم في سدة الحكم، فالفاصل بينهم هو فاصل التمكين اوعامل الزمن فقط، لا نضوج الفكرة او موضوعيتها، فحين التمكين يصبح شمولية الاسلام عند هؤلاء معناها شمولية التنظيم والايديولوجية الحاكمة وغيرهم من المخالفين كلهم ليسوا سوى عملاء وكفرة.
وفي هكذا مجتمعات يصبح مشكلة التعايش السلمي وتقبل الاختلاف بين هذه الأنساق العقائدية هو ما يهدد الاستقرار المجتمعي في الدول الاسلامية ، لان هذه الافكار الايديولوجية تحولت إلى هويات مركزية تتمركز حول نفسها لا تجعلها ترى نسقاً صحيحاً وصالحاً غيرها.
وعندما تاخذ مبدأ الهوية الوطنية له أساساً ايديولوجيا دينيا تنطلق منها داخل أي وطن اسلامي ، حينها يتحول الايديولوجية ومعاييرها ليصبح مكوناً أوّلياً للهوية قبل هوية المواطنة والدولة، وبين ثلاثية (الهوية الدين، والهوية المواطن،الهوية القومية)، يكون الإمساك بالدين المغلف بالقومية او القومية المغلفة بالدين، أي الهوية(القومسلاموية) وتبنّيها كسلطة وكمركز لجميع الهويات هو الارجح عند الدعوة الى الدولة الوطنية او دولة المواطنة.
وفي هكذا مجتمعات لاتستطيع الهويات الاخرى كالكوردية ان تحافظ على خصوصيتها او استقرارها السياسي والنفسي والاجتماعي اوان تستطيع العيش في تلك الدول دون الذوبان في هوياتها، اوان تنعم بحقوق المواطنة في هكذا اوطان تفرض عليها الهويات القومسلاموية من قبل الطغم الحاكمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حلم الدوله المستقل مؤجل ولكنه قريب المنال
ابو علي النجفي ( 2018 / 2 / 24 - 22:44 )
سلاطين بني عثمان وفي أوج عظمتهم وجبروتهم وكذا الامر مع شاهات الصفويين والساسانيين ومن تلاهم من الحكام والطغاة لم يستطيعوا ان ينالوا من الشعب الكردي ولن يكسروا ارادته او يثنوا من عزيمته لانه ببساطة شعب ذو بأس وشكيمه صحيح ان الارادات الدوليه والضروف الاقليميه وزعت اقليمه وقسمته كأمتدادات لدول الاقليم لكن الامر لن يدوم طويلا ... مشروع الدوله المستقله حاضر في وجدان كل كردي وربما في الافق المنظور يتحقق ذلك الحلم المؤجل

اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال