الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمة في حق حذائي (قصة قصيرة)

عبد الخالق الكرويطي

2018 / 3 / 2
الادب والفن


وأنا أتجول في الحاضرة الافتراضية، حتى تعثرت فأرتي بمنشورات شتى تنضح بأقوال أكبر من ناشريها عن الصداقة، أقوال لا أعلم أيعي ناشروها بما تضج به من تجارب وعواطف ومعارف، ليُخرجوا تلك العبارة أم لا، وبالصدفة أو لقدر-لا أعلم- أنصت بالتزامن مع حالة التجوال تلك، في عوالم اليوتوبية الغائرة حساباتها وقنواتها بالحس والفكر والجسد ... متجسدة كلاوعيي لبعض الذين يغنون عن الصداقة بإقحامها في كلامهم المثخن بالخيانة والغدر طلبا للمتابعة وربحا من جوجل أدسنس، تراكمت في حالة ملؤها الازدحام مجموعة من الذكريات عن شخوص كانت تربطني بهم علاقة صداقة ، خانهم الزمان، خانوني، أم خنتهم، لا أعلم.
الصداقة، ما هي بعيدا عن التفلسف اللذيذ، والمفاهيم العلمية التي تفسد علي هذه البهجة الافتراضية غير قيمة. نعم قيمة، لا يهني إن كانت تشييئا أو ذات مساق مادي، لا يهمني أبدا، ما يهمني هو قيمتي وأنا بخلدك، فقط، أأنا حلي ذهبية أو سيارة فيراري؟ أم خبز جاف مطروح في طريقك تقبلني لأنه يتوجب عليك تقبيله انسجاما مع الوضع العام، ثم تضعه في مكان ما وتتركه في مكان آخر على بعيد خطوات قليلة دونما قيمة، أم لعبة بلاستيكية في يد صبي يحبها أولا، ويستفيد بها لعبا لأنها ماتزال ذات قيمة، ثم تُهشم وتبعثر أحشاؤها الداخلية محور ميكانيكيتها، لأن قيمتها زالت بظهور لعبة أخرى ذات قيمة أعلى وفائدة أخرى تنسجم وفضول الصبي.
كان صديق وأخوه مقربين لي، يلقبانني ب(بوصباط) لأني كنت مغرما بحذاء جلدي ذو نعل مطاطي، هذا الحذاء صمد لما ينيف عن الأربع سنوات رغم أني تخليت عنه بمجرد اقتنائي حذاء آخر، إلا أنه بقي لصيقا بي،ثلاثون درهما كانت ثمنه، قبلني وقبلته صديقا، أتذكر أني كنت أشتري شيئا من الليمون (الحامض) لأدهنه به ليستعيد بريقه ولمعانه الذي لم يكن يتمتع به أصلا، شاركني المحاضرات والندوات وحتى النقاشات، شاركني المواجهات التي كانت تدور بين أطياف المكونات والفصائل، لم يتخل عني لكني تخليت عنه لأنني مللته عندما تركت والدتي ترميه في (الطارو دالزبل)، لكني وعلى الرغم من ذلك لازلت أعترف بجميله، صمد معي أكثر مما يمكن أن تصمده عشيقة، أو مايمكن أن أقول عنه صديق.
أنا شخصيا أشبه من تربطني بهم علاقة اجتماعية بالحذاء، بل الحذاء كان نعم الصديق فيهم وخير دليل أني لازلت أتذكره وأتذكر طرائفي الكثيرة معه (انتقدوا ما شئتم فلو كنتم تعلمون فائدة الأشياء التي تبدو تافهة لأغلبكم في ظاهرها لعدلتم عن آرائكم ولقلبتم تصوراتكم رأسا عل عقب، فالعرب قديما كانت تسمي أبناءها حمارا وجحشا وكلبا و... لأنهم كان متيقنين بما فيها من خصال محمودة تحسد عليها تلك الكائنات، حتى أنه سئل أحدهم عن سر هذا الأمر الذي استكنه غرابته فكان الجواب أنها تسمي ذلك للأعداء والأغراب، أما العبيد فتسمى بأجمل الأسماء لأنها تخصهم فيستوحشون أن دعوتهم بأسماء وألقاب ترهبهم وهم في عز الرخاء، كذالك الصديق فوجب مرافقة من ينبهك لعيبك، لئلا يشمت بك الأغيار وهو من لا تستحمل مجالسته لأنه يفسد عليك متعتك الحسية أو يتدخل فيما أنت مقبل عليه... ) ونعم القول المأثور عند العرب "من يكن حذاء تجد نعلاه"، امتداد تاريخي لاربعين ألف عام، ولا شكوى، أن تمتطي رجلاك تاريخا دونما تكبر أو امتعاظ منك فتيك هي الصداقة الحقة. ككتاب هو حينما قال فيه الجاحظ "ولا أعلَمُ جاراً أبرَّ، ولا خَليطاً أنصفَ، ولا رفيقاً أطوعَ، ولا معلِّماً أخضعَ، ولا صاحباً أظهرَ كفايةً، ولا أقلَّ جِنَايَةً، ولا أقلَّ إمْلالاً وإبراماً، ولا أحفَلَ أخلاقاً، ولا أقلَّ خِلافاً وإجراماً، ولا أقلَّ غِيبةً، ولا أبعدَ من عَضِيهة، ولا أكثرَ أعجوبةً وتصرُّفاً، ولا أقلَّ تصلُّفاً وتكلُّفاً، ولا أبعَدَ مِن مِراءٍ، ولا أتْرَك لشَغَب، ولا أزهَدَ في جدالٍ، ولا أكفَّ عن قتالٍ" وهنا أستوقف الجاحظ وأقول إلا حِذَاءً.
حفزتني هذه الخربشة في أن أقرأ عن الحذاء ولو منشورات ومقالات تؤرخ له أو تحكي طرفا أو أحداث سياسية، أو أشعار، أو خواطر، أو قصصا قصيرة، نعم، لاحظتم هذا الكم من الكتابات حول ماذا؟ حول حذاء، توقف عن الكتابة وتوجهت نحو تلك الصفحات فتحتها واحدة تلو أخرى وجدت أن للحذاء تاريخا مهملا، كما الأرداف (لا، لقد وجدت للأرداف تاريخا، بحث أكاديمي اسه موجز تاريخ الأرداف، لازلت أقرأه حاليا) ولكن ليس للحذاء تاريخ، ولن يفهم قيمته إلا الفلاسفة و المجانين، لكن المجانين أسبق لفهم قيمته (المجانين في تمثلاتكم طبعا- بدأت ألتهم المقالات عن فان غوخ الذي أولى أهمية كبرا في انطباعياته للقبقاب والأحذية الجلدية والتي عبر فيها عن وضع عمال المناجم)
قرأت عن الحذاء الذي صفع به بوش، وقرأت عن أحذية أحلام مستغانمي، قرأت عن حذاء الطنبوري الذي لزمه وكان له أوفى صديق على الرغم من تنصل الطنبوري لما جلبه عليه من مصائب وآفات أتت على أملاكه، لكن المستفاد أن حذاء الطنبوري قد نبه الطنبوري نفسه لعيبه وهو بخله الشديد.
نعم الحذاء أنت. أشكرك، وها أنا ذا أمدحك وأرثيك في نفس الوقت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع