الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي الوطني كعائق للوعي الطبقي / الاجتماعي ( 9 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يلعب الوعي الوطني في فترة من التاريخ الذي يمر به ومنه شعب او كيان ، دورا في إعاقة بروز وعي طبقي / اجتماعي ثوري . ذلك ان التناقض الأساسي بين الوعي الوطني الذي يعطل ويرجئ الوعي التناقضي لفرز الأداة الثورية لبناء الدولة الديمقراطية ، وليس دولة الاسياد والعائلات ، دولة الشعب لا دولة الرعايا ، يصبح باهتا ان لم نقل معطلا لأي تحول يجعل من اية عملية سياسية مرتبطة أصلا بمصالح الشعب .
ان الوعي الوطني ينطلق من " الذات الوطنية " ، ويستهدف اثباتها في مواجهة " الآخر " الذي يسعى الى نفي " الذات " وتدمير مقوماتها ، في حين ان النضال الوطني يرمي الى فرض الكيان / الوجود الوطني على المحتل / المغتصب / الكلونيال .
ولئن كان النضال الوطني محررا وتحرريا ، من حيث انه يشكل خطوة هامة على طريق الانعتاق من ابشع اشكال الاستغلال / الاضطهاد ذي الصبغة الوطنية او القومية ، فإنه يحمل في طياته جانبا استيلابي لكونه يخفي كل اشكال الاستغلال / الاضطهاد ذات المصدر " الوطني " .
والعبرة هنا بالتجارب ، بل كل التجارب التي عرفتها الشعوب المستعمرة ، والتي لم يؤد استقلالها السياسي الى تحررها الاجتماعي ، بل بقيت فوائد / عائدات عهد ( الاستقلال ) محصورة في طبقات / فئات برجوازية هجينة ، ومتسخة قديمة ، او جديدة ، " ليبرالية عقيمة " او " اشتراكية مزورة " ، ضدا على مصالح أوسع الفئات الشعبية القاعدية التي فرضت لوحدها ودون غيرها ، بتضحياتها ، جلاء الاستعمار الذي خرج من النافدة ورجع من الباب الكبير .
وما يهمنا هنا ، هو معرفة كيف يؤدي النضال الوطني الى عرقلة بروز وتبلور وعي الطبقات / الفئات المسودة والمستغَلة ، وكيف تستفيد الطبقات السائدة من مسلسل هذا النضال الذي يقبر الصراع الطبقي / الاجتماعي لتوظيفه باتجاه تعتيم الوعي الشعبي الجماهيري لدا الطبقات / الفئات المسودة التي غالبا ما تكون خاضعة لهيمنتها الأيديولوجية ، والسياسية ، والتنظيمية خلال مرحلة النضال الوطني .
ان النضال الوطني عندما ينطلق من اعتبار ان العدو / التناقض الأساسي والرئيسي ، يجسده الأجنبي المحتل ( نظرية المؤامرة المعشعشة في العقلية العربية المتكلسة ) ، يفرض بذات الوقت تعبئة طبقات الشعب الخاضع للكلونيال ، من اجل هذا التناقض الذي يكتسي صبغة الأولوية ، أي دحر الكلونيال ، الامر الذي يستلزم اخضاع كل التناقضات الاجتماعية / الطبقية للقضية الأولى ، قضية الاستقلال من السيطرة الأجنبية . ان هذه المعادلة المؤامرة المُبيّتة و المقصودة بعناية ، تؤدي الى إخفاء مجمل التناقضات / الخلافات القائمة في صفوف الشعب ككيان تاريخي رافض لكل اشكال الوصاية والعبودية ، والتأكيد على عناصر الوحدة بين مختلف مكونات الجماهير الشعبية ، أي ابراز " وحدة الامة " في مواجهة " مؤامرات الخارج " و " وحدة مصالح " كل فئات / طبقات الشعب .....لخ
وبهذه المؤامرة المحبوكة بكل عناية ، يتم طمس ، بل وحتى قمع كل اشكال الوعي الغير الوطني ، القبلية الإقليمية ... وبشكل خاص الوعي الطبقي لدى الطبقات الشعبية باعتباره وعيا " أنانياً " ضيقا يتنافى مع مصلحة الامة / الوطن ، ويعرقل مسلسل النضال الوطني . وهنا فان تهمة الخيانة تكون جاهزة لإقبار كل وعي ثوري معارض ملتصق بالشعب والجماهير .
وتنصب كل الممارسات السياسية ، والأيديولوجية ، والاجتماعية ، والتنظيمية عامة ، على " توحيد " الصف الوطني ، ونبذ كل عوامل التفرقة ( والوعي الطبقي من بين هذا المنظور ) التي تُحارب وتُصنف على انها من تدبير قوى " الردة " و " الاستعمار " ، وكفى .
ولئن كان البعض ( ماو مثلا ) قد اعتبر ان النضال الوطني شكل من اشكال النضال الطبقي ، الامر الذي قد يوحي بان الوعي شكل من اشكال " وجود " الوعي الطبقي ليس الاّ ، فإن واقع النضال الوطني ، وحقيقة ممارسات ( الحركات الوطنية ) ، ومن ضمنها ( الحركة الوطنية ) ببلادنا ، تُبرز واقع التعارض والتناقض بين هذين الشكلين من الوعي : الوعي الوطني الزائف المتآمر ، والوعي الطبقي / الاجتماعي الجماهيري الشعبي ، بحيث يحمل كل منهما مضامين اجتماعية ( طبقية في آخر التحليل ) مُعينة ، ويرمي الى تحقيق انتصار مصالح طبقية او فئوية محددة على أخرى نقيضتها . وفضلا عن ذلك ان الوعي الوطني ، ومستلزمات النضال الوطني عموما ، وفي ظل قيادة برجوازية ميركانتيلية متهافتة وجائعة، او البرجوازية الصغيرة بشكل خاص ، لا تؤدي الى إعاقة بروز وتبلور وعي الطبقات الكادحة بمصالحها فقط ، بل يفترض محاربة كل تجليات هذا الوعي بمختلف الوسائل بما فيها القمع البوليسي والدولتي .
1 ) حزب الاستقلال . منذ اصدار الظهير الفرنسي المشؤوم المسمى ب ( الظهير البربري ) في سنة 1930 ( لا اعرف لماذا تمت تسميته بالظهير البربري ، والحال كان من الأنسب ان يسمى بالظهير الفرنسي ، لأن فرنسا هي من أصدرته باسم البربر لتثبيت التفرقة الاثنية وسط الشعب ، تمهيدا لتقسيم المغرب وتقسيم وحدة الشعب . لكن فرنسا ستصاب بالخيبة حين انبرى البربر في مقدمة المدافعين عن الوحدة ، والرافضين لكل تآمر يخدم مصالح الاستعمار ) ، والذي استهدف تفتيت وحدة وكيان الشعب المغربي على أسس عرقية واثنية ، والحركة تؤكد على وحدة " الامة المغربية " ، لمواجهة المحاولات التقسيمية ، والحملات التبشيرية للاستعمار ، للحد من تسْعير النعرات القبلية التي يذكيها الاستعمار وأذنابه ، والرامية الى استعداء القبائل " البربرية " ضد الحركة الوطنية " العرب " .
وان ميلاد حزب الاستقلال لن يسجل أي تحول هام على صعيد الخطاب الأيديولوجي للحركة الوطنية ألْما قبل استقلالية ، ولم يشكل قطيعة مع فكر هذه الحركة على صعيد المنظور للشعب . ذلك ان الحزب سيستمر في التأكيد منذ انطلاقته على ان " المغرب سيشكل وحدة منسجمة " ، وسيطالب بضمان حقوق " كل عناصر وكل طبقات المجتمع المغربي " ، و ( الطبقات هنا لا تحمل دلالة سوسيولوجية ، وانما العبارة مجرد تصنيف ) .
ستتسم دعاية حزب الاستقلال وتحريضه بالتأكيد المتكرر على وحدة " الامة المغربية " ، وطبيعة العلاقات " الأخوية " التي تربط بين افرادها ، باعتبار وحدة " الدين " ، ووحدة " المصالح " ، والمصير " المشترك " . اما الطبقات والصراع الطبقي / الاجتماعي / الشعبي الجماهيري ، فلا وجود لهما في اطارر " الامة المغربية " ، وهي من قبيل الفكر الدخيل / المستورد ليس إلاّ ، بُغْية طمس التناقض الاساسي في جسم المجتمع المغربي ، وبغية النجاح في استمرار نفس الوضع الذي تحتكر فيه كل مفاصل الدولة جماعة آل الفاسي.
وقد عمل عراب آل الفاسي ، علال الفاسي في بعض كتاباته ( سنرجع لها في دراسة مستفيضة ريثما تنتهي هذه الحلقات ) ، على دحض فكرة الصراع الطبقي / الاجتماعي ، في حين كرس النازي عبدالخالق الطريس بعض مقالاته لنفس الغرض ، وكان هذا الأخير يرى ان الصراع الطبقي / الاجتماعي ، يساوي الشيوعية ، ودعا الى انتشال الطبقة العاملة المغربية من " براتين الشيوعية " .. لخ .
وعلى امتداد النضال الوطني من اجل الاستقلال ، اعتبر حزب الاستقلال ان المهمة المركزية ، هي توحيد كل عناصر وفئات " الامة المغربية " ، تحت هيمنته ، وسلطته ، وتوجيهه ، من اجل تحقيق الهدف المعلن ( المغرب لنا لا لغيرنا ) ، وعمليا باستبدال سيطرة الكلونيال بسيطرة الحزب ، أي دكتاتورية البرجوازية الميركانتيلية المحافظة . فسعى بذلك علال الفاسي ومن خلاله الحزب ، الى إخفاء كل التناقضات / الخلافات الموجودة في صلب " الامة " ، مركزا على جانب التضامن / التعاضد بين مكوناتها المختلفة ، دون ان يكون مفهوم " الاحسان " / الصدقة غائبا في خطاباته ، أي تمرين الشعب على التواكل وطلب الصدقة ، لقتل اية روح ثورية فيه .
شكل حزب الاستقلال الطرف المهيمن في الحركة الوطنية ، وقد ركز وعبّر عن " طموح الشعب المغربي " في الاستقلال ، والتخلص من الاستعمار ، وعن رغبة البرجوازية في السيادة الاجتماعية . فكانت لإيديولوجية السلفية / الدينية التي ترفع التناقض مع الكلونيال الى مستوى الصراع الحضاري / الديني بين الإسلام والنصرانية ، تساعد على إخفاء / طمس التناقضات في صفوف " الامة " بالمَسْحة الدينية البارزة التي تكتسيها هذه الأيديولوجية الماكارتية الكارثية .
وباختصار كانت مجمل ممارسات / خطابات الحزب في هذه المرحلة تساهم ، وبأشكال شتى ، في تشويه وتعتيم الوعي الطبقي / الاجتماعي للفئات الكادحة ، وبتركيزه على الوعي الوطني ، يُبْقي الحزب هذه الفئات / الطبقات تحت الهيمنة الأيديولوجية ، والسياسية ، والتنظيمية للحزب ، أي تحت دكتاتورية البرجوازية الميركانتيلية المحافظة في آخر المطاف . فالمخطط كان هو تثبيت آل الفاسي في كل مفاصل الدولة ، واحتكارها لصالحهم امام استعباد وإذلال الشعب .
وبعد اعلان الاستقلال السياسي لبلادنا ، تمادى حزب الاستقلال في بلورة الخطاب الأيديولوجي / السياسي القديم ( الوطني ) ، موظفا إيّاه لضمان هيمنته على المجتمع المستقل حديثا وعلى الدولة . ولِكوْن الحزب يعتبر نفسه المعبر الشرعي والوحيد عن مطامح الشعب ، طالب منذ مؤتمر دجنبر 1955 بتشكيل " حكومة منسجمة " بقيادته تعكس هذه الحقيقة : تمثيل الحزب للشعب بكامله .
وفي اطار نضاله من اجل إعطاء مضمون اجتماعي للاستقلال ، حارب الحزب بشدة ، كل الاتجاهات المعارضة ، واعتبرها عمالة للاستعمار ، وحنينا للماضي ليس إلاّ . (وفي قوله هذا بعض الحقيقة فيما يخص القوى السياسية الرجعية) .
لقد كان انشقاق 1959 (الجامعات الاستقلالية) ، وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، ضربة قاسية بالنسبة لحزب الاستقلال ، وإيذانا باستحالة تحقيق أحلامه الهيْمنية على صعيد المجتمع والدولة . بيد ان هذا الحدث الهام في تاريخ الحزب ، والذي ترك بصماته على مجمل هياكل وسياسة وتوجهات الحزب ، لم يؤد عمليا الى احداث تغيير جوهري في بنية الفكر الأيديولوجي السلفي / الوطني للحزب . بل استمر الحزب في ادعاء تمثيل مصالح كل الشعب ، بالرغم من توجهاته الطبقية الواضحة ، فصعّد من حملته ضد دعاة " التفرقة " ، وضد كل الذين يسعون الى " تفتيت " وحدة " الامة المغربية " ( والمعنى هنا هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ) .
لقد اعتبر علال الفاسي عراب آل الفاسي ، ان المغرب لا يحتاج الى تعبيرات واتجاهات سياسية مختلفة ومتضاربة ، ما دامت مصالح الشعب واحدة ...لخ ، ولم يتحدث الحزب عن " المستغِلين " و " الاقطاعيين " إلاّ من باب المزايدة مع الحزب الجديد ( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ) ، واتهامه بالإقطاعية ......لخ وبقي التركيز على " وحدة الامة " و " التضامن الوطني " .
ان خروج حزب الاستقلال من الحكومة ودخوله الى " المعارضة " ، لم يكن يعْني ، هو كذلك ، تغييرا جذريا على الصعيد الذي يعنينا . وكان اصدار " وثيقة التعادلية " سنة 1963 ، التي تلخص الاختيارات الأساسية للحزب على الصعيد الاقتصادي ، والسياسي ، والثقافي على ضوء المتغيرات التي عرفها المغرب منذ اعلان الاستقلال السياسي ، يعكس نفس التصور القديم على الصعيد الأيديولوجي ، أي تمسك الحزب بالفكر السلفي / الديني ( وقد سبق المؤتمر الخامس في سنة 1960 ان اكد هذا التمسك بوضوح اكبر ) .
وإذا كانت هذه الوثيقة تؤكد على مسألة تقدير العامل حق قدره ، وكذا قضية الاهتمام بالبوادي والجماهير القروية ، فإنها كانت تؤكد بشكل اكبر على " وحدة الشعب " وتساوي الفرص بالنسبة لمكوناته ، في نفس الوقت الذي التزمت فيه الصمت بصدد كل جوانب الاختلاف / التناقض بين الطبقات / فئات الشعب المستغَل من جهة والطبقات / الفئات السائدة والمستغِلة من جهة ثانية .. . وما كان لها ان تفعل غير ذلك ما دامت تترجم (أي الوثيقة) طموح البرجوازية الميركانتيلية ، الماكارتية ،الكارثية ، والبرجوازية الوسطى الى اقتسام " الغنيمة " مع البرجوازية الكمبرادورية النظام ، وباقي الطبقات السائدة .
وعلى العموم ، فان حزب الاستقلال قد سعى خلال مرحلة النضال الوطني الى حد ترسيخ وتعميم الوعي والأيديولوجية الوطنيين لدى الطبقات الشعبية ، التي كان يستمد منها قوته و " مصداقيته " ، من اجل توحيدها تحت قيادته وجلاء الكلونيال أولا . وبعد الاستقلال عمل الحزب على الإبقاء على نفس الأيديوولوجية والوعي الوطنيين لبسط هيمنته الاجتماعية وضمان سيادة مصالح الفئات / الطبقات الاجتماعية التي يمثلها ثانيا . وفي كلتا الحالتين كان حزب الاستقلال يسعى -- او يحاول ذلك – الهيمنة الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية للبرجوازية المتوسطة على الجماهير الشعبية من جهة ، ويعتم وعي هذه الأخيرة ، ويحول دون بروز / تبلور وعيها الطبقي / الاجتماعي وادراكها لمصالحها الحقيقية من جهة ثانية .
( يتبع).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة ترصد مخرجات اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي


.. غالانت: إسرائيل تتعامل مع عدد من البدائل كي يتمكن سكان الشما




.. صوتوا ضده واتهموه بالتجسس.. مشرعون أميركيون يحتفظون بحسابات


.. حصانة الرؤساء السابقين أمام المحكمة العليا الأميركية وترقب ك




.. انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض